«السيطرة على الإدارة المدنية» تعرقل اتفاق نتنياهو مع «الصهيونية الدينية»

يواصل عقد اتفاقات مع الأحزاب الشريكة

نتنياهو ينظر إلى درعي بحضور أعضاء البرلمان الإسرائيلي يوم 15 نوفمبر (رويترز)
نتنياهو ينظر إلى درعي بحضور أعضاء البرلمان الإسرائيلي يوم 15 نوفمبر (رويترز)
TT
20

«السيطرة على الإدارة المدنية» تعرقل اتفاق نتنياهو مع «الصهيونية الدينية»

نتنياهو ينظر إلى درعي بحضور أعضاء البرلمان الإسرائيلي يوم 15 نوفمبر (رويترز)
نتنياهو ينظر إلى درعي بحضور أعضاء البرلمان الإسرائيلي يوم 15 نوفمبر (رويترز)

قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن شريكَي حزب «الليكود»؛ الذي يتزعمه رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو، «شاس» الديني و«نوعام» اليميني، سيوقعان تباعاً على اتفاقين ائتلافيين؛ تاليين لاتفاق يوم الجمعة الذي جرى توقيعه مع حزب «القوة اليهودية». فيما طالب رئيس حزب «الصهيونية الدينية» بالسيطرة على نظام اعتناق اليهودية في البلاد، كما طالب بنقل صلاحيات الإدارة المدنية التابعة للجيش إليه.
والإدارة المدنية هي الجهة المسؤولة عن تنظيم الاستيطان ومنح تراخيص للفلسطينيين في مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية وهدم مبان وشق طرق وإصدار تصاريح ومصادرة أراض وإعطاء رخص كهرباء ومياه ومشروعات.
واتفق «الليكود» مع «شاس»؛ الذي يتزعمه آرييه درعي، على توليه (درعي) منصب نائب رئيس الوزراء بالإضافة إلى حقيبة الداخلية على أن يحصل حزبه أيضاً على وزارات الصحة والخدمات الدينية والرفاه والشؤون الاجتماعية ووزارة تطوير الضواحي.
كما اتفق مع حزب «نوعام» اليميني المتطرف على أن يحصل رئيسه لآفي معوز على منصب نائب وزير في مكتب رئيس الوزراء. ومعوز هو العضو الوحيد في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) الذي يمثل حزب «نوعام».
والتقدم في الاتفاقات مع «شاس» و«نوعام» جاء بعد اتفاق شامل مع «القوة اليهودية» اليميني المتطرف الذي يرأسه إيتمار بن غفير ومنحه منصب وزير الأمن القومي مع صلاحيات موسعة للغاية.
ونجح «الليكود» بعد خلافات مطولة في إقناع الأحزاب بتقديم تنازلات لها علاقة بالمحاصصة في الوزارات محل الخلاف والتدوير كذلك.
واتفقت الأحزاب على تقسيم الوزارة الحالية لتنمية الضواحي والنقب والجليل، وحصل حزب «شاس» على حقيبة «الضواحي» (البلدات التي غالباً ما تكون فقيرة وخارج المراكز السكانية المركزية في إسرائيل) وبقيت النقب والجليل بيد حزب «القوة اليهودية».
كما تنازل درعي عن حقيبة المالية التي كان مصراً عليها على أن يتولى الداخلية، ويمنح «الليكود» المالية في أول عامين لبتسلئيل سموتريتش رئيس حزب «الصهيونية الدينية»، الذي كان مصراً على الدفاع.
التوليفة التي عمل عليها «الليكود» ستضمن لسموتريتش بعض السيطرة على سياسات إسرائيل في الضفة الغربية من خلال تعيين وزير تابع في وزارة الدفاع التي ستبقى مع حزب نتنياهو «الليكود» الذي كان اشتكى سابقاً من أن الوزارات السيادية لن تكون من نصيبه، وأعطت درعي وزارات أكثر واقتطعت له وزارات، كما أعطت بن غفير وزارة الأمن ونقلت له صلاحيات على قوة حرس الحدود التابعة للجيش أصلاً.
لكن رغم ذلك؛ يواجه «الليكود» عقبات متعلقة أولاً بسموتريتش وبأهلية درعي لتولي منصب وزير، وهو وضع يخضع حالياً لتساؤلات كبيرة بعد أن قال المدعي العام إن إدانة درعي الأخيرة بالكسب غير المشروع، قد ترقى إلى فساد أخلاقي، مما يمنعه من تولي منصب وزاري لمدة 7 سنوات. وكان قد حُكم على درعي بالسجن 12 شهراً مع وقف التنفيذ العام الماضي، لكنه استقال من البرلمان قبل أن يوقع اتفاقاً يسمح له بتجنب إدانته بالفساد الأخلاقي. ويبحث «شاس» و«الليكود» تغيير القانون للسماح لدرعي بالعودة وزيراً.
وبالنسبة إلى سموتريتش؛ فإن المحادثات عالقة. وكان قد طالب بتولي وزارة الدفاع أو وزارة المالية ووافق نتنياهو على منحه المالية، في الأقل لأول عامين من ولاية الحكومة، لكن خلافات دبت بينهما بعدما اتهم «الصهيونية الدينية» نتنياهو بالتراجع عن وعوده، ورد «الليكود» باتهام سموتريتش بأنه قدم مطالب مبالغاً فيها.
وبالإضافة إلى تولي وزارة المالية للعامين الأولين، طالب سموتريتش بحقيبتي شؤون المستوطنات واستيعاب المهاجرين، بالإضافة إلى قيادة 4 من أصل 11 لجنة يسيطر عليها التحالف في الكنيست، كما طالب بالسيطرة على نظام اعتناق اليهودية في البلاد، وأيضاً طالب بنقل صلاحيات الإدارة المدنية التابعة للجيش إليه.
وقالت صحيفة «هآرتس» و«منظمة السلام الآن» إن منح سموتريتش هذه الصلاحية سيؤدي إلى توسيع المستوطنات وشرعنة بؤر استيطانية وزيادة عمليات هدم منازل الفلسطينيين، ويعني ضماً فعلياً للضفة الغربية.
وكان سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، توم نايدز، قد حذر نتنياهو من وضع سموتريتش في منصب وزير دفاع، وتعهد بمقاومة أي عملية ضم مستقبلية. واتهم في بيان مطول، صدر يوم الأربعاء، حزب «الصهيونية الدينية» «الليكود» بتسريب «أكاذيب» للصحافة في جزء من مفاوضات الائتلاف، زاعماً أن «الليكود» أراد «دوس وإذلال وتهميش» الحزب. ورد عضو الكنيست عن حزب «الليكود» ياريف ليفين، مسؤول الحزب في المفاوضات الائتلافية، في محادثات خاصة بقوله إن مطالب سموتريتش تحويل أجزاء من الوزارات إلى سيطرته؛ مثل الإدارة المدنية الخاضعة للجيش الإسرائيلي، ستشكل «حكومة داخل حكومة»، وإن المطالب «وهمية».
وحتى الأحد كانت المفاوضات متوقفة بين «الليكود» و«الصهيونية الدينية». ويعتقد أن «الليكود» يريد الانتهاء من اتفاقات مع «شاس» و«نوعام» ثم «يهدوت هتوراه»، من أجل زيادة الضغط على «الصهيونية الدينية». ومن المتوقع أن يحصل الحزب اليهودي المتشدد الثاني في الائتلاف المحتمل، أي «يهدوت هتوراه»، على وزارة الإسكان، ووزارة المساواة الاجتماعية التي سيجري توسيعها لتشمل دائرة العمل في وزارة المالية.


