الكهرباء رافد جديد لـ«أمراء الحرب» في ريف دمشق

استجرار كهرباء العاصمة وبيعها بأسعار عالية للراغبين

منشأة غاز في حمص وسط سوريا 9 نوفمبر 2022 (أ.ب)
منشأة غاز في حمص وسط سوريا 9 نوفمبر 2022 (أ.ب)
TT

الكهرباء رافد جديد لـ«أمراء الحرب» في ريف دمشق

منشأة غاز في حمص وسط سوريا 9 نوفمبر 2022 (أ.ب)
منشأة غاز في حمص وسط سوريا 9 نوفمبر 2022 (أ.ب)

يستثمر قياديون ونافذون في ميليشيات موالية للنظام السوري، ممن يوصفون بـ«أمراء الحرب»، في أزمة توفير الكهرباء الخانقة التي تعاني منها مناطق سيطرة الحكومة، لزيادة ثرواتهم التي جمعوها خلال سنوات الحرب عبر «التعفيش» والإتاوات؛ إذ يعمل هؤلاء على استجرار التيار الكهربائي بطرق غير مشروعة من محولات مخصصة لدمشق، وتزويد الأهالي بريف العاصمة به، مقابل مبالغ مالية كبيرة، مستغلين غياب سلطة الدولة عن تلك المناطق.
وفي ظل أزمة الوقود الخانقة (بنزين، ومازوت، وغاز) التي تعاني منها مناطق سيطرة الحكومة، بسبب سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، على أغلب آبار النفط والغاز في شمال وشمال شرقي البلاد، والعقوبات الاقتصادية الغربية على دمشق؛ تفاقمت حدة أزمة الكهرباء وبات «برنامج التقنين» في دمشق، يقوم على قطع الكهرباء ما بين 10 و12 ساعة ووصلها لساعة واحدة تتخللها عدة انقطاعات، على حين يشكو سكان مدن ومناطق بريف العاصمة، أنهم لا يرون الكهرباء سوى ساعة أو نصف ساعة كل يومين أو ثلاثة، ويؤكد بعضهم أن فترة القطع قد تمتد إلى أسبوع وأسبوعين.
ويلفت الانتباه في جادة بأحد أحياء ريف دمشق الملاصقة لأحياء العاصمة، أن بعض المنازل والمحال التجارية منارة بالكهرباء الحكومية خلال فترات الليل، في حين ينقطع التيار عن أغلبية المحال والمنازل المجاورة.
أحد سكان الجادة كان يقف أمام بوابة منزله وينظر بحسرة إلى المحال والمنازل المضاءة بالكهرباء، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن عائلته «لم تر الكهرباء منذ 8 أيام»، موضحاً أن أصحاب المنازل والمحال المنارة، «تتوفر لديهم خطوط الكهرباء الخاصة بالمنطقة، إضافة لخطوط العاصمة، وعندما تنقطع الأولى، تصل إليهم الكهرباء من (خطوط المدينة)».
وكشف الرجل أن «خطوط المدينة، يتم الحصول عليها من كبار الشبيحة (قادة الميليشيات والنافذين فيها)، مقابل مبالغ مالية شهرية كبيرة يدفعها أصحاب المنازل والمحال التجارية الراغبون بهذه الخطوط».
ويلفت إلى أن «أمراء الحرب» أولئك، يسحبون الخطوط من المحولة الكهربائية الموجودة في الحي المقابل التابع للعاصمة، ومن يرغب من الأهالي في الحي التابع لمحافظة ريف دمشق، في الحصول على خط مدينة دمشق، عليه أولاً الاتفاق معهم، ومن ثم شراء سلك كهربائي قوي يصل إليه من الخط الرئيسي الذي استجره الشبيحة من محولة المدينة إلى منزله.
الرجل يؤكد أنه من غير المعروف المبلغ الشهري الذي يتقاضاه هؤلاء مقابل الحصول على «خط المدينة»، ويقول: «لا أحد يفصح عن ذلك، ولكنه حتماً مرتفع»، لافتاً إلى أن «من يتخلفون عن دفع المبلغ الشهري يجري قطع خطوطهم ولا يتم إعادة وصلها إلا بعد الدفع».
وعلى الرغم من أن هذه الخطوط مخالفة للأنظمة والقوانين، وهناك عقوبات، فإن مفتشي المؤسسة العامة للكهرباء «لا يجرؤون على الاعتراض»، بسبب غياب سلطة الدولة في تلك المناطق وسيطرة «كبار الشبيحة». يُذكر أنه ما زالت تنتشر في عدد من مناطق محيط دمشق وريفها ميليشيات محلية موالية للنظام، أبرزها «قوات الدفاع الوطني»، التي شُكّلت بتوجيه من إيران لمساندة الجيش النظامي في عملياته ضد المعارضة، ومُنحت في حينها صلاحيات واسعة عندما كانت العاصمة السورية على وشك السقوط بيد الفصائل.
وأسهمت هذه الميليشيات التي انضم إليها عاطلون عن العمل ومطلوبون ومطرودون من الجيش النظامي، بشكل كبير، في استعادة دمشق السيطرة على مساحات واسعة، وجمع قياديوها والعديد من مسلّحيها، ثروات كبيرة من عمليات «تعفيش» المنازل في المناطق التي كان يتم استعادة السيطرة عليها من المعارضة، وكذلك من الإتاوات التي يفرضونها على المارة في الحواجز التي يقيمونها.
وحاول النظام حل ميليشيا «قوات الدفاع الوطني»، أواسط عام 2014، لكن مع سقوط إدلب ربيع عام 2015، توقفت المحاولة عندما اضطر النظام وإيران للاستنجاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع تدفق القوات الروسية إلى سوريا ذلك العام، انتعش من جديد مشروع حل الميليشيا إلى درجة أن عناصرها وحواجزها اختفوا من الطرقات، وباتوا لا يشاهدون إلا في مناطق قليلة، منها محيط دمشق.
وتلقى قطاع الكهرباء في سوريا خلال سنوات الحرب المستمرة منذ نحو 12 عاماً، ضربات كثيرة، كان أقواها في 24 أغسطس (آب) 2020، حين تسبب انفجار استهدف خط الغاز العربي بين منطقة الضمير وعدرا في ريف دمشق، بانقطاع الكهرباء في أنحاء البلاد كافة.
وبعدما كانت تلبية الطلب على الكهرباء في سوريا عند مستوى 97 في المائة قبل عام 2011، انخفضت إلى مستويات غير مسبوقة خلال سنوات الحرب، بسبب محدودية الفيول والغاز.
ووفق البيانات الرسمية، كان إنتاج محطات توليد الكهرباء في سوريا يبلغ نحو 8 آلاف ميغاواط يومياً قبل اندلاع الحرب، مع فائض من الكهرباء تقوم الحكومة بتصديره إلى دول الجوار، في حين أشارت تقارير في بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى أن إنتاج محطات التوليد في البلاد، يصل إلى أقل من 1500 ميغاواط تقريباً.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).