تسبب رفع الفائدة في مصر بأكثر من أبعد التقديرات، في إثارة تساؤلات بين المصريين عن مستقبل اقتصادهم الشخصي والأسري، في ظل ما يواجهونه من مصاعب مالية تتزايد تحت رحمة عوامل يظهر في جانب منها أنه لا يمكن التحكم فيها.
قبل اجتماع البنك المركزي ليلة الخميس، كان كل شخص في مصر يتوقع زيادة الفائدة، لكنهم كانوا يمنون النفس بأمرين، ألا تكون الزيادة كبيرة، وألا تصحبها «إجراءات أخرى»... وبالفعل لم يعلن البنك المركزي أي إجراء يتعلق بتسعير الدولار مقابل الجنيه، الذي يتردد في كثير من الأروقة الاقتصادية والإعلامية أنه كان أمراً «وشيكاً».
وقبل أيام عدة، كانت مذكرة صندوق النقد الدولي التي وافق فيها مجلس إدارته على قرض بمبلغ 3 مليارات دولار لمصر على مراحل في غضون 46 شهراً، قد أشارت صراحة إلى وجوبَية ترك سعر الدولار لآلية السوق من دون أي تدخل حكومي لكبحه أو إدارته.
وقد فسر كثيرون ذلك بأنه إيماءة إلى أن الإدارة المصرية تلجم الصعود العشوائي للدولار في مصارفها وتكبحه عند مستوى نحو 24.5 جنيه للدولار، في حين كان يتداول الأسبوع الماضي بالسوق الموازية (السوداء) عند ما يناهز 39 جنيهاً في بعض الظروف والأماكن.
لكن أحدث هذه التداولات الخارجية تراجعت إلى محيط 30 جنيهاً للدولار، فيما فسره عاملون بالصناعة بأنه جاء بعد مزيد من الإتاحة للدولار بالسعر الرسمي في البنوك الحكومية خلال الأيام الماضية؛ ما يخنق قليلاً السوق السوداء.
وحسب هؤلاء، فإن الاستمرار في ذلك الإجراء هو ما يهم؛ لأن أي توقف عن ضخ الدولار بينما الأسواق والتجار في احتياج عنيف له، سيسفر حتماً عن عودة الأسعار للقفزات العشوائية.
لكن المواطن في منزله لا يكاد يلمس تغيراً كبيراً مع هبوط الدولار الأخير؛ إذ لا تزال أسعار السلع مرتفعة، بل إن كثيراً من السلع غير متاحة بشكل كافٍ أصلاً، إما نتيجة تعثر الاستيراد (مع شح الدولار وآليات الموافقات الاستيرادية التي طالب الصندوق بإيقافها)، أو نقص في الإنتاج (للسبب السابق نفسه الذي يقلص مدخلات الإنتاج)، أو حتى نتيجة جشع التجار وتخزينهم البضائع ترقباً لاستقرار أسعارها أو مزيد من الغلاء.
ويعلل التجار تحركهم بأن «دورة رأس المال» تقتضي البيع بسعر يمكن من إعادة شراء سلع أخرى بالكمية والقيمة ذاتيهما مع المكسب... بينما تدعوهم الحكومة إلى «التعاون» وأحياناً «التضحية» ببعض المكاسب من أجل المرور من عنق الزجاجة، ووصل الأمر إلى التهديد الصريح بالتقاضي والإغلاق والحبس لـ«المتلاعبين بالأسعار أو السلع الأساسية».
«الدوائر المستهلكين المفرغة» تلاحق الأخبار الاقتصادية «أملاً في أمل» تتشبث به.
وطوال يوم الخميس، ترددت أكثر من مرة شائعات عن تعديل وزاري موسع في مصر، طارحاً أسماء اقتصادية ذات خبرات موسعة... إلا أن المواطنين كان جل اهتمامهم ينصب على قرار المركزي. وفي المساء، أصدر البنك بيانه المتضمن رفع أسعار الفائدة لليلة واحدة أكثر من المتوقع بواقع 300 نقطة أساس، محذراً من تزايد الضغوط التضخمية.
وقال البنك، إن لجنة السياسة النقدية التابعة له رفعت سعر الفائدة على الإيداع إلى 16.25 في المائة وعلى الإقراض إلى 17.25 في المائة. وأضاف: «تشير لجنة السياسة النقدية إلى تزايد الضغوط التضخمية من جانب الطلب؛ وهو ما انعكس في تطور النشاط الاقتصادي الحقيقي مقارنة بالطاقة الإنتاجية القصوى وفي ارتفاع أسعار العديد من بنود الرقم الأساسي لأسعار المستهلكين وفي زيادة معدلات نمو السيولة المحلية».
وجاء في بيان البنك المركزي أنه حدد هدفاً للتضخم ما بين 5 و9 في المائة للربع الرابع من عام 2024.
أما حالياً، فقد تسارع التضخم السنوي في نوفمبر (تشرين الثاني) لأعلى مستوى في خمس سنوات عند 18.7 في المائة، من 16.2 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول). وتسارع التضخم الأساسي من 19 إلى 21.5 في المائة.
وبرفع الفائدة، تتباين المشاعر بين فرحة لبعض «أصحاب الحسابات والودائع الإدخارية» الذين سيستفيدون برفع الفائدة على الإيداع... وبين هلع من انعكاس الفائدة على الإقراض على أصحاب الديون منهم، أو على أي مستهلك في مصر؛ كون الشركات والمصانع التي تقترض من أجل التوسع أو الانتشال من الإفلاس، تعكس أي زيادة في نفقاتها حتماً على المستهلك الأخير.
ومن زيادة التضخم، لزيادة الدولار، لزيادة الفائدة... يتطلع المصريون بأمل مع بداية العام الجديد.
«جيوب المصريين» تمتلئ بعلامات الاستفهام
تساؤلات حول لجم الصعود العشوائي للدولار بعد رفع الفائدة
«جيوب المصريين» تمتلئ بعلامات الاستفهام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة