مصر: التضخم يسجل معدلات قياسية... وطمأنة رسمية

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرأس اجتماعاً (الثلاثاء) في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرأس اجتماعاً (الثلاثاء) في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: التضخم يسجل معدلات قياسية... وطمأنة رسمية

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرأس اجتماعاً (الثلاثاء) في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرأس اجتماعاً (الثلاثاء) في القاهرة (الرئاسة المصرية)

فيما بلغت معدلات التضخم في مصر معدلات قياسية هي الأعلى منذ 5 سنوات، أكد متعاملون ومستهلكون تسجيل زيادات في أسعار اللحوم الحمراء وذلك بعد زيادة مماثلة في أسعار بيع الدواجن، بينما قدم مسؤولون رسميون تطمينات للمواطنين بشأن توافر «مخزون من السلع الاستراتيجية».
وتواجه مصر موجة مستمرة من الغلاء بموازاة استمرار انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وبلغ سعر العملة الأميركية 27.6 جنيه في المتوسط تقريباً، حتى مساء الثلاثاء.
وبعد يوم من تأكيده على أن «الأزمة الاقتصادية» التي تواجهها البلاد تعود إلى أسباب عالمية تتعلق بجائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بحضور عدد من الوزراء والمسؤولين المدنيين والعسكريين، وشدد خلال اللقاء على «المحافظة على استمرارية المخزون الاستراتيجي للدولة من السلع الغذائية الرئيسية، فضلاً عن تعظيم القيمة المضافة لتخزين السلع من سلسلة الصوامع الاستراتيجية التي تمت إقامتها بهدف زيادة الحجم الاستيعابي والتخزيني لها، ومن ثم المساهمة في الحفاظ على استقرار موقف الأمن الغذائي للدولة».
وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير بسام راضي، في بيان إن اللقاء ناقش «متابعة منظومة الأمن الغذائي، فيما اطلع الرئيس على موقف المخزون الاستراتيجي والأرصدة لجميع السلع الغذائية الأساسية للدولة، وذلك في إطار التخطيط المسبق للدولة بالحفاظ على المخزون الاستراتيجي منها، مع الأخذ في الاعتبار الأزمة الغذائية العالمية الحالية».
وأفاد راضي، بأن الرئيس المصري شدد على «تحديد سعر توريد القمح بحيث يحقق عائداً اقتصادياً مجزياً للمزارعين والفلاحين، ويدعم زيادة كميات توريد القمح».
في غضون ذلك، أظهرت بيانات صادرة عن «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» في مصر أن «تضخم أسعار المستهلكين في المدن ارتفع إلى 21.3 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) على أساس سنوي مقابل 18.7 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).
ويعد معدل التضخم في ديسمبر (كانون الأول) هو الأعلى منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 عندما بلغ 21.9 في المائة.
وبدأ الجنيه المصري مساراً للانخفاض بنسبة حوالي 14.5 في المائة في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وواصل التراجع ببطء.
وفي مسار الطمأنة الحكومية بشأن توافر السلع، قال رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين عبد المنعم خليل، إن «جميع السلع الغذائية متوفرة ويوجد مخزون استراتيجي آمن لفترات طويلة تصل إلى 6 أشهر في سلع وإلى 12 و13 شهراً في أخرى».
وشدد خليل في تصريحات لوسائل إعلام محلية على أن «هناك ممارسات غير قانونية من بعض التجار»، مؤكداً «تشديد الرقابة لمتابعة الأسعار والممارسات الاحتكارية، داعياً المواطنين إلى الإبلاغ عن أي ممارسات غير شرعية».
وأشار إلى أنه «منذ شهر يناير (كانون الثاني) الجاري انتشرت معارض في جميع أنحاء الجمهورية، تتراوح فيها التخفيضات بين 20 و30 في المائة، حيث تم ضخ كميات كبيرة جداً من الزيوت فيها»، قائلاً إنه «بالإضافة إلى تلك المعارض هناك 1300 مجمع استهلاكي منتشر على مستوى الجمهورية».
بدوره، قال حسين أبو صدام، نقيب عام الفلاحين في مصر، إن «إنتاج مصر من اللحوم الحمراء يغطي أقل من 60 في المائة من استهلاك البلاد». مشيراً إلى «أسعار اللحوم الحمراء ارتفعت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، إذ تراوح سعر الكيلو البلدي ما بين 170 و250 جنيهاً حسب نوع اللحوم ومكان البيع».
وأرجع نقيب الفلاحين الزيادات في أسعار اللحوم إلى أسباب عدة منها: «زيادة عدد السكان التي لا يقابلها زيادة في الثروة الحيوانية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الدواجن ما أدى إلى الإقبال على اللحوم الحمراء كبديل أفضل».
وشرح أن هناك أسباباً أخرى للزيادة تتعلق باستمرار «زيادة أسعار الاعلاف بكل أنواعها، كنتيجة للحرب الروسية - الأوكرانية»، داعياً الحكومة إلى «مزيد من الدعم المادي والمعنوي لقطاع الثروة الحيوانية لتقليل الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك من اللحوم الحمراء والحفاظ على استمرار عمل ملايين العاملين في هذا القطاع الحيوي».


مقالات ذات صلة

التضخم يظهر بوضوح على موائد المصريين

الاقتصاد امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

التضخم يظهر بوضوح على موائد المصريين

تستطيع أن تشعر بتضخم الأسعار في مصر بمجرد أن تجلس على مائدة إفطار أو غداء أو عشاء، إذ تقلص عدد الأصناف بدرجة كبيرة، كما انعكس هذا على موائد المطاعم أيضاً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد حسام هيبة رئيس هيئة الاستثمار والمناطق الحرة يوقع مذكرة تفاهم مع وكالة ترويج الاستثمار الفرنسية بحضور حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية (هيئة الاستثمار المصرية)

شركات فرنسية لضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية

تعهدت شركات فرنسية عدة بضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية، خلال الفترة المقبلة، وذلك في قطاعات متنوعة أبرزها النقل والأغذية والدواء.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد أبراج وفنادق وشركات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

«المركزي المصري»: عجز حساب المعاملات الجارية يتسع إلى 20.8 مليار دولار

قال البنك المركزي المصري إن العجز في حساب المعاملات الجارية لمصر اتسع إلى 20.8 مليار دولار في العام المالي 2023 – 2024 من 4.7 مليار دولار في العام المالي السابق

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيدة تحمل رضيعها تمر بجانب تاجر فواكه في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

التضخم وارتفاع أسعار الطاقة... أكبر المعوقات أمام الشركات في مصر

أظهرت نتائج استبيان اقتصادي، انخفاض مؤشر أداء الأعمال في مصر خلال الربع الثاني من العام الجاري، من أبريل إلى يونيو الماضي، بمقدار 5 نقاط عن المستوى المحايد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا بطرس غالي (رويترز)

بطرس غالي من «الدفاتر القديمة» إلى المشهد الاقتصادي المصري

أثارت عودة يوسف بطرس غالي، وزير المالية في حقبة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وتعيينه ضمن هيئة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية، جدلاً واسعاً في مصر.

عصام فضل (القاهرة)

التضخم يظهر بوضوح على موائد المصريين

امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
TT

التضخم يظهر بوضوح على موائد المصريين

امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

«مافيش بيض يا ماما على الفطار... أو حتى خضار... جبنة وعيش بس؟».

هكذا أبدى الطفل يوسف اندهاشه من المائدة التي كانت في يوم من الأيام تمتلئ بأنواع كثيرة من الطعام الصحي. لكن الأم ردت بتلقائية: «البيضة مش كل يوم، (البيضة) بقت بـ7 جنيه، والجبنة فيها فيتامينات اللبن».

تستطيع أن تشعر بتضخم الأسعار في مصر بمجرد أن تجلس على مائدة إفطار أو غداء أو عشاء، إذ تقلص عدد الأصناف بدرجة كبيرة. كما انعكس هذا على موائد المطاعم أيضاً، التي بدأت هي الأخرى في تقليل الأصناف والأحجام، لتخفيض الأسعار نسبياً أو ثباتها على الأقل، من خلال «عروض موسمية» لفترة محدودة.

ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية، لأول مرة منذ 5 أشهر، إلى 26.2 في المائة في أغسطس (آب) من 25.7 في المائة في يوليو (تموز). حسبما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

ويعني ارتفاع معدل التضخم بنسبة 26 في المائة أن الأسعار ترتفع بأكثر من الربع على إجمالي المصروفات سنوياً، وهو ما لم ينعكس على معدلات الأجور في مصر بنفس النسبة.

