هجمات سيبرانية تستهدف القطاع الصحي الفرنسي

فتح تحقيق بعد تعرّض المركز الطبي بمدينة فرساي لعملية ابتزاز

رجل يكتب على لوحة مفاتيح الكمبيوتر أمام الرمز الإلكتروني المعروض في هذه الصورة التوضيحية التي تم التقاطها في 1 مارس 2017 (رويترز)
رجل يكتب على لوحة مفاتيح الكمبيوتر أمام الرمز الإلكتروني المعروض في هذه الصورة التوضيحية التي تم التقاطها في 1 مارس 2017 (رويترز)
TT

هجمات سيبرانية تستهدف القطاع الصحي الفرنسي

رجل يكتب على لوحة مفاتيح الكمبيوتر أمام الرمز الإلكتروني المعروض في هذه الصورة التوضيحية التي تم التقاطها في 1 مارس 2017 (رويترز)
رجل يكتب على لوحة مفاتيح الكمبيوتر أمام الرمز الإلكتروني المعروض في هذه الصورة التوضيحية التي تم التقاطها في 1 مارس 2017 (رويترز)

ليل السبت الماضي، توقفت عن العمل، أجهزة الكمبيوتر التابعة للمركز الاستشفائي في مدينة فرساي حيث القصر التاريخي المعروف بالاسم نفسه، واحتلت صفحة سوداء شاشات الكمبيوتر، ثم ظهرت جملة واحدة تقول: «تمت السيطرة على كل ملفاتكم التي تم تشفيرها. اتبعوا تعليماتنا».
وأفادت أوساط المركز بأن مجموعة من القراصنة لم تكشف عن هويتها، أعلنت مسؤوليتها عن العملية التي أربكت المركز الكبير الواقع في منطقة «إيفلين» غرب باريس وهو يضم مستشفى «أندريه مينيو» الكبير الذي يتسع لـ700 سرير، ويعمل فيه ثلاثة آلاف شخص، فضلاً عن الخدمات الإدارية والتقنية واللوجيستية للمركز الاستشفائي، وله يتبع مستشفى «ريشو» ومأوى العجزة «ديسباني» في الدائرة نفسها.
ولم ترغب سلطات المركز المسؤولة أن تكشف عن الطلب الذي قدمه لها القراصنة مقابل وضع حد لعملية القرصنة. إلا أن أوساطاً متابعة أشارت إلى أن القراصنة طلبوا فدية. وقال وزير الصحة فرنسوا براون مساء الأحد، عقب زيارته المركز، إن الأمور «لم تعُد بعد إلى طبيعتها» ما يعني عملياً أن الهجمة السيبرانية لم تنته فصولها. وبعد بدء الهجوم، عمد مسؤولو المركز إلى وقف عمل الأجهزة المعلوماتية والإلكترونية للحد من الأضرار، وأوقفوا منذ صباح اليوم التالي خدمات قسم الطوارئ. وأجلوا من جهة، العديد من العمليات الجراحية في مستشفيات المركز. ووجهوا من جهة ثانية، العديد منها إلى مستشفيات أخرى.
وسارع مسؤولو المركز إلى إطلاق «خلية أزمة» بالتعاون مع وكالة الصحة في الدائرة المعنية، ومع الوكالة الوطنية لأمن أجهزة الأنظمة المعلوماتية. وعمدوا إلى استدعاء المزيد من الموظفين. وقال جان نويل بارو، وزير الدولة المنتدب لشؤون النقلة الرقمية وأنظمة الاتصالات، إن المستشفى على أهبة تقديم شكوى إلى القضاء، مندداً ﺑ«أقصى شدة بالهجوم السيبراني الواسع» وﺑ«المجرمين الذين يستهدفون مؤسساتنا الاستشفائية الأكثر هشاشة».
وسارعت النيابة العامة في فرساي إلى نقل الملف إلى النيابة العامة في باريس، المكلفة على مستوى كامل التراب الفرنسي، بالنظر في هذه القضايا. وطلبت سريعاً من قسم التحقيقات في الجرائم الإلكترونية ومن الشرطة القضائية وخبرائها البدء بالتحقيق. وأفادت أوساط قريبة من التحقيق، بأن الهجمة السيبرانية استخدمت برنامجاً معروفاً في هذا النوع من العمليات التي تكون عادة بالغة التعقيد، خصوصاً عندما تصل الأمور إلى دفع الفدية عبر العملة الإلكترونية «بيتكوينز».
حقيقة الأمر، أن هذا النوع من الهجمات الذي يستهدف المؤسسات الصحية ليس جديداً. ففي عام 2020 وفي أشد وقت لأزمة (كوفيد - 19) استهدف 27 هجوماً سيبرانياً مستشفيات فرنسية. وفي مارس (آذار) الماضي، كان الضحية، المركز الإداري لمستشفيات باريس الذي يدير 39 مستشفى عمومياً في العاصمة وضواحيها، وذلك عن طريق إغراق نظامه المعلوماتي بآلاف الاتصالات في وقت واحد. وقبل ذلك بعام، عمد قراصنة إلى نشر المعطيات الصحية ﻟ «500 ألف» شخص في فرنسا على شبكة الإنترنت، من خلال قرصنة حواسيب ثلاثين مختبراً طبياً عاملاً في البلد.
أما آخر الهجمات، فهي ضَرْب المركز الطبي لجنوب العاصمة، ومقره مدينة «كورباي إيسون». وأُفسِد عمل المستشفيات لأسابيع عديدة، وترافق مع طلب فدية قيمتها 10 ملايين يورو، وخفضوا لاحقاً الرقم إلى مليوني يورو، شرط أن يتم دفعها قبل 23 سبتمبر (أيلول) الفائت. ولأن المركز لم يتجاوب، فقد عمد القراصنة إلى نشر المعطيات السرية التي بحوزتهم والخاصة بموظفي المركز ومرضاه وشركائه على شبكة «دارك ويب» المعروفة. وبكلام آخر، أصبحت الهجمات التي تستهدف القطاع الصحي الفرنسي عملة رائجة. بيد أنه ليس الوحيد المستهدف، إذ إن قطاعات صناعية وأخرى تجارية كانت بدورها هدفاً للقراصنة الذين يعملون بشكل عام إما من روسيا أو من بلدان أوروبا الشرقية بما فيها أوكرانيا. وتعمل فرنسا على المستوى الوطني، وأيضاً مع شركائها داخل الاتحاد الأوروبي، على إيجاد الآليات والخطط لمواجهة هذه الهجمات التي تضر بقطاعات اقتصادية وحياتية واسعة.
ويرى خبراء القطاع الرقمي - الإلكتروني أن الهجمات السيبرانية سوف تتواصل ما دام القراصنة ينجحون في استغلال ضعف الأنظمة المستخدمة. ولهذا الغرض تم وضع برمجيات غرضها اختراق هذه الأنظمة، ثم تشفير معطياتها، ورفض الإفراج عنها ما لم تتم الاستجابة لطلباتها المالية. ومنذ انطلاقة الحرب الروسية على أوكرانيا، تم استهداف مؤسسات أوكرانية كبيرة. ويفيد تقرير أعده معهد CESIN بالتعاون مع مؤسسة «أوبينيون واي» لاستطلاعات الرأي، أن 80 في المائة من المؤسسات الفرنسية في عام 2018 كانت عُرضة لهجوم سيبراني. ومنذ انتشار وباء (كوفيد - 19)، تضاعفت الهجمات التي تركز على القطاع الصحي لهشاشتها، ولاعتبار القراصنة أنها الأكثر ميلاً للخضوع لمطالبها، لأن الرفض يعني وقف أنشطتها. وليس القطاع الصحي في فرنسا حالة خاصة. ففي كندا مثلاً، ازدادت الهجمات الإلكترونية 250 في المائة في شهرين، مقارنة ﺑ 137 في المائة في بلدان الشرق الأقصى، و112 في المائة في أميركا اللاتينية، و67 في المائة في أوروبا. ولا يتوقع الخبراء أن تتوقف أو أن تتراجع الهجمات. من هنا تأتي أهمية التركيز على التعاون الدولي لمواجهة «الإجرام الجديد» الذي يتم عن بعد.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


روسيا وأوكرانيا تعيدان أطفالاً إلى عائلاتهم بعد وساطة قطرية

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا إلى أوكرانيا... الصورة في كييف 8 أبريل 2023 (رويترز)
أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا إلى أوكرانيا... الصورة في كييف 8 أبريل 2023 (رويترز)
TT

روسيا وأوكرانيا تعيدان أطفالاً إلى عائلاتهم بعد وساطة قطرية

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا إلى أوكرانيا... الصورة في كييف 8 أبريل 2023 (رويترز)
أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا إلى أوكرانيا... الصورة في كييف 8 أبريل 2023 (رويترز)

قال مسؤول روسي كبير إن روسيا وأوكرانيا اتفقتا على تبادل 9 أطفال ولمّ شملهم مع أسرهم في أحدث عملية تبادل إنساني بين الدولتين المتحاربتين.

واضطلعت قطر بدور الوساطة مرات عدة بين روسيا وأوكرانيا منذ بداية الحرب في فبراير (شباط) 2022.

وقالت مفوضة حقوق الأطفال في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا، اليوم (الخميس)، إن 6 أطفال ذكور وفتاة أعمارهم بين 6 و16 عاماً أعيدوا إلى أقاربهم في أوكرانيا، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وأضافت: «معظم الأطفال كانوا يعيشون في روسيا مع أقارب مقربين لهم، جداتهم بشكل أساسي. وكان أحد الصبية (16 عاماً) يعيش دون رعاية من أبويه منذ ولادته، في دار أيتام أليشكنسكي حيث كان شقيقه مسؤولاً عن حضانته».

وتابعت المفوضة أن الوساطة القطرية مكّنت أيضاً من إعادة صبيين روسيين يبلغان من العمر 7 و9 سنوات من أوكرانيا.

وتقول أوكرانيا إن ما يقرب من 20 ألف طفل نُقلوا إلى روسيا أو الأراضي التي احتلتها موسكو دون موافقة أسرهم أو الأوصياء منذ اندلاع الحرب، ووصفت ذلك بأنه عمليات خطف وجريمة حرب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية.

وتقول موسكو إنها توفر حماية للأطفال المعرضين للخطر في منطقة الحرب.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في مارس (آذار) 2023 مذكرتي اعتقال بحق ماريا لفوفا بيلوفا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما يتعلق بخطف أطفال أوكرانيين. وندّدت روسيا بالخطوة ووصفتها بأنها «شائنة وغير مقبولة».