قبل 46 سنة وتحديداً في يناير (كانون الثاني) عام 1977، خرج متظاهرون مصريون في تحرك نادر آنذاك احتجاجاً على زيادة أسعار بعض السلع في خضم مسار لتحرير الأسعار عُرف حينها بـ«سياسة الانفتاح الاقتصادي». غير أن بنداً واحداً مهماً ظل اسمه لصيقاً بتلك الأحداث التي باتت تعرف في الأدبيات السياسية المصرية بـ«انتفاضة الخبز».
ومجدداً وبالتزامن مع ذكرى تلك الأحداث عاد رغيف الخبز مادة للحديث في أوساط شعبية وحكومية، إذ أكد مجلس الوزراء على «تثبيت سعر الخبر المدعم» مقابل «5 قروش (الجنيه 100 قرش، والدولار يساوى 29.7 جنيه في المتوسط)»، وذلك في خضم أزمة غلاء متصاعدة في البلاد، وبعد نحو عام تقريباً من إعلان الحكومة نفسها عن بدء دراسات لتحريك سعر رغيف الخبز.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس «مجلس الوزراء» المصري إن «الرقم الذي وضعته الدولة لبند دعم القمح كان في حدود 38 مليار جنيه، وهذا الرقم سينتهي هذا العام وقد وصل إلى 95 مليار جنيه، كدعم لبند القمح»، موضحاً في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء أن «هذه الأرقام تكشف جهود الدولة لتوفير هذه المخصصات، دون الاقتراب من سعر رغيف الخبز، حيث تحاول حمل هذا العبء على عاتقها، إدراكاً للظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم».
وتنتج مصر 93 مليار رغيف خبز سنوياً وفقاً لتصريحات الدكتور علي المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية، الذي قال إن «تكلفة الرغيف الواحد نحو 85 قرشاً، ويحصل عليه المواطن بسعر 5 قروش»، ويبلغ عدد المصريين حاملي بطاقات التموين الذين يستفيدون من الخبز المعد نحو 71 مليون مواطن وفق إحصائيات وزارة التموين.
وأثارت مسألة تسعير رغيف الخبز اهتماماً كبيراً في البلاد التي يقع نحو ثلث سكانها «تحت خط الفقر»، بحسب إحصاءات رسمية. ودخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على خط الاشتباك بشأن تسعير الخبز، وقال في أغسطس (آب) 2021 إنه «حان الوقت لرفع ثمن الرغيف، ومن غير المعقول أن يكون ثمن 20 رغيفاً معادلاً لثمن سيجارة».
لكن الدعوة التي أثارها السيسي بإعادة تسعير الخبز لم تتخذ مساراً تنفيذياً منذ ذلك الحين، وأعقبتها الحكومة بالإعلان عن خطة لدراسة سيناريوهات التحريك، ثم جاءت الحرب الروسية - الأوكرانية التي أثرت على واردات البلاد من الأقماح بشكل كبير.
وجاءت التطمينات الحكومية بشأن تثبيت سعر الرغيف مكثفة وعلى لسان أكثر من مسؤول، ومنهم الدكتور إبراهيم عشماوي مساعد أول وزير التموين الذي قال في تصريحات تلفزيونية مساء الأربعاء إنه «ليس هناك أي تحريك في سعر الرغيف في هذا الوقت»، موضحاً أن «الدولة تدعم منظومة الخبز بـ90 مليار جنيه بينما سيرتفع الدعم في الموازنة الجديدة ليتجاوز 400 مليار جنيه، فيما يصل دعم المنظومة التموينية إلى 150 مليار جنيه سنوياً».
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس لـ«الشرق الأوسط» إن «التأكيد الحكومي بالإبقاء (مؤقتاً) على سعر رغيف الخبز المدعم، وما يثيره من جدل، لا ينفي وجود اتجاه معلن من قبل المسؤولين بشأن ذلك».
وشرح النحاس أن «مصر وفق اتفاقها مع (صندوق النقد الدولي) ستنتهج بشكل أكبر سياسات أكثر تخففاً من الدعم للسلع، وبدا ذلك واضحاً في البيان الأخير للصندوق الذي تحدث عن (دعم الوقود)، وأن مسألة دعم الخبز ربما تأتي لاحقاً على المسار نفسه عبر الاتجاه للدعم النقدي»، وفق توقعات الخبير الاقتصادي.
وزاد سعر الخبز لأول مرة منذ سنوات طويلة عام 1968، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر من 5 مليمات إلى قرش واحد، وظل سعره ثابتاً لنحو 16 عاماً، بعد فشل محاولة زيادته عام 1977 في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، واندلاع انتفاضة الخبز، وفي عام 1984، زاد سعر الرغيف إلى قرشين، وظل السعر ثابتاً لمدة 3 سنوات، حتى زاد سعره إلى 5 قروش عام 1988، وهو السعر الساري منذ ذلك الحين.
رغيف المصريين المُدعم... حائر بين التحريك والتثبيت
الحكومة أكدت الإبقاء على سعره بعد تلويح ودراسة لزيادته
رغيف المصريين المُدعم... حائر بين التحريك والتثبيت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة