«قراءة للعقل المصري» من مرآة الأدب والطب النفسي

تجربة عملية يرويها الدكتور أحمد عكاشة

«قراءة للعقل المصري» من مرآة الأدب والطب النفسي
TT

«قراءة للعقل المصري» من مرآة الأدب والطب النفسي

«قراءة للعقل المصري» من مرآة الأدب والطب النفسي

يفرد الدكتور أحمد عكاشة مساحة كبيرة من كتابه «قراءة للعقل المصري»، الصادر عن دار «الكرمة» بالقاهرة، للعلاقة الفريدة التي تجمع بين الطب النفسي والأدب. وتنبع قيمة تلك الشهادة ليس فقط من مصداقية صاحبها كعالم نفس معروف، بل كذلك من استنادها إلى تجربة شخصية وممارسات عملية وليس فقط مجرد تنظير بحت. يشير المؤلف في البداية إلى أنه حين كان بصدد حصوله على الدكتوراه من بريطانيا في الستينيات، اكتشف للمرة الأولى أنه لا يوجد فرع في الطب له علاقة بالأدب والفن مثل الطب النفسي. وحدث أن ذهب إلى أستاذه في المعهد يسأله عن أهم المراجع والكتب التي يجب عليه قراءتها كباحث دكتوراه في مجال الطب النفسي. فوجئ بأستاذه البريطاني يذكر له أسماء ثلاث روايات ومسرحيتين وعندما ذهب للمكتبة وجد أنها روايات عادية جداً وليس لها علاقة بالطب النفسي، فذهب إليه ثائراً وأخبره أنه جاء هنا ضمن بعثة من بلاد فقيرة ووقته لا يسمح بقراءة القصص والروايات، وأنه يريد مطالعة المراجع الطبية المتخصصة مباشرة فابتسم البروفسور وقال له: «تأكد أنني لا أضيع من وقتك وأنني سوف أجعلك تستفيد، اقرأ وسوف نناقش كل عمل قرأته».
وكان أول الأعمال التي قرأها رواية «المحاكمة» للكاتب التشيكي «فرانز كافكا» (1883 - 1924) فوجد أنها ممتعة للغاية، ولكنه وجد أيضاً أن الكاتب يجنح لخيال غريب، وأحياناً تتداخل الألفاظ والمعاني بحيث يتداخل الأمر على القارئ فنصبح بصدد أحد أشكال اضطرابات التفكير. وعندما سأله أستاذه عن رأيه في فكر «كافكا»، أجابه بأنه ليس مترابط التفكير فقال له: «نعم إنه كان يعاني من اضطراب فصامي وعنده اضطراب في التفكير». وبدأ أستاذه يطلب منه قراءة «هاملت» و«عطيل» لشكسبير، وأن يحضر عروض المسرحيات الحية. كانت البداية غريبة إذن، أستاذ في الطب النفسي يجعل من الأدب أداة لتعليم تلاميذه مبادئ هذا التخصص، لكنها البداية الصحيحة التي يتمنى د. عكاشة أن تسود المجتمعات العربية حالياً.
ويقول: «الطبيب النفسي الناجح إذن يجب أن يكون على وعي تام، ليس فقط بالفن والأدب، ولكن أيضاً بالعلاقات الإنسانية التي تؤثر حتى في السياسة العامة للدول، فالذي يقوم بسياسة الدول أفراد لهم سمات تعليم وتكوين في الشخصية، بحيث إنه من الممكن إلى حد ما فهم القرار الذي يتخذه كل زعيم سياسي بل توقعه كذلك. ولا شك أن البصمة الأدبية والفنية وثيقة الصلة بالطب النفسي كون المجالين يشتغلان على موضوع واحد هو النفس الإنسانية. ومن الملاحظ أن معظم الأفلام والروايات سواء التي تحصل على جوائز أم لا، تقوم على العلاقات النفسية بين الأفراد كما أن الاضطرابات النفسية تشغل نحو 70 في المائة أو 80 في المائة من كل ما نقرأه عبر سطور الحبكة الأدبية أو مما نراه على الشاشة».
ويوضح، أن كل العقد النفسية الكبرى في مجال الطب النفسي مأخوذة من الأساطير اليونانية القديمة سواء «عقدة أوديب» أو «إلكترا» أو حتى الاضطرابات السادية والمازوخية وكلها لها علاقة مباشرة بالأدب. ولا شك أن معرفة مثل هذه الأشياء تضفي على التخصص ثراء. الأمر الذي جعل د. أحمد عكاشة يقر أن الأدب ساعده في احتراف الطب النفسي، وما زالت هوايته الأساسية في أوقات فراغه حتى الآن هي القراءة في فن الرواية.
وتعليقاً على خيارات الأدباء نفسياً وفكرياً كما لاحظها المؤلف عن قرب عبر مراحل مختلفة من حياته، فقد اتضح له أن الكاتب عادة ما يتجه لآيديولوجيا الرفض والتمرد والبحث عن قوة التغيير المتمثلة في «اليسار» قبل سن الثلاثين، غير أنه بعد انتهاء تلك الفورة الشبابية ينزع الأديب نحو العقلانية والنضج. إذن فشباب الأدباء في مرحلة ما يريدون المثالية كما يريدون إزالة الفوارق بين الطبقات، وأيضاً يريدون تملك الدولة لكل شيء، وهذا يكون نابعاً من حماس زائد، فضلاً عن الفكرة الشائعة لدى الناس أن اليسار مرتبط أكثر بالثقافة حتى أن الانتماء إليه في زمن ما كان نوعاً من «الموضة»! هذا لا يمنع بالطبع وجود مثقفين رائعين ينتمون إلى المعسكر الآخر وهو «اليمين»، كما ثبت حالياً أن قيمة المثقف تنبع من صدقه مع نفسه ووطنه واتساقه مع قناعاته وليس مجرد اللافتة الفكرية أو الشعار الذي يرفعه.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

عدّدت مصر «إنجازاتها» في ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، قبل مناقشة «تقرير المراجعة الشاملة» أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، في يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكدت القاهرة «هدم السجون (غير الآدمية) وإقامة مراكز إصلاح حديثة».

وتقدمت الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتقريرها الرابع أمام «آلية المراجعة الدورية الشاملة» التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، تمهيداً لمناقشته الشهر المقبل، وهو تقرير دوري تقدمه مصر كل 4 سنوات... وسبق أن قدّمت القاهرة 3 تقارير لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في أعوام 2010، و2014، و2019.

وقال عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بمصر، رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» (مؤسسة حقوقية)، عصام شيحة، إن «الحكومة المصرية حققت (قفزات) في ملف حقوق الإنسان»، وأشار في تصريحات تلفزيونية، مساء الخميس، إلى أن «السنوات الأخيرة، شهدت قنوات اتصال بين المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية بمصر»، منوهاً إلى أن «مصر هدمت كثيراً من السجون القديمة التي كانت (غير آدمية) وأقامت مراكز إصلاح حديثة».

وأوضح شيحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، أن «الحكومة المصرية تبنت فلسفة عقابية جديدة داخل السجون عن طريق الحد من العقوبات السالبة للحريات، وأنها هدمت نحو 15 سجناً، وقامت ببناء 5 مراكز إصلاح وتأهيل وفق أحدث المعايير الدولية، وتقدم برامج لتأهيل ودمج النزلاء».

عادّاً أن تقديم مصر لتقرير المراجعة الدورية أمام «الدولي لحقوق الإنسان» بجنيف، «يعكس إرادة سياسية للتواصل مع المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان».

وشرعت وزارة الداخلية المصرية أخيراً في إنشاء «مراكز للإصلاح والتأهيل» في مختلف المحافظات، لتكون بديلة للسجون القديمة، ونقلت نزلاء إلى مراكز جديدة في «وادي النطرون، وبدر، و15 مايو»، وتضم المراكز مناطق للتدريب المهني والفني والتأهيل والإنتاج، حسب «الداخلية المصرية».

ورغم الاهتمام الحكومي بملف حقوق الإنسان في البلاد، وفق مراقبين؛ فإن عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» يرى أن «هناك ملفات تحتاج إلى تحرك مثل ملف الحبس الاحتياطي في التهم المتعلقة بالحريات».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستعرض التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» في مصر (الرئاسة المصرية)

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استجابته لتوصيات مناقشات «الحوار الوطني» (الذي ضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بشأن قضية الحبس الاحتياطي، داعياً في إفادة للرئاسة المصرية، أغسطس (آب) الماضي، إلى «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس، وتطبيق بدائل مختلفة للحبس الاحتياطي».

ويرى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن أبو العلا، أن «الحكومة المصرية حققت تقدماً في تنفيذ محاور (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان) التي أطلقتها عام 2021»، ودلل على ذلك بـ«إلغاء قانون الطوارئ، وتشكيل لجان للعفو الرئاسي، والسعي إلى تطبيق إصلاح تشريعي مثل تقديم قانون جديد لـ(الإجراءات الجنائية) لتقنين الحبس الاحتياطي».

وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد عرض على الرئيس المصري، الأربعاء الماضي، التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، متضمناً «المبادرات والبرامج التي جرى إعدادها للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي».

وحسب إفادة للرئاسة المصرية، وجه الرئيس المصري بـ«استمرار جهود نشر الوعي بحقوق الإنسان في مؤسسات الدولة كافة، ورفع مستوى الوعي العام بالحقوق والواجبات»، وشدد على «تطوير البنية التشريعية والمؤسسية لإنجاح هذا التوجه».

عودة إلى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بـ«النواب» الذي قال إن ملف حقوق الإنسان يتم استغلاله من بعض المنظمات الدولية سياسياً أكثر منه إنسانياً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ازدواجية في معايير بعض المنظمات التي تغض الطرف أمام انتهاكات حقوق الإنسان في غزة ولبنان، وتتشدد في معاييرها مع دول أخرى».