دمشق غارقة... وعروض «مؤلمة» تنتظر الحسم

(تحليل إخباري)

صورة لأحد شوارع حمص في 3 أكتوبر 2021 (رويترز)
صورة لأحد شوارع حمص في 3 أكتوبر 2021 (رويترز)
TT

دمشق غارقة... وعروض «مؤلمة» تنتظر الحسم

صورة لأحد شوارع حمص في 3 أكتوبر 2021 (رويترز)
صورة لأحد شوارع حمص في 3 أكتوبر 2021 (رويترز)

دمشق الغارقة في أزمتها الاقتصادية الخانقة، وسوريا الطاردة لأهلها، والمقسمة إلى 3 «دويلات» تفصل بينها خطوط أقرب إلى الحدود، وتقيم فيها ميليشيات وتنظيمات ومتطرفون وجيوش أجنبية متناحرة... تأتي إليها من دول إقليمية وكبرى، عروض متناقضة وشروط متباينة لبدء مسيرة طويلة ومعقدة للخروج من القعر والمنطقة المنبوذة،
لكن ما هي أهم الشروط والإغراءات؟
1- العرض الإيراني: سيصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق في الأيام المقبلة. وقد عززت طهران، التي تقيم مع دمشق علاقة استثنائية منذ عام 1979، علاقتها بسوريا بعد 2011، وقدمت دعماً اقتصادياً ومالياً تجاوز 20 مليار دولار أميركي، كما قدمت الميليشيات والأسلحة والدعم العسكري لـ«إنقاذ النظام».
وتعتقد طهران أنه لولا تدخلها في سوريا نهاية 2012 وتوسطها مع روسيا للتدخل في سوريا نهاية 2015 «لكان الحليف تغير». النظام بقي، وأُبقي، وهي تريد ثمناً لذلك من الحليف. تريد تموضعاً عسكرياً استراتيجياً يعزز موقعها في الإقليم، وتريد موطئ قدم استراتيجياً على البحر المتوسط، وتريد تنازلات سيادية مالية في حقول النفط والغاز والفوسفات والمشاريع والاتصالات. وآخر الطلبات أنها تريد أن يعامَل الإيرانيون معاملة السوريين.
لا شك في أن زيارة رئيسي تأتي في هذا السياق، بعد انهمار العروض على دمشق للذهاب في الاتجاه الآخر، والإفادة من الانشغال الروسي في الحرب الأوكرانية. استطراداً هنا، ماذا لو قصفت إسرائيل أطراف دمشق خلال وجود رئيسي في العاصمة السورية؟
2- العروض العربية: زار مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، ومدير المخابرات العامة اللواء حسام لوقا، دولاً عربية وخليجية في الأسابيع الماضية، كان بينها، لأول مرة، زيارة حصلت فيها لقاءات مع قادة هذه الدول. فماذا يعرض العرب؟
مروحة العروض واسعة، بينها ثنائي مباشر، وآخر جيوسياسي كبير. القائمة تضم أموراً مباشرة، مثل وقف تدفق «الكبتاغون» عبر حدود الأردن، والتعاون لمنع تسلل المهربين والإرهابيين، وتضم أموراً جيوسياسية، مثل تغيير طبيعة العلاقة مع إيران، بحيث لا تكون سوريا موطئاً وممراً لدعم تنظيمات إرهابية وميليشيات تهدد الأمن العربي. وتشمل القائمة أموراً سورية، مثل الحل السياسي واللجنة الدستورية وضمانات لإعادة أو عودة اللاجئين. وهناك رهانات لبعض الدول على اقتراب دمشق من معايير «اتفاقات أبراهام» مع إسرائيل.
في المقابل، تعرض الدول العربية دعماً اقتصادياً واستثناءات من عقوبات «قانون قيصر» الأميركي، وعودة إلى الجامعة العربية والحضن العربي، ومساعدات وإعماراً.
3- العرض التركي: بفضل تدخل الرئيس فلاديمير بوتين، وافق الرئيسان بشار الأسد ورجب طيب إردوغان على اجتماعات أمنية بين رئيس مكتب الأمن السوري علي مملوك، ونظيره التركي حقان فيدان، في موسكو. وتمثل الطلب التركي في عملية مشتركة ضد «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» الكردية، وتعاون لإعادة اللاجئين السوريين، والعمل ضد الإرهاب. مقابل ذلك، تعرض أنقرة دعماً اقتصادياً وتمويلاً لمشاريع الإعمار واتصالات سياسية و«شرعنة» للنظام. الأسد لم يوافق على هذه العروض بعدُ، ويريد وقف أنقرة دعم الفصائل وتعاوناً ضد الإرهاب وإعلاناً بالانسحاب من سوريا. ويحاول الإفادة من ذلك للحصول على تنازلات إضافية من الأكراد... ومعاقبتهم على التعاون مع أميركا.
4- العروض الغربية: تختلف العروض الغربية من دولة إلى أخرى؛ فهناك قرار أوروبي يتضمن 3 لاءات: لا للمساهمة في الإعمار، ولا لفك العزلة، ولا لرفع العقوبات قبل تقدم في العملية السياسية. وهناك «قانون قيصر» الأميركي وعقوبات من واشنطن.
على الأرض، هناك الجيش الأميركي وحلفاؤه الأوروبيون للتعاون ضد الإرهاب و«داعش»، وسيطرة على الأرض تتعلق بالتوازن والتفاوض مع روسيا، ودعم إسرائيل وغاراتها ضد إيران في سوريا.
تحت هذه الأمور الجيوسياسية، هناك عروض صغيرة تخص قضايا إنسانية: أميركا تطرق كل الأبواب لمعرفة مصير الصحافي جوستن تايس، وتعرض مقايضة الحصول على معلومات مقابل وقف عقوبات على شخصيات نافذة، أو تقديم استثناءات في أمور إنسانية. وتعرض دول أوروبية دعم مشاريع «التعافي المبكر» في قطاعات الكهرباء والصحة والتعليم ضمن القرار الدولي لتقديم المساعدات العابرة للحدود (المقرر اتخاذ قرار في شأن تمديده قبل 10 من الشهر المقبل)، مقابل تقديم تسهيلات سياسية وفتح قنصلية في مدن أوروبية، أو زيارة وفد إلى دمشق.
5- الغارات الإسرائيلية: تراقب إسرائيل وتتابع بعض العروض وتُستشار فيها، لكنها تواصل غاراتها ضد «مواقع إيرانية» في سوريا، بدءاً من دمشق جنوب سوريا، إلى البوكمال في الشمال الشرقي، وإلى ريف طرطوس غرباً. وتطلب تل أبيب، عبر دول غربية أو عبر موسكو، تراجع إيران استراتيجياً في سوريا، والتزامها بالخطوط الحمر، وهي: وقف التموضع الاستراتيجي وإقامة القواعد جنوباً، ووقف تسليح «حزب الله» بصواريخ محددة، ووقف إقامة مصانع لصواريخ «باليستية» دقيقة وطويلة المدى في سوريا. وهي «تعرض» تسهيل مطالب دمشق في أروقة وعواصم ذات قرار، وقبولاً بالدور الروسي والوجود الروسي والقرار الروسي.
إذن، المعاناة السورية مستمرة والأزمة عميقة. وقائمة الشروط أو المطالب ليست طويلة فحسب، بل إنها متناقضة ومحيّرة، وتعبر عن مصالح يتطلب الجمع بينها حياكة سورية مستحيلة. وبالفعل، الحل السوري ينتظر ترتيبات إقليمية ودولية، وولادة النظام من هذا المخاض المؤلم، سورياً ودولياً.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الإمارات ترحب بإعلان غروندبرغ الاقتصادي وتصف الاتفاق بالخطوة الإيجابية

الإمارات ترحب بإعلان غروندبرغ الاقتصادي وتصف الاتفاق بالخطوة الإيجابية
TT

الإمارات ترحب بإعلان غروندبرغ الاقتصادي وتصف الاتفاق بالخطوة الإيجابية

الإمارات ترحب بإعلان غروندبرغ الاقتصادي وتصف الاتفاق بالخطوة الإيجابية

وصفت الخارجية الإماراتية الاتفاق اليمني الاقتصادي بين الحكومة والحوثيين بالخطوة الإيجابية في طريق الحل السياسي في اليمن.

وفي بيان نشرته الخارجية الإماراتية في وكالة الأنباء الرسمية «وام»، قالت الإمارات إنها ترحب «ببيان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ بشأن التوصل إلى اتفاق بين الأطراف اليمنية حول الخطوط الجوية والقطاع المصرفي».

ووفق البيان: «أثنت الوزارة على الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص للوصول إلى حل شامل ومستدام للأزمة اليمنية، بما يعزز السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة».

وقالت الخارجية الإماراتية إنها تجدد التأكيد «على دعم جميع الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لإحلال الاستقرار في اليمن»، وعلى وقوفها إلى جانب الشعب اليمني، ودعم طموحاته المشروعة في التنمية والازدهار.

وجرى اتفاق بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية، الثلاثاء، على تدابير للتهدئة وخفض التصعيد الاقتصادي بينهما تمهيداً لمحادثات اقتصادية شاملة بين الطرفين.

ويشمل الاتفاق، إلغاء الإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين، واستئناف طيران «الخطوط الجوية اليمنية» للرحلات بين صنعاء والأردن، وزيادة عدد رحلاتها إلى 3 يومياً، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً، أو حسب الحاجة.

كما يشمل الاتفاق البدء في عقد اجتماعات لمناقشة القضايا الاقتصادية والإنسانية كافة، بناءً على خريطة الطريق.

وكان مجلس التعاون الخليجي رحب بإعلان غروندبرغ، وعبّر أمينه العام جاسم البديوي عن دعم المجلس الجهود الإقليمية والدولية والجهود التي يقودها المبعوث «الرامية إلى تحقيق السلام والأمن في اليمن»، مؤكداً أن صدور هذا الإعلان يأتي تأكيداً للأهمية التي يوليها المجتمع الدولي للأزمة اليمنية.

وعبّر الأمين عن أمله أن يسهم الإعلان في تهيئة الأجواء للأطراف اليمنية لبدء العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة.

وجدد تأكيد استمرار دعم مجلس التعاون ووقوفه الكامل إلى جانب اليمن وحكومته وشعبه، وحرصه على تشجيع جميع جهود خفض التصعيد والحفاظ على التهدئة للوصول إلى السلام المنشود.