بماكينة خياطة متواضعة، وبجهد وإصرار، تحولت أم محمد، من ربة أسرة نازحة تنتظر السلة الغذائية التي تقدمها لها إحدى المنظمات الإنسانية كل شهر، إلى سيدة عمل نشيطة، في مناطق المخيمات شمال غربي سوريا، من خلال تصميم الملابس النسائية وحياكتها، محققةً لنفسها اسماً في تلك المنطقة لإتقانها عملها ومراعاتها ظروف النساء اللواتي ليس لهن مصدر دخل ثابت.
وقالت أم محمد (29 عاماً) التي نزحت وأسرتها، قبل نحو 4 أعوام من منطقة خان شيخون جنوب إدلب، إلى مخيم (دير حسان) بالقرب من الحدود السورية - التركية، إن مهنة الخياطة المتواضعة في تدوير الملابس القديمة للنازحين وترقيعها كانت مصدر رزق يضاف إلى ما يكسبه زوجها من عمله قبل أن يفارق الحياة نتيجة أزمة قلبية قبل عامين تقريباً، لتجد نفسها بعد ذلك مسؤولة عن تربية ورعاية أطفالها الخمسة وأكبرهم لا يتجاوز عمره 10 سنوات.
وتضيف أن «حاجة أطفالها للطعام والدواء والحليب دفعتها إلى قضاء ساعات طويلة في الخياطة وتطوير عملها، من خلال اختراعها تصاميم وموديلات جديدة للألبسة تناسب أذواق جميع النساء وبمختلف أعمارهن، بغية تحسين وضعها المادي».
وأشارت إلى أنها «تفكر الآن في افتتاح مشغل خياطة للألبسة الجاهزة بعد نجاحها في توفير مبلغ من المال يغطي التكاليف، وتشغيل عدد من النسوة اللواتي يمتهنَّ الخياطة وليس لديهنّ المال الكافي لشراء ماكينات خياطة، إضافةً إلى تدريب من ترغب في تعلم المهنة في المشغل الذي تخطط لافتتاحه».
ولا تقتصر مهنة الخياطة وحياكة الألبسة على النساء فحسب، بل للشباب أيضاً نصيبهم من هذه المهنة، فالشاب أحمد التحق مؤخراً بعمل جديد في أحد مشاغل الألبسة الرجالية الجاهزة، إلى جانب أكثر من 20 شاباً آخر في مدينة الدانا شمال إدلب ولم يعد عاطلاً عن العمل.
ويقول أحمد (23 عاماً)، وهو نازح من مدينة حلب، إنه «بعدما اكتسب خبرة لا بأس بها في العمل بأجر زهيد في خياطة البنطال والقميص على مدار عام كامل، حصل أخيراً على عمل جديد مدته 10 ساعات يومياً في مشغل لإنتاج الألبسة الرجالية الجاهزة».
ويضيف أن دخله يحدَّد حسب عدد القطع التي ينتجها يومياً. ويتراوح أجر القطعة الواحدة ما بين 20 و25 ليرة تركية (العملة المتداول بها في شمال غربي سوريا)، ويستطيع إنتاج ما بين 5 و7 قطع يومياً، ليصل أجره اليومي إلى نحو 120 ليرة تركية، ليساعد بذلك والده على تأمين مستلزمات أسرته اليومية من طعام وحاجات حياتية أخرى.
من جانبه، قال أبو سعيد، وهو صاحب مشغل لإنتاج الألبسة الشتوية (الرجالية والنسائية)، في مدينة سرمدا شمال إدلب، إن «ما أسهم في استيعاب أعداد كبيرة من الخياطين سواء من الذكور والإناث في شمال غربي سوريا هي حاجة السوق المحلية للألبسة الجاهزة، وإعادة تنشيط عملية تصدير الألبسة الجاهزة مجدداً إلى بلدان أخرى ومنها دول الخليج وتركيا والعراق، وأسهم ذلك في تشجيع عشرات المستثمرين المحليين على افتتاح مشاغل لصناعة الأقمشة والنسيج والبرادي والأغطية والسجاد، ومشاغل لإنتاج الألبسة الجاهزة في مناطق إدلب وعفرين وأعزاز والباب بريف حلب».
ولفت إلى أن «البضاعة السورية وتحديداً الألبسة، تَلقى رواجاً كبيراً في أسواق دول الخليج العربي ولبنان والعراق منذ عشرات السنين نظراً إلى جودتها وانخفاض تكاليف إنتاجها الذي ينعكس على أسعارها في الأسواق، وكان مصدرها دائماً مدينة حلب. واليوم يحاول عدد من التجار والصناعيين والمستثمرين، إعادة تنشيط عملية التصدير، وتأمين فرص عمل جديدة أمام السوريين، وتحسين اقتصاد المنطقة ككل».
مهنة الخياطة مصدر دخل للنازحين في شمال غربي سوريا
مهنة الخياطة مصدر دخل للنازحين في شمال غربي سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة