إيران تتمسك بمعاقبة المحتجين وكروبي یحذّر من «رغبة السلطة» في الإعدامات

ناشطون بارزون يطالبون غوتيريش بالتدخل

قوات مكافحة الشغب في شارع ستارخان وسط طهران مساء السبت (تويتر)  -  طالبات ينددن بالإعدام في جامعة العلوم والثقافة (نقابة الطلاب)
قوات مكافحة الشغب في شارع ستارخان وسط طهران مساء السبت (تويتر) - طالبات ينددن بالإعدام في جامعة العلوم والثقافة (نقابة الطلاب)
TT

إيران تتمسك بمعاقبة المحتجين وكروبي یحذّر من «رغبة السلطة» في الإعدامات

قوات مكافحة الشغب في شارع ستارخان وسط طهران مساء السبت (تويتر)  -  طالبات ينددن بالإعدام في جامعة العلوم والثقافة (نقابة الطلاب)
قوات مكافحة الشغب في شارع ستارخان وسط طهران مساء السبت (تويتر) - طالبات ينددن بالإعدام في جامعة العلوم والثقافة (نقابة الطلاب)

في مطلع الأسبوع الـ13 على اندلاع الاحتجاجات الإيرانية، تمسك نائب وزير الداخلية بالمضي قدماً في تنفيذ الأحكام القضائية ضد الموقوفين في المسيرات المناهضة للنظام، في وقت تحول التهديد بإعدام المحتجين إلى محور الحراك الذي يعصف بأنحاء البلاد، ففي طهران تعالت هتافات ليلية، باسم محسن شكاري الذي أعدمته السلطات الأسبوع الماضي، في سنندج مركز محافظة كردستان، وهاجمت قوات أمنية الطلاب المحتجين على الإعدامات حسبما أظهرت تسجيلات الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي.
وشهدت مناطق من العاصمة طهران، مرة أخرى ليلة صاخبة، تخللها شعارات «الموت للديكتاتور» بشكل أساسي، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد متظاهرين في شارع ستارخان مساء السبت.
وفي وقت متأخر الجمعة، نزلت مجموعة من المحتجين إلى شوارع بلدة تشيغر، غرب طهران وسط إجراءات أمنية مشددة. وسمع منها هتافات «لم نقدم قتلى لكي نساوم الزعيم القاتل»، و«سنقف حتى النهاية، قسماً بدماء الرفاق»، حسب الفيديوهات نشرها حساب «1500 تصوير» الذي يرصد تطورات الاحتجاجات الإيرانية عن كثب. وأعدمت إيران الخميس محسن شكاري 23 عاماً بتهمة إغلاق شارع ستارخان، من بؤر الاحتجاجات في غرب طهران وطعن حارس أمن بسكين، في أول إعدام من نوعه بعد آلاف الاعتقالات المتعلقة بالاحتجاجات، وهو ما أثار موجة غضب داخلية بموازاة الإدانات الغربية.

