«السّير الشعبية في المسرح العربي»... جدل الخطاب والهوية

عنترة بن شداد الأكثر استلهاماً في لحظات النصر والهزيمة

«السّير الشعبية في المسرح العربي»... جدل الخطاب والهوية
TT

«السّير الشعبية في المسرح العربي»... جدل الخطاب والهوية

«السّير الشعبية في المسرح العربي»... جدل الخطاب والهوية

عن «دار بتانة» بالقاهرة، صدر حديثاً كتاب «تجليات السير الشعبية في المسرح العربي» للناقد والكاتب المصري الدكتور عبد الكريم الحجراوي، وهو دراسة في استراتيجيات وتحولات الخطاب في المسرحيات العربية المستلهمة من السير الشعبية، باعتبارها رافداً شعبياً مهماً من روافد نهضة المسرح العربي، وخلق اتجاه عربي خاص في المسرح.
يقع الكتاب في 664 صفحة، ويوضح كيفية توظيف الكُتاب للسير الشعبية في النصوص المسرحية العربية، وتقديم رؤاهم الفكرية والاجتماعية من خلالها، ويرصد الخصائص المشتركة لهذه المسرحيات، والعلاقة بينها وبين الأزمات السياسية، ومدى تأثير السياق الاجتماعي في بنية المسرحية المقتبسة من السير الشعبية.
وعبر فصول الكتاب تتوالى الإجابات عن هذه التساؤلات، مستخدماً المنهج التداولي لدراسة استراتيجيات وتحولات الخطاب في المسرحيات العربية المستلهمة من السير الشعبية، حيث يرصد الكاتب كيف عبّر المبدع العربي مسرحياً عن الصدمات التي مر بها من خلال السير الشعبية، باستخدامها بوصفها خطاباً مضمراً وقناعاً يعبر به عما يجيش في نفسه من أفكار سياسية واجتماعية تسعى السلطة إلى كبْتها ومنعها.
ولفت الكِتاب إلى أن كُتاب المسرح العربي اعتمدوا على استدعاء أبطال السير الشعبية كي يستنجدوا بهم ضد الواقع الاجتماعي الفعلي المثبط المعيش، متكئين عليهم للتحريض والثورة ضد هذا الواقع المهزوم. واعتمدت الدراسة في عملية اختيار النصوص على عدة معايير؛ منها الزمانية وهي الفترة المحددة بين عامي 1967م و2011م، باعتبارهما حدثين فارقين في تاريخ الوطن العربي اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، فقد دفعت نكسة يونيو (حزيران) 67، عدداً من الكُتاب إلى استلهام السير الشعبية وأبطالها في المسرح، وإسقاطها على الواقع، مثلما فعل ألفريد فرج في مسرحيته «الزير سالم» عام 1967، وكذلك «عنترة في المرايا المكسرة» للمغربي عبد الكريم برشيد في عام 1970م وغيرهما من المؤلفين.
ويؤكد المؤلف أن «الظروف السياسية دفعت الوجدان الشعبي العربي، ومن بينه المبدعون، إلى استلهام سير أبطالهم الشعبيين للاستنجاد والاهتداء بهم في واقعهم المرير، فكل هؤلاء الأبطال الشعبيين وُلدت بطولتهم من رحم المعاناة».
في هذا الإطار، يشير الكتاب إلى كلمات المغربي عبد الكريم برشيد حول أسباب تأليفه نصه، قائلًا: «بعد النكسة كتبتُ مسرحية (عنترة في المرايا المكسرة)، واستحضرت شخصية عنترة بن شداد. عنترة قوي؛ ولكن في زمن الانكسارات، يُطلب منه كما يُطلب من الشعب أن يدافع عن وطنه، وهو المهزوم من طرف وطنه، فكيف للمهزوم أن يفعل؟!».
ويلفت المؤلف إلى أن اختياره عام 2011 نهاية الدراسة؛ لأنه عام فارق في تاريخ الشعوب العربية، فقد شهدت بدايته ما يُعرَف بـ«ثورات الربيع العربي»، مما جعله يؤسس لحقبة جديدة في التاريخ تختلف عما قبلها، ويوضح أن داخل هذه الحقبة الزمانية (1967- 2011)، جرت عملية الاختيار بين نصوص مسرحية وصل عددها إلى أكثر من 135 نصاً مسرحياً من أصل 237 نصاً رصدتها الدراسة، متنوعة بين البلدان العربية المختلفة، ما بين مصر، وفلسطين، وسوريا، ولبنان، والأردن، واليمن، والعراق، والمملكة العربية السعودية، والكويت، والجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا، ودولة الإمارات، وسلطنة عمان، وقطر، والبحرين».
ويبّين الكِتاب أن سيرة عنترة بن شداد كانت أكثر السير العربية استلهامًا، تلتها السيرة الهلالية، ثم الزير سالم، وسيف بن ذي يزن، والظاهر بيبرس، وبصورة أقل علي الزيبق، وحمزة البهلوان، وفيروز شاه، والأميرة ذات الهمة.
وأوضح المؤلف الدور الذي لعبه المحيط الجغرافي في اهتمام الدول العربية بسيرة دون أخرى في الاعتماد عليها على خشبات المسرح، فكُتاب بلاد الشام «لبنان، سوريا، فلسطين، الأردن» كانوا أكثر اهتماماً بسيرة «الزير سالم» من أية سيرة أخرى، خصوصاً الكُتاب اللبنانيين. ويرجع سبب اهتمامهم بهذه السيرة إلى أن أحداثها تدور في بلاد الشام. وبرز اهتمام كُتاب تونس بالسيرة الهلالية، ولا سيما شخصية «الجازية»؛ لأن الكثير من أحداث السيرة الأصلية تدور في تونس، وانصبّ تركيز كُتاب اليمن على سيرة سيف بن ذي يزن بسبب الأصول التاريخية اليمنية لبطل السيرة.
وأشار الحجراوي إلى أن المسرحيات المتحولة عن السير الشعبية ركزت بشكل مباشر على قضية الانعزال بين الهوية الحاكمة في الدول العربية والهوية الاجتماعية الشعبية، كما عالجت مشكلات أخرى مرتبطة بصور مختلفة من الهوية مثل الهوية الجندرية والهوية العِرقية والدينية، وكذلك الهوية اللغوية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.