تأملات ناقدة مصرية في عوالم الفن السابع

صفاء الليثي تروي سيرتها على مدى خمسين عاماً

تأملات ناقدة مصرية في عوالم الفن السابع
TT

تأملات ناقدة مصرية في عوالم الفن السابع

تأملات ناقدة مصرية في عوالم الفن السابع

بلغة أقرب للكتابة القصصية تحكي المونتيرة والناقدة السينمائية المصرية صفاء الليثي، في كتابها «تساؤلات في السينما والحياة» الذي صدر حديثاً عن دار روافد للنشر والتوزيع المصرية، رحلة حياتها في عالم السينما والمونتاج على مدى خمسين عاماً، وذكرياتها مع العديد من المخرجين الكبار الذين عملت معهم أمثال محمد راضي، ومحمد القليوبي، وعلي الغزولي، وطارق الميرغني، ونبيهة لطفي.
وفي الكتاب تمتزج حكايات صفاء الليثي عن عملها في مجال المونتاج، وكتاباتها في النقد السينمائي، بتفاصيل من حياتها التي ركزت على الكثير من تحولاتها عبر أزمنة مختلفة، وتحكي كيف بدأت علاقتها بالأفلام، وأزمتها التي ما زالت تعاني منها حتى الآن، وقد تركز الفصل الأول على تجربتها السينمائية، ونظرتها - باعتبارها واحدة من أبناء جيل السبعينيات - لدور الفن السابع، وضرورة أن يهتم بقضايا المجتمع، ودار الفصل الثاني حول تساؤلاتها وتأملاتها في الحياة والإبداع، أما الثالث فقد تضمن العديد من الرسائل والخطابات التي تبادلتها مع عدد من الفنانين والمثقفين، فضلاً عن أشقائها الذين شاركوها طموحاتها في سينما مهمومة بحياة الناس وأحلامهم.
ويرصد الكتاب الذي راجعه وقدم له الروائي المصري أحمد غريب تفاصيل إنسانية لتحولات رحلة صفاء الليثي، واشتباكاتها مع تجاربها الحياتية كامرأة، وناشطة سياسية، وفنانة، كما يكشف الكثير عن تفاصيل ومفردات الوعي الذي ميّزت جيلها، وكيف لعب الفن السينمائي دوراً كبيراً في صياغة شخصياتهم، كما يرصد تحولات العلاقة في كواليس غرف المونتاج، كما شهدتها صفاء الليثي، وكيف كانت تنمو بين المخرج صانع الفيلم وفنان المونتاج الذي تتطلب مهام عمله ضرورة أن يكون فناناً ماهراً يُصلح قدراً من أخطاء المرحلة الأولى في التصوير. وترصد الليثي في كتابها تحولات المجتمع المصري، وانكساراته الكبرى، من صدمة 67 وحتى ثورة يناير (كانون الثاني)، وتناقضات المثقف المصري ما بين حلمه ومقولاته من ناحية، وبين ممارساته في حياته الشخصية من ناحية، كما تتحدث عن تجربتها، منذ أن عملتْ مساعدة في أفلام مهمة، وحتى قيامها بمونتاج مجموعة من الأفلام الطويلة التي حصلت عن بعضها على جوائز من مهرجانات دولية.
وتضمن الكتاب أراء صفاء الليثي في الأفلام المصرية المقتبسة، وقرار النظام الناصري بعد هزيمة يونيو (حزيران) بعدم استيراد الأفلام الأميركية، ثم الاستقرار على أن يأتي بديلاً عنها أفلام إيطالية وروسية وهندية، والمخرج الهندي محبوب خان وفيلمه «أمنا الهند من أجل أبنائي»، والذي ترى صفاء الليثي أنه ربما يكون صناع فيلم «الحرام» المأخوذ عن رواية الأديب يوسف إدريس قد تأثروا به، فهناك تشابه كبير، حسب رأيها، بين الفيلمين، ففي الأول تظهر الفلاحة الهندية التي ظلمتها ظروف الحياة، متأثرة بصدمة اغتصابها، وقد أغرقتها الأمطار والأوحال، ولم تجد سوى حبة بطاطا لتطعم ولديها، وفي الثاني تظهر الفلاحة المصرية التي مرض زوجها فاضطرت إلى العمل في الحقل بحثاً عن طعام لأبيها، وتعرّضتْ للاغتصاب.
وبعيداً عن مشاهد الاغتصاب والعنف والخدع التي تتميز بها أفلام بوليوود، تشير صفاء الليثي إلى أن السينما الهندية تناسب مزاج الشعب المصري لأنها تحفل بالغناء والقصص المؤثرة والميلودراما، وهذه الأفلام ذات المسحة السياسية كان لها دور كبير في تغيير وجهة صفاء الليثي من «فتاة تطمح لأن تكون عالمة في مجال الذرة»، إلى دراسة فن المونتاج.
تحدثت صفاء الليثي أيضاً عن زملائها في الدراسة المخرج سيد سعيد والمونتيرة السورية أنطوانيت عازرية، وأساليب التعليم في أكاديمية الفنون المصرية التي كانت تعتمد على التنقل بين المراكز الثقافية بشكل حر، ومشاهدة الأفلام وإدارة النقاش حولها، ودور نادي سينما القاهرة الذي كان يعرض في سينما أوبرا أفلاما يابانية للمخرج يا شيرو أوزو، وكينجو ميزوجوشي، وأكيرا كوروساوا، كما أشارت إلى سعي المسؤولين عن السينما زمن حقبة الاشتراكية لإعطاء فرصة متساوية لأكبر عدد من المخرجين الجدد، وبينهم محمد عبد العزيز الذي قدم فيلم «صور ممنوعة»، وأشرف فهمي الذي أخرج فيلم «كان»، ومدكور ثابت «حكاية الأصل والصورة» عن قصة صورة لنجيب محفوظ.
ولم تغفل صفاء الليثي المخرجين صلاح أبو سيف ومحمد عبد العزيز ويوسف شاهين، والسيناريست رفيق الصبان، أساتذتها في معهد السينما، وقالت إن محمود مرسي كان أكثر من تأثرت بهم، وهو يدرس مادته «بين النظريات وتاريخ الفن والسياسة والتذوق السينمائي».
وأشارت صفاء الليثي إلى أن المونتير أحمد متولي كان أول من عملت معه، بعده تدرجت كمساعد ثان مع المونتيرة نفيسة نصر، وحكت عن الأعمال التي شاركت في مونتاجها في بدايات المخرجَيْن داود عبد السيد وخيري بشارة وأفلامهما القصيرة، فضلاً عن قيامها بمونتاج فيلم «العمل في الحقل» عن الفنان حسن سليمان، و«طبيب في الأرياف»، و«الزيارة»، و«جوه البشر»، و«جنازة أم حسن»، الذي قام بتأليفه الممثل لطفي لبيب وأخرجه ياسر زايد، هذا بالإضافة للأفلام الروائية التي كان منها فيلم «أبناء الصمت»، و«الحجر الداير»، و«ثلاثة على الطريق»، والذي حصلت به على جائزة أفضل مونتاج من مهرجان دمشق الدولي عام 1993.
صفاء الليثي مونتيرة وناقدة سينمائية، تخرجت في المعهد العالي للسينما قسم المونتاج عام 1975، عملت في العديد من الأفلام التسجيلية والقصيرة والطويلة، ومنذ عام 1997 اتجهت للنقد للسينمائي، وقدمت مجموعة من الكتب مثل «الباحث عن الحقيقة»، ضمن مهرجان الشاشة العربية المستقلة عام 2001 حول مسيرة المخرج حسام علي، و«نادية شكري سيدة الصحبة»، في المهرجان القومي للسينما المصرية، فضلاً عن كتيب صدر ضمن مطبوعات مكتبة الإسكندرية عن «نجيب محفوظ في السينما القصيرة والتسجيلية»، وكتاب «الملهم والمبدع في السينما الأخرى»، ضمن مهرجان الشاشة العربية المستقلة 2001. و«وجوه الحقيقة... اتجاهات وتجارب في السينما التسجيلية» 2021، بمهرجان الإسماعيلية السينمائي الثاني والعشرين، و«القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا»، عن دار روافد بالقاهرة، وقد اختيرت عضواً بلجنة تحكيم النقاد الدوليين في عدد من المهرجات منها: مهرجان سالونيك اليونان 2003. ومهرجان مومباي الهند 2005، والقاهرة 2006. ومهرجان كان 2013.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
TT

القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

جولة قصيرة في شوارع القاهرة الخديوية، المعروفة بوسط البلد، كافية لإدراك الثروة المعمارية التي تمثّلها المنطقة، ما بين طُرز معمارية متنوّعة، وأنماط في البناء وتخطيط للشوارع، وزخارف ورسوم على الواجهات التراثية، تعكس حسّاً فنياً يستدعي نوستالجيا من عصور مضت.

وتعرَّضت القاهرة الخديوية في الأعوام الـ50 الماضية إلى طفرات من النزوح والتغيير، ليقبع هذا الحيّ الذي أمر الخديوي إسماعيل ببنائه عام 1872، بهدف محاكاة باريس، تحت وطأة التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. ويبدو أنّ طبيعة المكان بوصفه مركزاً تجارياً جعلته عرضة لتغييرات جذرية نالت من هيئة مبانيه وعادات سكانه وروحه.

تسعى مصر إلى استعادة القاهرة الخديوية برونقها القديم، وهو ما أكده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، لتصبح هذه المنطقة جاذبة سياحياً وتجارياً وثقافياً؛ معلناً أنّ مشروع التطوير سيتطلّب تخصيص عدد من شوارع القاهرة الخديوية للمشاة فقط.

يأتي هذا التوجه ضمن خطة يُشرف عليها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري تتضمّن 4 مراحل، وفق ما يورده الجهاز في كتابه السنوي. وتستهدف الخطة تطوير منطقة وسط المدينة وإعادة إحيائها، وتحويل مشروع القاهرة الخديوية وجهةً سياحيةً وثقافيةً عالميةً، مع تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري، بالتعاون بين الجهاز ومحافظة القاهرة والجهات المعنية.

ممر «بهلر» من الطُرز المعمارية المميّزة في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

وزار عدد من المسؤولين، قبل أيام، مُثلث البورصة وشارع الشريفين لرفع كفاءتهما، وكذلك رفع كفاءة شارع الألفي وسرايا الأزبكية، والشوارع المتفرّعة منها. وأعلن الجهاز التدخّل على مستويين، هما التصميم العمراني وتطوير الواجهات، وفق تصوّر لإعادة إحياء الميادين الرئيسية في القاهرة الخديوية والمباني التراثية المطلّة عليها.

وقد رُمِّمت واجهات المباني وعُدِّلت واجهات المحلات، وأُزيلت جميع التعدّيات والمخالفات على واجهات المباني التراثية، في نطاق شارع قصر النيل، بدايةً من ميدان طلعت حرب، حتى ميدان مصطفى كامل، وفق إفادة رسمية.

وخلال مداخلة تلفزيونية، أكد عضو اللجنة العليا في جهاز التنسيق الحضاري، الدكتور أسامة النحاس، مواصلة العمل بشكل مكثّف على مشروع «تطوير القاهرة الخديوية»، لإعادة القاهرة التاريخية إلى سابق عصرها بكونها واحدةً من أهم المدن التراثية في العالم وأكبرها؛ موضحاً أن «جميع التعدّيات أُزيلت مِن على الواجهات والمباني التاريخية، سواء من المحلات أو الإعلانات وجميع الإشغالات التي تشوّه الصورة البصرية للقاهرة الخديوية»، ومؤكداً الحرص على تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري الناجم عن تفاعل العمارة المصرية الفرعونية بالغربية.

في المقابل، أشار متخصّصون في العمارة التاريخية، من بينهم مديرة «بيت المعمار المصري» سابقاً، الدكتورة هبة صفي الدين، إلى أكثر من مسار لتطوير القاهرة الخديوية، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أنّ «التطوير لا يقتصر على الأنماط المعمارية فقط، وإنما يمتدّ لاستعادة روح المكان، وما يمثّله من تاريخ عريق، إلى جانب ترميم وإعادة تأهيل المباني ذات الطراز المعماري المميّز».

أحد العقارات قيد التطوير (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وكلّف الخديوي إسماعيل، المعماري الفرنسي هاوسمان، بتصميم القاهرة الخديوية وتنفيذها في وسط مدينة القاهرة عام 1867، وتصل المساحة التي خُصصت لذلك إلى 20 ألف فدان، وتضمَّنت طُرزاً معمارية فريدة أسهم فيها معماريون فرنسيون وإيطاليون وألمان ومصريون، وفق خبراء ومؤرخين.

وتشهد منطقة وسط البلد أعمال تطوير وترميم؛ الأمر الذي يظهر في واجهات عدد من المباني، لتستعيد طابعها المعماري التراثي. وبعضها، إنْ لم يكن تراثياً، فله طراز معماري مميّز، وفق تصريح تلفزيوني لرئيس جهاز التنسيق الحضاري، المهندس محمد أبو سعدة، الذي أشار في السياق عينه إلى وجود خطة موسَّعة لتطوير منطقة وسط البلد، واستخدام المباني التاريخية بالطريقة المناسبة.

وبالتوازي والتنسيق مع الجهود الحكومية، تعمل شركة «الإسماعيلية» التي تمتلكها مجموعة من رجال الأعمال على ترميم وإعادة تأهيل 25 عقاراً ضمن أصول الشركة بوسط البلد، «القاهرة الخديوية»، باستثمارات وصلت إلى نحو 500 مليون جنيه (الدولار يساوي 50.56 جنيه مصري)، وفق تصريحات إعلامية سابقة لرئيسها.

«الحفاظ على القاهرة الخديوية نمطاً حضارياً في المعمار يجب أن توازيه استعادة ثقافة المكان عبر سلوك البشر، فلا يصحّ ترك الأمر لتغيّرات الزمن التي سمحت للعشوائية بالزحف إلى أماكن عدّة في وسط البلد»، وفق صاحب مشروع «القاهرة عنواني»، محمود التميمي، لاستعادة الطابع التراثي وروح المدينة، الذي يشيد بجهود جهات عدّة تسعى إلى استعادة رونق القاهرة الخديوية، لكنه يُشدّد على ضرورة ربط تطوير المعمار وترميمه بالحفاظ على سلوكيات المكان وثقافته.

مبنى تراثي مفترض ترميمه في المرحلة الثالثة (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وتضمّ القاهرة التاريخية أحياء عدّة، مثل: عابدين، وقصر النيل، والزمالك، وبولاق أبو العلا، وميادين التحرير وطلعت حرب ومصطفى كامل والأوبرا بالعتبة؛ وشوارع شهيرة؛ مثل: قصر النيل، وطلعت حرب، وباب اللوق، وشريف، وعدلي، ونوبار، وعماد الدين، ومحمد فريد، و26 يوليو (شارع فؤاد سابقاً).

وبينما يستعيد صاحب مشروع «القاهرة عنواني» نمطاً مميّزاً للنوادل في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته، حين كانوا يرتدون أزياء أنيقة تتمثّل في القميص الأبيض وربطة العنق على شكل فراشة، والجاكيت الأبيض، والبنطلون الأسود، كما في أفلام الأبيض والأسود؛ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يصحُّ أن تُرمَّم وتُطوَّر العقارات المميّزة، ثم أجد تحتها مقهى يضمّ كراسي بلاستيكية، ونادلاً يرتدي الجينز و(تي شيرت) غريب و(شبشب) في قدمه». ويوضح: «على كراسي المقاهي في هذه المنطقة التحلّي بـ(كود) يُوضع بطريقة تليق بطبيعة المكان ولا يتحرّك من مكانه».

وفي كتابه «مقتنيات وسط البلد»، يرصد الكاتب المصري الراحل مكاوي سعيد عدداً من الأماكن التي لا تزال تحتفظ ببريقها، وكان لها دور فاعل في الحياة الثقافية والترفيهية في القاهرة التاريخية والحكايات التي تدور حولها، مثل: مقاهي «ريش»، و«غروبي»، و«النادي اليوناني»، و«ستوريل»، و«أسترا»، و«علي بابا»، وقهوة «الحرية»، وكثير من الأماكن التي لا يزال بعضها باقياً، والآخر أزاحته محلات الأحذية والوجبات السريعة.

ويلفت إلى أنّ بعض الأماكن الثقافية والترفيهية، مثل: «كلوب محمد علي»، وهو حالياً «النادي الدبلوماسي»، و«كافيه ريش»، لعبت دوراً في تطوّر الحياة الثقافية والفنّية في مصر، مضيفاً: «كذلك فندق (سافوي) الذي بُنيت مكانه عمارات (بهلر)، ودور العرض السينمائي التي اشتهرت بها المنطقة، ومنحتها طابعاً ثقافياً مميّزاً نتمنّى استعادته ضمن خطط التطوير الجديدة».