انشغلت الأوساط السياسية في ليبيا (شرقاً) و(غرباً) بزيارة وليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» إلى البلاد، والتي طرحت عديد الأسئلة، وزادت من المخاوف، عن دوافعها، لا سيما والبلاد تعيش حالة من «القلق والتشكك».
وزيارة بيرنز، التي تعد الأولى لمسؤول أميركي رفيع المستوى إلى ليبيا، منذ عام 2012 جاءت في وقت لا تزال فيه الاتهامات تحاصر عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، بعد تسليمه ضابط الاستخبارات الليبي السابق أبو عجيلة مسعود، إلى واشنطن بذريعة تورطه في تفجير طائرة «لوكربي» عام 1988.
وفور الإعلان عن الزيارة، التي جاءت مفاجئة للبعض، تباينت الآراء حولها، ونظرت إليها الأطراف المنقسمة في (طرابلس وبنغازي)، «بعين من الريبة»، كما لم تستبعد أن تكون امتداداً لحالة المناكفات الأميركية - الروسية، التي بدأت مبكراً باستخدام ورقة سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي.
وكانت بنغازي، أولى محطات مدير الاستخبارات الأميركية، حيث التقى بها المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» لوقت قصير، قبل أن ينتقل إلى غرب ليبيا للقاء الدبيبة، في العاصمة طرابلس.
وعدّ إدريس إحميد، المحلل السياسي الليبي، زيارة بيرنز «تحولاً جديداً في السياسة الأميركية»، كما رأى أن اجتماعه بالمشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» «يحمل رسالة مهمة، بخصوص وجود عناصر شركة (فاغنر) الروسية، في ليبيا».
وعناصر «فاغنر» موجودون في ليبيا منذ عام 2016، وعقب الحرب التي شنها «الجيش الوطني» على العاصمة طرابلس، كُشف دور لهذه العناصر في القتال ضمن صفوفه. وفي فعاليات عدة، عبّرت واشنطن عن قلقها من الدور الذي لعبته روسيا في الصراع الليبي.
ولفت إحميد، في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى «وجود جهود أميركية لتوحيد المؤسسة العسكرية، الليبية، لذلك جاءت زيارة المسؤول لحفتر والدبيبة، لكون واشنطن تعول عليهما لإنجاز هذا المسار»، ورأى أن هناك «تخوفاً أميركياً من استخدام موسكو لليبيا كورقة ضغط، في الحرب الروسية الأوكرانية». وهو ما تحاول أميركا استباق حدوثه، والتصدي له.
ولم يصدر أي تعليق من القيادة العامة عن مضمون زيارة المسؤول الأميركي لحفتر، لكن مكتب الدبيبة، نقل باقتضاب عن بيرنز، «إشادته بحالة الاستقرار والنمو التي تشهدها ليبيا خلال الفترة الأخيرة»، وقال إن اللقاء، الذي حضره من الجانب الليبي نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية، ورئيس جهاز الاستخبارات الليبي حسين العائب، يتعلق بـ«تطوير التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين».
ولم يستبعد إحميد، وجود دوافع أمنية وراء الزيارة، وقال إن «استقرار ليبيا وتوحيد المؤسسة العسكرية يمنعان انتشار الإرهاب، خصوصاً في ظل الجهود التي يبذلها الجيش الوطني جنوب البلاد».
ومنذ اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط) التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، عام 2011، يعتقد الليبيون أن بلادهم «باتت مسرحاً متسعاً لاستخبارات دول أجنبية وعربية عدة»، ويشيرون في أحاديثهم إلى أن «الأطراف الدولية المتداخلة في أزمتهم تسعى للحصول على مكاسب نفطية»، من باب أنها «تسعى لحل الأزمة».
ومنذ تسليم حكومة الدبيبة، أبو عجيلة، إلى واشنطن، وتيار النظام السابق، يتخوف من إقدامها على تكرار الخطوة ذاتها مع عبد الله السنوسي، صهر القذافي، رئيس جهاز الاستخبارات السابق، أو آخرين، رغم نفي الدبيبة، في وقت سابق الإقدام على ذلك.
غير أن الليبيين، الذين شاهدوا بامتعاض، موكب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وهو يعبر من طريق باب العزيزية باتجاه وسط العاصمة تحت حراسة مشددة، يشيرون إلى أن «الصراع على السلطة في البلاد، يجعل كل شيء قابلاً للحدوث».
وقال رمضان التويجر، القانوني والباحث الليبي: «يبدو أن خطراً ما يداهم وجود ومصالح الولايات المتحدة الأميركية في ليبيا جعل مدير الـ(سي آي إيه) يجري هذه الزيارة، وفي هذا الوقت بالذات الذي تشتد المعارك في بين روسيا وأوكرانيا».
ومن باب التخوف على بلاده قال التويجر، في حديث إلى «الشرق الأوسط» إن هذه الزيارة تأتي في الوقت الذي «تفقد ليبيا سيادتها واستقرارها؛ وتتمركز القواعد والقوات الأجنبية من مختلف الأطراف الدولية المتصارعة للسيطرة على العالم في كل مكان من أرض بلادي».
وانتهى التويجر، بالقول: «أتمنى من الأطراف الليبية كافة، العمل على توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية وإخراج جميع القوات الأجنبية و(المرتزقة) والتصالح فيما بينها وإقامة علاقات متوازنة وقوية مع مختلف الأطراف الدولية بما فيها الولايات المتحدة وروسيا بما يعيد سيادة ليبيا ويجعلها بلداً محايداً».
والسنوسي (72 عاماً) زوج أخت صفية فركاش الزوجة الثانية للقذافي، المحكوم عليه بالإعدام لدوره في «قمع الثورة التي أطاحت النظام السابق، ضمن الدائرة المقربة جداً من القذافي. ولا يزال موضوعاً على مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية منذ 27 يونيو (حزيران) 2011.
جانب من المناكفات بين أميركا وموسكو في ليبيا، تمحور مبكراً حول سيف الإسلام - الذي تتمسك الأخيرة بحقه في لعب دور سياسي، وسبق لريتشارد ميلز، نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة في إحاطة لمجلس الأمن الدولي، مطالبة السلطات الليبية بتسليم سيف الإسلام، إلى المحكمة الدولية، وقال: «إن السلطات الليبية لم تتعاون في تقديم سيف القذافي ليخضع أمام المحكمة في لاهاي. يجب أن يحدث هذا في أقرب وقت ممكن».
ما الدوافع وراء زيارة مدير الـ«سي آي إيه» إلى ليبيا؟
البعض ربطها بإمكان تسليم السنوسي
ما الدوافع وراء زيارة مدير الـ«سي آي إيه» إلى ليبيا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة