النظام السوري يجمّل وسط دمشق ومحيطها غارق في المستنقعات والنفايات

فيما البلاد تعاني من انهيار اقتصادي وظروف معيشية قاهرة

ألواح لتوليد الطاقة الشمسية فوق أحد المباني في العاصمة السورية دمشق يوم 13 ديسمبر الماضي (رويترز)
ألواح لتوليد الطاقة الشمسية فوق أحد المباني في العاصمة السورية دمشق يوم 13 ديسمبر الماضي (رويترز)
TT

النظام السوري يجمّل وسط دمشق ومحيطها غارق في المستنقعات والنفايات

ألواح لتوليد الطاقة الشمسية فوق أحد المباني في العاصمة السورية دمشق يوم 13 ديسمبر الماضي (رويترز)
ألواح لتوليد الطاقة الشمسية فوق أحد المباني في العاصمة السورية دمشق يوم 13 ديسمبر الماضي (رويترز)

في وقت تواظب حكومة النظام السوري على تقديم وتحسين الخدمات في أحياء وسط دمشق والأحياء القريبة منها، يعاني سكان مناطق محيط العاصمة من الإهمال، إذ تمتلئ شوارعها بالحفر ومستنقعات مياه الأمطار والصرف الصحي عند هطول أمطار غزيرة، عدا عن غرقها ليلاً بظلام دامس يُصعب على المارة السير فيها ويعرضهم إلى أخطار شتى.
وفي ظل غرق مناطق واسعة من العاصمة السورية في الظلام بسبب عدم توافر التيار الكهربائي، يكاد لا يمر أسبوع إلا وتعلن فيه محافظة دمشق، عبر صفحتها على «فيسبوك»، عن تركيب عشرات أجهزة الإنارة بالطاقة الشمسية في شوارع الأحياء الراقية، مثل باب توما، القصاع، أبو رمانة، المهاجرين، المزة، وتنظيم كفرسوسة والمزرعة والشاغور والميدان والزاهرة... والساحات العامة (الأمويين، العباسيين، التحرير، عرنوس، باب مصلى وشمدين وغيرها). إضافة إلى ذلك، تشمل خدمات المحافظة الدورية لتلك الأحياء إعادة تعبيد العديد من الشوارع الرئيسية والطرق الفرعية والجادات وتنظيفها بشكل يومي وشطفها مرات عدة في الأسبوع وتنظيف المصارف المطرية فيها، وصيانة أرصفتها عند الحاجة.
ولا يغيب عن محافظة دمشق الاهتمام بالجانب الجمالي والبيئي لتلك الأحياء والمناطق. فحفاظاً على المساحات الخضراء، تتابع ورشات مديرية الحدائق التابعة للمحافظة أعمال زراعة النباتات والتشجير للحدائق العامة والمساحات الخضراء وتقليم الأشجار والصيانة العامة للحدائق.
وفي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من انهيار اقتصادي وظروف معيشية قاهرة لعدم توافر مواد الطاقة والمحروقات، واضطرار الحكومة إلى التعطيل لمدة 9 أيام مستغلة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، فاجأت محافظة دمشق السوريين، عشية عيد الميلاد، بإعلانها في بيان أنه ستتم إزالة ساحة «السبع بحرات» التي تعد إحدى أهم ساحات العاصمة، بزعم تجديدها وتحويلها إلى «شكل أكثر جمالية بمنظور حضاري حديث».
وأثار قرار المحافظة استياء وسخرية بعض السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأن تصميم الساحة كان جميلاً أصلاً، في نظرهم، كما أن تجديدها ليس من الأولويات في مدينة غارقة في الظلام، فيما الغلاء الفاحش ينهش سكانها ونقص المشتقات النفطية يشلل حركة السير فيها ويقطع أوصالها.
في المقابل، لاحظت «الشرق الأوسط» في جولة قبل أيام على عدد من أحياء محيط العاصمة أن شوارعها الرئيسية والفرعية وجاداتها تغرق بالوحول بسبب انسداد فتحات الصرف الصحي والمصارف المطرية وعدم وجود أرصفة يسير عليها المواطنون، إضافة إلى انتشار الحفر الكبيرة والمتوسطة فيها بكثافة وتحولها إلى مستنقعات من الأوحال. كما لوحظ تراكم القمامة في الحاويات وعلى جوانبها لدرجة أن بعضها لم يعد يُشاهد لكثافة القمامة التي تحيط بها مع انسياب مياه قذرة ذات رائحة كريهة إلى الطرقات من تحتها.
ورغم الانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي عن تلك الأحياء، إذ يصل برنامج التقنين فيها إلى 10 ساعات فصلاً، ونصف ساعة وصلاً، تخلو طرقاتها من أجهزة الإنارة بالطاقة الشمسية ويخيم عليها ظلام دامس في معظم ساعات الليل.
«أ.م» وهو رجل في العقد السابع من العمر ويعيش مع ابنه لوحدهما في منزل يقع شرق دمشق، واعتاد أن يصلي صلاة الفجر في المسجد القريب من بيته، روى لـ«الشرق الأوسط» ويده مجبورة بالجص ومعلقة في عنقه، مدى الصعوبة التي يعاني منها للوصول إلى المسجد الذي لا يبعد عن منزله أكثر من 100 متر. قال: «في ساعات الفجر المرء لا يرى أمامه على بعد نصف متر من شدة الظلام، وكل يوم آخذ معي الموبايل لأنير أمامي، لكنني قبل أيام نسيته في المنزل وتابعت الطريق فعتثرت مرات عدة بالحفر، وكنت في كل مرة أتمكن من عدم السقوط على الأرض، إلى أن تعثرت بحفرة كبيرة مليئة بالوحل وسقطت على الأرض ولم أستطع الوقوف من شدة الألم في ساقي وساعدي... إلى أن جاء أحد المارة واستنجدت به وقام بإسعافي إلى أقرب مشفى ليتبين أن يدي اليسرى كُسرت بينما أُصيبت ساقي برضوض».
أما الشاب «س. ق»، فشكا من أنه «حتى في ساعات النهار لا يستطيع المرء السير بشكل عادي في شوارع وأسواق الأحياء» الواقعة جنوب دمشق، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المارة أثناء هطول الأمطار الغزيرة «يجبرون أحياناً على الغوص في مستنقع كبير بعرض الطريق، وفي بعض الشوارع توجد في داخل المستنقع أحياناً حفرة أو حفر كبيرة لا يراها الناس وبالتالي يقعون بها»، يعلق الشاب على هذه الحال بالقول: «كلما يتقدم الأهالي بطلبات للمحافظة من أجل تحسين الخدمات يتحجج المسؤولون بعدم وجود ميزانية... على ما يبدو كل الموازنة يخصصونها للأحياء الراقية فهناك يعيش بشر ونحن هنا لسنا بشراً بنظرهم».


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).