علاج جيني واعد لـ«نزف الدم الوراثي بي»

علاج جيني واعد لـ«نزف الدم الوراثي بي»
TT

علاج جيني واعد لـ«نزف الدم الوراثي بي»

علاج جيني واعد لـ«نزف الدم الوراثي بي»

مرض «كريسماس»، هو اضطراب نزفي وراثي، يعتبر ثاني أكثر أنواع الهيموفيليا شيوعاً، ويحدث بسبب تغير الجين الذي يساعد في تجلط الدم، إذ لا يمتلك الأشخاص المصابون بالمرض الكمية المعتادة من بروتين الدم (عامل التخثر) الذي يساعد على تجلط الدم. وعلى الرغم من أنه ينتقل من الآباء إلى الأطفال، إلا أن نحو ثلث الحالات ناتجة عن طفرة عفوية، أي حدوث تغيير في الجين.
وقد أُطلق على هذا الاضطراب اسم مرض «كريسماس» نسبة إلى اسم أول شخص تم تشخيصه بهذا الاضطراب في عام 1953، ستيفن كريسماس (Stephen Christmas) الذي كان يعاني من نقص مختلف في بروتينات تخثر الدم، ويفتقر إلى عامل التخثر التاسع (9). وفيما بعد، أطلق الباحثون على هذا المرض اسم الهيموفيليا بي (Hemophilia B) بينما أصبح نقص العامل الثامن (8) يُعرف بالهيموفيليا إيه (Hemophilia A).
ويشار إلى الهيموفيليا أحياناً باسم «المرض الملكي»؛ لأنه أثر على العائلات الملكية في إنجلترا وألمانيا وروسيا وإسبانيا، في القرنين التاسع عشر والعشرين. ويُعتقد أن الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا التي حكمت 1837- 1901، كانت حاملة للهيموفيليا B، أو نقص العامل التاسع، وقد نقلت هذه السمة إلى 3 من أطفالها التسعة، وتوفي ابنها ليوبولد بسبب نزيف بعد سقوطه عندما كان في الثلاثين من عمره. يمكن أن تستمر الهيموفيليا لأجيال من دون أعراض ويتم نسيانها في بعض الأحيان، وهي تحتاج إلى فهم دقيق.

مرض نزفي وراثي

الهيموفيليا هي اضطراب نزفي، يورث عادة بنمط وراثي متنحٍّ يحدث بشكل حصري تقريباً في الذكور، بسبب نمط وراثي مرتبط بالكروموسوم الأنثوي X. وتنتج عن نقص أحد عوامل التخثر. وتنتج الهيموفيليا إيه عن نقص عامل التخثر (8)، وتنتج الهيموفيليا بي عن نقص عامل التخثر (9). وبناءً على مستوى نقص العامل 8 أو 9 تتدرج الحالة من خفيفة إلى معتدلة أو شديدة.
وهناك نوع مكتسب من الهيموفيليا، وهي حالة منفصلة غير موروثة ونادرة جداً عن الهيموفيليا الخلقية، ولها مسببات مرتبطة بالمناعة الذاتية، مع عدم وجود نمط وراثي.
إذا تُرك مرض الهيموفيليا بي من دون علاج، فقد يكون مرضاً مهدداً للحياة. وعليه، يعالجه مقدمو الرعاية الصحية ببدائل العامل (9) التي تساعد على تجلط الدم، ويبحثون عن علاج جيني وعلاج باستبدال الجينات، كطرق جديدة لعلاجه وعلاج أشكال أخرى من الهيموفيليا.
> هل تصيب الهيموفيليا الإناث؟ يؤثر مرض الهيموفيليا بي على نحو 4000 فرد في الولايات المتحدة وحدها، ويحدث في نحو 1 من كل 25000 ولادة ذكر. ووراثة مرض «كريسماس» (الهيموفيليا بي) هي من النمط المتنحي نفسه المرتبط بالكروموسوم X، مثل الهيموفيليا إيه، ما يؤدي إلى انتقال المرض إلى الرجال عن طريق حاملات الإناث الأصحاء، على ما يبدو. ومع ذلك، ففي عدد قليل من الحالات، تم الإبلاغ عن حاملات لجين مرض «كريسماس» بأعراض نزيف، كان من أشهرها حالة المرأة الحامل التي لوحظ فيها تدمي المفصل، وحالة فتاة الـ11 عاماً التي وُصفت حالتها في تقرير نشر في المجلة الطبية «جاما» (JAMA Network 2022)، مفاده أن فتاة بيضاء تبلغ من العمر 11 عاماً تعرضت لنوبتها الأولى من النزيف الشديد في سن الثانية، عندما نزفت لمدة أسبوع بسبب تمزق في فروة الرأس، وتم كيّها وخياطتها. وفي سن 5 سنوات، نزفت الطفلة نفسها لمدة أسبوعين بعد قلع الأسنان، على الرغم من حقن البلازما. وفي سن الثامنة من عمرها، عضت لسانها ونزفت مرة أخرى لمدة أسبوعين.
• من هم المعرضون للإصابة بالمرض؟ لدى كل ابنة فرصة بنسبة 50 في المائة لوراثة جين الهيموفيليا من والدتها، كونها حاملة للجين. وكل ابن لديه فرصة 50 في المائة للإصابة بالهيموفيليا، كنمط وراثي للهيموفيليا؛ حيث يكون الأب مصاباً بها.
وعوامل الخطر لاكتساب الهيموفيليا، هي: اضطرابات المناعة الذاتية (الذئبة الحمراء، والتهاب المفاصل الروماتويدي)- الالتهابات (التهاب الكبد سي، الإيدز)- الأدوية (إنترفيرون ألفا).
• ما متوسط العمر المتوقع لمريض الهيموفيليا؟ يختلف متوسط العمر المتوقع لشخص مصاب بالهيموفيليا، اعتماداً على ما إذا كان يتلقى علاجاً مناسباً أم لا، وعلى مدى انتظامه على العلاج. لا يزال كثير من المرضى يموتون قبل سن الرشد بسبب عدم كفاية العلاج. ومع العلاج المناسب، يكون متوسط العمر المتوقع أقل بنحو 10 سنوات فقط عن أقرانهم الأصحاء.
بشكل عام، يمكن أن يؤدي مرض الهيموفيليا إلى نزيف داخل المفاصل، ومن ثم إلى أمراض المفاصل المزمنة وآلامها. نزيف في الرأس، وأحياناً في الدماغ يمكن أن يسبب مشكلات طويلة الأمد، مثل النوبات والشلل. يمكن أن يحدث الموت إذا تعذر إيقاف النزيف، أو إذا حدث في عضو حيوي مثل الدماغ.
على الرغم من أن الهيموفيليا (إيه) و(بي) تعتبران تقليدياً لا يمكن تمييزهما سريرياً، فإن دراسة نُشرت في مجلة «نقل الدم» تشير إلى أن الهيموفيليا بي (نقص العامل 9) قد تكون أقل حدة سريرياً من الهيموفيليا إيه (نقص العامل 8)، مما يؤكد الحاجة إلى مناقشة مزيد من الخيارات العلاجية. على الرغم من أن الأدلة المقدمة هنا ليست قاطعة، فإن هناك تلميحاً إلى أن الهيموفيليا بي الشديدة قد تكون أقل حدة سريرياً من الهيموفيليا إيه.

التشخيص

في الولايات المتحدة، يتم تشخيص معظم المصابين بالهيموفيليا في سن مبكرة جداً. واستناداً إلى بيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC، يبلغ متوسط العمر عند التشخيص 36 شهراً للأشخاص المصابين بالهيموفيليا الخفيفة، و8 أشهر للأشخاص المصابين بالهيموفيليا المعتدلة، وشهراً واحداً للأشخاص المصابين بالهيموفيليا الشديدة.
يشمل التشخيص مجموعة من الاختبارات، أهمها:
- اختبارات الدم الخاصة بعامل التخثر، للكشف عن قصور العامل، وتحديد نوع مرض الهيموفيليا، وشدته.
- اختبار الجينات، يستخدم مع الأشخاص ذوي التاريخ العائلي مع الهيموفيليا، للكشف عن حوامل الصفة الوراثية، ومن ثم اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الإقدام على الحمل.
- اختبارات خلال الحمل، لتحديد ما إذا كان الجنين مصاباً بالهيموفيليا أم لا. وتتم بالتشاور مع الطبيب لمعرفة فوائد هذه الاختبارات ومخاطرها.
- التصوير: تصوير الرأس أو العنق- الرنين المغناطيسي للرأس أو الرقبة- الموجات فوق الصوتية في البطن أو الأشعة المقطعية على البطن- تنظير المريء أو تنظير القولون.
ويشمل التشخيص رصد عوامل رئيسية: تاريخ النزيف (متكرر أو حاد)- نزيف في العضلات- نزيف طويل بعد عصا الكعب أو الختان- نزيف جلدي مخاطي- كدمات/ ورم دموي مفرط– إعياء- غزارة الطمث والنزيف بعد العمليات الجراحية أو الولادة (حاملات الإناث)- بورفيرية جلدية واسعة النطاق (الهيموفيليا المكتسبة).
وعوامل الخطر هي: التاريخ العائلي للهيموفيليا (الهيموفيليا الخلقية)- الجنس الذكوري (الهيموفيليا الخلقية)- سن 60 سنة (الهيموفيليا المكتسبة)- اضطرابات المناعة الذاتية- أمراض الأمعاء الالتهابية- مرض السكري- التهاب الكبد- الحمل وفترة ما بعد الولادة- الأورام الخبيثة- اعتلال جامو وحيد النسيلة- استخدام بعض الأدوية (الهيموفيليا المكتسبة).

الوقاية والعلاج

> العلاج الوقائي: تتم الوقاية باستشارة طبية وراثية بشأن مخاطر ولادة طفل مصاب قبل الحمل؛ خصوصاً في العائلات التي تحمل هذا المرض. يتم استخدام بعض الأدوية لمنع نوبات النزيف. وينصح مرضى الهيموفيليا بعدم تناول الأسبرين أو غيره من مضادات الالتهابات غير الاستيرويدية. كما ينصحون باستشارة الطبيب قبل أخذ أي دواء؛ خصوصاً تلك التي تزيد حدة النزيف (مثل: الأسبرين، والإيبوبروفين، والديكلوفيناك)، بالإضافة إلى مضادات الاكتئاب (مثل: الفلوكستين)، ومضادات التجلط وزيادة سيولة الدم (مثل الكلوبيدوجريل والوارفرين).
> علاج بالأدوية: لا يوجد علاج نهائي لهذا المرض؛ لكن يوجد علاج يهدف إلى منع حدوث مضاعفات النزيف؛ خصوصاً نزيف الرأس أو المفاصل. ويشمل العلاج أدوية عامل التخثر المعدلة وراثياً؛ إذ يتم إعطاء هذه الأدوية من خلال أنبوب يثبت على الوريد، ويتم ذلك عادة عن طريق الحقن في وريد الشخص أو تحت الجلد. إن هدف علاج الهيموفيليا هو منع النزيف التلقائي، عن طريق توفير عامل الاستبدال الذي سيحافظ على مستويات نشاط أعلى في نطاق الأشخاص الذين يعانون الشكل المعتدل للمرض. يُعرف هذا النهج بالوقاية الروتينية. هذا الخيار العلاجي له قيود، ومنها الحقن الوريدي المنتظم، واحتمالات حدوث نوبات نزيف اختراقية.
> العلاج الجيني: ضمن آخر الإنجازات الطبية التي تحققت خلال عام 2022 وقبل أسبوعين من نهاية شهره الأخير، ديسمبر (كانون الأول)، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) على العلاج الجيني HEMGENIX (etranacogene dezaparvovec-drlb)، وهو علاج قائم على ناقل الفيروس المرتبط بالغدة (adeno-associated virus vector-based gene therapy) لعلاج البالغين المصابين بالهيموفيليا بي. وهي خطوة مهمة إلى الأمام في علاج الأمراض الوراثية. ويُظهر كثير من التجارب السريرية الجارية لكل من الهيموفيليا إيه وبي نتائج واعدة. يتم إجراء التجارب السريرية للتأكد من أن العلاج الجيني أو أي علاج آخر آمن وفعال ودائم.
هذا العلاج الجيني (HEMGENIX) يُعطَى بالوريد مرة واحدة لعلاج البالغين المصابين بالهيموفيليا بي، والذين يستخدمون حالياً العلاج الوقائي بعامل (9)، أو من يعانون نزيفاً حالياً أو تاريخياً يهدد الحياة، أو لديهم نوبات نزيف تلقائي خطيرة ومتكررة. والعنصر النشط هو الناقل (AAV) المؤتلف؛ حيث يتم وضع جينوم ناقل الحمض النووي في كبسولة، ويحتوي الجينوم على جينة معدلة وراثية بها ترميز التخثر البشري للعامل التاسع.
العلاج الجيني هو العلاج الذي يتم فيه إدخال جينات عاملة جديدة في خلايا الشخص لمحاربة المرض. في حالة الهيموفيليا، تعطي الجينات الجديدة تعليمات للجسم حول كيفية تكوين العامل. هناك أنواع مختلفة من العلاج الجيني، تتضمن: نقل الجينات، وتحرير الجينات، والعلاج الخلوي.
ووفقاً لمؤسسة الهيموفيليا الوطنية (National Hemophilia Foundation)، فقد أظهرت الدراسات الحالية أن مرضى الهيموفيليا الذين يخضعون للعلاج الجيني قد يشهدون زيادة في مستويات العامل لديهم، في بعض الأحيان إلى المستويات الطبيعية. وقد يكونون قادرين أيضاً على تجنب تسريب بعض العوامل لفترة طويلة من الزمن. ومع ذلك، لا تزال الدراسات جارية لتحديد المدة التي ستستمر فيها هذه الفوائد.
كما هو الحال مع كثير من العلاجات والأدوية الأخرى، قد يكون لكل مريض يتلقى العلاج الجيني نتائج مختلفة، ما يعني أن بعض المرضى قد يصلون إلى مستويات عامل أعلى من غيرهم. وتشمل التجارب السريرية القائمة كلا النوعين من الهيموفيليا (إيه، وبي). وفي العلاج الجيني، يتم نقل الجين العامل إلى خلايا الكبد للشخص المصاب بالهيموفيليا. وبمجرد وصول الجين العامل إلى الخلايا، تبدأ الخلايا في إنتاج العامل.
* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة بحلول عام 2030

صحتك السمنة تزيد مخاطر السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب (جامعة ولاية واشنطن)

دراسة: نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة بحلول عام 2030

قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن دراسة حديثة أجراها الاتحاد العالمي للسمنة خلصت إلى أن ما يقرب من نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة أو زيادة الوزن.

صحتك 7 حقائق عن غازات البطن

7 حقائق عن غازات البطن

قد يستغرب البعض، لكنها حقيقة تُؤكدها المصادر الطبية، وهي أن عدد مرات إخراج الغازات يتراوح ما بين 12 إلى 25 مرة في اليوم لدى الإنسان «الطبيعي»

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك هل يصبح ارتفاع ضغط الدم ظاهرة منتشرة لدى الأطفال؟

هل يصبح ارتفاع ضغط الدم ظاهرة منتشرة لدى الأطفال؟

على الرغم من أن ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال pediatric hypertension لا يُعد من الأمراض الشائعة في مرحلة الطفولة، فإنه في ازدياد مستمر.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك أغذية خالية من الغلوتين وغنية بالألياف

أغذية خالية من الغلوتين وغنية بالألياف

ترتبط الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف بانخفاض خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساتشوستس الأميركية)
صحتك «الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

يُعد الحزَّاز المسطح (Lichen Planus) من الأمراض الجلدية الالتهابية المزمنة ذات الطبيعة المناعية الذاتية، التي تؤثر في الجلد والأغشية المخاطية

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة
TT

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

يُعد الحزَّاز المسطح (Lichen Planus) من الأمراض الجلدية الالتهابية المزمنة ذات الطبيعة المناعية الذاتية، التي تؤثر في الجلد والأغشية المخاطية، وأحياناً تمتد إلى الأظافر وفروة الرأس. ويظهر المرض عادةً على شكل طفح جلدي يتميز بوجود نتوءات بنفسجية مسطحة ومسببة للحكة، وقد يسبب في بعض الحالات مضاعفات تؤثر في نوعية حياة المريض بشكل كبير. وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن على اكتشاف الحزَّاز المسطح، فإن أسبابه الحقيقية لا تزال غير مفهومة بالكامل، لكن الأدلة العلمية الحديثة ترجّح أن الجهاز المناعي يلعب دوراً رئيسياً في تطور المرض من خلال استجابة التهابية غير طبيعية.

