الأرشيف أداة للتعبير البصري في الفن المعاصر

ليس تكويناً مغلقاً ولا يتجه نحو الماضي بقدر ما يتجه إلى المستقبل

من أعمال الفنان اللبناني ريان ثابت
من أعمال الفنان اللبناني ريان ثابت
TT

الأرشيف أداة للتعبير البصري في الفن المعاصر

من أعمال الفنان اللبناني ريان ثابت
من أعمال الفنان اللبناني ريان ثابت

لعل من التوصيفات الدالة على الاستعمال الفني المعاصر للأرشيف، بما هو شكل للتأليف بين مكونات قادمة من مصادر شتى، ذلك الذي يُنظر إليه بوصفه «مُنتَجاً رمزياً»، غير منفصل عن الإخراج الفني للأعمال في بنيتها، كما في مضامينها. ذلك ما تبرزه، التركيبات الفنية المعاصرة، التي اتخذت فيها المواد الأرشيفية (كتب وصحف وملابس وأغراض مكتبية وصور فوتوغرافية ودفاتر دراسية وأجهزة تقنية عتيقة...) تجليات جمالية عديدة، لتبرير تقديمها، أي أن رحلة المادة الخارجة من حيز الاستعمال والحاضرة في شكل وثيقة بجوهر رمزي، لا تشكل سوى منطلق لفهم الذاكرة، ومنحها شكلاً للحضور، الذي يتداخل فيه التأويل بإعادة البناء البصري.
والحق أن الأرشيف ليس تكويناً مغلقاً ولا يتجه نحو الماضي، بقدر ما هو موجه نحو المستقبل وإلى الصيرورة، والرهان في النهاية هو على اختراق هشاشة الممحو والمتلاشي بفعل الزمن، بمنحه صلابة الشيء المحسوس، المنتشل من الشظايا المتبقية، الذي ينفذ أثره لعمق الحواس، ومن ثم إعادة تجميعه ضمن «منجز»، أي صناعة صورة متخيلة لإيحائه، بل وإعادة اكتشافه، لتتجمع في عمقه بقايا المعنى الثاوي في قعر الذاكرة. يمكن أن نستحضر في سياق الانتقال من الأرشيف الجاهز إلى الأرشيف «الرمزي» حكاية النحات الذي صعقته ملاحظة ناظر إلى تحفته، حين علق: «لم أكن أعتقد أن الصخرة كانت تخبئ هذا التمثال»، فالأرشيف المتخلق في إهاب تركيب فني ليس شيئاً آخر إلا قدرة الفنان على إعادة إنتاجه من جديد.
وتبرز أعمال الفنان الفرنسي «كريستيان بولتانسكي»، هذا الشغف بإعادة صناعة الأرشيف واكتشاف عمقه، بما هو أداة لتعرية الماضي وتمثيل الغياب، ليس فقط لدرء النسيان، وإنما لجعل شواهد الذاكرة منتجة لحياة أخرى مصطنعة، بوصفها امتحاناً للتلاشي، وسرعان ما ستتحول الصور العائلية والمتعلقات الشخصية من أوراق وملابس... منطلقاً لتشكيل لوحات وأعمال تجهيز عن طفولة الفنان المتصلة بملاحقة اليهود في الحرب العالمية الثانية من قبل النظام النازي. تبدو الأغراض مغمورة بظلال ما جرى لأصحابها وتحمل معها وقع قدومها من نهايات ملتبسة، بيد أنها تنتعش بجواراتها المستحدثة في زمن وفضاء مختلفين، فتكون ذاتها إنما في انفصال عما جرى، وتوهب للنظر لتجعل الماضي مقترناً ليس بها تحديداً وإنما بذاكرة المشاهد الشخصية، وما تختزنه من صور مشابهة.
في تجهيزات عديدة لبولتانسكي تتخذ الصور الفوتوغرافية للوجوه موضوعاً لعشرات المجاورات، بين شخصيات لا يعرفها المشاهد، تمتد أحياناً على جدران رواق العرض بكاملها، وأحياناً توضع على حوامل من أحجام كبيرة، بعضها متداخلة وأخرى متنائية قليلاً، وغير مرتبة، لتقول العدد والهيئة والغرق في قدر التكرار المأساوي للمحكية ذاتها. في إحدى هذه التجهيزات الفوتوغرافية، بعنوان: «الموتى السويسريون» يعيد بولتانسكي رصف صور من غابوا في ظروف متماثلة من يهود سويسريين زمن الحرب وبقيت صورهم في أرشيف الصحف، أعاد تجميعها لتوضع فيما يشبه إعلان حضور جماعي رمزي بعد التغييب القسري، إن القصد بتعبير الفنان، هو الانتباه، وتركيز النظر في: «الذاكرة الصغيرة العاطفية، التي هي على النقيض من الذاكرة الكبيرة المحفوظة في الكتب، هشة للغاية، وتختفي مع الموت».
تستند التقنية، في تعاطي الفن المعاصر مع كتل الأرشيف أساساً على مبدأ «الكولاج»، وذلك ما تجلى في عمل فنانين عديدين على غرار بولتانسكي، نجده عند آبي واربورغ، في العشرينيات من القرن الماضي، وأنطوني مونتاداس بعد ذلك بسنوات، قبل أن تتحول المادة الأرشيفية عند أمثال فيرونيك غروساي، وبيير ألشينسكي، إلى حوامل للتجهيز أو «اللوحة التركيب»، حيث تستعمل الصناديق والعلب والأدراج الملتقطة من أسواق المتلاشيات والسلع المستعملة، إلى قاعدة لتثبيت رسومات أو تصاوير صباغية أو صور فوتوغرافية، كما تتحول وثائق ورقية إلى سند لتحويرات رسمية أو صباغية على سطح الكتابة، بحيث تطمسها وتبقي على إيحائها، تشوهها وتحيل عليها، في سعي للحفاظ للوثيقة العدلية أو التجارية أو المدرسية أو الدفتر الشخصي، على ذاكراتها الصغيرة، وجعلها أداة في تأليف القصد الفني.
وبمقارنة أعمال فنانين من قبيل اللبناني «ريان ثابت» والمغربي «منير الفاطمي» في السياق العربي، يمكن الوقوف على الطاقة الإيهامية الناجمة عن إحداث المفارقة بين الحامل العتيق وما ألحق به من تدخل تصويري من جهة، والسعي إلى الاسترسال في تمثيل المحتوى الثاوي في السند الأرشيفي من جهة ثانية، وفي الحالتين معاً يبقى المشاهد إزاء حقيقة أن التوسل بالوثيقة كان لأجل توظيف ما تمثله من: مزيج بين الندرة والعراقة والحس الإشكالي، فتاريخ العائلة بات مصدراً لأرشيف مؤسس في عمل ريان ثابت البصري، كان ثمة جد اسمه «فائق بُرخش» عمل قبل قرن وبضع سنوات مساعداً ومترجماً للمستكشف الألماني البارون «ماكس أوبنهايم»، في حيز جغرافي يسمى «تل حلف» بسوريا، ورث عنه الفنان ألبوم صور عائلية ومذكرات، شكلت الخامة المولدة لمشاريع حملت عناوين: «تاريخ قصير للبنان» و«الجثة الأجمل» و«فتات»، في النهاية ما يجمع بين هذه العناوين -المشاريع هو اتصالها بكنه السلالة والذات والجسد المستخلص من الالتباس، في عمل بعنوان: «قبرص» يَمثُل قارب معلَّق، هش، وبادي الشيخوخة، متروك على اليابسة، قارب عائلي نُذر لهجرة ارتكست، لم يصمد الوعاء الخشبي أمام عنفوان الموج، فعادت العائلة إلى مرفئها اللبناني، ثم، لبث هناك، مستكيناً لخيبته، الحكاية يرويها ريان في غير ما معرض للعمل التجهيزي، لكن ما لا يحكيه هو تمثُّل «ما بعد» الوضع المعلق للقارب، الموضوع في ميزان الكابح المعدني، حلمُ العودة الراسخ في القرار العميق، بحيث يماثل رغبة السفر في مخيلة اللبنانيين، الوجود هنا وهناك وعيش العودة ولو تخييلياً، والارتحال ولو على أجنحة الحلم، وضعٌ نادر بين شعوب العالم، حيث الوجود في النهاية يكون في «الما بين».
