بنفس التفاصيل؛ تكرر مشهد جديد من مشاهد حوادث الانتحار في مصر، بعد أن أقدم مُعلم مصري على إنهاء حياته بتناول قرص "مبيد حشري سام" يستخدم في حفظ حبوب الغلال يعرف بـ"حبة الغلة"، وذلك في بث مباشر عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
ووفق التحريات الأولية في الحادثة، فإن "مُعلم لمادة التربية الفنية بمحافظة الفيوم (92 كم جنوب غربي القاهرة)، وثق لحظات انتحاره عبر صفحته على (فيسبوك) عبر خاصية البث المباشر، معلناً تناوله الحبة السامة للخلاص من الحياة، بسبب أزمة نفسية تعرض لها بسبب خلافات مع إحدى السيدات، وأنه غير قادر على استكمال حياته".
وشهدت مصر 2584 حالة انتحار خلال عام 2021، وفقًا لإحصائية صادرة عن النيابة العامة في البلاد، مطلع العام الحالي. وفي الآونة الأخيرة تم تسجيل حالات عديدة لقتل النفس بأكثر من طريقة، من بينها تناول حبة الغلال السامة والخروج بعدها في بث مباشر، قبل أن تتفاعل داخل جسم المنتحر مع المياه وعصارة المعدة وتُنتج بالجسم غاز الفوسفين شديد السمية الذي يُسبب انفجاراً في المعدة".
وخلال الشهر الجاري فقط تم رصد عدة وقائع للانتحار بالمحافظات المصرية بتناول حبة حفظ الغلال السامة، أبرزها قيام شاب بمحافظة الشرقية (دلتا مصر) في بث مباشر بالتخلص من حياته. وقال إنه "يوجد خلافات مع والده كانت السبب في تخلصه من حياته بتناول حبوب الغلال". كما أقدمت فتاة على الانتحار داخل شقتها بالقاهرة، ومع تحقيقات النيابة العامة مع أسرتها، تبين نشوب خلافات متكررة بينهم، وهو ما دفعها إلى الانتحار، وتكرر الأمر في محافظة بني سويف القريبة من القاهرة مع إقدام فتاة عمرها 14 عاما، على الانتحار بنفس الوسيلة، كما قام طالب يبلغ عمره 18 عاما، على الانتحار نتيجة مشادة كلامية بينه وبين شقيقه، ما دفعه لتناول حبة حفظ الغلال للتخلص من حياته".
ومن أبرز الوقائع خلال الأشهر الماضية، والتي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، واقعة انتحار شاب خلال «بث مباشر» على «فيسبوك» مستعيناً بحبات «حفظ الغلال»، احتجاجاً على تعرضه لـ«الظلم» - حسب قوله - من قبل أحد أقاربه الذي وجه له اللوم بجملة «أنتظرك في الآخرة»، ولم تفلح محاولات الإنقاذ لينتهي البث بالوفاة.
وخلال امتحانات الثانوية العامة الصيف الماضي، تم رصد أكثر من واقعة، منها انتحار طالبة (16 عاما) بتناول حبة الغلال السامة بعد لمرورها بظروف نفسية سيئة عقب إخفاقها في الإجابة عن أسئلة الامتحانات، حيث غافلت أسرتها وتناولت الحبة السامة بعد أن أخبرتهم بعدم قدرتها على الإجابة".
تعليقاً على انتشار تلك الحوادث، يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بجامعة القاهرة، لـ"الشرق الأوسط"، "كل من يقبل على الانتحار لديه مبرراته، ورغم ذلك فهم (شخصيات غير ناضجة)، يعانون من الاضطرابات النفسية، ويشعرون بالضغوطات فيلجأون إلى التخلص منها عبر قتل أنفسهم". ويضيف: "ما نراه من اللجوء إلى الانتحار وتوثيق ذلك بالبث المباشر، هو رغبة المنتحر في إيصال شعور الذنب لمن تسبب في إقدامه على الانتحار، وأنه تعرض للظلم بسببه، بمعنى أنه يريد ضرب عصفورين بحجر واحد".
عن تزايد حالات الانتحار باللجوء إلى حبة حفظ الغلال. قال: "عندما يتعرض الفرد للضغط النفسي ويقرر الانتحار، فهو يلجأ إلى العقل الباطن بما فيه قصص مشابهة ومماثلة، واستدعاءها تحت الضغوط، ثم تقليد الذي يتذكره من هذه القصص، ونحن نرى ذلك في أعمار العشرينيات والثلاثينيات الذين يشاهدون على منصات التواصل الاجتماعي وقائع الانتحار، بتناول حبة الغلال ثم تصوير المنتحرين لحظاتهم الأخيرة، وهو ما روج لتلك الفكرة بينهم".
ويقلل استشاري الطب النفسي مما يروج له من دعوات لحظر تداول وبيع حبوب الغلال السامة لتقليل الانتحار. ويضيف "نحن نحتاج إلى الوعي لعلاج مشكلة تزايد الانتحار".