الاتحاد التونسي للشغل يلمّح لاحتجاجات رداً على «تدهور الأوضاع»

تواصُل انتقادات المعارضة لنسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية

نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في خطاب أمام حشود من أنصاره أمس (إ.ب.أ)
نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في خطاب أمام حشود من أنصاره أمس (إ.ب.أ)
TT

الاتحاد التونسي للشغل يلمّح لاحتجاجات رداً على «تدهور الأوضاع»

نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في خطاب أمام حشود من أنصاره أمس (إ.ب.أ)
نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في خطاب أمام حشود من أنصاره أمس (إ.ب.أ)

دعا اتحاد الشغل التونسي، ذو التأثير القوي، اليوم (الثلاثاء)، قوى المجتمع المدني والمنظمات الوطنية إلى لعب دورها الوطني في مواجهة الأزمة الخانقة التي تعصف بالبلاد، قائلاً إن «العبث بتونس لا يمكن أن يستمر»، في إشارة -على ما يبدو- إلى التخطيط لتنظيم تحركات شعبية محتملة في الفترة المقبلة.
وجاءت تعليقات نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، في خطاب أمام حشود من أنصاره، اليوم، وذلك بعد يومين من انتخابات برلمانية شهدت نسبة مشاركة لم تتجاوز 11.2 في المائة، وهو مستوى متدنٍّ لم تشهده تونس من قبل. وبهذا الخصوص قال الطبوبي إن «المقاطعة الكبيرة للانتخابات هي رسالة لكل الطبقة السياسية، تُظهر إحباط ويأس التونسيين» من تأزم وتدهور الأوضاع المعيشية، وانسداد الأفق السياسي.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يضم أكثر من مليون عضو، والذي أثبت قدرته على شل الاقتصاد بالإضرابات، قد أعلن في السابق دعمه للرئيس قيس سعيد، بعد أن سيطر على معظم السلطات العام الماضي؛ لكنه تحوّل إلى أحد أشد منتقديه في الأسابيع القليلة الماضية، قائلاً إن الحريات في تراجع خطير.
وأضاف الطبوبي بنبرة حادة: «لقد حان الوقت للمجتمع المدني والمنظمات الوطنية لكي تلعب دورها الوطني... الصمت اليوم جريمة... ولن ندعكم تعبثون بالبلد... ونحن لا نخاف من السجون»، مؤكداً أن «الوقت انتهى، وإذا لم تُفهم الرسالة، فإن الناس سيقولون كلمتهم من خلال النضال السلمي». ودعا إلى «إطلاق حوار وطني جاد ومسؤول، واتخاذ قرار من أجل إنقاذ تونس عبر مبادرة سياسية».
من جهتها، قالت أحزاب رئيسية في تونس، من بينها «جبهة الخلاص» التي تضم حزب «النهضة» الإسلامي، وخصمه اللدود الحزب «الدستوري الحر»، بعد الإعلان عن أرقام الإقبال المتدنية في انتخابات الأسبوع الماضي، إن النظام القائم «لا يتمتع بالشرعية»، داعيةً إلى تحركات شعبية حاشدة.
في المقابل، قال الرئيس سعيد خلال لقاء جمعه بنجلاء بودن رئيسة الحكومة، الليلة الماضية، معلقاً على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 17 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وردّاً على تعليقات المعارضة على نسبة المشاركة الضعيفة، إن «بعض الجهات المعروفة التي لم تجد هذه المرة شيئاً تركز عليه سوى نسبة المشاركة في هذه الدورة الأولى، تشكك في تمثيلية مجلس نواب الشعب (البرلمان) المقبل، في حين أن نسبة المشاركة لا تقاس فقط بالدور الأول؛ بل بدورتين»، ورأى أن هذا الموقف «القائم على التشكيك من جهات لا دأب لها إلا التشكيك مردودٌ على أصحابه بكل المقاييس؛ بل هو شبيه بالإعلان عن نتيجة مقابلة رياضية عند انتهاء شوطها الأول، فضلاً عن تورط البعض في قضايا لا تزال معروضة أمام المحاكم التونسية». وأضاف سعيد أن من المفارقات التي تشهدها تونس هذه الأيام، أن «من بين الذين يحاولون التسلل إلى المشهد السياسي، بأي طريقة كانت، متورطون في قضايا عمالة وفساد، ومنهم من لم يفز في الانتخابات التشريعية الماضية إلا ببضعة أصوات».
في غضون ذلك، سجل حزب «التيار الديمقراطي» المعارض لخيارات الرئيس سعيد، ثلاثة استقالات ثقيلة قدمتها قيادات هذا الحزب الذي تشكل بعد ثورة 2011 بزعامة محمد عبو، الذي استقال بدوره قبل نحو سنتين. وشملت هذه الاستقالات غازي الشواشي رئيس الحزب، ومحمد الحامدي القيادي فيه، ومجدي الكرباعي، ممثل الحزب في إيطاليا. وقال الشواشي إنه يغادر حزب «التيار الديمقراطي» في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها تونس: «لأن الإطار لم يعد يوفر الأدوات الضرورية للمساهمة في حل الأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد».


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

هجوم بونداي يترك حيّ المشتبه بهما في حالة صدمة

باقات ورود في سيدني السبت إحياء لذكرى ضحايا هجوم شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)
باقات ورود في سيدني السبت إحياء لذكرى ضحايا هجوم شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)
TT

هجوم بونداي يترك حيّ المشتبه بهما في حالة صدمة

باقات ورود في سيدني السبت إحياء لذكرى ضحايا هجوم شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)
باقات ورود في سيدني السبت إحياء لذكرى ضحايا هجوم شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)

بونيرِغ، ضاحية صغيرة في غرب سيدني، يقل عدد سكانها عن 10 آلاف نسمة، وتضم عشرات الثقافات المختلفة: يوجد فيها مسجد، وأربعة معابد بوذية، وثلاث كنائس، جميعها ضمن نطاق ميل واحد. أكثر من 80 في المائة من الأسر تتحدث لغة غير الإنجليزية. ويُعدّ الحي من بين الأكثر تنوعاً في أستراليا، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

لذلك، أصيب السكان بالذهول عندما أُفيد بأن أباً وابنه من أبناء هذا المجتمع فتحا النار يوم الأحد على احتفال بعيد حانوكا على بعد 30 ميلاً في شاطئ بونداي، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً في أسوأ عملية إطلاق نار جماعي تشهدها أستراليا منذ ثلاثة عقود، ودفع البلاد إلى صدارة نقاش عالمي حول العنف المعادي للسامية.

وقال يوسِل ميريتشي، وهو مهاجر تركي يدير محلاً لبيع الكباب في مركز بونيرِغ بلازا التجاري وسط البلدة: «إنه أمر صادم. أين الإنسانية؟ أين الرحمة؟».

وأضاف ميريتشي، وهو مسلم، أن ابنته أصيبت بالجمود ولم تنطق بكلمة بعد سماع الخبر. وعن مطلقي النار قال: «إنهم يسيئون إلى الدين».

وقالت السلطات إن نافيد أكرم (24 عاماً) ووالده ساجد أكرم (50 عاماً) كانا مدفوعين بأيديولوجيا تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). وقد قُتل الأب في الهجوم، بينما أُصيب الابن برصاص الشرطة لكنه نجا، ووجهت إليه يوم الأربعاء تهم القتل، والإرهاب، والتسبب بإيذاء جسيم بقصد القتل.

وخلال الأيام التي تلت إطلاق النار، سارع الإعلام الدولي إلى رسم ملامح حياة المشتبه بهما، لكنه قوبل هنا بصمت مشوب بالتوتر. ففي منزل العائلة المكوّن من ثلاث غرف نوم في شارع تحيط به الأشجار، حيث كانا يعيشان مع أسرتهما، لم تُلاحظ سوى أصوات مكتومة وخطوات من الداخل.

وعلى بعد نحو ميل ونصف جنوباً، في منزل قيل إن أكرم الابن تلقى فيه دروساً في القرآن، كانت الستائر مغلقة ولم يجب أحد على الباب — وقال المدرّس لوسائل إعلام أسترالية إنه، خوفاً على سلامة عائلته الصغيرة، غادر المنزل. كما لم تسفر عشرات الاستفسارات الموجهة إلى قادة المجتمع المحلي، وزملاء العمل السابقين، وزملاء الدراسة، والجيران، عن أي معلومات.

والمعطيات القليلة التي ظهرت ترسم صورة لعائلة كانت تميل إلى الانعزال. فساجد أكرم، وهو مواطن هندي، انتقل إلى أستراليا عام 1998 بحثاً عن عمل، بحسب ما قالت الشرطة في ولاية تيلانغانا بجنوب الهند. وأضافت الشرطة أنه سافر إلى الهند عدة مرات منذ ذلك الحين، وكان آخرها في عام 2022، لكنه حافظ على تواصل محدود مع عائلته في الهند، التي وصفتها بأنها مسلمة. وفي عام 2001، تزوج في أستراليا وأنجب طفلين: ابناً، نافيد، وابنة، وفقاً لشرطة تيلانغانا.

ووصف من عرفوا نافيد أكرم أنه كان هادئاً، مجتهداً، ومتديناً. وقالوا إنهم صُدموا عند سماعهم بالهجوم، ليس فقط بسبب انطباعاتهم عنه، بل أيضاً بسبب البيئة التي نشأ فيها.

في مدرسته الثانوية، التي تبعد ثلاثة أميال شرق منزل العائلة، كان يُدعى الطلاب إلى ارتداء الأزياء التقليدية لبلدانهم الأصلية، وكان كثير منهم يتحدث القليل من الإنجليزية، بحسب زميل سابق له، لوريس تريماركي. وقال هو وزميل آخر سابق إن نافيد كان طالباً خجولاً، جزءاً من مجموعة للصلاة، ويحب الرياضة. كما تذكر مدرّب في نادٍ للجوجيتسو في غرب سيدني أنه تدرب لفترة وجيزة في النادي، لكنه غادر لأنه كان مهتماً أكثر بممارسة الملاكمة.

وقال تريماركي: «كان فتى مرحاً جداً. دائماً مبتسماً، يضحك باستمرار. لم يُظهر أي علامات مقلقة».

أستراليون من طواقم إنقاذ هواة ركوب الأمواج يقفون دقيقة حداد على ضحايا هجوم بونداي في سيدني السبت (هيئة البث الأسترالية / أ.ف.ب)

وأضاف تريماركي أنه في السنة الأخيرة من الثانوية، أصبح أكرم أكثر تعبيراً عن آرائه الدينية، وبدأ يحضر عدداً أقل من الحصص الدراسية. وقال: «كان منفتحاً على مناقشة آرائه»، مضيفاً أن تلك الآراء لم تبدُ له متطرفة.

تخرج الصف في عام 2019، لكن تريماركي لم يتذكر ما إذا كان أكرم قد تخرج معهم. وبعد الثانوية، خفّ نشاط أكرم على وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أنه كرّس نفسه للملاكمة، بحسب تريماركي.

في منتصف عام 2019، بدأ أكرم تدريباً مهنياً في شركة للبناء بالطوب، حيث عمل في مشروع إسكان حكومي في الضواحي الجنوبية الغربية لسيدني، بحسب جيف أولسون، الذي عمل في المشروع نفسه.

وقال أولسون إن أكرم كان متدرباً هادئاً وجيداً، مستعداً للتعلم وتنفيذ ما يُطلب منه، بما في ذلك حمل الطوب، وخلط الإسمنت، وبناء السقالات. وكان زملاؤه ينادونه «ناف».

وأضاف أولسون أنه خلال استراحة الغداء، كان أكرم يذهب إلى الحديقة للصلاة، وتذكر كيف كان هو وبقية عمّال البناء يمزحون معه محاولين دفعه إلى التلفظ بشتيمة، لكنه كان يرفض دائماً. وقال: «كان يبتسم فقط، مثل طفل خجول. يخفض رأسه. هذا كل شيء».

وقال أولسون إن أكرم أخبره بأن والده قرر أن يكون ابنه مسلماً ملتزماً، رغم أن أفراداً آخرين من العائلة في أستراليا لم يكونوا كذلك. وأضاف: «كان منزعجاً قليلاً لأنه لن يحصل على هدايا عيد الميلاد أو أعياد الميلاد». ولم يتذكر الكثير عن علاقة أكرم بأسرته، لكنه قال: «كنت أشعر فقط بأنه لا يريد إغضاب والده».

ومع نهاية العام، اندلعت حرائق غابات في أنحاء أستراليا، ما تسبب بدخان كثيف جعل العمل صعباً. وقال أولسون: «لكنه كان يحضر إلى العمل كل يوم». وأضاف أن أكرم حضر حفلة عيد الميلاد الخاصة بالعمل، وكذلك احتفال عيد ميلاد أحد زملائه. «كان الجميع على وفاق معه».

وقال مسؤولون أستراليون إن أكرم كان قد لفت انتباه السلطات في عام 2019، لكن تقرر حينها أنه لا يشكل تهديداً فورياً. كما جرى استجواب والده في ذلك الوقت، بحسب المسؤولين.

وذكرت وسائل إعلام أسترالية، نقلاً عن مصادر شرطية لم تُسمّها، أن تحقيق عام 2019 كان بسبب صلات نافيد أكرم بـإسحاق الماطري، الذي وصف نفسه بأنه قائد في تنظيم «الدولة الإسلامية» ومقيم في سيدني، وقد أُدين بالتخطيط لهجوم إرهابي. وقد رُفض طلب للتواصل مع الماطري للتعليق من قبل مسؤولي السجون.

وفي العام نفسه، انخرط أكرم أيضاً في حركة الدعوة في الشارع، وهي مجموعة تطوعية مقرها سيدني تهدف، وفقاً لما تعلنه، إلى «نشر رسالة الإسلام سلمياً». وقال بيان أرسلته المجموعة عبر البريد الإلكتروني إن أكرم كان «زائراً نشطاً» لبرامج التوعية الدينية التي تنظمها، كما تطوع للمساعدة في تصوير مقطع فيديو، لكنه لم يكن عضواً رسمياً. وفي مقطع فيديو حُذف لاحقاً من قناة المجموعة على «يوتيوب»، ظهر أكرم واقفاً أمام محطة قطار في إحدى ضواحي سيدني، يحث المارة على نشر رسالة الإسلام.

ولا تزال تحركات أكرم ووالده خلال السنوات الماضية غير واضحة، غير أن مالك نادٍ للملاكمة في غرب سيدني تذكر أنه رأى الشاب قبل نحو ستة أشهر. وقال المالك، الذي طلب عدم ذكر اسمه حفاظاً على سلامة عمله وطلابه، إن نافيد أكرم لم يكن يحضر إلا حصصاً متقطعة، لكنه بدا منغلقاً ولا يدخل في أحاديث.

وقال هو وآخرون في غرب سيدني إنهم في حالة ذهول من الهجوم، ومن حقيقة أن المشتبه بهم كانوا يعيشون بينهم دون أن يُكتشف أمرهم.

وقال روني نغوين (44 عاماً)، الذي نشأ في ضواحي غرب سيدني وكان في بونيرِغ بلازا يوم الخميس: «لا نتوقع أن يحدث إطلاق نار من هذا النوع، ثم أن يكون أقرب إلى بيوتنا مما كنا نتصور — شخص محلي».

وأضاف: «أعتقد أن الأمر سيكون صادماً لمعظم الأستراليين. لكنني أعتقد أننا مع الوقت سنتجاوز ذلك. نحن مجتمع متعدد الثقافات. سنتكاتف».

وخلال صلاة بعد ظهر الجمعة في مسجد بونيرِغ، أدان الإمام مجاهد تشاكِر الهجوم وقدم تعازيه إلى الجالية اليهودية. وقال: «الإسلام دين، منذ زمن نبينا، أظهر احتراماً لجميع الأديان، وخلق مساحة للناس لممارسة معتقداتهم بحرية». وأضاف الإمام تشاكِر: «نحن نرى هذا العمل هجوماً على كل فرد يعيش في أستراليا».

في المقابل، أعرب آخرون عن خشيتهم من أن الخطر لا يزال قائماً.

وقال ستيف جايلز (70 عاماً)، الذي كان يرتدي زي سانتا كلوز في مركز بونيرِغ بلازا، إنه يعتقد أن عموم السكان معرضون للخطر. وأضاف: «هناك الكثير من المسارات التي يمكن أن يتطور عبرها هذا الحقد».

* خدمة «نيويورك تايمز»


العولمة الجديدة وخطر السقوط في هاوية الاستبداد

الكمبيوتر العملاق «أندروميدا» من شركة «سيريبراس سيستمز» في مركز للبيانات في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)
الكمبيوتر العملاق «أندروميدا» من شركة «سيريبراس سيستمز» في مركز للبيانات في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)
TT

العولمة الجديدة وخطر السقوط في هاوية الاستبداد

الكمبيوتر العملاق «أندروميدا» من شركة «سيريبراس سيستمز» في مركز للبيانات في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)
الكمبيوتر العملاق «أندروميدا» من شركة «سيريبراس سيستمز» في مركز للبيانات في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)

في القرن العشرين، أصبح التعاون الدولي عملياً مرادفاً للنظام متعدد الأطراف القائم على قواعد، والمستند إلى مؤسسات أنشِئت بموجب معاهدات، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية... وفي العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، ترسّخ مصطلح العولمة (Globalization)، لا سيما بفضل كتابات ثيودور ليفيت (1925 - 2006)، الخبير الاقتصادي الأميركي الألماني المولد الذي كتب، في ما كتب، مقالاً بالغ الأهمية بعنوان «عولمة الأسواق».

بالطبع كانت للعولمة حسناتها وسيئاتها. وفي طليعة الحسنات النفاذ إلى أسواق جديدة، ونقل المعرفة والتكنولوجيا، ودفع النمو الاقتصادي، والتعاون في شؤون إنسانية مثل الصحة ومكافحة الفقر وحماية المناخ... غير أن طبيعة البشر - على مرّ الماضي الذي يسمونه تاريخاً - سرعان ما تحول خطوط التعاون والتكامل إلى أدوات للتنافس والسيطرة. وقد شهدنا كيف أن القويّ جعل العولمة ميداناً لتوسيع النفوذ وفرض شروطه وقواعده وحتى ثقافته على الآخرين، بحيث خفت كثيراً وهج التعدد والتمايز، وصارت مجتمعات عديدة تتشابه إلى حد «الملل» مع ضمور العديد من العادات والتقاليد إلى حد تهديد الهويات.

وكان المأمول في هذا السياق تعزيز الفهم المتبادل بين المجتمعات، لإثراء الثقافات، بدل أن تلتهم ثقافة الكبير هوية الصغير. ولنا هنا أن ننظر إلى موقف واشنطن من اليونسكو، فاعتباراً من أواخر عام 2025، كانت الولايات المتحدة في طور الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة للمرة الثالثة في تاريخها.

