النظام الإيراني في مواجهة محتجين عازمين على التغيير

مسيرة احتجاجية في طهران أكتوبر الماضي (أ.ب)
مسيرة احتجاجية في طهران أكتوبر الماضي (أ.ب)
TT

النظام الإيراني في مواجهة محتجين عازمين على التغيير

مسيرة احتجاجية في طهران أكتوبر الماضي (أ.ب)
مسيرة احتجاجية في طهران أكتوبر الماضي (أ.ب)

تشهد إيران منذ أكثر من مائة يوم احتجاجات كسرت محرّمات وطالت ركائز المؤسسة الحاكمة، في محاولة لإحداث تغيير قوبلت بحملة قمع عنيفة.
واندلعت المظاهرات في إيران خلال منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي بعد وفاة الشابة مهسا أميني التي أوقفتها «شرطة الأخلاق» بدعوى «سوء الحجاب».
ويقول خبراء إن الغضب الشعبي العارم يتغذّى أيضاً من التدهور الاقتصادي والقيود الاجتماعية التي يعاني منها السكان البالغ عددهم 85 مليوناً، منذ عقود، وفق تحليل نشرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وشهدت إيران احتجاجات في السابق، لكن الحركة الحالية غير مسبوقة لناحية مدّتها واتّساع نطاقها على صعيد محافظات البلاد والطبقات الاجتماعية والمجموعات الإثنية، كما المطالبة العلنية بوضع حد للنظام.
فقد أُحرقت صور المرشد علي خامنئي، وسارت نساء في الشوارع من دون مناديل على رؤوسهن، كما سجّلت صدامات بين متظاهرين وقوات الأمن.
وتتّهم إيران قوى أجنبية معادية بتأجيج ما تصفها بـ«أعمال شغب»، خصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك فرنسا وبريطانيا، وأيضاً فصائل كردية إيرانية معارضة تتخذ من العراق مقراً، وقد استهدفتها إيران مراراً بضربات صاروخية وبواسطة مسيّرات.
وفي ما بدا تصعيداً لحملة القمع، أعدمت السلطات الإيرانية هذا الشهر شخصين على ارتباط بالاحتجاجات، مما أثار ردود فعل غاضبة في العالم ودفع دولاً غربية إلى فرض عقوبات جديدة على إيران.
وكان المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، أعلن في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلغاء «شرطة الأخلاق»، لكن كثيرين في الداخل والخارج شككوا في الإعلان، في ظلّ استمرار تطبيق قانون الحجاب الإلزامي الذي يتطلب إلغاؤه تصويت البرلمان، أو إعلاناً رسمياً من «اللجنة الثقافية العليا» الخاضعة لمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي.
وتقول الناشطة الحقوقية، شادي صدر، المشاركة في تأسيس مجموعة «العدالة من أجل إيران» التي تدفع باتّجاه المحاسبة عن الانتهاكات الحقوقية ومقرّها لندن: «كان واضحاً جداً منذ البداية أن الاحتجاجات لم تكن من أجل الإصلاح أو ضد (شرطة الأخلاق)؛ بل كانت تستهدف النظام برمّته».
وتضيف لوكالة الصحافة الفرنسية: «ما يحدث هو تحدّ جوهري للنظام»، مضيفة أن «المحتجين يريدون رحيل النظام»، وهذا الأخير «يدرك أنه يواجه تهديداً حقيقياً من المحتجين».
- «لم يسبق أن بدا أكثر ضعفاً»
وانحسر الحراك الاحتجاجي خلال الأيام الأخيرة، لكن «منظمة حقوق الإنسان في إيران» التي تتخذ من أوسلو مقرّاً، تقول إن هناك تحركات «كل يوم في أنحاء مختلفة من البلاد».
وانتشرت تسجيلات فيديو تظهر مسيرات ليلية في بعض المدن بداية هذا الأسبوع مع تخطي الاحتجاجات 100 يوم، وبعد ذلك، شهد بعض المدن في أنحاء البلاد مراسم أربعينية قتلى سقطوا بنيران قوات الأمن الشهر الماضي.
ويقول مدير «منظمة حقوق الإنسان في إيران»، محمود أميري مقدم، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا عودة إلى الوراء».
بالنسبة إلى كسرى أعرابي، كبير خبراء شؤون إيران في «معهد توني بلير للتغيير العالمي»؛ «المزاج في إيران ثوري»، مشيراً إلى عدد متزايد من المعارضين للنظام خلال السنوات الأخيرة. ويتابع: «يمكنهم (السلطات) أن يحاولوا قمع المحتجين، لكن لا يمكنهم قمع المزاج الثوري».
وتتّهم مجموعات حقوقية النظام بانتهاكات لحقوق الإنسان؛ بما في ذلك إعدامات خارج نطاق القانون، وعمليات خطف في الخارج، وفرض الإقامة الجبرية على رعايا أجانب.
ووفق «منظمة العفو الدولية»؛ أصبحت إيران البلد الأكثر تطبيقاً لعقوبة الإعدام في العالم، بعد الصين. وطبقاً لـ«منظمة حقوق الإنسان في إيران»؛ أعدمت طهران هذا العام أكثر من 500 شخص.
ويشكّل ملف إيران النووي نقطة خلاف أساسية بين الجمهورية الإسلامية والغرب.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، في تسجيل مصوّر نشر الأسبوع الماضي ويعود إلى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إن المفاوضات حول الملف النووي التي كانت جارية في جنيف بين إيران ودول كبرى، «توقفت؛ ولكننا لن نعلن ذلك».
ويتهم خصوم إيران؛ بينهم دول عربية، الجمهورية الإسلامية بمحاولة مدّ نفوذها في الشرق الأوسط، عبر حلفائها في لبنان والعراق، والتدخّل في النزاعين السوري واليمني.
من جهة أخرى؛ عزّزت إيران مؤخراً علاقتها مع موسكو وزوّدت القوات الروسية بمسيّرات بتكلفة زهيدة استخدمت في هجمات على كييف وغيرها من المدن الأوكرانية، مما أثار تنديداً دولياً.
على الرغم من ذلك؛ فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه الجمهورية الإسلامية يوجد اليوم في الداخل الإيراني.
وقال الباحث في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، كريم سجاد بور، لصحيفة «فورين أفيرز» الأميركية: «لم يسبق أن بدا النظام الإيراني في سنواته الـ43 أكثر ضعفاً» من اليوم.
- «آلة قمع»
وتتصدّى السلطات للاحتجاجات بما وصفتها منظمة العفو الدولية بـ«آلة قمع»، وتستخدم الرصاص الحي، وتلجأ إلى توقيفات واسعة النطاق.
وتقول «منظمة حقوق الإنسان في إيران» إن 476 شخصاً في الأقل؛ بينهم 64 تقل أعمارهم عن 18 عاماً، قتلوا في جميع أنحاء البلاد بأيدي قوات الأمن خلال قمع المسيرات المناهضة للنظام.
وأسفر قمع المظاهرات عن اعتقال نحو 14 ألف شخص؛ وفق الأمم المتحدة، بينهم شخصيات فنية وثقافية مثل مغني الراب توماج صالحي الذي يمكن أن يحكم عليه بالإعدام في حال أدين، والممثلة ترانه عليدوستي التي نشرت سلسلة منشورات عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم الاحتجاجات، ونزعت حجابها، وندّدت بإعدام محتجين.
وفي إحصائية قريبة، تقول «وكالة نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)» إن عدد القتلى وصل إلى 507 أشخاص في صفوف المحتجين؛ من بينهم 69 طفلاً. ويقدر عدد المعتقلين بـ18533 شخصاً في 161 مدينة و144 جامعة هزتها الاحتجاجات. وقتل 66 عنصراً من قوات الأمن؛ غالبيتهم من ميليشيا «الباسيج»، في الاشتباكات مع المتظاهرين. وأصدر القضاء الإيراني حتى الآن 9 أحكام بالإعدام مرتبطة بالاحتجاجات؛ غير حكمي الإعدام اللذين تم تنفيذهما.
ووفق «منظمة حقوق الإنسان في إيران»، يواجه نحو 100 شخص اتهامات تعرضهم لاحتمال صدور أحكام بالإعدام بحقهم. رغم ذلك، فإن أميري مقدّم يقول إن «استراتيجية نشر الخوف عبر الإعدامات فشلت»، وزادت من الغضب الشعبي.
لكن كل هذا لا يعني أن النظام على وشك السقوط؛ وفق شادي صدر. وتقول: «تفكيك نظام على غرار الجمهورية الإسلامية مهمة بالغة الصعوبة»، متطرّقة إلى «عناصر مفقودة» تحول دون النجاح في هذه المهمة؛ بينها «تنظيم أفضل للمحتجين، واستجابة دولية أقوى».
- «سننتصر»
وخلافاً للتحرك الذي قاده الخميني لإطاحة الشاه في سبعينات القرن الماضي، لا يوجد قائد للحركة الاحتجاجية الحالية. لكن أعرابي يشير إلى شخصيات من مناطق مختلفة تشكّل مصدر إلهام للمحتجين؛ بينهم الناشط في الدفاع عن حرية التعبير، حسين رونقي، الذي أُطلق سراحه في نوفمبر بعدما أضرب عن الطعام شهرين، والمعارض البارز مجيد توكلي الذي لا يزال قابعاً في الحبس، والناشطة المخضرمة في الدفاع عن حقوق النساء فاطمة سبهري.
ويقول أعرابي: «هذه الاحتجاجات ليست بلا قيادة»؛ لأن المتظاهرين يتحركون على أساس أنهم «في خضم ثورة لا رجعة فيها».
من سجن «إيفين» في طهران، أكدت الناشطة الحقوقية نرجس محمدي، التي اعتقلت قبل بدء الاحتجاجات، «مواصلة النضال». وجاء في رسالة سلّمتها عائلتها إلى البرلمان الأوروبي: «أنا واثقة بأننا سننتصر».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

نتنياهو: الضربات الإسرائيلية أثارت «ردود فعل متسلسلة» ستغير وجه المنطقة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو: الضربات الإسرائيلية أثارت «ردود فعل متسلسلة» ستغير وجه المنطقة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الخميس)، أن الضربات التي وجّهتها إسرائيل إلى إيران وحلفائها في الشرق الأوسط أثارت «ردود فعل متسلسلة» ستغير وجه المنطقة برمتها في المستقبل، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال نتنياهو، في كلمة موجهة إلى الشعب الإيراني، إن «الأحداث التاريخية التي نشهدها اليوم هي ردود فعل متسلسلة».

وتابع: «ردود فعل متسلسلة على قصف (حركة) حماس والقضاء على (حزب الله) واستهداف (أمينه العام السابق حسن) نصر الله، والضربات التي سدّدناها لمحور الرعب الذي أقامه النظام الإيراني».

واتهم نتنياهو إيران بإنفاق عشرات مليارات الدولارات لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أطاحه هجوم شنّته فصائل معارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام»، ودعم حركة «حماس» في قطاع غزة و «حزب الله» في لبنان.

وأكد أن «كل ما تسعى إليه إسرائيل هو الدفاع عن دولتها، لكننا من خلال ذلك ندافع عن الحضارة بوجه الوحشية».

وقال للإيرانيين: «إنكم تعانون تحت حكم نظام يسخركم ويهددنا. سيأتي يوم يتغير هذا. سيأتي يوم تكون فيه إيران حرة». وتابع: «لا شك لديّ في أننا سنحقق هذا المستقبل معاً أبكر مما يظن البعض. أعرف وأؤمن بأننا سنحول الشرق الأوسط إلى منارة للازدهار والتقدم والسلام».

ومع سقوط الأسد، خسرت إيران في سوريا حلقة رئيسية في «محور المقاومة» الذي تقوده ضد إسرائيل، بعد أن خرج حليفها الآخر «حزب الله» ضعيفاً من الحرب مع إسرائيل.

ولطالما أدّت سوريا، التي تتشارك مع لبنان حدوداً طويلة سهلة الاختراق، دوراً استراتيجياً في إمداد «حزب الله» اللبناني المدعوم عسكرياً ومالياً من إيران، بالأسلحة.