أقلمة المرويات التراثية العربية

«علم السرد ما بعد الكلاسيكي» لنادية هناوي

أقلمة المرويات التراثية العربية
TT
20

أقلمة المرويات التراثية العربية

أقلمة المرويات التراثية العربية

للسرد العربي القديم خصائص موضوعية وفنية يعدها الباحثون تأسيسية أنتجت تقاليد قارة ومتحولة. ورغم ذلك، فإن أغلب الدارسين الغربيين المعنيين بالسرديات ما بعد الكلاسيكية والمهتمين بالتنظير لها يهملون التمثيل بهذا السرد. هذا ما تراه الباحثة نادية هناوي، من خلال دراساتها لعلم ما زال جديداً على نقدنا العربي، هو «علم السرد ما بعد الكلاسيكي»، قائلة إنهم «إذا أرادوا أن يمثّلوا على السرد ما بعد الكلاسيكي فلا يمثلون سوى بسرديات العصور الوسطى، مثل (الديكاميرون) لبوكاشيو، و(دون كيشوت) لسرفانتس التي أخذت تقاليدها أصلاً من سردنا القديم. وكثيراً ما يمثلون بروايات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وقد يمثلون بمرويات من الأدبين الإغريقي والروماني».
ولقد أنجزت هناوي من مشروعها هذا كتابين مستقلين؛ الأول تخصص في دراسة علم السرد غير الطبيعي، والثاني تخصص في نظرية السرد غير الواقعي. ثم جاء الجزء الثالث من كتابها الموسوم «علم السرد ما بعد الكلاسيكي»، الصادر مؤخراً عن «مؤسسة أبجد للترجمة والنشر». وفيه وضعت المؤلفة تصوراتها النظرية لمفاهيم «الأقلمة السردية»، وتطبيقاتها التي خصصتها للمرويات التراثية العربية، مستعيدة دراسة السرد القديم وفق مستجدات علم السرد ما بعد الكلاسيكي، وبأطر ومفاهيم علم السرد الطبيعي، كالمحاكاة واللامحاكاة، والخيالية والتلقي والتمثيل وغيرها.
ومما سعت إليه المؤلفة في هذا الصدد هو التفسير النظري لدور العقل في ابتداع السرد، والتمثيل على هذا الدور العقلي بمرويات عربية أدبية وتاريخية وجغرافية وشعبية، مع رصد ما في هذه المرويات من تقاليد سردية.
وبدأت هناوي دراستها هذه للمرويات التراثية من القص الخرافي الذي ناله (كما تقول المؤلفة) إهمال من لدن الباحثين الذين رأوه بدائياً، بينما هو يحوي طاقات تخييلية امتلكها إنسان العصور الغابرة، ومنها نشأ الفهم الميتافيزيقي للحياة. وهي ترى أن الحكاية الخرافية استحوذت على جانب كبير من السرد العربي القديم، وشكلت لوحدها عالماً له خصائصه وانعكاساته، واستطاعت أن تسمو بالسرد؛ سواء في نطاقه الشعبي الضيق أو في نطاقه الرسمي العام. وتقول الباحثة إنه بتقدم العصور تشذبت الطاقة الحكائية، وصارت للحكاء حدود في التخييل، ثم زادت عملية تدوين السرد في تلك الحدود، حتى غدت قواعد هي بمثابة تقاليد قولية، وصار للتخييل بمرور الزمان تقاليد؛ فتحول من صورته الحكائية إلى صورة نثرية قصصية فيها الكتابة السردية ذات أعراف وقوانين. وصار الحكاء سارداً يروي ما يفترضه فكره التخييلي؛ من احتمالات يوازن فيها بين محاكاة المرئي الواقعي وغير المرئي التخييلي، من خلال لغة الإبداع الأدبي التي صارت لها هي الأخرى محددات تقليدية، بها يتميز النص السردي عن الشعري، ويفترق الأدبي عن الديني.
ومما درسته المؤلفة في هذا الجزء نماذج سردية كثيرة، بدءاً من الحكاية الخرافية السومرية، مروراً بملحمة جلجامش والمقامات وأخبار الجاحظ وحكاياته والمنامات والكرامات والرحلة والرسالة ونصوص تاريخية. واهتمت بتقعيد مفاهيم الأقلمة السردية عبر دراسة مرويات تراثية، منها كتاب «التيجان في ملوك حمير»، مبينة أن عملية جمع الشعر وتدوينه في القرن الأول هي التي رسخت تقاليده، بينما ترسخت لا واقعية السرد بالشفاهية بوصفها وسيلة أساسية لتلقي المرويات القصصية، ولزمن ليس بالقليل. وترى المؤلفة أن المفارقة كبيرة في ألا تكون لهذه المرويات - التي هي حافلة باللاواقعية - أهميتها عند منظّري علم السرد غير الطبيعي، فقصروا بحوثهم على كلاسيكيات السرد الغربي من العصور الوسطى وعصر النهضة حتى العصر الحديث، كما أن دارسي الأدب العربي استبعدوها أيضاً؛ فلم يهتموا باستعاراتها ومجازاتها، وأهملوا ما تحمله حكايات وقصص من تشارك تخييلي بين الحكاء والسارد، بل راحوا يعللون ويشرحون من أجل إثبات صدق الحكاء من عدمه، بوصفه يحاكي حياة الأشخاص والأزمنة والأمكنة محاكاة واقعية. وعن ذلك تقول المؤلفة إن «اللاواقعية هي التأسيس الجمالي الذي عليه قامت تقاليد السرد العربي وثبتت ثبوتاً فيه كثير من الثراء والتنوع والتغاير». وهكذا، كما تضيف، غدا الحكاء معلماً وحكيماً، و«أداته في ذلك كله الكلام». ومن وجهة نظرها، أهمل النقد الحداثي أو قلل من إبداعية توظيف اللاواقعية في السرد؛ فعدَّها طفولية، وأن العنصر غير الواقعي فيها بدائي انتهى زمانه وعفت عليه موضوعات السرد الواقعية. وترى المؤلفة أن د. نبيلة إبراهيم هي أكثر النقاد العرب تنبّهاً إلى قيمة ما في سردنا القديم من موضوعات غير معقولة جمع فيها الحكاء القديم بين البعدين الشعبي والرسمي، وتلاقت عنده الناحيتان الشكلية والمضمونية. ومن ثم توصلت إلى أن «الخرافية في السرد القديم نمط شعبي يتصل اتصالاً مباشراً بحياة الشعب وعقيدته في التعرف على الموضوعات غير المألوفة في السرد القديم غير الواقعي».
وغاية المؤلفة من استعادة التراث السردي القديم هي علمنته وتأطيره نظرياً؛ أولاً بدراسة التحولات التي مرّ بها السرد القديم وما بقي من موضوعاته وما زال منها. وثانياً بالوقوف على جذور هذا السرد الذي صنعت له تقاليده السردية الخاصة التي انتقلت إلى آداب الأمم الأخرى في العصور الوسطى وأثَّرت فيها، ومنها الأدب الأوروبي الذي اتخذ في عصر النهضة من هذه التقاليد قاعدة بنى عليها فن الرواية، وعدها جنساً سردياً جديداً.
جاء الكتاب في أربعمائة وأربع وعشرين صفحة متضمناً ثلاثة فصول، ومقدمة بعنوان «أصول السرد الفكرية».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر: ارتباك واتهامات في أول أيام تشغيل «تطوير منطقة الأهرامات»

باعة وخيّالة أمام هرم خفرع (الشرق الأوسط)
باعة وخيّالة أمام هرم خفرع (الشرق الأوسط)
TT
20

مصر: ارتباك واتهامات في أول أيام تشغيل «تطوير منطقة الأهرامات»

باعة وخيّالة أمام هرم خفرع (الشرق الأوسط)
باعة وخيّالة أمام هرم خفرع (الشرق الأوسط)

أثار الارتباك الذي شهدته منطقة أهرامات الجيزة في أول أيام تشغيل منظومة التطوير الجديدة بشكل تجريبي جدلاً واسعاً، وانتقادات واتهامات في مصر.

وتم تداول صور ومقاطع فيديو على نطاق واسع عبر «السوشيال ميديا» تظهر زحام السائحين داخل الحافلات الجديدة الخاصة بمنطقة الأهرامات، بالإضافة إلى قطع الخيّالة والجمّالة لطريق سير الحافلات؛ اعتراضاً على المنظومة الجديدة التي تقضي بإبعادهم عن خط سير الحافلات، وهو ما عدّه نجيب ساويرس رجل الأعمال ورئيس مجلس إدارة شركة «أوراسكوم بيراميدز للخدمات الترفيهية»، الشركة المشغلة لمنظومة التطوير الجديدة، «تجربة سيئة للغاية».

الخيالة لم يلتزموا بمنطقة التريض (الشرق الأوسط)
الخيالة لم يلتزموا بمنطقة التريض (الشرق الأوسط)

وأضاف ساويرس عبر حسابه على «إكس» أن «رفض الخيالة والجمالين الذهاب لمنطقة التريض، وتعطيل خط سير أتوبيسات السياحة، وتسبب روث الخيل والجمال في الروائح الكريهة يُسيء ويلوث أهم معلم أثري في العالم».

واتهمت شركته «أوراسكوم» عبر بيان لها الجهات المعنية بـ«التراجع عما تم الاتفاق عليه في مخطط التطوير».

ويستهدف مخطط التطوير تحويل المنطقة الأثرية التي تنتظر افتتاح المتحف المصري الكبير في يوليو (تموز) المقبل، إلى منطقة صديقة للبيئة، بتوفير حافلات كهربائية لنقل السياح من البوابة الجديدة على طريق الفيوم إلى محطات الزيارة المختلفة بالمجان، وتخصيص منطقة لأصحاب الخيول والجمال «منطقة التريض»، وذلك بعد الشكوى المتكررة من سوء معاملتهم للسائحين والزوار المحليين.

منطقة الأهرامات تعج بالسياح والخيالة يتمسكون بأماكنهم (الشرق الأوسط)
منطقة الأهرامات تعج بالسياح والخيالة يتمسكون بأماكنهم (الشرق الأوسط)

ورغم أن وزارة السياحة والآثار المصرية قد أكدت أن عملية التشغيل التجريبي شهدت انتظاماً ملموساً في اليوم الأول عدا الفترة التي شهدت تكدساً لبعض مجموعات السائحين، وإعاقة لحركة سير بعض الحافلات نتيجة لعدم التزام بعض الخيّالة والجمّالة بالمنطقة التي تم تخصيصها لهم للوقوف بها، فإن شركة «أوراسكوم» قالت في بيان لها إنه «بشكل مفاجئ ونزولاً على ضغط ورغبة أصحاب الدواب، تلقت الشركة تعليمات من المحافظة تقضي بتغيير المسار المتفق عليه منذ بداية المشروع، واقتراح حل مؤقت لاستخدام المسارات القديمة نفسها».

مدخل حضاري لمنطقة الأهرامات بعد تطبيق مشروع التطوير (الشرق الأوسط)
مدخل حضاري لمنطقة الأهرامات بعد تطبيق مشروع التطوير (الشرق الأوسط)

وأوضحت الشركة أنه «رغم التحذير من أن هذا التعديل قد يؤدي إلى خلل في التشغيل، فإنه حدث ما كنا نخشى منه، عندما قطع أصحاب الدواب الطريق من دون تدخل حاسم من الجهات الأمنية، مما أدى إلى تكرار ذلك في أكثر من موقع».

حلول عاجلة

وبعد الانتقادات التي وجهت إلى الجهات المعنية بسبب تكدس السائحين، وحدوث ارتباك لافت في أول أيام تشغيل المنظومة الجديدة، وجّه وزير السياحة والآثار بزيادة عدد حافلات نقل السائحين داخل المنطقة الأثرية، لا سيما أن الوزارة قد وافقت من قبل على أن تقوم شركة «أوراسكوم بيراميدز للخدمات الترفيهية» بتعزيز منظومة التنقل داخل المنطقة باستخدام حافلات ديزل حتى وصول باقي الحافلات الكهربائية المتفق عليها، مع استمرار السماح بدخول حافلات الرحلات السريعة للمنطقة الأثرية.

ممر خاص بالباعة بالقرب من منطقة أبو الهول (الشرق الأوسط)
ممر خاص بالباعة بالقرب من منطقة أبو الهول (الشرق الأوسط)

ورصدت «الشرق الأوسط»، الأربعاء، احتواء الارتباك في ثاني أيام تشغيل المنظومة الجديدة، بعدما تم السماح بدخول الأفواج السياحية التي يتجاوز عددها 35 سائحاً بحافلات الشركات السياحية إلى داخل المنطقة الأثرية، ما انعكس في سرعة السير داخل المنطقة، وتخفيف الإقبال على سيارات شركة «أوراسكوم» الكهربائية.

وثمّن المرشد السياحي نصر الخبيري، موافقة الوزارة على دخول حافلات الشركات السياحية إلى منطقة الأهرامات جنباً إلى جنب مع الحافلات الكهربائية الداخلية، مطالباً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن يمتد القرار إلى عربات الشركات السياحية الصغيرة، خصوصاً أن بعض السائحين لديهم أطفال، ويصعب صعودهم ونزولهم المتكرر من الحافلة، مشيراً إلى وفد تركي كان بصحبته.

كما أشاد المرشد السياحي إبراهيم حامد بإيجابيات مشروع تطوير الأهرامات، قائلاً عبر «فيسبوك»: «مدخل طريق الفيوم ممتاز وواسع، ويكفي أي أعداد من السيارات المتوقعة لزيارة الأهرامات، وعدد شبابيك التذاكر كاف جداً، وكذلك بوابات كشف المعادن، ومركز الزوار رائع، وإتاحة الخروج من جهة أبو الهول أمر ممتاز، لكن هناك حاجة لتوفير مكان انتظار للسيارات فيه».

وطالب بإقامة مظلات بأحجام مناسبة في منطقة خوفو وخفرع ومنقرع، خصوصاً مع دخول فصل الصيف حتى ولو كانت غير مكيفة، وتمهيد ممشى مظلل من مكان توقف الأتوبيسات في نقطة منقرع حتى الهرم؛ لأنها مسافة تزيد على 600 متر.

مشكلة معقدة

ووفق ما رصدته «الشرق الأوسط» فإن «الخيّالة والجمّالة لم يلتزموا بمنطقة التريض المخصصة، وواصلوا إلحاحهم على الزائرين لركوب دوابهم نظير مقابل مادي».

وقال أحد أصحاب الدواب بالمنطقة، ويدعى محمد حسن لـ«الشرق الأوسط» إنهم «يدعمون التطوير، لكنهم لن ينتقلوا إلى منطقة التريض، لأنها بمنزلة منفى لهم»..

مطالبات باحتواء الخيّالة ضمن منظومة التطوير (الشرق الأوسط)
مطالبات باحتواء الخيّالة ضمن منظومة التطوير (الشرق الأوسط)

ودافعت الشركة المشغلة للمشروع عن نفسها بعد الانتقادات الموجهة إليها عبر «السوشيال ميديا» قائلة في بيان ثانٍ الأربعاء: «كل ما تم اتخاذه من قرارات في عملية التطوير قرارات دولة تنفذها (أوراسكوم)»، لافتة إلى أن «قرارات الدولة كلها سليمة وطال انتظارها»، وشددت على أن «المشكلة معروفة للجميع ومعقدة؛ نظراً لاستمرارها لسنوات طويلة، وأن التغيير يحتاج إلى شجاعة وتطوير».

احتواء الخيّالة

وطالب ساويرس عبر حسابه على «إكس» بتنفيذ بنود خطة التطوير كافة، وأن يبتعد أصحاب الدواب عن المسار الأسفلتي للأتوبيسات لعدم تعطيل السياح، وفي حالة الرفض يُمنعون تماماً حفاظاً على هذه المنطقة التاريخية. وتابع: «الصالح العام أهم من ألفي شخص ظلوا سنين يسيئون لبلدهم».

لكن خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، أكد أنه لن ينجح أي مشروع تطوير من دون مراعاة المجتمع المحلي، وأن تكون مصالح الخيّالة والجمّالة جزءاً أساسياً في المشروع.

مضيفاً أنه «لا ينبغي أن نلقي بهم بعيداً ونتهمهم بالتسبب في تعطيل المشروع، لأن من حقهم كسب العيش، فمنطقة الأهرامات تعد مصدر دخلهم الوحيد».

حافلة لنقل الزوار وسيارة شرطة للتأمين من أمام هرم خفرع (الشرق الأوسط)
حافلة لنقل الزوار وسيارة شرطة للتأمين من أمام هرم خفرع (الشرق الأوسط)

وتتفق معه عالمة الآثار الدكتورة مونيكا حنا، التي قالت في تصريحات لها عبر حملة «الدفاع عن الحضارة المصرية» برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان إن «الخطة التي قامت بها شركة (أوراسكوم بيراميدز) هي خطة كبيرة بكل المقاييس، لكنها لم تدرس ثقافة المكان بشكل صحيح، وهذا ما اتضح أثناء التشغيل التجريبي، حيث لم يؤخذ رأى الزائرين المحليين والأجانب أو المرشدين أو الآثاريين في طريقة إدارة المنطقة الأثرية».

وتقترح حنا وضع خطة تنمية قوية طويلة الأجل مع إجراءات تهدف إلى تحويل الخيّالة والجمّالة وأهالي نزلة السمان إلى شركاء ناجحين لخطط الاستثمار والتطوير لمشروع الجيزة من خلال خلق شراكات حقيقية، وقد حققت عائلة ساويرس نجاحاً مماثلاً في منشأة ناصر مع جامعي القمامة، ويجب أن يأتي الدور على نزلة السمان.

مشددة على أنه «لا يمكن في القرن الحادي والعشرين أن ننادي بالحلول الأمنية الأحادية لحل مشاكل توارثناها مع السنين».