الحرب التي تُعاقب أوكرانيا (تحليل)

رجل يسير أمام محلات مدمرة بفعل غارة روسية في بلدة بإقليم خاركيف الاثنين (أ.ف.ب)
رجل يسير أمام محلات مدمرة بفعل غارة روسية في بلدة بإقليم خاركيف الاثنين (أ.ف.ب)
TT

الحرب التي تُعاقب أوكرانيا (تحليل)

رجل يسير أمام محلات مدمرة بفعل غارة روسية في بلدة بإقليم خاركيف الاثنين (أ.ف.ب)
رجل يسير أمام محلات مدمرة بفعل غارة روسية في بلدة بإقليم خاركيف الاثنين (أ.ف.ب)

يُخطَّط في الاقتصاد دائماً للسيناريو الممتاز. والعكس، يعني توقّف العجلة الاقتصاديّة. فالربح يبدأ في عقل الإنسان، حتى قبل بدء المشروع. أما في الحرب، فيُخطّط عادة للسيناريو السيّئ، ويؤمل أن يتجسّد السيناريو الممتاز. لكن السؤال يبقى: هل من سيناريو ممتاز في الحرب؟ وهل هناك منتصر ومهزوم، أم أن هناك قتيلاً وجريحاً نتيجة للحرب؟ ويُقال في هذا الإطار، إن النصر هو ممحاة للأخطاء. أما الهزيمة فهي «المُكبّر للأخطاء».
لا توجد فترة سماح في الحرب، لأن ديناميكيّة الحرب لا تسمح بالتعويض. في الاقتصاد، قد يتمّ تعويض الخسارة عبر الاستدانة.
تأكل الحرب وتستنزف من خطّط لها وبدأها. في الحرب يزهو المنتصر في نصره، ويُحضّر الخاسر نفسه للجولة المقبلة.
يقول المفكر الكبير الراحل صمويل هنتنغتون، إننا وبفعل الاحتكاك المستمرّ مع الآخر، نتّجه إلى التماهي (Sameness) غير المقصود معه، ليصبح هو أنا، وأصبح أنا هو. هكذا هي الحرب. تبدأ بين قوّي وضعيف في بعض الحالات. وإذا استمرّت إلى فترة طويلة دون حسم. فإن التماهي بين المتحاربين يصبح أمراً واقعاً، وأكثر ظهوراً، ليصبح فارق القوّة الكبير عند بداية الحرب، بالكاد جليّاً بعد فترة.
* الحرب الأوكرانيّة
لم يعد شكل الحرب الأوكرانية اليوم كما كان في البدايات. في ذلك الوقت، اعتقدت أميركا أن أوكرانيا سوف تسقط بسرعة، ولا بد من التحضير لحرب العصابات. في الوقت نفسه، قلل الرئيس الأوكراني من التحذير الأميركيّ، حول قرب ودنو الغزو الروسيّ على بلده.
وقعت الحرب، وانكسفت الخطط، وبدأت عملية التماهي (Sameness) بين الفريقين على غرار ما قاله هنتنغتون. لم يعد فارق القوّة بين الدولتين كبيراً كما كان عند بدء الحرب. فالخطط الروسيّة تعثّرت. وتراكمت الأخطاء في كلّ المستويات، من الاستراتيجيّ إلى العملانيّ، ومروراً بالتكتيكيّ. في المقابل، تمكّن الجيش الأوكراني من الصمود، عند بدء الحرب، وحتى من القيام بهجومات عكسية على الجيش الروسي واسترداد ما يقارب 40 في المائة من الأراضي التي سيطر عليها الجيش الروسي منذ 24 فبراير (شباط) 2022.
تميّز أداء الجيش الأوكراني بالأمور التالية:
• القدرة على استيعاب السلاح الغربي الحديث، والقتال به عبر ابتكارات تكتيكيّة على أرض المعركة (Innovative Tactics).
• القدرة على خوض الحرب بشبكة عنكبوتيّة (Networking)، تربط المقاتل، بالسلاح، والمسيّرة معاً وفي الوقت نفسه. بكلام آخر، المسيّرة ترصد الهدف وترسل إحداثياته إلى المسؤول العسكري الأوكرانيّ، الذي بدوره يقرر ضرب الهدف بإعطاء الأمر مباشرة إلى السلاح المناسب. أعطى هذا الأمر ليونة كبيرة للجيش الأوكراني، كان قد افتقدها ولا يزال الجيش الروسيّ.
