«الغاز الأفريقي»... هل يصبح بديلاً أوروبياً للأميركي مرتفع الكلفة؟

«إيني» الإيطالية دعت لـ«محور طاقة» بين الشمال والجنوب

كلاوديو ديسكالز رئيس شركة الطاقة الإيطالية «إيني»
كلاوديو ديسكالز رئيس شركة الطاقة الإيطالية «إيني»
TT
20

«الغاز الأفريقي»... هل يصبح بديلاً أوروبياً للأميركي مرتفع الكلفة؟

كلاوديو ديسكالز رئيس شركة الطاقة الإيطالية «إيني»
كلاوديو ديسكالز رئيس شركة الطاقة الإيطالية «إيني»

على أثر الحرب الروسية الأوكرانية التي خلقت أزمة طاقة هائلة لأوروبا لتخليها عن إمدادات الطاقة من روسيا، يتم البحث عن بدائل. وبرز الغاز الأميركي أحد البدائل المتاحة لأوروبا، لكن أسعاره المرتفعة للغاية لا تجعل منه خياراً مستداماً. في هذا السياق تشهد القارة الأفريقية مساعي أوروبية حثيثة للاعتماد عليها مورداً بديلاً للغاز.
وقال رئيس شركة الطاقة الإيطالية «إيني»، كلاوديو ديسكالزي، إنه لاستبدال إمدادات الطاقة الروسية، يجب على الاتحاد الأوروبي ألا يركز على الولايات المتحدة، بل على أفريقيا. وفي مقابلة له مع صحيفة «فاينانشيال تايمز»، الجمعة، رأى ديسكالزي أن التعاون الوثيق مع القارة سيخلق ما سماه بـ«محور الطاقة بين الجنوب والشمال»، الذي سيربط القارة الغنية بالموارد مع الأسواق كثيفة الاستهلاك للطاقة في أوروبا.
وحسب «فاينانشيال تايمز»، تعمل «إيني» منذ عام 1954 في 14 دولة أفريقية. وكانت أفريقيا هي الخيار الأول لعملاق الطاقة الإيطالي، عندما احتاج إلى استبدال 20 مليار متر مكعب في عام 2022 من الغاز الذي تستورده إيطاليا سنوياً من روسيا.
في أبريل (نيسان) الماضي، وافقت «إيني» على زيادة الإمدادات من الجزائر من 9 مليارات إلى 15 مليار متر مكعب سنوياً في عام 2023 وإلى 18 ملياراً في عام 2024، وبعدها وقعت «إيني» اتفاقية مع مصر لتصدير 3 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في عام 2022.
واتفقت الشركة مع الكونغو على تسريع تطوير مشروع للغاز الطبيعي المسال الذي من المتوقع أن يصدر 1 مليار متر مكعب في عام 2023، و4 مليارات متر مكعب بحلول عام 2025، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شحنت «إيني» الدفعة الأولى من الغاز الطبيعي المسال من موزمبيق، في مشروع تبلغ تكلفته 7 مليارات دولار، الذي يعد أول مشروع من بين عدة مشاريع غاز عملاقة في موزمبيق تم التخطيط لها بعد اكتشاف احتياطيات غاز كبيرة في البلاد.
وقال ديسكالزي، إن كل هذه الصفقات أصبحت ممكنة، لأن «إيني»، «استثمرت كثيراً في أفريقيا في وقت لم يكن يرغب أحد في ذلك».
كانت صحيفة «بيزنس إنسايدر» في نوفمبر الماضي، نقلت عن مصادر مطلعة أن حمولة سفينة واحدة من الغاز الطبيعي المسال الأميركي بحوالي 60 مليون دولار، وصل سعرها بعد شحنها إلى أوروبا إلى حوالي 275 مليون دولار، بزيادة قدرها 358 في المائة.
وتحقق كل ناقلة غاز طبيعي مسال أرباحاً تتجاوز 150 مليون دولار. وانتقد قادة أوروبيون علناً أسعار الغاز الأميركية. وقال الرئيس الفرنسي ماكرون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، متحدثاً عن أميركا، «ندفع أربعة أضعاف السعر الذي تقومون بالبيع به للصناعة لديكم، ذلك ليس المعنى الدقيق للصداقة». وسبق ذلك انتقاد ألماني حاد لأميركا وبيعها الغاز الطبيعي بأسعار فلكية.
وأفادت بيانات لـ«رويترز»، بأن الولايات المتحدة في طريقها لتصبح أكبر مُصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. وفي عام 2022، ارتفعت صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي في صورة غاز مُسال ثمانية في المائة لتبلغ 10.6 مليار قدم مكعب في اليوم. وذهب ما يقرب من 69 في المائة من صادرات الغاز المُسال الأميركية إلى أوروبا.
يقول عبد الله محمد أواه، أستاذ الاقتصاد والإدارة بجامعة نواكشوط، «عمليات استخراج الغاز الأفريقي أقل في التكلفة، لأن الغاز موجود على مسافات قريبة من سطح البحر بالنسبة للدول المطلة على المتوسط والأطلسي، كما أن العمالة أرخص، وهو ما يجعل الغاز الأفريقي وجهة للتنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى».
وأشار أواه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الغاز الأميركي غالي السعر بسبب «ارتفاع تكلفة استخراجه وارتفاع تكلفة النقل بسبب البعد عن الأسواق الأوروبية».
ورأى أواه أن أفريقيا يمكن أن تكون بديلاً أفضل لأوروبا من أميركا، لكن المسألة ستأخذ وقتاً، أي أنه ليس خياراً جاهزاً، مشيراً إلى أن ما تفعله أوروبا في أفريقيا الآن هو للتأمين الاستراتيجي على المدى المتوسط والطويل.
وقال، «حتى أميركا التي صارت أكبر مصدر للغاز في العالم تستثمر في الغاز الأفريقي… في موريتانيا استثمرت شركة (كوسموس إنيرجي) الأميركية بالتعاون مع (بريتيش بتروليوم) البريطانية في اكتشافات الغاز الحديثة في البلاد».
ورأى الخبير في الشؤون الاقتصادية فتحي السيد الشرمبابلي، أن أفريقيا تحتاج إلى ما متوسطه من 3 إلى 5 سنوات لتكون بديلاً مستداماً للغاز إلى أوروبا، «لكن قادة القارة الأفريقية يعملون على التسريع من وتيرة العمل في بناء خطوط أنابيب النفط والغاز ومحطات الغاز الطبيعي المسال ومراكز التوزيع ومحطات الطاقة، وهو ما قد يسهم في تشغيل أكثر من 600 مليون شخص».
وقال، «على سبيل المثال، تعهد وزراء الطاقة في كل من الجزائر والنيجر ونيجيريا بتسريع العمل في تطوير خط أنابيب غاز عبر الصحراء مصمم لنقل 30 مليار متر مكعب/ السنة من الغاز إلى السوق الأوروبية. الخط يبلغ طوله 4128 كيلومتراً، وسيربط نيجيريا بمحور الغاز الرئيسي بالجزائر، ويمر عبر النيجر».
وأضاف: «يبقى نجاح أوروبا مرهوناً بقدرتها على توفير التكاليف الاستثمارية لهذه الخطوط، وعلى قدرتها في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول المشاركة في خطوط الغاز، وعلى توفر الإرادة السياسية - قبل كل ذلك - للخروج عن هيمنة الولايات المتحدة على القرار الأوروبي».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

ما «حاجة رمضان» التي «تُرهق» ميزانية أسر مصرية؟

كثير من الأسر المصرية يحرص على شراء السلع قبل رمضان (الشرق الأوسط)
كثير من الأسر المصرية يحرص على شراء السلع قبل رمضان (الشرق الأوسط)
TT
20

ما «حاجة رمضان» التي «تُرهق» ميزانية أسر مصرية؟

كثير من الأسر المصرية يحرص على شراء السلع قبل رمضان (الشرق الأوسط)
كثير من الأسر المصرية يحرص على شراء السلع قبل رمضان (الشرق الأوسط)

حين توجهت فاطمة عبد الفتاح (على المعاش) إلى السوبر ماركت في أحد الأحياء المتوسطة بالقاهرة، قبل ساعات قليلة من حلول شهر رمضان، لم تتخيل الزحام الذي وجدته في المكان، حتى إنها لم تجد سيارة تضع فيها السلع التي تشتريها من داخل المحل الكبير، وفق قولها.

«ذهبت لإحضار مستلزمات المنزل لشهر رمضان، على الأقل الأيام الأولى من الشهر، حتى لا أضطر للنزول مرة أخرى في بدايات الشهر»، هكذا توضح السيدة المصرية سبب شرائها كميات من الأطعمة والمواد الغذائية التي اشتهر بها شهر رمضان في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط».

وتشهد الأيام الأخيرة قبل حلول شهر رمضان في مصر زحاماً كبيراً لشراء السلع الغذائية ومستلزمات رمضان التي تسميها بعض الأسر «حاجة رمضان». وتتنوع هذه السلع بين اللحوم والمواد التموينية من جهة، وكذلك الياميش والتمر والقطائف والكنافة من جهة أخرى.

ويرى الخبير الاقتصادي محمود العسقلاني، رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، أن «حاجة رمضان هي عادة مصرية يلتزم بها كثير من الأسر المصرية، خصوصاً من الطبقة المتوسطة حتى يتفرغوا للراحة والعبادة في أول أيام الشهر الفضيل».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط»: «الأيام الأخيرة قبل رمضان يمكن أن تجد شخصاً يشتري شيكارة سكر، نحو 10 أو 12 كيلوغراماً، في الأيام العادية لا يشتري سوى كيلو أو اثنين، لكن لأن السكر مهم في صناعة الحلويات والكنافة والقطائف التي يهواها المصريون في رمضان يتم شراء مخزون كبير منه، وهكذا من السلع الأخرى مثل الياميش والتمر وقمر الدين وخلافه».

وصل حجم واردات مصر من «ياميش رمضان» الذي يتضمن المكسرات والتمر وقمر الدين وغيره من السلع، إلى 140 مليون دولار في عام 2024، وفق تصريحات صحافية سابقة لمسؤول بغرفة القاهرة التجارية، لافتاً إلى انخفاض الكميات في العام الجديد 2025 بسبب ارتفاع الأسعار العالمية لمكونات الياميش.

أنواع من التمور والياميش تنتشر في السوق المصرية (الشرق الأوسط)
أنواع من التمور والياميش تنتشر في السوق المصرية (الشرق الأوسط)

ويرى مهندس الكومبيوتر محمد السعيد (39 عاماً) أن السبب الرئيسي للزحام على المحلات وشراء الناس لما يطلقون عليه «حاجة رمضان»، هو أن «الكثير من المحلات الكبرى تقدم خصومات وعروضاً كبيرة على السلع، فيسعى كثيرون للاستفادة منها، وفي الوقت نفسه يجهزون مؤونة بعض أيام الشهر، دون أن يشغلوا بالهم بالتسوق مرة أخرى في فترة قريبة».

وتراوحت أسعار مكونات الياميش بحسب الأصناف؛ فسعر كيلو اللوز يتراوح بين 480 إلى 600 جنيه، (الدولار يساوي 50.66 جنيه مصري)، بينما يصل سعر كيلو الكاجو إلى 800 جنيه، وكيلو البندق المقشر إلى 680 جنيهاً، وتتراوح أسعار الزبيب ما بين 30 إلى 70 جنيهاً للكيلو، أما البلح فيتراوح سعره بين 20 إلى 90 جنيهاً للكيلو، بحسب إفادة لشعبة العطارين بالغرف التجارية في القاهرة.

وأشار العسقلاني إلى أن «السلع موجودة في معارض (أهلاً رمضان) و(سوق اليوم الواحد) التي تتيح السلة الغذائية بأقل سعر ممكن، وبأسعار أقل عن الأسواق الخاصة، بخصومات تصل لنحو 30 في المائة، ويمكن أن تكون مسألة الإتاحة هذه ساهمت في زيادة هذه الظاهرة وإقبال الناس على شراء السلع المختلفة أو (حاجة رمضان)».

وتوضح أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس بالقاهرة، الدكتورة سامية خضر صالح، أن «الناس اعتادوا على شراء حاجيات رمضان قبل حلول الشهر بفترة؛ حتى لا يُفاجأوا بنقص في مواد معينة»، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف شراء بعض الأسر للسلع بكميات كبيرة يؤدي إلى إهدار أو فساد هذه السلع، فبعض الناس يشترون كميات كبيرة لتنظيم ولائم أو عزومات عائلية ويصنعون طعاماً يفيض عن الحاجة، ويضطرون للتخلص من بعضه».

وعلى الرغم من تحذيرها من الإسراف والتبذير في الشهر الكريم، تشير سعاد إلى أن «البعض يحب الاحتفاظ بكميات كبيرة من السلع لكفاية بيته لعدة أيام في رمضان أو للتصدق بها على الفقراء في الحي الذي يعيش فيه».