وهذا ما حاولت الأم إيصاله لابنها البالغ 10 سنوات، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتفاع الأسعار قلص عدد أصناف الطعام، وبالتالي الفيتامينات التي يجب أن تقدَّم للطفل في هذه السن... ودائماً ما يشتكون من هذا.. لذلك اضطررت إلى أن ألجأ إلى أصناف (الأكل الكدّابة)! للتغلب على هذه الشكوى... هذا كل ما أستطيع أن أفعله!».

اشتهر في مصر خلال الفترة الحالية بعض الأكلات المسماة «الوجبات الكدّابة»، للتغلب على ارتفاع الأسعار، مثل «البانيه الكدَّاب»، وهو عبارة عن كمية صغيرة من الفراخ البانيه يُزاد حجمها بخلطها بالبطاطس المسلوقة والدقيق، لتعطي مذاقاً مقارباً للفراخ البانيه؛ وباقي الأصناف المرتفعة في الأسعار تقلَّد على نفس المنوال. ولجأت الأمهات إليها مؤخراً للتغلب على ارتفاع الأسعار بعد زيادة «شكوى الأولاد من ساندويتشات زملائهم في المدرسة»، وفقاً لأم الطفل يوسف، الأربعينية، خريجة التجارة.

بلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين في إجمالي الجمهورية 231.1 نقطة لشهر أغسطس 2024، مسجلاً بذلك تضخماً شهرياً قدره 1.9 في المائة.

ويرجع ذلك إلى ارتفاع مجموعة الخضراوات بنسبة 14.3 في المائة، ومجموعة خدمات النقل بنسبة 14.9 في المائة، ومجموعة خدمات البريد بنسبة 6 في المائة، ومجموعة الأجهزة المنزلية بنسبة 2.8 في المائة، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 2.1 في المائة، ومجموعة خدمات المستشفيات بنسبة 2.8 في المائة، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 1.4 في المائة، ومجموعة الفاكهة بنسبة 0.9 في المائة، ومجموعة المياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة 1.7 في المائة، ومجموعة الملابس الجاهزة بنسبة 1.2 في المائة.

وانخفض الجنيه المصري أمام الدولار من 30.91 جنيه في مارس (آذار) الماضي، إلى نحو 48.5 جنيه، بتراجع نحو 60 في المائة، وهو ما سمح باتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.

ونتيجة لذلك، رفعت الحكومة أسعار عدد كبير من المنتجات المدعومة للسيطرة على عجز الموازنة الذي بلغ 505 مليارات جنيه (10.3 مليار دولار) في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو (حزيران) الماضي.

ومع اعتزام الحكومة استمرار رفع الأسعار أو بالأحرى رفع الدعم من السلع المدعومة، حتى نهاية عام 2025، من المتوقع أن يبقى التضخم بعيداً عن نطاق البنك المركزي المصري المستهدَف عند 7 في المائة (+/- 2 في المائة).

ومن المقرر أن يعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أرقام التضخم لشهر أغسطس يوم الخميس المقبل.

وتتوقع مؤسسة «فيتش سوليوشنز» أن يظل معدل التضخم السنوي في مصر ثابتاً في النصف الثاني من العام الجاري، بمتوسط 27 في المائة على أساس سنوي، نتيجة الزيادات المقررة في أسعار الكهرباء والوقود والمنتجات الغذائية. متوقعةً تراجع المعدل السنوي للتضخم إلى أقل من 20 في المائة بحلول فبراير (شباط) 2025.

وقررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزي المصري، خلال اجتماعها الأخير، الإبقاء على أسعار الفائدة للإيداع والإقراض دون تغيير عند 27.25 و 28.25 في المائة بالترتيب، وهذا ما يزيد قليلاً على معدل التضخم السنوي المسجل لشهر أغسطس الماضي.

وتنعكس معدلات التضخم ليس على موائد المصريين فقط، بل على أعمالهم أيضاً، فقد أظهر مؤشر «بارومتر الأعمال»، التابع للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أنه «لا تزال التحديات المرتبطة بارتفاع التضخم تتصدر قائمة المعوقات بالنسبة لجميع الشركات خلال الربع الثاني من العام الجاري، يليها في المرتبة الثانية الارتفاع المستمر في تكاليف الطاقة والمياه، والذي يمثل عبئاً إضافياً على الشركات خصوصاً في ظل توجهات الحكومة لرفع دعم الطاقة كلياً».