تنضم الكاتبة الإماراتية نورة النومان، إلى كتاب يهوون القلم منذ الطفولة. بدأت كتابة مقالات وخواطر ومراجعات لروايات باللغة الإنجليزية، لكنها لم تحلم بكتابة رواية أو قصة قصيرة: «قبل أن أبدأ التأليف في سن الخامسة والأربعين لم أكتب عملاً خيالياً، ولم يخطر لي أن قارئة مثلي يمكنها تأليف قصص من دون الوقوع في الاقتباس والتقليد»، تقول لـ«الشرق الأوسط». شجعها زوجها، وبعد عقدين من المساندة، اختارت كتابة رواية خيال علمي لليافعين بالعربية.
فتنتها قصص الخيال العلمي منذ مشاهدتها فيلم «حرب النجوم» في عام 1977، سحرتها عوالمه وشخصياته، فكثفت الاهتمام بقراءة المقالات العلمية عن الطبيعة وجسد الإنسان والتقنيات الحديثة، وعن أثر الأنشطة البشرية في تغيير البيئة. وجدت فيها عوالم مدهشة.
صقل جهد فردي بذلته كتابتها أدباً تراه انعكاساً للواقع وتأثيراته: «يسميه البعض (futurism) لاحتوائه على تكهنات، لو علمنا بنسبة وقوعها فسنكون قادرين على التخطيط والتعامل معها قبل فعل الوقوع. هذا ما وطد اهتمامي بهذا النوع من الأدب، بخاصة أنه يشجع الشباب على حب العلوم والتخصص بها. وهو ما يحتاجه العالم العربي».
«أجوان»... صوت نسائي مُنقذ
على «شاهد»، يستريح «أجوان» في حقل شاسع من المسلسلات. إنه مسلسل خيال علمي «أنيمي» باللغة العربية من إنتاج مؤسسة «فن» في الشارقة، منقول عن رواية نورة النومان الفائزة بجائزة «اتصالات لكتاب الطفل 2013». فيه أجراس إنذار حيال إنقاذ الأرض، ومحاكاة لفناء الكوكب وتورط الشباب في الحروب، فيلح سؤال: كيف يختلف التوجه للأطفال عنه للكبار، وما أهمية التوعية من الصغر؟
ترد: «ننشغل عادة عن إشراك أولادنا بهموم منطقتنا، فهم يراقبوننا ونحن نشاهد الأخبار ويستغربون اهتمامنا بأحداث المنطقة والعالم. هذا الانشغال عائد إلى أننا نعدهم أطفالاً (حتى الكبار منهم) ولا نحترم أذهانهم، رغم أننا في الحقيقة نصنع مستقبلهم الذي سيضطرون للتعامل معه عندما يكبرون. هم سيواجهون ما نتركه لهم».
تصر على أهمية مشاركة الأطفال بقضايا الكبار: «نقصُ معرفتهم بما مررنا به، سيجعلهم يرتكبون أخطاءنا. يبدو من المهم التساؤل مثلاً: ماذا لو كان التاريخ وأخطاؤه رواية ممتعة؟ ألن تشكل هذه الرواية فرصة لتقرأ الأجيال الجديدة التاريخ وتصبح قادرة على التعامل مع المستقبل بآليات ربما أفضل منا؟ هنا أحدد الرواية، لا الكتاب البحثي أو التوثيقي. هذه الكتب جافة ولا صلة لها بالواقع. كل مَن يتوجه لليافعين بهذا النمط من الكتابة، فإنه حتماً سيفقدهم من الصفحة الأولى».
رواية «أجوان» ليست قصة تاريخية، لكنها تتحلى بملامح الواقع: كوارث، لجوء، ومجموعات مسلحة تحمل أجندة تخدم مصالح فئة تستخدم الشباب وقوداً للحرب. عن هذه الأثمان الباهظة، تقول: «الشباب، وإن كانوا مثاليين تحركهم مبادئهم، لمجرد أنهم مهمشون أو مظلومون، سيسهل استخدامهم وتوظيفهم من فئات مختلفة خدمة لمصالحها».