بينما يعيد منير الفاطمي إلى دائرة الاستعمال، ما انتهت صلاحيته، من الوثائق والصور الشمسية إلى المواد والآليات، سيما تلك المتصلة منها بجوهر الكتابة والطباعة والتسجيل والإرسال والتواصل، من الآلات الكاتبة المعدنية العتيقة، والآليات المطبعية التقليدية، إلى أشرطة الفيديو والأسطوانات إلى الكتب القديمة والأرشيف الوثائقي. ويتحدث الفنان في هذا السياق عن انشغال معرفي قبل أن يكون جمالياً يسمه بـ«أركيولوجيا الوسائط»، ويحتل الكابل المتصل بالأطباق وباللاقطات الهوائية مركزاً ملحوظاً في الاشتغال، إذ يتحول إلى مادة محورية في التركيبات المتصلة بالبورتريهات والصيغ التجريدية والتنصيبات الاستعارية، بحيث ترتصف تنصيبات الكتل المتنامية في غير ما عمل عبر المادة ذاتها، مختصرة عالم ما قبل الفورة اللاسلكية. في هذه التركيبات يبدو اشتغال منير الفاطمي منصباً على استكناه المغزى الثاوي في: «عديم الجدوى» و«المتجاوز»، المستمر في البروز بما هو استعارة على وجود ما، لم ينتهِ كلياً، إنما فقد فعاليته، وتحول إلى ذكاء قاصر، ووجود متحفي يبرهن على نهم التطور، الطاحن والجهنمي، الذي يحول العالم من حولنا تدريجياً إلى ظواهر سريعة الانقراض.
في العمل المسمى «تشريح» الذي قدم بمعرض «وايل غاليري» بجنيف سنة 2019. تتمدد كتلة الكابلات البيضاء والسوداء مشكلة حلقات متشابكة، مثلما أعضاء جسد، على طاولة تشريح معدنية، تتجلى الكتلة في وضع جثة، لم يبق من فائدة لها إلا ما تقدمه من أسرار عن أسباب موتها، يستعير الفنان في هذا السياق تعبير «بروس ستيرلانج» عن «الوسائط الميتة»، في مسعى لتبيين الغواية المتفاقمة في المجتمع المعاصر، للوسائط التي لا تفتأ تنتج بدائل متسارعة في تقنياتها وموادها وإمكاناتها، فتتراكم مخلفاتها مثلما الجثث، أو الأشباح أو الأقنعة، لصور تبقى هي ذاتها في حقيقتها المهيمنة على العالم والموجهة له. ولعله لم يكن مصادفة أن توضع الجثة (الشبح-القناع)، على المشرحة، ما دام الأمر في النهاية يتصل باستلاب لا يخلو من توظيف إجرامي، إنها الذريعة التخييلية ذاتها التي جعلت التكوين البصري للصورة التي أنجزها الفنان لصدام حسين المشكلة من الكابلات (الخاصة بالأطباق اللاقطة)، تتخذ عنوان: «المجرم» ليس لأنه كان دموياً فقط، وإنما لأنه كان مسكوناً بهواجس المراقبة والتبليغ.
هكذا تعكس صلة الأرشيف بأدبيات الأداء في التجهيزات واللوحات المعاصرة والفيديو والفوتوغرافيا وتركيبات الكولاج، صيغاً مستحدثة للتعبير البصري، يستعير قواعد الكتابة اللفظية، فالمدونة اللغوية أرشيف في صلتها بدلالة المحفوظ، سواء استعمل أو خرج من التداول، والأرشيف مدونة للبصري، حيث يحفظ اللقطات والمشاهد والصور خارج سياقاتها التاريخية بوصفها وثائق لبرهنة تشكيلية ذات كنه مفهومي، من هنا يراوح الأرشيف بين كونه شيئاً وظيفياً، خرج من حيز الاستعمال عبر التطور المتسارع للتقنية، وبين كونه سجلاً لوثائق كتابية وسمعية بصرية، مما يجعل من وجوده البرزخي هذا المكون من المادة والتسجيل، موضوعاً للتأويل الفني المعاصر، وأداة للتأليف التصويري داخله، ضمن مستويين، أولهما متصل بالتحول من الاشتغال عل الأرشيف الجاهز، إلى صناعة أرشيف خاص في المشروع الفني، والثاني متصل بجعل الوثيقة أداة وسنداً في الآن نفسه داخل العمل الفني، بحيث لا يتحقق التكوين البصري إلا بوجود الوثيقة وتدخلها في إنتاج الأثر.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر تستعيد قطعاً أثرية ومومياء من آيرلندا

إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر تستعيد قطعاً أثرية ومومياء من آيرلندا

إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت مصر استعادة قطع أثرية من آيرلندا، تضمَّنت أواني فخارية ومومياء وقطعاً أخرى، عقب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للدولة المذكورة.

وقالت وزارة الخارجية المصرية إنّ جهود استعادة القطع الأثرية من آيرلندا استمرّت طوال عام ونصف العام، وأوضحت في بيان، الجمعة، أنّ «القطع الأثرية التي استُردَّت من جامعة (كورك) الآيرلندية، هي مومياء مصرية وعدد من الأواني الفخارية والقطع الأثرية الأخرى، والجامعة أبدت تعاوناً كبيراً في تسهيل إجراءات إعادتها».

وتمثّل القطع المُستعادة حقبة مهمّة من التاريخ المصري القديم، وجزءاً من التراث الثقافي المصري الذي يحظى باهتمام الجميع، ومن المقرَّر عرضها في المتاحف المصرية، وفق بيان «الخارجية».

وأوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد، أنّ «استرداد هذه القطع جاء وفقاً للاتفاق الثنائي الموقَّع مؤخراً بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة (كورك) الآيرلندية»، مشيراً في بيان لوزارة السياحة والآثار، إلى أنّ الجامعة كانت قد حصلت عليها بين الأعوام 1920 و1930؛ ومن بينها تابوت خشبي ملوَّن بداخله بقايا مومياء ومجموعة من الأواني الكانوبية المصنوعة من الحجر الجيري بداخلها أحشاء المتوفّى.

القطع الأثرية المُستردّة تعود إلى حقب تاريخية مهمّة (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، كشف مدير الإدارة العامة لاسترداد الآثار، المُشرف على الإدارة المركزية للمنافذ الأثرية، شعبان عبد الجواد، عن أنّ «الأواني الكانوبية التي استُردَّت لكاهن يُدعى (با ور)، من الأسرة 22 من العصر المتأخر؛ كان يحمل ألقاباً من بينها (حارس حقول الإله). أما التابوت الخشبي فهو من العصر الصاوي لشخص يُدعى (حور)، وكان يحمل لقب (حامل اللوتس)؛ وتوجد بداخله بقايا مومياء وعدد من أسنانها»، وفق بيان الوزارة.

وأعلنت مصر، في وقت سابق، استرداد أكثر من 30 ألف قطعة أثرية من 2014 حتى أغسطس (آب) 2024، كما استُردَّت أخيراً 67 قطعة أثرية من ألمانيا. وكانت وزارة الخارجية قد أعلنت في يناير (كانون الثاني) 2023 استرداد 17 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأميركية، أبرزها «التابوت الأخضر».

في هذا السياق، يرى عالم الآثار المصري الدكتور حسين عبد البصير، أنّ «استعادة القطع الأثرية والمومياوات فرصة لإثراء بحثنا الأثري والتاريخي، إذ تساعدنا في الكشف عن جوانب جديدة من التاريخ المصري»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المقتنيات توفّر رؤى قيّمة حول أساليب الدفن والعادات الثقافية القديمة التي كانت جزءاً من الحياة اليومية للمصريين القدماء».

ويعدُّ عبد البصير هذه الاستردادات إسهاماً في تعزيز الهوية الوطنية، إذ تُساعد في الحفاظ على التراث الثقافي من أجل الأجيال القادمة، مؤكداً أنّ «وزارة الخارجية المصرية تلعب دوراً حيوياً في استرداد الآثار من خلال التفاوض مع الدول الأجنبية والتنسيق الدبلوماسي للوصول إلى حلول تفاوضية تُرضي الأطراف المعنيّة»، لافتاً إلى أنّ استرداد القطع يأتي بالتزامن مع زيارة الرئيس المصري إلى آيرلندا؛ مما يؤكد اهتمام الدولة على أعلى مستوياتها باسترداد آثار مصر المُهرَّبة من الخارج.

قطع متنوّعة من الآثار استردّتها مصر من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)

«وتسهم الاتفاقات الثنائية التي تعقدها مصر مع الدول في استعادة الآثار؛ منها 5 اتفاقات لمكافحة تهريبها والاتجار في الآثار المسروقة مع سويسرا وكوبا وإيطاليا وبيرو وكينيا»، وفق عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، الخبير الآثاري الدكتور عبد الرحيم ريحان، الذي يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «العلاقات القوية بين مصر وآيرلندا منذ تولّي الرئيس السيسي الحُكم أسهمت في استعادة هذه الآثار»، مشيراً إلى أنّ «مصر استعادت نحو 30 ألف قطعة أثرية منذ تولّيه الرئاسة، من الولايات المتحدة الأميركية، وإنجلترا، وفرنسا، وإسبانيا، وهولندا، وكندا، وألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وسويسرا، ونيوزيلندا، وقبرص، والإمارات، والكويت، والأردن».

ويتابع: «جاء ذلك بعد جهود حثيثة من إدارة الآثار المُستردة بالمجلس الأعلى للآثار، وبمتابعة مستمرّة لكل المزادات العلنية، وكل ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر وكالات الأنباء الدولية عن الآثار المصرية المنهوبة، وعن طريق مفاوضات مثمرة، بالتعاون بين وزارات السياحة والآثار والخارجية والداخلية في مصر».