في السنوات الأخيرة، أحرزت الأبحاث تقدماً كبيراً في فهم آليات المرض، مما أدى إلى تطوير استراتيجيات علاجية جديدة تستهدف المسارات المناعية المسؤولة عن التفاعل الالتهابي. ومع ذلك، لا يزال الحزَّاز المسطح من الأمراض التي يصعب علاجها، إذ إن الكثير من العلاجات التقليدية تقدم استجابة غير كافية لبعض المرضى، مما يدفع العلماء إلى البحث عن علاجات بيولوجية أكثر دقة وفاعلية.

ونستعرض هنا أحدث التطورات في تشخيص وعلاج الحزَّاز المسطح، مع التركيز على العلاجات المستجدة، بما في ذلك العلاجات البيولوجية المستهدفة، والتي أظهرت نتائج واعدة في الحد من الالتهاب وتحسين الأعراض لدى المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية.

الحزَّاز المسطح

يصيب التهاب الحزَّاز المسطح 1 - 2 في المائة من عامة السكان، وهو مرض جلدي مناعي ذاتي يتميز بظهور طفح جلدي على شكل نتوءات مسطحة أو بثور صلبة (Papules) متعددة الأضلاع ذات لون بنفسجي، تتطور على مدى عدة أسابيع، وقد يكون الطفح مصحوباً بحكة شديدة.

يصيب المرض الجلد والشعر والأظافر ويؤثر أيضاً على الأغشية المخاطية في الفم والأعضاء التناسلية، مما يسبب تقرحات مؤلمة قد تؤدي إلى مضاعفات طويلة الأمد، مثل تليف الأنسجة وزيادة خطر التحول الخبيث في بعض الحالات. يؤثر المرض بشكل كبير على جودة حياة المرضى بسبب الحكة الشديدة أو الألم.

وعن آلية المرض، تشير الدراسات إلى أن الحزَّاز المسطح ناتج عن استجابة مناعية غير طبيعية تُهاجم فيها الخلايا التائية الطبقةَ القاعدية للبشرة التي تسمى الكيراتينوسيتات (Keratinocytes)، مما يؤدي إلى تلفها وتحفيز الالتهاب المزمن. وتلعب عوامل النمو الالتهابية ومنها الإنترلوكين-17 (IL-17) دوراً رئيسياً في تطور المرض. وقد أظهرت الدراسات الحديثة ارتباط المرض ببعض الفيروسات، مثل فيروس التهاب الكبد الوبائي سي (HCV)، مما يفتح المجال أمام استراتيجيات علاجية جديدة.

عوامل الخطر

رغم أن السبب المباشر للحزَّاز المسطح غير معروف بشكل دقيق، فإن هناك عدة عوامل قد تزيد من خطر الإصابة به، وتشمل:

• الاضطرابات المناعية: يُعتقد أن اضطرابات المناعة الذاتية تلعب دوراً رئيسياً في تطور المرض، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا الجلد والأغشية المخاطية بشكل غير طبيعي.

• الالتهابات الفيروسية: وُجد ارتباط بين الحزَّاز المسطح والإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي سي (HCV)، إذ أظهر بعض الدراسات زيادة معدلات الإصابة بالحزَّاز المسطح بين مرضى التهاب الكبد.

• العوامل الوراثية: قد يكون للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالحزَّاز المسطح قابلية أكبر للإصابة، مما يشير إلى احتمال وجود عوامل جينية مرتبطة بالمرض.

• التوتر والضغوط النفسية: يُعد الإجهاد النفسي والعاطفي من المحفزات التي قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض أو ظهور المرض لدى بعض الأشخاص.

