افتتح الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد أول لقاءات «لقاء الأربعاء» الذي يقيمه صندوق التنمية الثقافية بمركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية. وتحدث في اللقاء الشاعر جمال القصاص، والناقد الأدبي دكتور يسري عبد الله، اللذان استعرضا السمات الإبداعية التي تتميز بها أعمال عبد المجيد الروائية والقصصية، وأسلوبه في بناء شخصيات أبطالها والتعامل مع المكان، والتعبير عن الواقع بتشابكاته وتعقيداته.
وتناول القصاص رواية إبراهيم عبد المجيد «الصياد واليمام»، مشيرا إلى أنها تعتبر الرواية المؤسسة لمشروعه الإبداعي «فالصياد» بطل الرواية والذي كان يعمل (قبانيا) بمصلحة السكة الحديد، كان يطارد الزمن من أجل أن يمسك بلحظة واحدة، هي لحظة سقوط اليمامة على الأرض. وقد انعكست هذه المطاردة وتحولت إلى مطاردة لذاته، وهذا هو البعد الفلسفي في شخصية الصياد. فعمله ودربته على القنص جعلاه حكيما في التعامل مع الواقع بخاصة حين عاندته بندقيته ولم يعد قادرا على الصيد، راح يضفر حكاياته عن زوجته الممسوسة بالجني، ببعدها الخرافي. مع حكايات أخرى يستمع إليها من أصدقاء عابرين بالمكان، منهم: الشرطي وبائعة كشك الشاي، والرجل العجوز الذي يستظل بشجرة التوت العريقة.
ثم تطرق القصاص عن المكان في أعمال عبد المجيد وتجلياته في فضاء رواياته، ذاكراً أن «الإسكندرية هي البؤرة المركزية والأساسية لديه، يستحضرها في أشد لحظاتها الدرامية، وهي تقف على حافة الزمن في لحظات الحروب والكوارث، وكأنها تعيد اختبار نفسها في مواجهة أزماتها والأهوال التي تتعرض لها، حيث تظل بمثابة المكان الذي يتصالح فيه البشر، جسدا وروحا، بالتوازي مع الذات الساردة، وهي على هذه الحال لا يمكن النظر إليها بوصفها فقط مجرد رحم للاحتواء أو سقف للعيش، وإنما بوصفها حياة قادرة على العطاء. وهكذا تكتسب إبداعات عبد المجيد المقدرة على أن تمنحك نفسها بشكل جديد مع كل قراءة لها».
من جهته، قال الدكتور يسري عبد الله إن كتابات عبد المجيد تستدعي على الفور عبارة تيودور أدورنو الأثيرة: «أن تحكي شيئا معناه أن تتوافر على شيء خاص لتقوله لنا». ويملك عبد المجيد في جعبته، حسب قول المحاضر، «كثيرا من الحكايات عن الإسكندرية وتحولاتها، الهزائم والإخفاقات، الأماني والهواجس، الأحلام الغاربة، والشغف الذي يصاحب أبطاله في ذروة انكسارهم. وهكذا تأتي الكتابة في إبداعاته مثل فضاء حر، يتجدد باستمرار، وفي إطار منهجي للتعاطي معها أسميه المنطق الديمقراطي للسرد. وهو جوهر الكتابة عنده وغايتها الأصيلة».
وخلص عبد الله إلى أن عبد المجيد «يعتمد البناء الأليجوري في التقسيمات الدالة على الواقع، وموازاتها رمزياً ودلالياً، وفي إطار اللعبة الفنية التي يخلقها في نصه، فيستعيد من روايته الشهيرة (هنا القاهرة)، الارتحال القلق داخل أجواء المدينة المغوية في السبعينات من القرن الماضي وهو يواجه السياقات المتشابكة والتحولات العاصفة». وقد أجاد، كقول يسري عبد الله، التعبير عنها جماليا في معظم نصوصه السردية، وتعد روايتا «الإسكندرية في غيمة» و«هنا القاهرة» نموذجين دالين في هذا السياق، ليشير إلى الحلم المقموع الذي يتم حصاره بل ووأده في نهاية الرواية.
وفي تعقيبه على مقاربات القصاص وعبد الله، قال المحتفى به إن هذه المقاربات جعلته يكتشف أشياء لم تكن في باله، ومن بينها أن الحرب تحتل بالفعل جزءا كبيرا من أعماله، وذكر أنه كتب روايته «الصياد واليمام» في الثمانينات من القرن الماضي، وقد أعطاها لأكثر من ناشر، لكنه كان يستعيدها في كل مرة، حتى التقى بالشاعر الفلسطيني محمود درويش عام 84، وأخبره أنه كتب رواية ويريد نشرها بمجلة «الكرمل»، لكن درويش أخبره أنه لم ينشر رواية كاملة قط فيها، وقد فوجئ عبد المجيد بعد شهرين من هذا اللقاء بأن درويش نشرها في 70 صفحة.
وقال عبد المجيد: «إن كثيرا من الأماكن التي دارت فيها أحداث رواياتي في الإسكندرية لم تعد موجودة، فقد تمت إزالتها، وقد رأيت فيها كثيرا من الشخصيات التي استوحيتها في رواياتي، ولولا هؤلاء الناس ما صرت كاتبا؛ فالأفكار والحكايات كثيرة، ومطروحة في الطرقات، هكذا تبدأ القصة عندي، ثم تسعى هي بشخصياتها وأحداثها في بناء نفسها، لكنني أكتب عما رأيته أو سمعته، أو عاصرته أمامي ونسيته، من هنا تشكل القصة من أول كلمة نفسها بعيدا عني. أما البناء الفني والشخصيات والمكان الذي يتحركون فيه فهي مهمتي، فأنا الذي ينظم حركة الشخصيات، وحواراتها، حيث أجعل الفلسفة مستبطنة في أحاديثها التي تعبر بالطبع عن كل منها وعن البيئة التي جاءت منها».
عبد المجيد يفتتح «لقاء الأربعاء» بدار الأوبرا المصرية
ندوة عن منجزه الروائي والقصصي
عبد المجيد يفتتح «لقاء الأربعاء» بدار الأوبرا المصرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة