يُستخدم التعبير العامي المصرية «أنت فاكرها تكيّة؟» عند عدم استحسان تلقي أحد الضيافة من مأكل ومشرب ومبيت لوقت طويل دون مقابل، وهو تعبير مأخوذ من تراث «التكية»، التي ارتبطت تاريخياً كمكان لخدمة الفقراء وعابري السبيل في الأساس، حيث كان يقدم لهم في هذا المكان الطعام والشراب، ويسمح لهم بالنوم والراحة، إلى أن تحوّلت عن طريق «المتصوفة» إلى مراكز لتبادل العلم والثقافة ومثّلت مع الوقت لبنة أساسية في الطرق الصوفية.
في معرضها الجديد «تكايا... متون» تلتقط الفنانة المصرية جيهان فايز تراث التكايا وحكاياتها لتقدم «تكية تشكيلية» كما تصفها في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، وتستعرضها من خلال ثلاثين لوحة معروضة حالياً في غاليري «النيل» للفن التشكيلي بالقاهرة حتى الخامس من يناير (كانون الثاني) المقبل.
«كانت التكايا مليئة برائحة الطعام وصنوفه، وإيواء الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، ومع الوقت صار يتسع دورها من مجرد موائد للطعام لساحات لتبادل الأحاديث والرؤى والتجليات الصوفية، بحسب صاحبة المعرض التي تضيف: «أصبحت التكية في حد ذاتها مركزاً لتطوير الفكر والموسيقى والشعر وأحد مراكز الترقي الروحي والعبادة الخالصة».
تستدعي الدكتورة جيهان فايز، أستاذة التصوير في كلية الفنون الجميلة جامعة المنيا، (جنوب القاهرة) في كلمة المعرض مقولة للشاعر الصوفي الشيخ جلال الدين الرومي: «لا تجبروا أحداً على اعتناق أرواحكم، فالحب مثل الدين لا إكراه فيه». ورغم أن المعرض لا يضم بورتريهات مُصورّة للرومي، فإن الفنانة جيهان فايز أرادت أن تستعين بجلال الدين الرومي من خلال واحدة من عباراته باعتباره من أبرز المثقفين الذين خرجت أشعارهم من تكيّة.
وتقول: «الشعر وفنونه خرج من الكثير من التكايا المولوية التي كانت ملجأ للمريدين، حيث إيقاعات الأجساد النحيلة المتمايلة على أصوات حفيف الأقدام وهمهمات العارفين وتضرعات الخائفين الآملين، حيث التكايا قد بنيت لحاجات دراويش المتصوفة»، بحسب وصفها.
ويعد الشيخ جلال الدين الرومي (1207هـ - 1273هـ) مؤسس المولوية وهي إحدى أشهر الطرق الصوفية، وكان أتباعه في مصر يسمَّون المولويين الدراويش أو الجلاليين، وكان مكان تجمع المولويين يطلق عليه التكية المولوية أو تكية الدراويش.
وتقول جيهان فايز إن أبرز العناصر التي تكررت في لوحاتها كانت عناصر الطبيعة الصامتة المرتبطة بالتكايا «سادت عناصر بصرية في اللوحات من تراث التكايا منها الطاولات والأكواب، وأطباق الفاكهة وغيرها من عناصر المائدة»، وتقول إن كل لوحة من لوحات المعرض شكّلت تكيتيها الخاصة، «التكية هنا إلى جانب كونها تحمل تاريخاً حافلاً بالثراء الفني والشعري، فهي في المعرض مائدة حافلة بالثراء اللوني والتفاصيل البصرية الغنية»، على حد تعبيرها.
وتظهر إلى جانب عناصر الطبيعة الصامتة في المعرض ملامح بشرية اختارت الفنانة أن تظهر بأحجام كبيرة في كثير من اللوحات، وتبرز بها السيدات اللاتي يرتدين ملابس فضفاضة وصاخبة اللون كالأحمر والأخضر، في اتكاء على شعرية الحوار البشري، الذي ساد وفرض نفسه وسط التكايا شعراً ونثراً وفكراً. واستعانت في بناء عالمها البصري بألوان الزيت والأكريليك، وخامات متعددة كالورق والكولاج. ومنحت «تكيتها» المعاصرة مزيداً من الملامح الرومانسية عبر إضافة عنصر الورود داخل مزهريات.
«التكايا»... رحلة بصرية تستدعي عالم جلال الدين الرومي
معرض فني مصري يضم 30 لوحة
«التكايا»... رحلة بصرية تستدعي عالم جلال الدين الرومي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة