تركيا: أحزاب المعارضة تطرح مشروع دستور بتعديلات واسعة

يضمن علمانية الدولة ويجعل منصب الرئيس رمزياً ويعتمد الحريات أساساً

قادة الأحزاب المعارضة الستة يحملون نسخاً من مشروع الدستور الجديد بعد اجتماعهم في أنقرة أول من أمس (رويترز)
قادة الأحزاب المعارضة الستة يحملون نسخاً من مشروع الدستور الجديد بعد اجتماعهم في أنقرة أول من أمس (رويترز)
TT

تركيا: أحزاب المعارضة تطرح مشروع دستور بتعديلات واسعة

قادة الأحزاب المعارضة الستة يحملون نسخاً من مشروع الدستور الجديد بعد اجتماعهم في أنقرة أول من أمس (رويترز)
قادة الأحزاب المعارضة الستة يحملون نسخاً من مشروع الدستور الجديد بعد اجتماعهم في أنقرة أول من أمس (رويترز)

توصّل قادة أحزاب المعارضة المنضوية تحت ما يعرف بـ«طاولة الستة» إلى اتفاق بالإجماع على مشروع دستور جديد يتضمن تعديل 84 مادة من مواد الدستور الحالي الذي بدأ العمل به منذ عام 1982، والذي سبق أن أدخلت الحكومات المتعاقبة لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم تعديلات على 100 من مواده على مدار 20 عاماً.
وأطلق مشروع الدستور الجديد للمعارضة، والذي يعتمد النظام البرلماني المعزز بديلاً عن النظام الرئاسي الذي بدأ تطبيقه عام 2018، في مؤتمر موسع عُقد في أحد فنادق العاصمة أنقرة، ليل الاثنين-الثلاثاء، عقب الاجتماع التاسع لقادة الأحزاب الستة المشاركة في «طاولة الستة»، وهي أحزاب «الشعب الجمهوري» برئاسة كمال كليتشدار أوغلو، و«الديمقراطية والتقدم» برئاسة على باباجان، و«الجيد» برئاسة ميرال أكشنار، و«السعادة» برئاسة تمل كارامولا أوغلو، و«المستقبل» برئاسة أحمد داود أوغلو، و«الديمقراطي» برئاسة جولتكين أويصال.
ويولي مشروع الدستور المقترح من جانب المعارضة، والذي يقسم إلى 9 فصول ويقع في 150 صفحة، اهتماماً لافتاً للحريات، وجعل سلطة رئيس الجمهورية رمزية إلى أبعد حد، والتأكيد على استقلاليته وعدم انتمائه إلى حزب سياسي خلال وجوده في السلطة. ويتضمن النص تغيير باب الحقوق والواجبات الأساسية إلى «الحقوق والحريات الأساسية»، كما تضيف اللائحة الأساسية للدستور عبارة «كرامة الإنسان مصونة وهي أساس النظام الدستوري» إلى المادة الأولى من الدستور. ويجمع حرية الفكر والرأي والتعبير في مادة واحدة.
وبعد مداولات طويلة بين الأحزاب الستة، اتفق قادتها على عدم المساس بالمادة 24 من الدستور التي تنظم علمانية الدولة، والتي أثارت انقسامات داخل طاولة الأحزاب.
وفيما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية، ينص المشروع الجديد على أن ينتخب الرئيس لفترة ولاية واحدة فقط مدتها 7 سنوات، ولا يجوز له الترشح مرة أخرى، على أن تنتهي علاقته بحزبه بمجرد انتخابه رئيساً للبلاد من أجل ضمان حياديته، وألا يمارس العمل السياسي بعد انتهاء فترة رئاسته، وهو ما كان معمولاً به في ظل النظام البرلماني السابق الذي تم استبداله بالنظام الرئاسي عام 2018. ويستحدث تعيين نائب للرئيس من أكبر أحزاب المعارضة.
أما فيما يتعلق بصلاحيات الرئيس، والتي كانت محل انتقادات شديدة من جانب المعارضة في ظل النظام الرئاسي، الذي وصفته المعارضة بأنه «نظام الرجل الواحد»، فيتضمن مشروع الدستور إخضاع جميع قرارات رئيس الجمهورية، ما عدا تلك التي يستطيع أن يفعلها بمفرده، للتوقيع المقابل من رئيس الوزراء والوزراء المختصين.
ويلغي المشروع حق نقض القوانين الممنوح للرئيس في ظل النظام الرئاسي، بحيث يكون له الحق في إعادة القانون للبرلمان لمرة واحدة، كما كان من قبل، ويكون للبرلمان الحق في إقرار القانون المعاد كما هو بأغلبية بسيطة إذا رغب في ذلك، كما يلغي حق الرئيس في إعلان حالة الطوارئ.
ويعزز المشروع من سلطة البرلمان في الرقابة على الحكومة، وينظم سلطته بشأن سحب الثقة من الحكومة، ومحاسبة رئيس الوزراء والوزراء، وتعزيز سلطة المحاكم المختصة، إضافة إلى تنظيم مسألة رفع الحصانة البرلمانية، وتطبيقها بشكل مباشر في حالة تلبس النواب بالجرم، كما يفرض قيوداً مشددة على إغلاق الأحزاب السياسية.
كما يحد مشروع الدستور المقترح من المعارضة من حق رئيس الجمهورية في اختيار أغلبية أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وزيادة عدد الأعضاء من 15 عضواً إلى 22 يختار 20 منهم بالانتخاب، فيما يعين الرئيس اثنين فقط، مع زيادة عدد أقسام المحكمة من 2 إلى 4 أقسام.
ويتضمن إلغاء عضوية وزير العدل ونائبه في مجلس القضاة ومدعي العموم، وتنظيم سلطة الدفاع بموجب نص في القانون لضمان تمتع هذه السلطة بوضع متساوٍ مع الادعاء العام. ويتضمن مشروع الدستور مواد لتعزيز حرية الصحافة، حيث أجرى الفريق القانوني المؤلف من الخبراء والأساتذة من الأحزاب الستة دراسة على مواد الحريات بالدستور، بالتركيز على حرية الصحافة والتعبير التي من أجل إزالة القيود والضغوط المفروضة على الصحافة خلال حكم حزب «العدالة والتنمية»، وتم التأكيد، بحسب الأحزاب، على أن تكون حرية الصحافة هي الأساس والقيود هي الاستثناء.
وأكد ممثلو الأحزاب الستة في كلماتهم خلال استعراض مواد مشروع الدستور، أنه عندما تصل المعارضة إلى السلطة، ستتقلص القيود التي تلغي حرية الصحافة بشكل كبير جداً. ويولي مشروع الدستور اهتماماً لحماية الحق في الصحة والبيئة، ويتضمن نصوصاً تتعلق بضمان حقوق الحيوان دستورياً للمرة الأولى.
ويلغي مشروع الدستور سلطة وزارة الداخلية في إقالة رؤساء البلديات وأعضاء مجالسها. وبدلاً من ذلك، يصدر قرار من مجلس الدولة بتعليق العمل بالمنصب لمدة أقصاها 6 أشهر.
كما ينص المشروع على إلغاء مجلس التعليم العالي، ويتم إنشاء المجلس الأعلى للتعليم العالي، وسيكون مجلس تخطيط وتنسيق فقط، مع ضمان الاستقلال الأكاديمي والإداري والمالي للجامعات.
وجاء إطلاق مشروع الدستور من جانب «طاولة الستة»، والذي ينتظر أن يطرح على البرلمان عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية العام المقبل حال فوز المعارضة، قبل أن يعلن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم مشروع دستور جديد للبلاد، كان الرئيس رجب طيب إردوغان أعلن عنه مؤخراً قائلاً إنه سيطرح على البرلمان قبل نهاية العام.
وكانت أحزاب المعارضة الستة طرحت مؤخراً مشروع النظام البرلماني المعزز الذي أعلنت أنه سيطبق بعد مرحلة انتقالية حال الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) 2023.
ولا تزال مسألة تسمية مرشح المعارضة للرئاسة تثير الجدل، حيث صرح رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم» على باباجان، بأن المعارضة ستعلن عن مرشحها في غضون يومين من الإعلان عن موعد الانتخابات.
وفي السياق ذاته، قال الرئيس المشارك لحزب «الشعوب الديمقراطية»، الموالي للأكراد، مدحت سنجار، إنه يجب أولاً، وقبل كل شيء، أن تعلن «طاولة الستة» عن مرشحها، فليس من الصواب إجراء تقييم على أساس الافتراضات.
وأضاف سنجار أنه بعد الإعلان عن اسم المرشح سيرى حزب «الشعوب الديمقراطية» كيف سيتعامل المرشح في أسلوب الحوار والتفاوض والمصالحة، وسيحددون موقفهم من خلال تفعيل آليات اتخاذ القرار مع نقاش موسع.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

شؤون إقليمية أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن بلاده تتوقع موقفاً واضحاً من دمشق حيال «تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي» والتنظيمات التابعة له، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تنظر إليها أنقرة على أنها امتداد لـ«العمال الكردستاني» في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

واجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ادعاءً جديداً من خصومه في المعارضة، بشأن إرساله مبعوثين للتفاوض مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين مدى الحياة، عبد الله أوجلان، من أجل توجيه رسالة للأكراد للتصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو (أيار) الحالي. وقالت رئيسة حزب «الجيد» المعارض، ميرال أكشنار، إن إردوغان أرسل «شخصية قضائية» إلى أوجلان في محبسه، وإنها تعرف من الذي ذهب وكيف ذهب، مشيرة إلى أنها لن تكشف عن اسمه لأنه ليس شخصية سياسية. والأسبوع الماضي، نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية، إعلان الرئيس السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية» السجين، صلاح الدين دميرطاش، أن يكون إردوغان أرسل وف

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

<div>دفع إقدام تركيا على دخول مجال الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء عبر محطة «أككويو» التي تنشئها شركة «روساتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد، والتي اكتسبت صفة «المنشأة النووية» بعد أن جرى تسليم الوقود النووي للمفاعل الأول من مفاعلاتها الأربعة الخميس الماضي، إلى تجديد المخاوف والتساؤلات بشأن مخاطر الطاقة النووية خصوصاً في ظل بقاء كارثة تشيرنوبل ماثلة في أذهان الأتراك على الرغم من مرور ما يقرب من 40 عاما على وقوعها. فنظراً للتقارب الجغرافي بين تركيا وأوكرانيا، التي شهدت تلك الكارثة المروعة عام 1986، ووقوعهما على البحر الأسود، قوبلت مشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية باعتراضات شديدة في البد</div>

شؤون إقليمية أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم الأربعاء، إن اجتماع وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يُعقَد بموسكو، في العاشر من مايو (أيار)، إذ تعمل أنقرة ودمشق على إصلاح العلاقات المشحونة. كان جاويش أوغلو يتحدث، في مقابلة، مع محطة «إن.تي.في.»

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية «أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

«أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

أصبحت تركيا رسمياً عضواً في نادي الدول النووية بالعالم بعدما خطت أولى خطواتها لتوليد الكهرباء عبر محطة «أككويو» النووية التي تنفذها شركة «روسآتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد. ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خطوة تزويد أول مفاعل من بين 4 مفاعلات بالمحطة، بـ«التاريخية»، معلناً أنها دشنت انضمام بلاده إلى القوى النووية في العالم، مشيراً إلى أن «أككويو» هي البداية، وأن بلاده ستبني محطات أخرى مماثلة. على ساحل البحر المتوسط، وفي حضن الجبال، تقع محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء، التي تعد أكبر مشروع في تاريخ العلاقات التركية - الروسية.


ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».