المصريون يعيدون تشكيل عاداتهم الشرائية

وسط ترقب لانعكاسات قرض صندوق النقد الدولي على الأسعار

جانب من أحد اجتماعات «مجلس الوزراء المصري» لمتابعة أسعار السلع الاستراتيجية (الحكومة المصرية)
جانب من أحد اجتماعات «مجلس الوزراء المصري» لمتابعة أسعار السلع الاستراتيجية (الحكومة المصرية)
TT

المصريون يعيدون تشكيل عاداتهم الشرائية

جانب من أحد اجتماعات «مجلس الوزراء المصري» لمتابعة أسعار السلع الاستراتيجية (الحكومة المصرية)
جانب من أحد اجتماعات «مجلس الوزراء المصري» لمتابعة أسعار السلع الاستراتيجية (الحكومة المصرية)

في الوقت الذي تستعد فيه سارة، شابة في العشرينات، للانتهاء من التجهيزات الأخيرة لمنزل الزوجية، فوجئت بمنشور لمحل الأثاث الذي اختارته لتأثيث منزلها، يعلن عن زيادة أسعار التعاقدات المُبرمة بالفعل، بنسبة تتراوح بين 10 إلى 25 في المائة، مبرراً قراره بـ«ارتفاع سعر الدولار».
تقول سارة لـ«الشرق الأوسط» إنها قرأت المنشور عقب ساعات من موافقة صندوق النقد الدولي على إقراض مصر، لتبقى في حيرة حول عواقب الاتجاهات الاقتصادية، وما إذا كانت هناك سيولة مرتقبة للنقد الأجنبي أم أن الارتفاع المطرد في الأسعار سيواصل صعوده؟
وتأتي هذه الزيادة عقب ساعات من إعلان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، مساء الجمعة، إقرار حزمة دعم جديدة للاقتصاد المصري، تشمل قرضاً بقيمة 3 مليارات دولار أميركي، ضمن برنامج مدته 46 شهراً، وهو ما زاد من حالة الترقب والتكهنات التي تسود البلاد منذ شهور، إزاء وضع النقد الأجنبي، وانعكاساته على الأسعار، والأوضاع الاجتماعية في مصر. وتمت الموافقة على القرض على مستوى لجنة الخبراء 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليدخل حيز التنفيذ الفعلي (الجمعة)، ما يتيح لمصر الحصول الفوري على 347 مليون دولار.
وأفاد تقرير لمجلس الوزراء المصري نشرته رويترز، اليوم السبت، بأن حزمة الدعم المالي الجديدة، التي وافق صندوق النقد الدولي على تقديمها لمصر «تهدف إلى خفض الدين الحكومي إلى أقل من 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط». وجاء ذلك بموازاة تقرير لصندوق النقد الدولي أكد فيه أنه «لم يطالب مصر بخفض الدعم، بل تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية».
وبينما تتحدث وسائل إعلام محلية عن «انخفاض مرتقب لسعر الدولار، أو على الأقل ثباته نسبياً، ما ينعكس بدوره على أسعار السلع»، يتوقع الدكتور جودة عبد الخالق، المفكر الاقتصادي، وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أن «تشهد الأسعار ارتفاعاً في المدى القريب»، ويقول في تصريحات «الشرق الأوسط»، إن «محصلة الإجراءات المتفق عليها بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي للحصول على القرض، ستنعكس على أسعار البضائع بالارتفاع المطرد، وذلك لعدة أسباب، أهمها شرط تحرير سعر الصرف للجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، ما يعرف بـ(التعويم)، ومن ثم مزيد من انخفاض لقيمة الجنيه، وبالتالي ارتفاع تكلفة الواردات، والبضائع». مضيفاً أن «من تبعات القرض خفض الدعم على بعض الخامات، مثل المواد البترولية، وعناصر أخرى تدخل في مستلزمات الإنتاج الزراعي، ما يوجه المسار نحو ارتفاع الأسعار». ورهن عبد الخالق أي انخفاض في الأسعار، «بنجاح» برنامج الإصلاح الاقتصادي، قائلاً إنه «ربما تأتي لاحقاً هذه القرارات بثمارها، غير أن النتيجة الفورية لا تشير إلى انفراجة قريبة».
وتشهد الأسواق المصرية موجة غلاء، لا سيما بعد تراجع سعر صرف الجنيه، والذي خسر نحو 23 في المائة من قيمته أمام الدولار، منذ قرار البنك المركزي المصري الانتقال إلى سعر صرف مرن في أكتوبر الماضي.
ويوضح الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، نموذج حزمة الدعم التي ستحصل عليها مصر بعد قرار صندوق النقد الدولي، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «ثمة نمطين من الدعم ستحصل عليهما مصر خلال 2023، الأول هو قرض لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، ومدته 4 سنوات، والثاني هو قرض آخر خارج نطاق البرنامج الاقتصادي السابق ذكره، خلال العام عينه، ويأتي تحت مظلة مؤقتة من قبل صندوق النقد الدولي تحت اسم (صندوق الصلابة والاستدامة)، ويشمل تمويلاً استثنائياً، ومن المتوقع أن تحصل مصر على 1.3 مليار دولار، منتصف العام القادم». يأتي ذلك فيما يواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه، وسط أسعار صرف ضبابية سببها اتساع الفجوة بين السعر الرسمي للدولار في البنوك، والذي يقدر بـ24.7 جنيه مصري، والأسعار المتداولة في الأسواق الموازية، والتي وصلت إلى 38 جنيهاً. غير أن الفقي يتوقع «استقراراً في سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة على خلفية الاستثمارات المرتقبة».
وبين تصريحات اقتصادية متفائلة وأخرى قلقة، ثمة عروس شابة لا يعنيها من قرض صندوق النقد الدولي، سوى أن تتمكن من شراء أثاث منزل الزوجية بسعر مناسب «بات بعيد المنال». وهنا تقول الدكتورة هبة الليثي، أستاذ الإحصاء في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القرض والاستثمارات المرتقبة لا تحمل في جعبتها الحل السحري للمواطن، لأن الأسعار التي ترتفع بمعدلات مطردة كل يوم، تخضع لقانون العرض والطلب.
أي كلما زاد الطلب وانخفضت الموارد ارتفعت الأسعار بالتبعية، وهو ما نعيشه الآن». وتضيف موضحة أن «البعض يشير إلى ما يسمى جشع التجار، غير أن الواقع يسمح بأحقيته في تحقيق هامش ربحي، في حين ترتفع أسعار الخامات، وجميع الموارد اللوجيستية التي تدخل في تجارته بشكل مباشر وغير مباشر».
لكنها في نفس الوقت، «لا تستبعد» استقرار السوق على المدى المتوسط، مطالبة الأسرة المصرية بتغيير العادات الشرائية، وتقول إن «الأسرة المصرية بحاجة إلى تحديد أولوياتها والإنفاق، حسب مؤشرات واضحة واحتياجات مُلحة، لضمان حماية الطبقات الاجتماعية».
تغيير العادات الشرائية لم يعد ترفاً، على حد قول سارة، بل «أمر تفرضه الظروف»، وتقول إنه «حال استمر الوضع الحالي فمن الطبيعي أن تلجأ إلى محلات أثاث أرخص تتوافق مع إمكاناتها المادية في ظل الأزمة الحالية».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


تبون: الجزائر لا يمكن افتراسها بـ«هاتشاغ»

الرئيس الجزائري مع رئيس وزرائه (على يمينه) ووزير الداخلية قبل انطلاق اجتماع الحكومة مع الولاية (الرئاسة)
الرئيس الجزائري مع رئيس وزرائه (على يمينه) ووزير الداخلية قبل انطلاق اجتماع الحكومة مع الولاية (الرئاسة)
TT

تبون: الجزائر لا يمكن افتراسها بـ«هاتشاغ»

الرئيس الجزائري مع رئيس وزرائه (على يمينه) ووزير الداخلية قبل انطلاق اجتماع الحكومة مع الولاية (الرئاسة)
الرئيس الجزائري مع رئيس وزرائه (على يمينه) ووزير الداخلية قبل انطلاق اجتماع الحكومة مع الولاية (الرئاسة)

رد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الثلاثاء، على وسم انتشر في المنصات الرقمية، عنوانه «مانيش راضي» (لست راضياً) بالعامية الجزائرية، يحمل انتقادات للأوضاع العامة في البلاد، خصوصاً ما تعلق بحرية التعبير وارتفاع معدل البطالة، وتراجع القدرة الشرائية. وقال بلهجة صارمة: «سنحمي هذا البلد، الذي تسري في عروق شعبه دماء الشهداء، ولا يظُنّنَ أحد أن الجزائر يُمكن افتراسها بهاشتاغ».

وفهم من كلام تبون أن وسم «مانيش راضي»، شعار «أجنبي المنشأ»، «تم تدبيره من طرف قوى في الخارج لضرب الاستقرار في الجزائر، بنشر اليأس وسط أبنائها»، وهو ما يذكره الخطاب الرسمي في الفترة الحالية.

ورداً على هذا «الهاشتاغ» محل الانتقاد، نشر صحافيون ومؤثرون ورموز في المجتمع في الأيام الأخيرة شعاراً مضاداً سُمي «أنا مع بلادي»، عرف رواجاً كبيراً في وسائل الإعلام.