الأزمات تدفع أكراد سوريا للهروب نحو أوروبا

جواً وبراً عبر لبنان ومصر وليبيا والجزائر... وبالقارب إلى إسبانيا

سيلفي لميسكو ومهاجرين في قارب قبل مغادرة وهران 15 أكتوبر (أ.ب)
سيلفي لميسكو ومهاجرين في قارب قبل مغادرة وهران 15 أكتوبر (أ.ب)
TT

الأزمات تدفع أكراد سوريا للهروب نحو أوروبا

سيلفي لميسكو ومهاجرين في قارب قبل مغادرة وهران 15 أكتوبر (أ.ب)
سيلفي لميسكو ومهاجرين في قارب قبل مغادرة وهران 15 أكتوبر (أ.ب)

ظل باران رمضان ميسكو مختبئاً برفقة مهاجرين آخرين طيلة أسابيع في مدينة وهران الساحلية الجزائرية، في انتظار فرصة ركوب قارب عبر البحر المتوسط إلى أوروبا.
وقبل أيام من انطلاق الرحلة، تلقّى ميسكو، السوري الكردي البالغ 38 عاماً، أخباراً تفيد بغرق قارب لتهريب المهاجرين غير الشرعيين كان يحمل بعض أصدقائه بعد وقت قصير من مغادرته السواحل الجزائرية، مما أسفر عن مصرع معظم ركابه.
الخبر الصادم جاء بعد أن أمضى أسابيع للوصول إلى الجزائر من سوريا، وأعقب ذلك انتظاره طوال شهر حتى ينقله المهرب على متن أحد القوارب إلى أوروبا.
وبعد أن أنفق آلاف الدولارات على الرحلة، برفقة زوجته وابنتيه البالغتين 3 و4 سنوات، واللاتي يعتمدن عليه لتأمين حياة آمنة لهن بعيداً عن الصراعات، صعد المهندس الذي تحوَّل لاحقاً إلى العمل بمجال ما يُعرف بـ«صحافة المواطن»، على متن قارب صيد صغير مع عشرات الرجال الآخرين والتقطوا لأنفسهم صورة جماعية أرسلوها إلى عائلاتهم قبل أن يتوقفوا عن الاتصال بالإنترنت.
بعد رحلة استغرقت 12 ساعة طوال الليل، شقّ ميسكو طريقه إلى ألمرية في إسبانيا، في 15 أكتوبر (تشرين الأول)، ثم وصل إلى ألمانيا بعد 4 أيام حيث أصبح الآن طالب لجوء داخل معسكر بالقرب من بيليفيلد. وحتى الآن لم يعتدْ ميسكو على الطقس البارد ويستعين بتطبيق ترجمة على هاتفه؛ لمساعدته على تعلم اللغة الألمانية، وقال إنه يأمل في تسوية أوراقه قريباً؛ حتى تتمكن أسرته من الانضمام إليه.

مهاجرون أكراد ينتظرون وصول السيارات إلى بلدة الدبدب الجزائرية قرب الحدود الليبية 28 مارس (آذار) 2022 (أ.ب)

من جهتها، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن ما لا يقل عن 246 مهاجراً فُقدوا أثناء محاولتهم عبور غرب البحر المتوسط إلى أوروبا خلال عام 2022.
ويُعدّ ميسكو واحداً من بين أعداد متزايدة من الأكراد السوريين الذين يسافرون إلى أوروبا عبر مسار متعرج يتضمن السفر بالسيارة والطائرة عبر لبنان ومصر وليبيا والجزائر، ثم أخيراً بالقارب إلى إسبانيا. وذكر مهاجرون أنهم يختارون هذا الطريق الملتوي؛ لخشيتهم من التعرض للاعتقال على أيدي القوات التركية أو المسلَّحين المدعومين من تركيا في سوريا، إذا حاولوا التسلل إلى تركيا، والتي تمثل الطريق الأقصر إلى أوروبا.
وتبعاً لبيانات صادرة عن وكالة الحدود، التابعة للاتحاد الأوروبي، «فرونتكس»، اجتاز 591 سورياً، على الأقل، البحر المتوسط من الجزائر والمغرب إلى إسبانيا عام 2022، ما يعادل 6 أضعاف إجمالي العام الماضي.
وقال مهرب سوري كردي في الجزائر إن عشرات الأكراد من سوريا يصلون مدينة وهران الساحلية الجزائرية، كل أسبوع؛ من أجل خوض رحلة بحرية نحو أوروبا. وأضاف، لوكالة «أسوشيتد برس»، شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الاعتقال من قِبل السلطات الجزائرية: «لم يسبق لي العمل مع مثل هذه الأرقام المرتفعة من قبل».
في سياق متصل، تركت سنوات من الصراع والفوضى الاقتصادية بصمتها على مناطق شمال سوريا، التي يقطنها حوالي 3 ملايين شخص يعيشون تحت السيطرة الفعلية للأكراد. وتعرضت هذه المنطقة للاستهداف من جانب مسلَّحي تنظيم «داعش» والقوات التركية وجماعات المعارضة السورية المُوالية لها.
ومثلما الحال مع ميسكو، يفد الكثير من المهاجرين من مدينة كوباني (عين عرب) السورية، التي تصدرت عناوين الصحف قبل 7 سنوات، عندما صمد المقاتلون الأكراد في مواجهة حصار وحشي من جانب تنظيم «داعش».
في هذا الصدد قال جوزيف ضاهر، الأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، إن البلدة تُركت في حالة خراب. وأضاف: «لم يحدث الكثير» لمحاولة إعادة بناء المدينة، مشيراً إلى أن معظم تمويل التنمية ذهب إلى مدن أبعد شرقاً. وكان من شأن الأحداث التي شهدها شمال شرق سوريا إعطاء سكانها حافزاً إضافياً للمغادرة.
وصعّدت تركيا هجماتها على مناطق كردية داخل سوريا، في أعقاب وقوع تفجير بإسطنبول في نوفمبر (تشرين الثاني). وتُلقي أنقرة باللوم على حزب العمال الكردي المحظور ووحدات حماية الشعب المدعومة من الولايات المتحدة. وتنفي الجهتان مسؤوليتهما عن الحادث، لكن منذ ذلك الحين، قصفت تركيا مناطق عبر شمال شرق سوريا، مما أدى إلى تدمير بنيتها التحتية المتهالكة بالفعل، بل تعهدت أنقرة بشنّ غزو بري للمنطقة.
ولا يزال بوزان شاهين، مهندس من كوباني، يذكر الغارة الجوية التركية، الشهر الماضي: «رأيت أمي ترتجف من الخوف وتُمسك أختي البالغة من العمر 4 سنوات؛ في محاولة للحفاظ على هدوئها». والآن تراود شاهين الرغبة في الانضمام إلى تدفق الأكراد المتجهين من سوريا إلى أوروبا. ويضيف: «لديّ بعض الأصدقاء الذين وجدوا طريقة للوصول إلى لبنان من خلال أحد المهربين، والذهاب إلى مكانٍ ما عبر ليبيا. لستُ على دراية بكل التفاصيل، لكنني أحاول إيجاد سبيل للقيام بهذه الرحلة بأمان».
وتتولى إدارة هذه العملية التي تستغرق أسابيع وتكلف آلاف الدولارات، شبكة تهريب تقدم رشوة لجنود سوريين؛ لضمان مرور المهاجرين عبر نقاط التفتيش، حيث يمكن احتجازهم بسبب التهرب من التجنيد أو التورط في نشاط مناهض للحكومة. وبعد ذلك ينتقلون عبر الحدود المليئة بالثغرات إلى لبنان، بحسب مهاجرين ومهربين.
هناك يمكث المهاجرون عادة في شقق مزدحمة ببيروت لمدة أسبوع تقريباً في انتظار جوازات سفر عاجلة من السفارة السورية عن طريق وسيط يعمل مع المهرب.
ومع توافر جوازات السفر في متناول اليد، يسافر المهاجرون إلى مصر، حيث يمكن للسوريين الدخول من دون تأشيرة، ثم الانطلاق في رحلة أخرى إلى بنغازي في ليبيا التي مزّقتها الحرب، قبل التوجه إلى الجزائر عبر شبكة أخرى من المهربين.
وعن ذلك قال ميسكو: «ذهبنا في شاحنات صغيرة وسيارات جيب عبر ليبيا من خلال طرابلس والطريق الساحلي، وكنا نبدل السيارات كل 500 كيلومتر أو نحو ذلك».
أثناء الرحلة عبر الصحراء، كان عليهم عبور نقاط التفتيش التي تديرها فسيفساء الجماعات المسلحة الليبية. يقول ميسكو: «تعرضنا لمعاملة بشعة من بعض نقاط التفتيش لدى علم الحراس بأننا سوريين، استولوا على نقودنا وهواتفنا أو جعلونا نقف في الحر لساعات». وأضاف أن جماعة مسلَّحة خطفت مجموعة المهاجرين الذين غادروا قبله، وطالبت بمبلغ 36000 دولار للإفراج عنهم.
ولدى وصولهم وهران الجزائرية، شعر ميسكو بالارتياح للجوء إلى شقة يديرها المهربون. وأثناء انتظارهم لأسابيع، أمضى هو والمهاجرون الآخرون معظم وقتهم في داخل الشقة. «لم نتمكن من التحرك بحرّية في أنحاء وهران؛ لأن قوات الأمن في كل مكان ونحن لم ندخل البلاد بشكل قانوني. أيضاً كانت هناك عصابات في المدينة أو حتى على الساحل تحاول سلب المهاجرين».
في هذه الأثناء اتهمت جماعات معنية بحقوق الإنسان السلطات الجزائرية باعتقال المهاجرين، وفي بعض الحالات طردهم عبر الحدود البرية. ووفق مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة، طردت الجزائر أكثر من 13000 مهاجر إلى النيجر المجاورة جنوباً في النصف الأول من عام 2021.
ورغم شعوره بالارتياح لوصوله بأمان إلى ألمانيا مع تمتعه بفرصة استقدام زوجته وبناته إلى هناك، يساور ميسكو الندم على مغادرته كوباني. يقول: «لطالما كنت معارضاً لفكرة الهجرة أو حتى النزوح، وكنا كلما اضطررنا إلى الانتقال بسبب الحرب، نعود إلى كوباني بمجرد أن يتاح لنا ذلك».
في ألمانيا، يقضي ميسكو معظم وقته في المقابلات الخاصة بطلب اللجوء، إلا أنه في حالة معنوية جيدة؛ لعلمه أنه بدأ عملية لم يحلم بها قبل شهور، وأنه يأمل في الحصول على وضع لاجئ قريباً؛ حتى تتمكن أسرته من اللحاق به في أوروبا.
يقول: «سوريا أصبحت بؤرة حرب وفساد وإرهاب، عشنا على هذا النحو طوال 10 سنوات ولا أريد أن تكابد طفلتاي هذه التجارب».


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تكرار وقائع «تحرش» بمدارس مصرية يفاقم أزمات وزير التعليم

وزير التربية والتعليم المصري يلتقي عدداً من أولياء الأمور في أول يوم دراسي بالعام الحالي (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم المصري يلتقي عدداً من أولياء الأمور في أول يوم دراسي بالعام الحالي (وزارة التربية والتعليم)
TT

تكرار وقائع «تحرش» بمدارس مصرية يفاقم أزمات وزير التعليم

وزير التربية والتعليم المصري يلتقي عدداً من أولياء الأمور في أول يوم دراسي بالعام الحالي (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم المصري يلتقي عدداً من أولياء الأمور في أول يوم دراسي بالعام الحالي (وزارة التربية والتعليم)

فاقم تكرار وقائع تحرش بطلاب داخل مدارس دولية وخاصة الأسابيع الماضية الأزمات داخل وزارة التربية والتعليم، التي صاحبت الوزير محمد عبد اللطيف، الذي تولى المهمة قبل عام ونصف العام، وسط مطالب بإقالته بوصفه «المسؤول الأول»، فيما دافع آخرون عنه على أساس أن الحوادث «فردية»، وأنه قام بإجراءات مشددة لمنع تكرارها.

وشهدت مدارس مصرية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقائع تحرش، حيث قررت وزارة التربية والتعليم وضع مدرسة «سيدز» الدولية في القاهرة تحت الإشراف سواء المالي أو الإداري للوزارة، عقب توقيف 4 عاملين فيها في اتهامهم بالتحرش بعدد من طلاب المرحلة التمهيدية، قبل أن يتولى القضاء العسكري القضية، وتتسع دائرة المتهمين فيها.

ولم تكن واقعة مدرسة «سيدز» الأولى من نوعها، إذ سبقها بشهور عدة، قضية الطفل «ي» التي تحولت لقضية رأي عام، وأدانت فيها محكمة الجنايات مشرفاً مالياً سبعينياً بالتحرش بالطفل داخل المدرسة، وقضت بالسجن المؤبد (25 عاماً) في مايو (أيار) الماضي، ثم خففت محكمة الاستئناف الحكم إلى السجن المشدد 10 سنوات في نوفمبر الماضي.

وزير التربية والتعليم خلال تفقده سير العملية الدراسية في إحدى المدارس (أرشيفية - وزارة التربية والتعليم المصرية)

ويُحمل الخبير التربوي عاصم حجازي، وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف مسؤولية تكرار تلك الوقائع داخل المدارس، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «تكرارها يعكس غياب الإجراءات الرادعة لتفادي مثل هذه الحوادث منذ واقعة الطفل (ي)»، عادّاً أن غضب الرأي العام وأولياء الأمور على الوزير وما يحدث في الوزارة طبيعي ومبرر.

وأضاف: «الإجراءات لم تُتخذ سوى بعد واقعة مدرسة سيدز، وكانت متأخرة وغير كافية، بدليل تفجر وقائع أخرى في مدرستين بعدها».

وكانت وزارة التربية والتعليم فرضت إجراءات داخل المدارس الدولية للانضباط، تتمثل في وضع نظام كاميرات، ومنع وجود الطلاب في غير أوقات اليوم الدراسي، وإلزام المدارس بنظام خاص للإشراف على وجود الطلاب خارج الفصول، وإلزام هذه المدارس بإجراء تحليل مخدرات، والكشف عن الحالة الجنائية للعاملين فيها، وتقديم هذه الأوراق للوزارة.

وتساءل حجازي: «لماذا اقتصرت الإجراءات على المدارس الدولية، وهل المدارس الحكومية في مأمن من وقائع تحرش مماثلة؟».

وعقب أيام من واقعة مدرسة «سيدز»، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عامل في مدرسة دولية بالإسكندرية بتهمة التحرش بطلاب، وقررت محكمة جنايات الإسكندرية في 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إحالة أوراق القضية إلى المفتي - هو قرار يمهد لحكم الإعدام - وأجلت النطق بالحكم إلى فبراير (شباط) المقبل. وطالب محامي الضحايا في القضية، طارق العوضي، بإقالة وزير التربية والتعليم خلال منشور على حسابه بموقع «إكس».

وقبل ساعات، انفجرت قضية جديدة بالتحرش بـ12 طالباً في مدرسة «النيل» الدولية بالقاهرة، وقررت وزارة التربية والتعليم، الأحد، وضع المدرسة تحت الإشراف سواء المالي أو الإداري للوزارة، مع «اتخاذ الإجراءات القانونية كافة حيال المسؤولين الذين ثبت تورطهم في تقصير أو إهمال بما أدى لحدوث هذه الواقعة»، وفق بيان الوزارة.

ويرى حجازي أن تكرار تلك الوقائع «يعكس ليس فقط غياب الرقابة داخل المدارس، وإنما أزمات أخرى عميقة، مثل قلة أعداد المعلمين والمُشرفين داخل المدارس، والتركيز على نظام التقييم الذي أقره وزير التعليم استراتيجية للوزارة، للسعي إلى إعادة الطلاب للمدارس، لكن دون وجود الإمكانات الخاصة بذلك».

ويتمثل نظام التقييم في تقسيم درجات التقييمات النهائية بين الاختبار النهائي، وتقييمات أخرى تتكرر على مدار العام، ما يُلزم الطلاب بالحضور.

وأضاف الخبير التربوي: «استراتيجية الوزير تضع أعباءً على المدرسين وأولياء الأمور فيما يتعلق بالتقييمات، مقابل تهميش الجوانب الأخرى المهمة سواء التربوية أو التوعوية، أو الخاصة بالإشراف النفسي».

وبينما تتفق عضوة لجنة التعليم في مجلس النواب (البرلمان) جيهان البيومي، على ضرورة اهتمام الوزارة في المرحلة المقبلة بـ«الجوانب التربوية والنفسية»، فإنها لا تتفق مع مطلب إقالة الوزير أو تحميله مسؤولية حوادث التحرش في المدارس.

وقالت البيومي لـ«الشرق الأوسط» إن «الوزير اتخذ قرارات سريعة ورادعة بعد كل واقعة، وهذه الوقائع تظل فردية، ولا يمكن وصفها بالمتفشية في المدارس أو المجتمع، لذا فالمغالاة في التعامل مع الأزمة بالمطالبة بإقالة الوزير ليست حلاً»، مشيرة إلى أنه «واحد من أنشط الوزراء الذين يقود عمله من الميدان، ويجري كثيراً من الزيارات المفاجئة للمدارس، ونجح في إعادة الطلاب للمدارس، وغيّر المناهج التعليمية، وكلها أمور تُحسب له».

وزير التربية والتعليم مع أحد طلاب الثانوية أبريل 2025 (وزارة التربية والتعليم)

وصاحب اختيار وزير التربية والتعليم جدلاً واسعاً مع تفجر أولى الأزمات المرتبطة به، الخاصة بحقيقة حصوله على شهادة الدكتوراه التي صاحبت سيرته الذاتية، بينما شككت وسائل إعلام محلية فيها. وتجاوزت الحكومة الأزمة بوصف عبد اللطيف في بيانات الوزارة بـ«السيد الوزير» بدلاً من «الدكتور».

ولم يتوقف الجدل حول الوزير عند هذه الأزمة، بل امتدت إلى قراره بتغيير المناهج في أغسطس (آب) 2024، الذي أُلغي بناء عليه تدريس بعض المواد في الشهادة الثانوية مثل «الفلسفة» و«علم النفس»، وتحولت اللغات بخلاف الإنجليزية إلى مواد ثانوية لا تضاف للمجموع، وعقب شهور ظهر جدل جديد خاص بمنظومة «البكالوريا» التي تتيح للطلاب خوض الامتحانات أكثر من مرة، بمقابل مادي، ورغم الانتقادات دخلت منظومة البكالوريا في النظام التعليمي المصري بداية من هذا العام.

ويرى الخبير التربوي وائل كامل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «أن شخصية وزير التربية والتعليم تبدو إدارية أكثر منها تربوية، فكل قراراته تعكس ذلك، بداية من إلغاء مواد دراسية أساسية في بناء الشخصية والتربية لدى الطلاب، مثل الفلسفة وعلم النفس، مروراً بنظام التقييمات في المدارس الذي يهتم بالكم على حساب الكيف، ويضع أعباء كبيرة على كل أطراف العملية التعليمية». ومع ذلك لا يرى كامل أن الحل في تغيير الوزير قائلاً: «الوزارة ككل في حاجة إلى إعادة هيكلة».


«محددات حماس» بشأن المرحلة الثانية لـ«اتفاق غزة»... هل تضعف فرص التقدم؟

إزالة حطام المباني والمنازل المدمرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
إزالة حطام المباني والمنازل المدمرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«محددات حماس» بشأن المرحلة الثانية لـ«اتفاق غزة»... هل تضعف فرص التقدم؟

إزالة حطام المباني والمنازل المدمرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
إزالة حطام المباني والمنازل المدمرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

شهد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، تحفظات ومطالبات علنية من حركة «حماس» بشأن التزامات المرحلة الثانية المعنية بترتيبات إدارية وأمنية، وسط حديث أميركي عن جهود تبذل في «الكواليس» بشأن الانتقال إليها.

تلك المحددات التي أعلنتها «حماس»، الأحد، وشملت 4 بنود رئيسية متعلقة بنزع السلاح ودور مجلس السلام وقوات الاستقرار وتشكيل لجنة إدارة قطاع غزة، هناك تباين بشأنها بين خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بين مَن يراها تكشف عن أزمات تعيق التقدم للمرحلة الثانية، وأنها مجرد مناورات لتقليل الضغوط عليها، مقابل تقديرات أخرى تؤكد أنها تكشف عن جدية الحركة في تنفيذ الاتفاق وسط عراقيل إسرائيل.

وتتضمن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وجرى بموجبها وقف إطلاق النار في قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول)، تشكيل مجلس للسلام برئاسته يشرف على لجنة تكنوقراط فلسطينية، ونزع سلاح «حماس»، وألا يكون لها دور في حكم القطاع بعد الحرب، ونشر قوات استقرار.

وقال رئيس حركة «حماس» في قطاع غزة، خليل الحية، الأحد، في الذكرى 38 لتأسيس الحركة، إن السلاح حق كفلته القوانين الدولية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، معبراً عن انفتاح الحركة على دراسة أي مقترحات تحافظ على ذلك الحق مع ضمان إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وشدد على أن مهمة مجلس السلام، الذي ورد في خطة ترمب، ومن المقرر أن يقوده الرئيس الأميركي، هي رعاية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والتمويل والإشراف على إعادة إعمار قطاع غزة. ورفض «كل مظاهر الوصاية والانتداب» على الفلسطينيين.

وأضاف: «ندعو لتشكيل لجنة التكنوقراط لإدارة قطاع غزة من مستقلين فلسطينيين بشكل فوري، ونؤكد جاهزيتنا لتسليمها الأعمال كاملة في كل المجالات وتسهيل مهامها»، مشدداً على أن مهمة القوة الدولية المزمع تشكيلها «يجب أن تقتصر على حفظ وقف إطلاق النار، والفصل بين الجانبين على حدود قطاع غزة» دون أن يكون لها أي مهام داخل القطاع.

ودعا الحية «الوسطاء، خصوصاً الضامن الأساسي، (الإدارة الأميركية والرئيس ترمب) إلى ضرورة العمل على إلزام الاحتلال باحترام الاتفاق والالتزام بتنفيذه وعدم تعريضه للانهيار».

نساء يحملن حزماً على رؤوسهن يمررن بخيام أقيمت على أرض تم تطهيرها لإيواء الفلسطينيين النازحين جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الأسبوع الماضي، إن المفوضية وثقت أكثر من 350 هجوماً إسرائيلياً ومقتل 121 فلسطينياً على الأقل داخل المنطقة الواقعة خلف «الخط الأصفر» في غزة منذ وقف إطلاق النار، فيما لقي القيادي في «حماس» رائد سعد حتفه، في قصف إسرائيلي، السبت، استهدف سيارته في غزة.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن الإدارة الأميركية تعمل حالياً على بلورة المرحلة الثانية من الخطة الرامية إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتخطِّط لأن يبدأ عمل القوة الدولية متعددة الجنسيات في القطاع اعتباراً من الشهر المقبل، وأبلغ مسؤولون أميركيون نظراءهم الإسرائيليين بهذا في محادثات أُجريت في الأيام الأخيرة، حسب هيئة البث الإسرائيلية.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى المحلل المصري المتخصص في الشأن الإسرائيلي، بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن محددات «حماس» تكشف عن أن «فرص التقدم في المرحلة الثانية ضعيفة وستدفع لمزيد من الضربات الإسرائيلية»، مشيراً إلى أنها «مجرد مناورات، من أجل تقليل الضغوط عليها التي تواجهها قبل تنفيذ التزامات المرحلة الثانية، التي تمر بظروف خطيرة».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، المختص بشؤون «حماس»، إبراهيم المدهون، أنه لا مفر من الذهاب للمرحلة الثانية وتنفيذها، رغم عراقيل متكررة من جانب إسرائيل لإفشال الاتفاق، لافتاً إلى أنه بالنسبة لموضوع السلاح، فإن «حماس» منخرطة في حوار فلسطيني داخلي معمّق، إلى جانب حوار واضح وشفاف مع الوسطاء في القاهرة، حول رؤية قد تتبلور وتكون مقبولة لدى جميع الأطراف، بخلاف أن الحركة راغبة في حضور قوات سلام معنية بفضّ الاشتـباك.

ووسط تلك المحددات من «حماس» التي لم يعلق عليها الوسطاء، أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية، (الأحد)، بأن بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري، شدَّد في اتصال مع نظيرته البريطانية إيفيت كوبر، على أهمية نشر «قوة الاستقرار الدولية» المؤقتة في غزة، مؤكداً أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب.

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية».

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين، الجمعة، بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، السبت، عن مسؤولين القول إن إدارة ترمب تسعى لتجنيد قوة متعددة الجنسيات من 10 آلاف جندي بقيادة جنرال أميركي؛ لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة، وذكر المسؤولون أنه لم تُرسل أي دولة قوات؛ بسبب تحفظات على إمكانية توسيع نطاق مهمة القوة لتشمل نزع سلاح حركة «حماس».

وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الخارجية الأميركية طلبت رسمياً من نحو 70 دولة تقديم مساهمات عسكرية أو مالية للقوة المزمع نشرها في غزة، غير أن 19 دولة فقط أبدت رغبتها في المساهمة بقوات أو تقديم المساعدة بطرق أخرى، ومنها المعدات والنقل.

ويرى عكاشة أن ترمب سيضغط خلال لقاء نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، للبدء في المرحلة الثانية، متوقعاً أن تقبل إسرائيل الدخول إليها وبدء مفاوضات إلى ما لا نهاية بشأن تنفيذ الانسحابات.

ويعتقد المدهون أن «القاهرة تدرك العراقيل الإسرائيلية وستطالب بتسريع العمل للانتقال إلى المرحلة الثانية لإنهاء أي ذرائع إسرائيلية متوقعة قد تفشل الاتفاق».


سبعة قتلى جراء استهداف مستشفى في السودان بطائرة مسيَّرة

تعرض مستشفى عسكري في مدينة الدلنج السودانية لهجوم بطائرة مسيرة (أ.ف.ب)
تعرض مستشفى عسكري في مدينة الدلنج السودانية لهجوم بطائرة مسيرة (أ.ف.ب)
TT

سبعة قتلى جراء استهداف مستشفى في السودان بطائرة مسيَّرة

تعرض مستشفى عسكري في مدينة الدلنج السودانية لهجوم بطائرة مسيرة (أ.ف.ب)
تعرض مستشفى عسكري في مدينة الدلنج السودانية لهجوم بطائرة مسيرة (أ.ف.ب)

قال مصدر في مستشفى عسكري بمدينة الدلنج السودانية، الواقعة في الجنوب، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع»، إن هجوماً عليها بطائرة مسيَّرة، الأحد، أسفر عن مقتل «7 مدنيين وإصابة 12».

ومن بين المصابين مرضى أو مرافقون لهم في المستشفى، حسب ما أفاد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». ويقدم المستشفى خدماته للمدنيين والعسكريين على حد سواء.

وتقع الدلنج في جنوب كردفان، وما زالت تحت سيطرة الجيش السوداني، لكنها محاصرة من «قوات الدعم السريع».