الخير والشر والعالم الأفضل
شخصيات «أجوان» ليست شريرة ولا خيرة. ثمة شخصيات وأفعال، على القارئ اليافع أن يقرر مَن الشرير ومَن الخير، ويختار إلى صف مَن ينتمي. تخلو أيضاً من المحاضرات والدروس الأخلاقية. الأحداث تمتحن قدرة الشخصيات على القرار، فيحكم القارئ بنفسه. «هذا بالنسبة إلى هو دورنا نحن الكبار. أن نعرض كل شيء على اليافع ليستعد ويكون له صوت ودور في المستقبل».
نُحدثها في نداء يرفعه المسلسل - الرواية لتمكين المرأة والاحتفاء بإرادتها. البطلة أجوان (19 عاماً)، تحمل في صوتها أصوات نساء شجاعات. فأي دور تعتقد نورة النومان أن المرأة قادرة على إنجازه فيما خص دوائر القرار وصناعة عالم أفضل؟
تعلم أنه إلى وقت قريب اعتقدت المرأة أنها ضعيفة فحسب، لا يمكنها التغيير بلا إذن جهة أعلى وأقوى منها. تُذكر بهذا الواقع لتقول: «ملايين الفتيات والنساء يعشن تحت ظل ما يسمونه ظاهرة المحتال؛ وهو الشعور بأنك غير مؤهل لتنفيذ عمل أو تحمل مسؤولية شيء يحمل قيمة.
فسواء أكانت المرأة تريد أن تصبح كاتبة أو رسامة أو مديرة مشروع تجاري أو رئيسة قسم وغيرها... فإنها ستواجه تراكمات مسبقة وإشارات من المجتمع إلى أنها غير مؤهلة، وبالتالي ستؤمن بأنها غير مؤهلة لمهمة قد توكل إليها».
وتدرك أيضاً أن الجميع يبدأ ضئيل القدرة، فيشتد عوده ويتحمل مسؤوليات أكبر تخول تحقق الكثير: «لا يوجد رجل قادر على كل المسؤوليات الموكلة إليه، لكن لا يوجد مَن يشكك بقدراته. لا يعاني الرجال من ظاهرة المحتال. لذلك كانت قصة (أجوان) عن فتاة تواجه ما لا تتحمله جبال، فتنجو من كارثة وتحاول أن يكون لها قرار في مصيرها. الخطأ والتعثر لا يكسرانها. تستمر وتعيد المحاولة، وهكذا هي الحياة».
الأدب وقواه الخارقة
مُتعبة هموم الكاتب. نورة النومان تعتبر أن وظيفة الأدب جعل البشرية بحالة أفضل. وتكمل عد الوظائف: «تقريب وجهات النظر وتوضيح دوافع مَن يحيطون بنا. عندما يفعلون شيئاً أو يقولون شيئاً، علينا أن نفهم دوافعهم، ونتعاطف معهم حتى إن لم نتفق معهم. هذا التعاطف أو تقمص المشاعر هو ما يملكه كل طفل. عندما أكون مع زملائي في مجموعة ويتعرض أحدهم لموقف محرج، تتسارع أنفاسي، ويحمر وجهي وقد أبكي مثله، رغم أن الحرج لم يصبني. هذا تعاطف. عندما يموت شخص عزيز على صديقتي وتخبرني وهي تبكي وأنا أبكي معها فهذا تعاطف، وأنا أعده قوة خارقة. كلنا نولد بها، لكن نسبة منا يتعرضون لمواقف تقتل هذه القوة الخارقة التي نملكها. ولو لم تمت هذه القوة الخارقة لانخفضت الخلافات وتراجع العنف والكره والحروب. هذه هي القوة الخارقة التي يجب أن يمتلكها الأدب لو قام بدوره على أكمل وجه».