عمر الرحباني لـ«الشرق الأوسط»: أعيش الحلم في عالمي وأغادره على مضض

أراد أن يكون رائد فضاء فصار نجماً موسيقياً

عمر الرحباني وغلاف ألبومه الجديد «بيانو كونشيرتو نمبر1»
عمر الرحباني وغلاف ألبومه الجديد «بيانو كونشيرتو نمبر1»
TT

عمر الرحباني لـ«الشرق الأوسط»: أعيش الحلم في عالمي وأغادره على مضض

عمر الرحباني وغلاف ألبومه الجديد «بيانو كونشيرتو نمبر1»
عمر الرحباني وغلاف ألبومه الجديد «بيانو كونشيرتو نمبر1»

مسكون بحب الموسيقى من رأسه حتى أخمص قدميه يشكل عمر الرحباني امتداداً لجذوره الرحبانية. فهو موهبة فنية متألقة أباً عن جدّ؛ كون والده هو الملحن والشاعر والكاتب المسرحي غدي الرحباني. أما جدّه فهو الراحل منصور الرحباني الذي شكّل مع شقيقه عاصي مدرسة فنية أثرت في تاريخ الموسيقى العربية تحت عنوان «الأخوان الرحباني».
يقول إنه يحب الموسيقى ولا يجيد ممارسة أي عمل آخر غيرها. صحيح أن فكرة تحوله إلى رائد فضاء كانت تدغدغ أحلامه، إلا أن الموسيقى سرقته وصارت وسيلة يعبّر من خلالها عن أمور كثيرة تراوده وفضاء يحلّق فيه.
في ألبومه الذي أطلقه أخيراً «بيانو كونشيرتو نمبر وان» في قاعة تشارلز هوستلر في الجامعة الأميركية، يدرك سامعه أنه أمام موهبة فنية فذّة. مزج بين مجموعات متنوعة من الأساليب الموسيقية، بدءاً من موسيقى الباروك المستوحاة من موسيقيين عالميين كباخ وفيفالدي. ومروراً بأخرى عربية تذكرك بالرحابنة وبالراحل محمد عبد الوهاب، ولتحط في ملعب الإيقاعات الهندية المعروفة بالكوناكول وأخرى برازيلية في خضم كل هذا التنوع الذي اعتمده بقي محافظاً على روحية لبنانية ومشرقية من خلال الجملة اللحنية. ويعلق لـ«الشرق الأوسط»: «يعود هذا التنوع الموسيقي للبيت الفني الذي تربيت فيه، فلا يكفي المؤلف أن يحب الموسيقى، بل أن يتمتع بخلفية وركيزة ثقافية كي ينمي التقنيات التي يملكها».
عندما ألقى كلمة مختصرة في مناسبة إطلاق ألبومه، ذكر أن المعضلة الأولى في هذا العمل الموسيقي كانت تكمن في كيفية توحيد اللغة الموسيقية بعد دمج أساليبها كافة. أما المعضلة الثانية التي واجهها لتنفيذه فكانت إيجاد العازفين الملمين بهذه الأنماط، وبعد البحث في بقاع العالم اكتشفهم في لبنان. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «المقطوعة التي أقدمها كلاسيكية وبالتالي تتطلب بناء وهندسة معينة للانتقال من نمط إلى آخر. أشبهها بكتابة سيناريو قصة، فيه شخصيات وحكايات إلا أن هيكليته يجب أن تكون متلاحمة ومتماسكة. من هنا قررت أن يكون الألبوم بمثابة مقطوعة واحدة لمدة نصف ساعة».
القول المأثور «يُقرأ الكتاب من عنوانه» طبّقه الرحباني على غلاف ألبومه؛ إذ تتوقع عند رؤيته ما هو خارج عن المألوف. فهو استوحاه من منحوتات وتماثيل رومانية تصور ملامح وجهه، ولكن بلباس حديث. يوضح «بكل بساطة رغبت في المزج بين الحداثة والأصالة. غلاف الألبوم هو امتداد للمحتوى الموسيقي الذي أقدمه. فيه الباروك والكلاسيك المشار إليه بشكل الرأس، في حين السترة التي أرتديها تأخذ تصميماً حديثاً».
يتمتع عمر الرحباني بإطلالة النجوم وأبطال المسلسلات. تلمس هذا الأمر بمشيته وطريقة كلامه وحتى في أسلوب عزفه. فهو يعيش الحالة الموسيقية إلى أبعد حدّ بحيث تخرج النوتات الموسيقية من أنامله وملامح وجهه ولغة جسده. فتطرب لعزفه الذي ينقلك تلقائياً إلى أعماق مؤلفاته الحالمة لتسكنك وتحدث عندك حالة فنية لا تشبه غيرها. أثناء عزفه ينفصل عن أرض الواقع ويغوص في عالم خاص فيه. يعلق لـ«الشرق الأوسط»: «لا أشاهد نفسي أثناء العزف، ولكن عندما أؤلف الموسيقى أكون في عالم جميل جداً، أتمنى أن أبقى فيه. ولسوء الحظ أضطر إلى مغادرته بسبب إيقاع الحياة وضرورة ملاحقة مراحل العمل. كنت أتمنى لو أبقى في ذلك العالم وأسكن تلك اللحظات، لكان الأمر أفضل بالتأكيد».
لا ينكر عمر الرحباني حبه لمجمل الفنون، لا سيما المرتبطة بالبصرية منها. «أحب التمثيل والمسرح والإضاءة والموسيقى وقريباً قد أنتقل إلى مرحلة نطاق الأعمال الشاملة».
وماذا لو لم تكن جذوره تعود إلى الرحابنة، فهل كان ليصبح موسيقياً؟ يرد «لا أعلم ولا جواب عندي لهذا السؤال، ولكني لا أرى نفسي سوى بالموسيقى. لم أقدر أن أكون رائد فضاء، ولكني أعبر مع موسيقاي من كوكب إلى آخر. فعند الرحابنة مهن الطب والهندسة وما يشابهها لا تمت بصلة إليهم. فألعابنا منذ الصغر تتألف من آلة بيانو وكاميرا تصوير وكل ما يمت للفن بصلة». وبماذا تختلف عن الرحابنة؟ وما هي النقاط التي تشبههم فيها؟ في الإجمال، أطمح دائماً لمستوى فني معين أحافظ فيه على إرثي الرحباني. وفي الوقت نفسه التمرد الموجود عند كل شخص في العائلة يشكل ركيزة أساسية في مشوارنا الفني. ولكني أشق طريقي وحدي نحو عالمي الخاص بي. خاص عضوياً، فمجرد انتمائي إلى جيل حديث من مواليد التسعينات، من الطبيعي أن أتأثر بأمور لم يعيشوها. هذا الاختلاف بديهي وليس مقصوداً، لأني أنتمي إلى جيل جديد».
يقول إنه تعلم أموراً كثيرة من والده غدي «لوّن مخيلتي بكل أنواع الموسيقى وكان يأخذني لحضور الأفلام السينمائية ويشرح لي عنها. هو أول شخص رأته عيناي يكتب النوتات الموسيقية ويوزعها، ويقود أوركسترا، وأرافقه إلى المسرح. تشربت منه الفنون عن غير قصد فحفرت في ذاكرتي».
يشير إلى أنه كان محظوظاً، بمواكبة ولو جزءاً صغيراً من مسيرة جدّه منصور الذي تعلّم منه الكثير أيضاً. بالتالي، فهذا الإرث الذي يحمله اكتشفه أكثر من خلال الناس والمقربين منه من موسيقيين وفنانين. وهل يرى في هذا الإرث حملاً ثقيلاً؟ يرد «يتعلّق الأمر في الملعب حيث تلعبين، فإذا كان نفسه حيث كانوا رواداً فهو من دون شك سيكون ثقيلاً عليّ. وعندما أغرد خارج السرب تصبح المعادلة مختلفة».
يستمع عمر إلى الموسيقى الكلاسيكية والشرقية والجاز. وأخيراً من خلال هادي عيسى تعرف أكثر على الأغنية اللبنانية القديمة من الستينات والسبعينات والثمانينات، يقول «أحب تلك الفترات لأنها تبرز لبنان البركة والبراءة بعيداً عن العولمة. فالنمط العصري أثر على حياتنا برمتها وصرنا نخاف على هويتنا من الضياع». وهل يمكن أن نفقدها بسبب هذه العصرية؟ يرد «قد تؤثر العصرية عليها من دون شك، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا يعني حفاظنا على الهوية؟ سؤال كبير وواسع. فهل عالم الموسيقى الذي استحدثه الرحابنة كان موجوداً أم هو من نسيج خيالهم؟ فهم لم يرغبوا في البكاء على الأطلال، بل القفز إلى التطور. وفي رأيي، التطور العضوي يشكل أفضل عملية تقدم، فلا يجوز أن نعيش ونحن نتطلع إلى الوراء. يمكننا أن نتعلم من الماضي لا أن نعيش على أمجاده. المطلوب أن نجدّد، واللبناني ما زال غير جاهز له بعد».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

مصر تراهن سياحياً على «المتحف الكبير» في «بورصة برلين»

بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر تراهن سياحياً على «المتحف الكبير» في «بورصة برلين»

بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)

تراهن مصر على المتحف الكبير المقرر افتتاحه رسمياً في شهر يوليو (تموز) المقبل، في بورصة برلين السياحية الدولية بألمانيا لاجتذاب أكبر عدد ممكن من السائحين المهتمين بالحضارة المصرية القديمة.

وتصدرت صور المقومات والوجهات والمنتجات السياحية المختلفة والمتنوعة في مصر وشعار الحملات الدعائية للمقصد السياحي المصري «مصر... تنوع سياحي لا مثيل له» الواجهات الرئيسية لمبنى أرض المعارض (Messe Berlin) والمخصص لإقامة بورصة برلين السياحية الدولية في ألمانيا (4 - 6 مارس/ آذار الحالي).

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار المصرية، جرى «اختيار الأماكن المتميزة لوضع الصور واللافتات الدعائية الإعلانية للمقاصد السياحية المصرية المختلفة بالشوارع المحيطة بمقر البورصة التي تتزين حالياً بصور عن المتحف المصري الكبير، الذي سيتم افتتاحه كاملاً رسمياً يوم 3 يوليو المقبل، والشواطئ المشمسة ذات المياه الصافية، والمواقع الأثرية الفريدة في مصر، هذا بالإضافة إلى علم مصر الذي يرفرف عالياً وسط أعلام دول العالم التي زينت الشوارع المؤدية إلى مقر البورصة.

وتشارك مصر بجناح في بورصة برلين للسياحة تبلغ مساحته 1500 متر مربع، ويضم 118 عارضاً من بينهم 47 شركة سياحة و67 فندقاً، بالإضافة إلى 3 شركات طيران، علاوة على مشاركة جمعية الحفاظ على السياحة الثقافية، بالإضافة إلى تخصيص أماكن في الجناح لغرفة المنشآت الفندقية وغرفة شركات ووكالات السفر والسياحة.

وقد جاء تصميم الجناح المصري على شكل معبد فرعوني، ويضم شاشات عرض كبيرة لعرض الأفلام الترويجية عن المقاصد السياحية المصرية المختلفة وما تتمتع به من ثراء في المقومات والمنتجات والأنماط السياحية المتنوعة، التي لا تضاهى في العالم.

الجناح المصري في بورصة برلين (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وخصص جزءٌ من الجناح للمأكولات والمشروبات المصرية التقليدية والتراثية التي يتميز بها المطبخ المصري، بالإضافة إلى الأنشطة الفلكلورية المصاحبة التي تقدم للجمهور.

وتعد بورصة برلين السياحية الدولية أحد أهم وأكبر المعارض السياحية التي تُقام على مستوى العالم وملتقى دولياً للمتخصصين بصناعة السياحة، حيث تحظى بحضور عدد كبير من المتخصصين ومتخذي القرار في صناعة السياحة من مختلف دول العالم.

أعلام الدول المشاركة في بورصة برلين للسياحة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتسعى مصر لاستقبال 17 مليون سائح العام الحالي، وذلك بعد استقبالها 15 مليون العام الماضي، معولةً على افتتاح المتحف الكبير بشكل رسمي وزيادة عدد الغرف الفندقية بالبلاد.

وبدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينات القرن الماضي، وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف ليُشيَّد في موقع متميز يطل على أهرامات الجيزة.

مصر تعول على المتحف الكبير في اجتذاب المزيد من السائحين (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعد المتحف أحد أهم وأعظم إنجازات مصر الحديثة؛ فقد أُنشئ ليكون صرحاً حضارياً وثقافياً وترفيهياً عالمياً متكاملاً، وليكون الوِجهة الأولى لكل من يهتم بالتراث المصري القديم، كأكبر متحف في العالم يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة، حيث يحتوي على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر (تشرين الثاني) 1922، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو مُشيد الهرم الأكبر في الجيزة، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، فضلاً عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، حسب موقع وزارة السياحة والآثار المصرية.