وتجددت الاحتجاجات في عدد من الجامعات الإيرانية على خلفية الغضب الناجم عن إعدام شكاري، وفي جامعة الزهراء بطهران، اعتقلت قوات الأمن عدداً من الطالبات اللواتي رفعن لافتات للتنديد بإعدام شكاري. وفي جامعة العلوم والثقافة بطهران، ردد المحتجون هتافات تنديداً بإعدام شكاري. ونظم طلاب جامعة بهشتي في طهران وقفةً احتجاجيةً صامتة. وطاردت عناصر قوات الأمن، مجموعة من الطالبات المحتجات على إعدام محسن شكاري في جامعة سنندج، مركز محافظة كردستان. وتظهر تسجيلات الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، حالة هلع في باحة الجامعة وصريخ طالبات.
وتمثل الاحتجاجات، التي اندلعت على مستوى البلاد بعد وفاة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاماً) في مقر للشرطة في 16 سبتمبر (أيلول)، أحد أكبر التحديات للمؤسسة الحاكمة على مدى 43 عاماً من صعود نظام ولاية الفقيه.
وتجمع المحتجون حول قبر محسن شكاري، وأمام منزل عائلته في منطقة نارمك شمال طهران في وقت متأخر الجمعة. وأظهر مقطع مصور انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي محتجين يهتفون من فوق أسطح منازل في شمال طهران في ساعة متأخرة من مساء اليوم «كلنا محسن» و«خامنئي قاتل» في إشارة إلى المرشد علي خامنئي، بحسب رويترز.
وأثار إعدام شكاري مخاوف من مواصلة السلطات الإيرانية تنفيذ الإعدامات بحق المعتقلين الذين وجهت إليهم اتهامات «المحاربة» (الحرابة) و«الإفساد في الأرض» وعقوبتهما الإعدام.
وقال مجيد ميراحمدي، مساعد الشؤون الأمنية وإنفاذ القانون لوزير الداخلية الإيراني، إن بلاده تعتزم تنفيذ الأحكام القضائية، الصادرة ضد المحتجين بـ«صرامة»، مشيراً إلى «هجوم إعلامي» ضد الجهاز القضائي «لكي يجبر النظام على التراجع» لكن «افتعال الأجواء (الدعاية) لن تؤثر ذرة على عزم المسؤولين القضائيين، ومن المؤكد سينال هؤلاء عقوبتهم حتى آخر شخص».
بدورها، دافعت صحيفة «جوان» التابعة لـ«الحرس الثوري»، عن تنفيذ أحكام الإعدام ضد المحتجين. وكتبت في عددها الصادر السبت، إن «إجراءات القضاء في محاكمة ومعاقبة مرتكبي الأحداث الأخيرة تتوافق مع المعايير القانونية وتستند إلى المطالبة بحقوق الناس». وأشارت الصحيفة إلى مقتل 60 عنصراً من قوات الأمن. وأضافت «القانون يلزم السلطة القضائية بإدانة جميع مرتكبي جريمة القتل». وقالت إن «إعدام شكاري ليس أول وآخر إعدام في الاضطرابات الأخيرة». وأضافت «ضجيج بعض الناس بعد إعدام محسن شكاري تظهر أن إجراءات القضاء صحيحة وتتماشى مع المعايير القانونية، علينا أن ننتظر محاكمة ومعاقبة من يقفون خلف الاضطرابات، هل سيعوض جزءا من خسائر المحاربين والمتواطئين معهم ضد إيران والإيرانيين».
من جهتها، نشرت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية قائمة بأسماء 25 محتجاً يواجهون تهمة «المحاربة»، التي تصل عقوبتها للإعدام. وناشدت الصحيفة المسؤولين القضائيين بإعادة النظر في إصدار أحكام الإعدام، لتفادي المزيد من الإعدامات.
والشهر الماضي، أثار نواب البرلمان الإيراني جدلاً بتوقيعهم بيانا يطالب بإصدار أحكام «القصاص» والإعدام للمحتجين. وحاول بعض النواب النأي بنفسه عن البيان.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران ومقرها أوسلو إن عشرات الناشطين الإيرانيين وجهوا رسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قالوا فيها إن «ردكم يمكن أن يوقف ماكينة الإعدام» في إيران.
وتحمل الرسالة توقيع 45 ناشطاً بارزاً منهم رئيس منظمة حقوق الإنسان في إيران، محمود أميري مقدم، والمحامية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي ومحاميات وناشطات مثل نسرين ستوده ومهرانكيز كار.
وأفادت الرسالة أن «الإعدام الصادم والمتسرع وغير القانوني للمتظاهر محسن شكاري هو أشبه بالمحاكم الميدانية والحربية، أغرق بلادنا وشعبنا في بحيرة دهشة وحزن ثقيل». وأضافوا «هذا الشاب الذي نزل للشارع للمطالبة بحقوقه والحرية... أدين في محكمة الثورة غير الشرعية دون حضور محامٍ وفرصة للدفاع، وفي انتهاك واضح لقوانين تعترف بها السلطات الإيرانية بما في ذلك الدستور، وقانون العقوبات الإسلامي وقانون الإجراءات الجنائية والمواثيق الدولية التي انضمت إليها إيران».
ولفتت الرسالة إلى إصدار المحكمة «الثورية» أحكاما بالإعدام ضد عدة محتجين «كانت جريمتهم الوحيدة هي المشاركة في المظاهرات السلمية تحت شعار «المرأة الحياة الحرية». وشددوا «من أجل منع تنفيذ هذه الإعدامات غير القانونية، وغير الإنسانية، نطلب من المسؤول الذي يتولى أعلى منصب في تلك المنظمة المرموقة (...) أن يستخدم الأدوات القانونية ومساعدة المجتمع الدولي... أن يطالب الحكومة في الجمهورية الإسلامية بوقف عاجل وصريح لأحكام الإعدام الصادرة وأن تطالب الحكومة بوقف المسار غير القانوني للمحاكمات بما في ذلك الأطفال، وأن تقيم المحاكم مستقبلاً وفقاً للقوانين المحلية والمعايير والمواثيق الدولية حضور محامين مستقلين».
ونوه الموقعون أن محاكمة المتظاهرين جارية في جميع المدن الإيرانية بتوجيهات من مسؤولي الأمن والاستخبارات وفي أقسام قضائية خاصة يعمل فيها قضاء يصدرون أحكاما صادمة فضلاً عن الانتهاك الواسع والصارخ للقانون. وقال الموقعون على الرسالة في الختام، «نحن على يقين من أن التدخل السريع من سيادتكم والرأي العام العالمي والحكومات الديمقراطية والشخصيات المؤثرة هي وحدها القادرة على وقف آلة الإعدام والقمع للجمهورية الإسلامية».
في غضون ذلك، أدان الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي الذي تفرض عليه السلطات الإقامة الجبرية، إعدام محسن شكاري. وقال إنه «صدر حكم الإعدام بحق المرحوم محسن شكاري وجرت المصادقة عليه وتنفيذه بسرعة تتماشى مع فرض أجواء الرعب، هذا في حين أنه لم يرتكب قتلا وأفعالا لا تمثل المحاربة».
وقال كروبي «أخشى أن يكون تنفيذ هذا الحكم مقدمة لإصدار وتنفيذ المزيد من الأحكام لحصد الأرواح حسب إرادة صاحب السلطة». وأضاف «السيد خامنئي للأسف، دون أن يتهم بمسببات الاحتجاجات، يركز فقط على إزالة المشكلة وتخليصه وتعمد إسناد كل احتجاج أو طلب إلى العدو من أجل توفير الأساس لقمعه». مؤكداً أن «نظرية النصر بالرعب لم تعد فعالة لهذه الأمة التي سئمت القهر والإذلال والتمييز والفساد». وتابع محذرا: «لا تنسوا أن ما تزرعه الرياح تحصده العاصفة».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.