• أثبت الجيش الأوكراني فاعليتّه، الأمر الذي أعطاه مصداقيّة كبيرة لدى داعميه، خصوصاً أميركا. فاعتُبر هذا الجيش على أنه جيش غربيّ، يقاتل عن الغرب الديمقراطي، ولا بد من استمرار دعمه. من هنا بدأت أميركا بإعطاء الجيش الأوكراني صواريخ الجافلين في بداية الحرب. انتقلت بعدها إلى راجمات الهايمرس، وحالياً إلى صواريخ الباتريوت، مع عربات مدرّعة. إنه القضم الأميركي المتدرّج لخطوط بوتين الحمراء في أوكرانيا.
* الأخطاء التراكميّة الاستراتيجيّة - التكتيكيّة للجيش الروسيّ
إذا تجاوزنا المرحلة الأولى. فقد يمكن القول إن الأخطاء الروسيّة التكتيكيّة تمثّلت بعدّة أمور منها:
• عدم تحضير العسكر قبل بدء الحرب. كما الاستمرار بتسمية الحرب على أنها «عملية عسكريّة خاصة»، بينما يُخصّص لها وسائل الحرب الشاملة.
• مركزيّة إدارة الحرب، وتدخّل المستوى السياسي الأعلى في إدارة الحرب حتى المستوى التكتيكي. هذا عدا الصراع الداخلي للسلطة، بين مؤيّد لوزارة الدفاع، ومن يتهمها بالتقصير. هذا عدا تعدّدية القوى التي تحارب، دون توفّر وحدة القيادة - هناك الجيش الروسي، وقوات الشيشان، وقوات فاغنر.
• عدم تحضير القاعدة العسكرية للإنتاج العسكريّ، الأمر الذي اضطّر روسيا إلى الاستيراد من إيران ومن كوريا الشماليّة.
• بعض الأخطاء التكتيكيّة القاتلة.
• حادثتان تعكسان جليّاً قصور الجهوزيّة العسكريّة الروسيّة؛ وهما:
- حادثة عبور نهر سيفرسكي دونتس خلال الحرب على مدينة سيفيريدونتسك، حيث خسر الجيش الروسي كتيبة كاملة من الدبابات (100 دبابة 1000 جندي).
- مؤخراً، حادثة المدرسة في مكاييفكا (Makiyivka)، حيت قتل فيها أكثر من مائة جندي روسي بعد قصفها بصواريخ الهايمرس. عزت القوات الروسيّة السبب إلى استعمال الجنود الروس الهواتف الجوالة. لكن لا بد من الأسئلة التالية:
- كيف يوضع 400 جندي، في مكان معلوم ومعروف (مدرسة)، ولا يبعد عن خطوط التماس أكثر من 15 كلم؟ لماذا تجميع هذا العدد من العسكر الأغرار، في محيط ملتهب، خصوصاً مدينة بخموت؟ أين الأمن العملاني للوحدات؟ لماذا يستعمل الجنود هواتفهم الجوالة وهي ممنوعة؟ وإذا كانت مسموحة، لماذا استعمال شبكة الهاتف الأوكرانيّة؟


مقالات ذات صلة

ماكرون يرحب بنية زيلينسكي «استئناف الحوار» مع ترمب

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (وسط) والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحضرون اجتماعاً في لندن (إ.ب.أ)

ماكرون يرحب بنية زيلينسكي «استئناف الحوار» مع ترمب

رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، بنية نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي «استئناف الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية»، وفق ما أفاد الإليزيه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم سيكون لتجميد المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا لفترة طويلة تأثير كبير في المجالات التي يصعب على الأوروبيين تعويضها (أ.ب)

معدات عسكرية أميركية يصعب على الأوروبيين تعويضها لأوكرانيا

لا شك في أن تجميد المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، لفترة طويلة، سيكون له تأثير كبير في المجالات التي يصعب على الأوروبيين تعويضها.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب (وسط) ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس (يمين) بالمكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (إ.ب.أ) play-circle

رغم تجميد المساعدات... أوكرانيا «مصممة» على التعاون مع أميركا

أعلنت أوكرانيا الثلاثاء أنها «مصممة» على مواصلة التعاون مع الولايات المتحدة ولا تزال تريد ضمانات أمنية ذات «أهمية وجودية» بالنسبة إليها

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة ملتقطة في 1 مارس 2025 في العاصمة البريطانية لندن تظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (د.ب.أ)

زيلينسكي: أوكرانيا مستعدة للعمل في ظل «قيادة ترمب القوية» لتحقيق السلام

قال الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الثلاثاء، إنه يريد «تصحيح الأمور» مع الرئيس الأميركي ترمب، ويريد العمل تحت «القيادة القوية» لترمب لضمان سلام دائم في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ يلقي ترمب خطابه الأول أمام الكونغرس في عهده الثاني (أ.ف.ب)

ترمب أمام الكونغرس في أول خطاب رئاسي له في عهده الثاني

في يومه الرابع والأربعين في المكتب البيضاوي، يقف الرئيس الأميركي الـ47، دونالد ترمب، أمام الكونغرس مخاطباً الأميركيين، في أول خطاب رئاسي له في عهده الثاني.

رنا أبتر (واشنطن)

رائدا فضاء عالقان يقتربان أخيراً من العودة إلى الأرض بعد 9 أشهر

تظهر هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو نشرته وكالة ناسا (من اليسار) رواد الفضاء بوتش ويلمور ونيك هاغ وسوني ويليامز وهم يتحدثون خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء 4 مارس 2025 (أ.ب)
تظهر هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو نشرته وكالة ناسا (من اليسار) رواد الفضاء بوتش ويلمور ونيك هاغ وسوني ويليامز وهم يتحدثون خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء 4 مارس 2025 (أ.ب)
TT

رائدا فضاء عالقان يقتربان أخيراً من العودة إلى الأرض بعد 9 أشهر

تظهر هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو نشرته وكالة ناسا (من اليسار) رواد الفضاء بوتش ويلمور ونيك هاغ وسوني ويليامز وهم يتحدثون خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء 4 مارس 2025 (أ.ب)
تظهر هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو نشرته وكالة ناسا (من اليسار) رواد الفضاء بوتش ويلمور ونيك هاغ وسوني ويليامز وهم يتحدثون خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء 4 مارس 2025 (أ.ب)

أصبح رائدا فضاء عالقان تابعان لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) على بعد أسابيع قليلة فقط من العودة أخيراً إلى الأرض بعد تسعة أشهر في الفضاء، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

واضطر رائد الفضاء بوتش ويلمور ورائدة الفضاء سوني ويليامز إلى الانتظار حتى يصل من يحل محلهما إلى محطة الفضاء الدولية، الأسبوع المقبل، قبل أن يتمكنا من العودة في وقت لاحق من الشهر الحالي.

ومن المقرر أن ينضم إليهما في رحلة شركة «سبيس إكس» إلى الأرض، رائدا فضاء وصلا إلى محطة الفضاء الدولية سبتمبر (أيلول)، بجانب مقعدين فارغين تم تخصيصهما لإعادة ويلمور وويليامز.

وتحدثت ويليامز من محطة الفضاء، اليوم الثلاثاء، وقالت إن أصعب جزء عن الإقامة الممتدة غير المتوقعة هو انتظار عائلاتهم لهم.

وقالت: «لقد كان الأمر مزعجاً للغاية بالنسبة لهم، ربما أكثر قليلاً مما هو بالنسبة لنا».