وقد أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترمب هذا القرار رسمياً في 22 يوليو (تموز) 2025، على أن يدخل حيز التنفيذ في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2026. والسبب الأول الحقيقي لهذا القرار هو أن المنبر الذي تشكله المنظمة يتعارض في جوهره وفلسفته مع سياسة «أميركا أولاً» التي كان من تجلّياتها تقليص المساعدات الخارجية.

رقصة تقليدية في ميانمار احتفالاً برأس السنة في تقاليد الكارين (أ.ف.ب)

اليد الطولى في اللعبة

في المجال الاقتصادي، كان للأقوياء أيضاً اليد الطولى في اللعبة، فأدى تركّز الإنتاج الصناعي خصوصاً إلى خلل في التبادلات التجارية حتى بين الأقوياء أنفسهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أدّى العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين إلى فقدان 3 ملايين و700 ألف وظيفة بين عامي 2001 و2018، وسُجّل أكثر من 75 في المائة من هذه الخسائر في قطاع الصناعات التحويلية، وفق موقع «Motion Point» الأميركي.

كان الهدف من إنشاء المؤسسات الدولية «المعولمة» المذكورة آنفاً وغيرها إزالة الرواسب التي خلفتها الحرب العالمية الثانية والتعاون لقطع الطريق على الأسباب التي تؤدي إلى نزاعات عالمية. غير أنّ تنافس القوى الكبرى والحرب الباردة والحروب الساخنة المتنقلة والاختلالات البنيوية أدّت إلى تقويض أداء هذه المؤسسات، الأمر الذي رسّخ حالةً من الشلل وسهّل للأقوياء فرض إرادتهم على الضعفاء. وفي هذا السياق، يشهد تمويل التنمية والمساعدات الإنسانية تراجعاً ملحوظاً، كما تعلن الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها بشكل متكرر.

بالتالي، يشهد الوعدُ بعالمٍ مترابطٍ ومتكامل ضغوطاً شديدةً تهدد مفهوم «تعدد الأطراف».

فنسيج التعاون الدولي يبدو كأنه يتفكك، في ظل تفاقم التوترات الجيوسياسية، والعودة إلى السياسات الحمائية، وفرض العقوبات الأحادية، وازدياد الانسحابات من المعاهدات، إلى جانب الاستخدام المقلق لأدوات الإكراه العسكري والاقتصادي.

يؤدي هذا التآكل في تعدد الأطراف إلى ترك العالم عرضةً لتصاعد النزاعات واستعصاء المشكلات العالمية على الحلول، بما يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الكوكب وآفاق قيام نظام عالمي مستقر وقائم على التعاون. وتتسم الأزمة الراهنة التي تعصف بالتعددية بشموليتها وعمقها غير المسبوقين، فهي تطال جميع مجالات التعاون الدولي في وقت أصبح فيه التعاون أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

وما يشهده هذا النظام ليس مجرد تراجع عابر، بل فشل بنيوي ناتج من مجموعة من الأسباب المترابطة التي ولّدت مشاعر الاستياء وانعدام الثقة، لا سيما لدى القوى الاقتصادية الصاعدة المشككة في قدرة مؤسسات داخل الأمم المتحدة وأخرى خارجها على معالجة التحديات المعقدة التي يفرضها عالم اليوم، وعلى معاملة كل الدول بمساواة وإنصاف وحسن نية.

علاوة على هذا كله، يطلّ «الاستبداد الرقمي» برأسه بعد تركّز أسراره ومفاتيحه لدى حفنة من القادرين، وتمارَس السطوة الاقتصادية من حيث انتزاع الأقوياء من الضعفاء اتفاقات مناسبة لهم، وتدخّلهم في السياسات الداخلية بحثاً عن المنافع الاقتصادية، وانتشار الحروب السيبرانية الشرسة، وصعوبة تنظيم الكمّ الهائل من المعلومات المتداولة عالمياً... لذا نرى مشهداً من تبدّد الثقة وانعدام الوزن. إضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام المتعمّد لأدوات التجارة والتمويل والعقوبات وسائلَ للإكراه يقوّض مبادئ التعاون العادل والمتكافئ. وقد تفاعلت هذه العوامل مع المشكلات القائمة لتُشكّل عاصفةً هوجاء تركت النظام متعدد الأطراف في مهبّ رياحها.

روبوت خلال مؤتمر تكنولوجي في شنغهاي (أ.ف.ب)

هل من حلّ؟

لا يستطيع أي مراقب إلا أن يرى الأخطار المحيطة بالعالم واستقراره، وتنامي النزعات القومية الضيقة التي تخالف ما بشّرتنا به العولمة في بداياتها وعزّ صعودها وزخمها. ومع العولمة الجديدة الآن، المتمثلة خصوصاً في «تسونامي الذكاء الاصطناعي»، يُخشى أن تتبدد مجدداً أحلام الازدهار والرخاء، وتنشأ استقطابات جديدة، وخطيرة وتتحوّل التكنولوجيا إلى سلاح للإخضاع.

هل تعلَّق الآمال على الأمم المتحدة؟

الحقيقة أن هذه المنظمة تحتاج إلى عملية إصلاح بنيوي تنقذ دورها من الاضمحلال وتجنّبها التحوّل إلى شاهد أو جهاز لإحصاء الأضرار. وبالمعنى الأوسع إذا أخفق أصحاب القرار في إرساء أساسٍ أخلاقي واحد للتعاون الدولي، يتجاوز نطاق التحالفات البراغماتية البحتة بل الضيقة، فإن العالم قد ينزلق مجدداً إلى حالة من الفوضى نرى فيها سياسات عدوانية ومزيداً من تركّز القوة في أيدي قلة محدودة، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى حروب وبؤس عميم.


الشرطة الأسترالية تحتجز ​7 لديهم «قواسم مشتركة» مع منفذيْ هجوم بونداي 

رجال شرطة يمرون أمام أكاليل زهور وُضعت على ممشى شاطئ بونداي في سيدني (أ.ف.ب)
رجال شرطة يمرون أمام أكاليل زهور وُضعت على ممشى شاطئ بونداي في سيدني (أ.ف.ب)
TT

الشرطة الأسترالية تحتجز ​7 لديهم «قواسم مشتركة» مع منفذيْ هجوم بونداي 

رجال شرطة يمرون أمام أكاليل زهور وُضعت على ممشى شاطئ بونداي في سيدني (أ.ف.ب)
رجال شرطة يمرون أمام أكاليل زهور وُضعت على ممشى شاطئ بونداي في سيدني (أ.ف.ب)

قالت الشرطة الأسترالية إن ​سبعة أشخاص جرى احتجازهم في جنوب غرب سيدني يوم الخميس لديهم صلات أيديولوجية بالشخصين المتهمين بإطلاق النار ‌على المئات خلال ‌احتفالهم ‌بعيد ⁠الأنوار ​اليهودي (‌حانوكا) في شاطئ بونداي والذي أسفر عن مقتل 15 شخصا.

وذكر ديف هدسون نائب مفوض شرطة ولاية ⁠نيو ساوث ويلز لراديو (‌إيه.بي.‍سي) يوم ‍الجمعة «لم نرصد ‍روابط محددة بين الشخصين اللذين ارتكبا هذه الفظائع يوم الأحد وهؤلاء ​الذين احتُجزوا أمس باستثناء القواسم المشتركة المحتملة ⁠في بعض الأفكار، ولكن لا توجد روابط في هذه المرحلة».

وأضاف هدسون أن التحقيقات لا تزال في مرحلة أولية، وأن أحد المواقع التي كانت المجموعة تخطط ‌لزيارتها هو بونداي.