بعد 15 جولة من التصويت، انتخب مجلس النواب كيفين مكارثي رئيساً له، مختتماً بذلك أربعة أيام من التجاذبات الحادة والانقسامات الحزبية التي خيّمت على أجواء الكونغرس، فيما هنأه الرئيس جو بايدن، داعياً إياه إلى «الحكم بشكل مسؤول».
وحصل مكارثي في جلسة التصويت، التي حصلت منتصف ليل الجمعة بتوقيت واشنطن، على 216 صوتاً، وهي الأغلبية البسيطة للأصوات المطلوبة للفوز، في ليلة خيّم عليها التوتر والمشاحنات التي عكست أجواء الانقسامات الجمهورية الحادة. وعقب انتهاء فوضى لم يشهدها الكونغرس منذ أكثر من 160 عاماً، قال بايدن، في بيان: «أنا مستعدٌّ للعمل مع الجمهوريين عندما يكون ذلك ممكناً، والناخبون أشاروا بشكل واضح إلى أنهم ينتظرون من الجمهوريين أن يكونوا مستعدّين للعمل معي». وأضاف: «حان وقت الحكم بشكل مسؤول».
وانتخب كيفين مكارثي، النائب عن كاليفورنيا، ليخلف النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي في المنصب. لكنه يخرج أضعف من هذه الانتخابات التي كشفت حجم الشرخ داخل حزبه الجمهوري وتنذر بولاية تشريعية معقدة. وقال مكارثي في الكونغرس: «لقد حان الوقت لممارسة السيطرة على سياسة الرئيس (بايدن)».
وبهذا يستلم مكارثي، زعيم الجمهوريين السابق، مقعد رئاسة المجلس بعد صراع شرس زعزع حزبه وشلّ عمل المجلس التشريعي بالكامل بسبب معارضة حادة من نواب وصفهم بـ«المتمردين». وشهدت جلسات التصويت، الجمعة، مشاحنات نادرة في مجلس النواب. فبعد الجولة الـ14، التي خسر فيها مكارثي بفارق صوت واحد، توجّه النائب الجمهوري مايك رودجرز بغضب عارم إلى زميله المعارض لمكارثي مات غايتس. وكان رودجرز مغتاظاً من إصرار غايتس على موقفه المعارض لمكارثي، رغم محاولة الأخير إقناعه خلال جلسة التصويت. وتدخل النائب الجمهوري ريتشارد هدسون جسدياً لاحتواء التصعيد، ومنع رودجرز من الصراخ وسحبه إلى خارج المجلس. ويشغل رودجرز منصب رئيس لجنة القوات المسلحة، التي يتمتع غايتس بعضوية فيها.
ولم يحصد مكارثي الأصوات اللازمة للفوز بسهولة، فقد اضطر إلى تقديم تنازلات كثيرة طلبها منه النواب المعارضون. ويتخوف عدد من الجمهوريين الداعمين له من نوعية هذه التنازلات، وعبّروا عن قلقهم من أن تؤدي إلى عرقلة أجندة المجلس التشريعي الطموحة، التي وضعها الحزب بعد فوزه بالأغلبية في المجلس في الانتخابات النصفية «للتصدي لإدارة بايدن ومحاسبتها».
فشملت هذه التنازلات، على سبيل المثال، تعديل قوانين المجلس حتى تسمح لأي نائب بطرح مشروع للإطاحة برئيس المجلس. إلا أن هذا الإجراء يتطلب التصويت بأغلبية، الأمر الذي لا يعني بالضرورة أن مساعي بعض المعارضين لـ«طرد» مكارثي في كل مرة استاءوا فيها من أدائه ستنجح.
لكن التنازل الأهم الذي قدمه مكارثي هو إعطاء المعارضين، وهم من الشق اليميني المتشدد من الحزب، مقاعد في لجنة القواعد النافذة في مجلس النواب. فهذه اللجنة تسنّ قواعد العمل في المجلس، وتقرر أي مشروع قانون يحظى بالتصويت، مدة النقاش حوله وعدد الأصوات اللازمة لإقراره، وعدد التعديلات التي يمكن للنواب طرحها عبره. ويعد هذا التنازل من أهم «الجوائز» التي حصدها المعارضون الجمهوريون، إذ إنه يعطيهم نفوذاً كبيراً في كل الملفات من دون استثناء.
ولعلّ أكثر ملف سيتمكن هؤلاء من عرقلته، بحكم عضويتهم في لجنة القواعد، هو تمويل المرافق الحكومية. فقد عُرفوا بمعارضتهم الشديدة للمبالغ الطائلة التي تصرف لتمويل الحكومة، آخرها حزمة 1.7 تريليون دولار التي أقرها الكونغرس الشهر الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، أعطى مكارثي بعض النواب مقاعد في رئاسة بعض اللجان المهمة في المجلس، الأمر الذي سيمكنهم من التحكم بجدول أعمالها. كما وعدهم بتخفيف تكلفة البرامج الدفاعية والمحلية، وتأسيس لجنة للتحقيق بـ«تسييس» الحكومة الفيدرالية ضد خصومها السياسيين، وربط ملف رفع سقف الدين العام بتخفيضات في الإنفاق، إضافة إلى السماح بالتصويت على مشروعات مثيرة للجدل متعلقة ببرامج الهجرة وغيرها من ملفات يدعمها النواب الذين ينتمون كلهم إلى تجمع «الحرية» المحافظ في المجلس.
وهذه ليست المرة الأولى التي يؤرق فيها هذا التجمع نوم زعماء الحزب. فقد سبق وأن تحدى نوابه رئيس مجلس النواب السابق الجمهوري جون باينر، ما أدى إلى استقالته في عام 2015 بعد ضغوطات منهم، الأمر الذي دفعه إلى وصف أحد أعضائه وهو جيم جوردان الداعم لمكارثي، بـ«الإرهابي السياسي». ويتوقع أن يسلم مكارثي جوردان مقعد رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب.