القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

خُططٌ رسمية تضعها على رادار الجذب السياحي

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
TT

القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

جولة قصيرة في شوارع القاهرة الخديوية، المعروفة بوسط البلد، كافية لإدراك الثروة المعمارية التي تمثّلها المنطقة، ما بين طُرز معمارية متنوّعة، وأنماط في البناء وتخطيط للشوارع، وزخارف ورسوم على الواجهات التراثية، تعكس حسّاً فنياً يستدعي نوستالجيا من عصور مضت.

وتعرَّضت القاهرة الخديوية في الأعوام الـ50 الماضية إلى طفرات من النزوح والتغيير، ليقبع هذا الحيّ الذي أمر الخديوي إسماعيل ببنائه عام 1872، بهدف محاكاة باريس، تحت وطأة التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. ويبدو أنّ طبيعة المكان بوصفه مركزاً تجارياً جعلته عرضة لتغييرات جذرية نالت من هيئة مبانيه وعادات سكانه وروحه.

تسعى مصر إلى استعادة القاهرة الخديوية برونقها القديم، وهو ما أكده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، لتصبح هذه المنطقة جاذبة سياحياً وتجارياً وثقافياً؛ معلناً أنّ مشروع التطوير سيتطلّب تخصيص عدد من شوارع القاهرة الخديوية للمشاة فقط.

يأتي هذا التوجه ضمن خطة يُشرف عليها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري تتضمّن 4 مراحل، وفق ما يورده الجهاز في كتابه السنوي. وتستهدف الخطة تطوير منطقة وسط المدينة وإعادة إحيائها، وتحويل مشروع القاهرة الخديوية وجهةً سياحيةً وثقافيةً عالميةً، مع تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري، بالتعاون بين الجهاز ومحافظة القاهرة والجهات المعنية.

ممر «بهلر» من الطُرز المعمارية المميّزة في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

وزار عدد من المسؤولين، قبل أيام، مُثلث البورصة وشارع الشريفين لرفع كفاءتهما، وكذلك رفع كفاءة شارع الألفي وسرايا الأزبكية، والشوارع المتفرّعة منها. وأعلن الجهاز التدخّل على مستويين، هما التصميم العمراني وتطوير الواجهات، وفق تصوّر لإعادة إحياء الميادين الرئيسية في القاهرة الخديوية والمباني التراثية المطلّة عليها.

وقد رُمِّمت واجهات المباني وعُدِّلت واجهات المحلات، وأُزيلت جميع التعدّيات والمخالفات على واجهات المباني التراثية، في نطاق شارع قصر النيل، بدايةً من ميدان طلعت حرب، حتى ميدان مصطفى كامل، وفق إفادة رسمية.

وخلال مداخلة تلفزيونية، أكد عضو اللجنة العليا في جهاز التنسيق الحضاري، الدكتور أسامة النحاس، مواصلة العمل بشكل مكثّف على مشروع «تطوير القاهرة الخديوية»، لإعادة القاهرة التاريخية إلى سابق عصرها بكونها واحدةً من أهم المدن التراثية في العالم وأكبرها؛ موضحاً أن «جميع التعدّيات أُزيلت مِن على الواجهات والمباني التاريخية، سواء من المحلات أو الإعلانات وجميع الإشغالات التي تشوّه الصورة البصرية للقاهرة الخديوية»، ومؤكداً الحرص على تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري الناجم عن تفاعل العمارة المصرية الفرعونية بالغربية.

في المقابل، أشار متخصّصون في العمارة التاريخية، من بينهم مديرة «بيت المعمار المصري» سابقاً، الدكتورة هبة صفي الدين، إلى أكثر من مسار لتطوير القاهرة الخديوية، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أنّ «التطوير لا يقتصر على الأنماط المعمارية فقط، وإنما يمتدّ لاستعادة روح المكان، وما يمثّله من تاريخ عريق، إلى جانب ترميم وإعادة تأهيل المباني ذات الطراز المعماري المميّز».

أحد العقارات قيد التطوير (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وكلّف الخديوي إسماعيل، المعماري الفرنسي هاوسمان، بتصميم القاهرة الخديوية وتنفيذها في وسط مدينة القاهرة عام 1867، وتصل المساحة التي خُصصت لذلك إلى 20 ألف فدان، وتضمَّنت طُرزاً معمارية فريدة أسهم فيها معماريون فرنسيون وإيطاليون وألمان ومصريون، وفق خبراء ومؤرخين.

وتشهد منطقة وسط البلد أعمال تطوير وترميم؛ الأمر الذي يظهر في واجهات عدد من المباني، لتستعيد طابعها المعماري التراثي. وبعضها، إنْ لم يكن تراثياً، فله طراز معماري مميّز، وفق تصريح تلفزيوني لرئيس جهاز التنسيق الحضاري، المهندس محمد أبو سعدة، الذي أشار في السياق عينه إلى وجود خطة موسَّعة لتطوير منطقة وسط البلد، واستخدام المباني التاريخية بالطريقة المناسبة.

وبالتوازي والتنسيق مع الجهود الحكومية، تعمل شركة «الإسماعيلية» التي تمتلكها مجموعة من رجال الأعمال على ترميم وإعادة تأهيل 25 عقاراً ضمن أصول الشركة بوسط البلد، «القاهرة الخديوية»، باستثمارات وصلت إلى نحو 500 مليون جنيه (الدولار يساوي 50.56 جنيه مصري)، وفق تصريحات إعلامية سابقة لرئيسها.

«الحفاظ على القاهرة الخديوية نمطاً حضارياً في المعمار يجب أن توازيه استعادة ثقافة المكان عبر سلوك البشر، فلا يصحّ ترك الأمر لتغيّرات الزمن التي سمحت للعشوائية بالزحف إلى أماكن عدّة في وسط البلد»، وفق صاحب مشروع «القاهرة عنواني»، محمود التميمي، لاستعادة الطابع التراثي وروح المدينة، الذي يشيد بجهود جهات عدّة تسعى إلى استعادة رونق القاهرة الخديوية، لكنه يُشدّد على ضرورة ربط تطوير المعمار وترميمه بالحفاظ على سلوكيات المكان وثقافته.

مبنى تراثي مفترض ترميمه في المرحلة الثالثة (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وتضمّ القاهرة التاريخية أحياء عدّة، مثل: عابدين، وقصر النيل، والزمالك، وبولاق أبو العلا، وميادين التحرير وطلعت حرب ومصطفى كامل والأوبرا بالعتبة؛ وشوارع شهيرة؛ مثل: قصر النيل، وطلعت حرب، وباب اللوق، وشريف، وعدلي، ونوبار، وعماد الدين، ومحمد فريد، و26 يوليو (شارع فؤاد سابقاً).

وبينما يستعيد صاحب مشروع «القاهرة عنواني» نمطاً مميّزاً للنوادل في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته، حين كانوا يرتدون أزياء أنيقة تتمثّل في القميص الأبيض وربطة العنق على شكل فراشة، والجاكيت الأبيض، والبنطلون الأسود، كما في أفلام الأبيض والأسود؛ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يصحُّ أن تُرمَّم وتُطوَّر العقارات المميّزة، ثم أجد تحتها مقهى يضمّ كراسي بلاستيكية، ونادلاً يرتدي الجينز و(تي شيرت) غريب و(شبشب) في قدمه». ويوضح: «على كراسي المقاهي في هذه المنطقة التحلّي بـ(كود) يُوضع بطريقة تليق بطبيعة المكان ولا يتحرّك من مكانه».

وفي كتابه «مقتنيات وسط البلد»، يرصد الكاتب المصري الراحل مكاوي سعيد عدداً من الأماكن التي لا تزال تحتفظ ببريقها، وكان لها دور فاعل في الحياة الثقافية والترفيهية في القاهرة التاريخية والحكايات التي تدور حولها، مثل: مقاهي «ريش»، و«غروبي»، و«النادي اليوناني»، و«ستوريل»، و«أسترا»، و«علي بابا»، وقهوة «الحرية»، وكثير من الأماكن التي لا يزال بعضها باقياً، والآخر أزاحته محلات الأحذية والوجبات السريعة.

ويلفت إلى أنّ بعض الأماكن الثقافية والترفيهية، مثل: «كلوب محمد علي»، وهو حالياً «النادي الدبلوماسي»، و«كافيه ريش»، لعبت دوراً في تطوّر الحياة الثقافية والفنّية في مصر، مضيفاً: «كذلك فندق (سافوي) الذي بُنيت مكانه عمارات (بهلر)، ودور العرض السينمائي التي اشتهرت بها المنطقة، ومنحتها طابعاً ثقافياً مميّزاً نتمنّى استعادته ضمن خطط التطوير الجديدة».


مقالات ذات صلة

مصر: اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر

يوميات الشرق جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الثلاثاء، اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق براعة التعامل مع الحديد النيزكي (مجلة العلوم الأثرية)

حُلي «بولندية» من العصر الحديدي تحتوي على مادة سرّية من الفضاء

نحو 26 عيّنة من الحُلي، بما فيها 3 أساور، وحلقة للكاحل، ودبوس، اكتُشفت في مقبرة بولندية قديمة تحتوي على حديد نيزكي.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
علوم باحثون يقولون إن روائح المومياوات في المتحف المصري كانت لطيفة (أ.ف.ب)

بعد شم رائحة المومياوات المصرية القديمة… مفاجأة تصيب العلماء

عند عرض القطع الأثرية في المتاحف، فإن أحد أبرز الأشياء التي تفتقدها هي رائحة القطعة المعروضة وملمسها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تصوّر تقريبي للمفترس «باستيتودون» الذي جاب صحراء مصر قبل 30 مليون عام (سلام لاب)

اكتشاف بقايا كائن مفترس جاب صحراء مصر قبل 30 مليون عام

في اكتشاف يعيد كتابة تاريخ الحياة البرية في العصور القديمة، عثر فريق بحثي مصري على جمجمة شبه مكتملة تعود إلى نوع جديد من الحيوانات المفترسة.

محمد السيد علي (القاهرة )
يوميات الشرق قطعة الشهر في المتحف المصري (صفحة المتحف على فيسبوك)

المتحف المصري يختار «المومياء الصارخة» قطعة الشهر

اختار المتحف المصري بالتحرير قطعة «المومياء الصارخة» للعرض عند مدخل الزيارة بوصفها قطعة مميزة طوال شهر، بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الـ90 للصداقة بين مصر وسويسرا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

لماذا تختلف القدرة على تذكُّر الأحلام من شخص لآخر؟

هناك عوامل تؤثر على إمكانية تذكُّر الأحلام بتفاصيلها (رويترز)
هناك عوامل تؤثر على إمكانية تذكُّر الأحلام بتفاصيلها (رويترز)
TT

لماذا تختلف القدرة على تذكُّر الأحلام من شخص لآخر؟

هناك عوامل تؤثر على إمكانية تذكُّر الأحلام بتفاصيلها (رويترز)
هناك عوامل تؤثر على إمكانية تذكُّر الأحلام بتفاصيلها (رويترز)

في حين يتمكن بعضنا من تذكُّر الأحلام بتفاصيلها المهمة، فإن البعض الآخر قد يجد نفسه غير قادر على استدعاء الأحداث التي مرت بعقله خلال نومه.

ما الحلم؟

الحلم هو سلسلة من الصور والأفكار والعواطف والأحاسيس التي يولّدها عقلنا أثناء نومنا.

ويُعتقد أن الحلم يساعدنا في معالجة عواطفنا وتخزين الذكريات وتقوية الروابط العصبية في دماغنا وتقليل التوتر وحل المشكلات والتفكير الإبداعي.

وتحدث الأحلام غالباً أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM)، عندما يكون الدماغ نشطاً بشكل خاص.

لماذا تختلف القدرة على تذكر الأحلام من شخص لآخر؟

وفق صحيفة «نيويورك بوست»، فقد قال باحثون إيطاليون إنهم حدّدوا الخصائص الفردية والعوامل الخارجية التي يمكن أن تؤثر على إمكانية تذكُّر الأحلام بتفاصيلها.

وأجرى الباحثون دراسة على أكثر من 200 مشارك، تتراوح أعمارهم بين 18 و70 عاماً بين عامي 2020 و2024.

ومُنح المشاركون مسجل صوت للإبلاغ يومياً عما إذا كانوا يحلمون أم لا، مع وصف أحلامهم، وذلك لمدة 15 يوماً.

كما ارتدى المشاركون أجهزة لقياس النشاط، وهو جهاز يكتشف مدة النوم وجودته واضطراباته، وأجابوا على استبيانات قبل وبعد التجربة، لتحديد مستويات القلق لديهم، ومدى تذكُّرهم الأحلام ومستوى تركيزهم وميلهم إلى تشتت الانتباه.

ووجدت النتائج أن الأشخاص الأكثر احتمالاً لتذكُّر الأحلام بتفاصيلها هم أولئك الذين لديهم موقف إيجابي تجاه الأحلام، أو لديهم خيال واسع في الطبيعي، أو أولئك الذين يقضون فترات أطول في النوم الخفيف أو يعيشون في طقس أكثر دفئاً، حيث أبلغ المشاركون بانخفاض تذكُّر الأحلام خلال فصل الشتاء.

بالإضافة إلى ذلك، كان الأشخاص الأصغر سناً أكثر قابيلة لتذكُّر الأحلام، مقارنة بكبار السن.

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة جوليو برناردي، أستاذ علم النفس العام في مدرسة IMT للدراسات المتقدمة بإيطاليا: «تشير نتائجنا إلى أن تذكُّر الحلم ليس مجرد مسألة صدفة، بل هو انعكاس لمزيج من المواقف الشخصية والسمات المعرفية وديناميكيات النوم».

وأضاف أن هذه النتائج لا تُعمق فهم الأشخاص للآليات التي تتحكم في الحلم فحسب، بل لها أيضاً آثار على استكشاف دور الأحلام في الصحة العقلية وفي دراسة الوعي البشري.