• استخدام بعض الأدوية: بعض الأدوية مثل أدوية ارتفاع ضغط الدم مثل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE inhibitors) وبعض مضادات الملاريا قد تتسبب في ظهور طفح شبيه بالحزَّاز المسطح.

• التعرض لمواد كيميائية معينة: يؤدي بعض المواد الكيميائية، مثل تلك المستخدمة في حشوات الأسنان المعدنية، إلى رد فعل تحسسي شبيه بالحزَّاز المسطح في الفم.

التشخيص

كيف يشخَّص الحزَّاز المسطح؟ يعتمد التشخيص على الفحص السريري المدعوم بالخزعة الجلدية التي تُظهر واجهة التهاب اللُّحمة الليمفاوية (lichenoid interface dermatitis). وتشمل الوسائل التشخيصية الحديثة ما يلي:

• التنظير الجلدي (Dermatoscopy): يُساعد في تمييز المرض عن حالات جلدية أخرى مثل الصدفية والذئبة الحمامية.

• الفحوص الجينية والمناعية: تشير الأبحاث إلى أن بعض الجينات المرتبطة بالمناعة الذاتية قد تلعب دوراً في القابلية للإصابة بالمرض.

• الاختبارات المَصلية لالتهاب الكبد الفيروسي «سي» في الحالات المشتبه بها.

العلاج

علاج الحزَّاز المسطح صعب وخياراته ما زالت قليلة. وحتى الآن، لم تتوفر أدوية خاصة بمرض الحزَّاز المسطح. ورغم غياب العلاج الشافي فإن هناك علاجات متنوعة بإمكانها المساعدة في إدارة الأعراض. إلا أن هذه العلاجات قد تترافق مع آثار جانبية، مثل ترقق الجلد، وضعف الجهاز المناعي، وزيادة خطر التعرض للعدوى.

وهناك حاجة لمزيد من الخيارات لأولئك المرضى الذين لا يستجيبون للعلاج، ومنهم المصابون ببعض الأنواع الفرعية من المرض، مثل الحزَّاز المسطح الضخامي والحزَّاز المسطح المخاطي، وهي حالات مزمنة لا تستجيب للعلاج.

• أولاً- العلاجات التقليدية، وتشمل:

- الكورتيكوستيرويدات الموضعية (Topical Corticosteroids): لا تزال خط العلاج الأول، حيث تساعد على تقليل الالتهاب والحكة.

- مثبطات الكالسينيورين (Tacrolimus , Pimecrolimus): تُستخدم في الحالات المخاطية خاصةً التي لا تستجيب للستيرويدات.

- الكورتيكوستيرويدات الجهازية: مثل بريدنيزولون، تُستخدم في الحالات الشديدة أو المنتشرة.

• ثانياً- العلاجات المستجدة: مع التقدم في فهم آليات المرض، ظهرت علاجات جديدة تهدف إلى تثبيط الالتهاب المناعي وتحسين جودة حياة المرضى.

وتشمل أحدث الخيارات العلاجية:

1. العلاجات البيولوجية والجزيئية المستهدفة، وتتضمن:

- مثبطات إنزيم جانوس كيناز Janus kinase (JAK)؛ مثل Tofacitinib وRuxolitinib، التي أظهرت فاعليتها في تثبيط الالتهاب المناعي لدى بعض المرضى.

- مثبطات إنترلوكين 17، 23 (IL-17 , IL-23) تُستخدم عادةً لعلاج الصدفية، وهناك دراسات تُقيّم فاعليتها في الحزَّاز المسطح المقاوم للعلاج التقليدي.

- العلاج الضوئي (PUVA). يُعد خياراً مفيداً للحالات الجلدية المنتشرة.

2. العلاجات التجريبية والمستقبلية، وتشمل:

- العلاج بالخلايا الجذعية: يتم حالياً دراسة إمكانية استخدام الخلايا الجذعية في تقليل الالتهاب وإصلاح الأنسجة المتضررة.

- العلاجات المناعية الموجهة: يتم تطوير أدوية تستهدف مسارات مناعية محددة قد تكون أكثر فاعلية وأقل آثاراً جانبية.

• ثالثاً- العلاج الموجَّه.

