«كوبا آساي»... مذاق برازيلي في قلب القاهرة

عربات للحلوى الطبيعية المشبعة بالتوت ومجروش الثلج

«كوبا آساي» في وسط القاهرة
«كوبا آساي» في وسط القاهرة
TT

«كوبا آساي»... مذاق برازيلي في قلب القاهرة

«كوبا آساي» في وسط القاهرة
«كوبا آساي» في وسط القاهرة

الذهب الأرجواني، أو توت أكاي، وربما سمعت عنه باسم «سلطانية آساي»، جميعها مسميات لمذاق برازيلي خالص، ينقل تجربة من المتعة يعززها الطعم العميق، وترفع قيمتها خصائص صحية وضعته ضمن قائمة «السوبر فود».
تجربة تذوق «الآساي» كانت تتطلب من قبل السفر إلى بلادها الأصلية في أميركا الجنوبية أو على الأقل بلدان مجاورة، غير أن القاهرة باتت عاصمة للتجارب الممتعة بعدما احتضنت ثقافات الأكل من أطراف العالم، وضمن التجارب البارزة التي لاقت استحساناً وخاصة من الشباب، عربة «كوبا آساي» بألوانها الزاهية التي تنقلك إلى تجربة مفعمة بمرح شواطئ ريو دي جانيرو الذي قد تظنه للوهلة الأولى أنه ينتمي لعائلة مثلجات الآيس كريم، غير أنه حلوى طبيعية مُشبعة وبديل صحي لوجبة رئيسية.
«كوبا آساي» مشروع أسسه المصري أحمد الليثي، رفقة شركاء آخرين، هنا الليثي وجوي شحاتة، مستهدفين نقل تجربة من شأنها تغيير ثقافة الأكل لدى المصريين.
يقول الليثي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «تجربتي في السفر حول العالم صنعت هذه الصدفة، فخلال دراستي في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، تذوقت (الآساي) لأول مرة، طعم عميق، تشعر وكأنه سقط من فوق شجرة لتوه من فرط الطزاجة، غارق وسط مجروش الثلج ليروي العطش في يوم حار».

حلوى جديدة يرغبها الجيل الجديد في القاهرة

مصر طقسها قريب من البرازيل، كما أنها باتت سوقاً واعدة لتجارب الغذاء، هكذا يرى الليثي، ويردف: «انطلاق (كوبا آساي) جاء بعد رحلات بحث وسفر، ولقاءات مطولة مع الطهاة الأصليين في البرازيل، كذلك، كان اختيار حبة التوت مهمة شاقة، فمن بين أكثر من 50 نوعاً وقع اختياري على الحبة الأكثر جودة. فالمصريون ذواقون ولن يهضموا التجربة بسهولة».
توت الآساي يأتي من أشجار في غابات أميركا الجنوبية المطيرة، وهو يشبه إلى حد كبير العنب. تشغل البذرة حوالي 80 في المائة من التوت، لكن اللحم والجلد يحتويان على الكثير من الفيتامينات والعناصر الغذائية الأخرى في الـ20 في المائة المتبقية. ناهيك عن أن التوت يحتوي فقط على حوالي 70 سعراً حرارياً في الكوب.

كوب من الآساي الصحية اللذيذة

والقيمة الغذائية لتوت الآساي دفعت به كخيار يوازن معادلة الصحة والمتعة، وربما هذا هو جزء رئيسي في انتشاره ونجاحه وحتى دخوله ضمن قائمة «الترندات» على مواقع التواصل الاجتماعي.
بيد أن القائمين على «كوبا آساي» كانت تعنيهم القيمة الصحية وراء المشروع، ويوضح الليثي: «عادة ما يرتبط مفهوم الطعام الصحي بالمذاق الممل، لكن التوت البرازيلي هذا يتمتع بفوائد صحية مُثبتة، ومذاق طيب في الوقت عينه. مثل أنواع التوت الأخرى»، لافتاً إلى أن الآساي مليء بمضادات الأكسدة التي تساعد في تعزيز جهاز المناعة وحماية الخلايا من التلف الناتج عن الجذور الحرة، فضلاً عن قيمته من الألياف تحسن الهضم».
ويشير: «رغم أن أغلب الدهون متهمة بالتأثير السلبي على صحة القلب والوزن، غير أن الآساي غني بالدهون الصحية، مثل أوميجا 6 و9 التي تقضي على الكوليسترول الضار، ومن ثم تحمي القلب».
الحديث عن الصحة وحدها ربما يصيب البعض بالملل، بينما حين يقترن بتجربة مرحة فالنتيجة تختلف. يُقدم الآساي في شكل متماسك من عجين التوت مع مجروش الثلج، تعلوه طبقات تتحدد حسب الطلب، تختلف في المذاق وتجتمع في القيمة الغذائية. وهنا يوضح لنا الليثي: «نضيف طبقات بألوان جذابة، غير أن جميع المكونات هي بدائل صحية، فيمكنك تجربة الآساي المثلج مزود بطبقات زبدة الفول السوداني وربما طبقات الجرانولا والشوفان، بالإضافة إلى المكسرات ورشات من جوز الهند وطبقة الفواكه الطازجة التي تُزين سطح الكوب».

المصري أحمد الليثي مؤسس مشروع كوبا آساي

إذا صادفت الآساي في تجربة خارج مصر، ستلاحظ أنه يُقدم داخل «سلطانية» بل واشتهر بها، تجربة «كوبا آساي» في مصر ذهبت إلى التطوير من خلال استبدال الصحن المسطح بكوب شفاف له أحجام مختلفة.
ويوضح الليثي السبب: «صحيح أن دولاً عدة حول العالم عرفت الآساي، لكن دخوله مصر يُحتم علينا بعض التغيير الوظيفي، فكرة الكوب الشفاف جاءت بالأساس استجابة لنمط حياتنا السريع، فهذه الحاوية تسمح باصطحاب الآساي في أي مكان، وحتى تناوله داخل السيارة دون قلق، ما يعني تحقيق الجانب الوظيفي. ثمة غرض آخر جمالي، لأن تعبئة الآساي مع طبقات الإضافات يغازل الشهية من خلال العين».
أميال تفصل بين القاهرة وبرازيليا، لكن الطقس ولون البشرة وبعض العادات ربما لا تكون بالبُعد نفسه، ما مهد للمصريين تجربة الحلوى البرازيلي. حسبما يرى القائمون على المشروع، ويقولون: «واجهنا نوعين من الزبائن، أحدهما لديه فكرة مسبقة عن الآساي، وهو ما دفعنا بحماس لسماع رأيه ومقارنته، وآخر كان علينا أن نحدثه عن هذا النوع من الحلوى أولاً، غير أن النتيجة جاءت فائقة لتوقعاتنا من قبل النموذجين».
بين معادلة الصحة والمتعة وتجارب الترفيه، يشير القائمون على «كوبا آساي» إلى أنهم بصدد التوسع، ليس داخل مصر فحسب، بينما في الشرق الأوسط ككل.



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».