دراسة حديثة

أجرى باحثون دراسة برئاسة الدكتور مانغولد (Aaron R. Mangold, M.D)، دكتوراه في الأمراض الجلدية، واستشاري وباحث في مركز «مايو كلينيك الشامل للسرطان» في فينيكس، والمهتم بدراسة الحالات الالتهابية النادرة والعلاجات الجديدة.

ونُشرت الدراسة في مجلة الفحوص السريرية (Journal of Clinical Investigation)، ووصفت المرحلة الثانية في التجربة السريرية الأولى التي أجروها على الإنسان. حددت هذه الدراسة علاجاً موجّهاً أظهر قدرة واعدة على تحسين الأعراض لدى مرضى الحزَّاز المسطح.

وحدد الباحثون تغييرات جزيئية وخلوية فريدة في الجلد المصاب بالحزَّاز المسطح، وعلى وجه التحديد استجابة مناعية مفرطة تشمل أنواعاً محددة من الخلايا التائية (T cells)، وهي مكون شديد الأهمية في الجهاز المناعي.

ودرسوا السيتوكينات (Cytokines) وهي بروتينات صغيرة ضرورية للتحكم في نمو ونشاط خلايا الجهاز المناعي وخلايا الدم الأخرى. وتشمل إنترفيرون غاما (interferon-gamma)، وهي إشارة حرجة للاستجابات الطبيعية المضادة للفيروسات، والتي تصبح شاذة حال الإصابة بالحزَّاز المسطح وتسبب مهاجمة الخلايا المناعية للخلايا الطبيعية.

وكذلك إنزيمات جانوس كيناز (Janus kinase (JAK)) التي تؤدي دوراً في غاية الأهمية في استجابة الجسم للالتهابات.

استخدم الباحثون، لعلاج المرضى المسجلين في الدراسة، عقار باريسيتينيب (baricitinib) الذي يعوق بشكل انتقائي المسارات الالتهابية المحدَّدة للحزاز المسطح. والباريسيتينيب هو أحد مثبطات إنزيمي جانوس كيناز 1 و2 اللذين يقطعان مسار إرسال إشارات إنترفيرون غاما عن طريق تعطيل هذه الإنزيمات، وهذا يساعد على تقليل الالتهاب وكبت الاستجابة المناعية المفرطة التي تسهم في مثل تلك الحالات.

نتائج وتوصيات

أظهر المرضى المصابون بالحزَّاز المسطح المقاوم للعلاج استجابةً سريريةً مبكرةً ومستمرةً، إذ تحسّنت الأعراض بنسبة 83 في المائة خلال 16 أسبوعاً من العلاج، وهو تحسّن ملحوظ مقارنةً بالقيمة القاعدية. وخفّضت المعالَجة سريعاً نشاط الإنترفيرون، وهو جزيء إشاري في هذا المرض، كما خفضت الخلايا التائية المحدَّدة المسببة للأمراض.

وصف الدكتور مانغولد هذا البحث بأنه يُعد خطوة مهمة في رسم الصورة الكاملة لفهم أمراض المناعة الذاتية والالتهابات، وعلاجها، وأنه يقدم رؤى قيمة بخصوص الفسيولوجيا المرضية للحزَّاز المسطح، ويُظهر إمكانات الباريسيتينيب بوصفه علاجاً موجهاً واعداً، وأن نتائج الدراسة توفر خياراً علاجياً محتملاً وفعالاً ومخصصاً لمرض الحزَّاز المسطح وعلاجاً مستهدفاً لأمراض التهابية أخرى.

يُعد الحزَّاز المسطح مرضاً مزمناً يُؤثر بشكل كبير في جودة الحياة، لذا فإن الباحثين في الدراسة يوصون بالآتي:

- لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات السريرية لتحديد أفضل الاستراتيجيات العلاجية، خصوصاً في الحالات المقاومة.

- يُنصح الأطباء بالاعتماد على نهج علاجي متكامل يجمع بين العلاج التقليدي والخيارات البيولوجية الحديثة وفقاً لكل حالة.

- تمهد هذه العلاجات الحديثة الطريق نحو تحسين السيطرة على المرض وتقليل فرص الانتكاس.

* استشاري طب المجتمع