مقالات ذات صلة

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

شؤون إقليمية غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

في اليوم الذي استأنف فيه المتظاهرون احتجاجهم على خطة الحكومة الإسرائيلية لتغيير منظومة الحكم والقضاء، بـ«يوم تشويش الحياة الرتيبة في الدولة»، فاجأ رئيس حزب «المعسكر الرسمي» وأقوى المرشحين لرئاسة الحكومة، بيني غانتس، الإسرائيليين، بإعلانه أنه يؤيد إبرام صفقة ادعاء تنهي محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم الفساد، من دون الدخول إلى السجن بشرط أن يتخلى عن الحكم. وقال غانتس في تصريحات صحافية خلال المظاهرات، إن نتنياهو يعيش في ضائقة بسبب هذه المحاكمة، ويستخدم كل ما لديه من قوة وحلفاء وأدوات حكم لكي يحارب القضاء ويهدم منظومة الحكم. فإذا نجا من المحاكمة وتم تحييده، سوف تسقط هذه الخطة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

سادَ هدوء حذِر قطاع غزة، صباح اليوم الأربعاء، بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، على أثر وفاة المعتقل خضر عدنان، أمس، مُضرباً عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وكانت وسائل إعلام فلسطينية قد أفادت، فجر اليوم، بأنه جرى التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار بين فصائل فلسطينية والجانب الإسرائيلي، وأنه دخل حيز التنفيذ. وقالت وكالة «معاً» للأنباء إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة «مشروط بالتزام الاحتلال الإسرائيلي بعدم قصف أي مواقع أو أهداف في القطاع».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد مرور 75 عاماً على قيامها، أصبح اقتصاد إسرائيل واحداً من أكثر الاقتصادات ازدهاراً في العالم، وحقّقت شركاتها في مجالات مختلفة من بينها التكنولوجيا المتقدمة والزراعة وغيرها، نجاحاً هائلاً، ولكنها أيضاً توجد فيها فروقات اجتماعية صارخة. وتحتلّ إسرائيل التي توصف دائماً بأنها «دولة الشركات الناشئة» المركز الرابع عشر في تصنيف 2022 للبلدان وفقاً لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متقدمةً على الاقتصادات الأوروبية الأربعة الأولى (ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، وفقاً لأرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي. ولكن يقول جيل دارمون، رئيس منظمة «لاتيت» الإسرائيلية غير الربحية التي تسعى لمكافحة ا

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، في تل أبيب، امتعاضه من تجاهل الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وامتناعه عن دعوته للقيام بالزيارة التقليدية إلى واشنطن. وهدد قائلاً «إذا لم يدع نتنياهو إلى البيت الأبيض قريباً، فإنني سأدعوه إلى الكونغرس». وقال مكارثي، الذي يمثل الحزب الجمهوري، ويعدّ اليوم أحد أقوى الشخصيات في السياسة الأميركية «لا أعرف التوقيت الدقيق للزيارة، ولكن إذا حدث ذلك فسوف أدعوه للحضور ومقابلتي في مجلس النواب باحترام كبير. فأنا أرى في نتنياهو صديقاً عزيزاً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

بدأت المواجهة المفتوحة في إسرائيل، بسبب خطة «التعديلات» القضائية لحكومة بنيامين نتنياهو، تأخذ طابع «شارع ضد شارع» بعد مظاهرة كبيرة نظمها اليمين، الخميس الماضي، دعماً لهذه الخطة، ما دفع المعارضة إلى إظهار عزمها الرد باحتجاجات واسعة النطاق مع برنامج عمل مستقبلي. وجاء في بيان لمعارضي التعديلات القضائية: «ابتداءً من يوم الأحد، مع انتهاء عطلة الكنيست، صوت واحد فقط يفصل إسرائيل عن أن تصبحَ ديكتاتورية قومية متطرفة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

طهران بين التفاوض والمواجهة: واشنطن تلوّح بالخيارات العسكرية

خامنئي يلتقي كبار المسؤولين الإيرانيين السبت (موقع المرشد)
خامنئي يلتقي كبار المسؤولين الإيرانيين السبت (موقع المرشد)
TT
20

طهران بين التفاوض والمواجهة: واشنطن تلوّح بالخيارات العسكرية

خامنئي يلتقي كبار المسؤولين الإيرانيين السبت (موقع المرشد)
خامنئي يلتقي كبار المسؤولين الإيرانيين السبت (موقع المرشد)

تراهن إيران على استراتيجية «السير على حافة الهاوية» في رفضها للتفاوض تحت استراتيجية «الضغوط القصوى» من الولايات المتحدة؛ ما يضع طهران في مواجهة خطيرة مع واشنطن ربما تؤدي إلى تصعيد عسكري. وعدّ المسؤولون الإيرانيون دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتفاوض «خدعة سياسية»، بينما رد البيت الأبيض بتحذير، مؤكداً أن التعامل مع إيران سيكون دبلوماسياً أو عبر خيارات أخرى.

وأعلن ترمب، الجمعة، أنه بعث برسالة إلى إيران يضغط فيها على طهران للتفاوض بشأن منع تطويرها أسلحة نووية أو مواجهة عمل عسكري محتمل، ذلك بعدما طرحت روسيا إمكانية توسط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين واشنطن وطهران لتسهيل الحوار بين الخصمين.

وقال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قالیباف، الأحد، إن إيران لن تتفاوض تحت أي ضغوط أميركية، ووصف دعوة ترمب للحوار بأنها «خدعة سياسية» تهدف إلى نزع سلاح إيران تحت غطاء «تفاوض شكلي»، موضحاً استراتيجية بلاده قائلاً: «لا تنتظر رسائل من الولايات المتحدة، بل تركز على تعزيز قدراتها الداخلية، وتوسيع علاقاتها الخارجية لتقليل تأثير العقوبات». وقال: «نؤمن بأن ذلك سيضعنا في موقع يجعل العدو مضطراً على رفع العقوبات كجزء من استمرار التفاوض مع أطراف الاتفاق النووي».

وأشار قاليباف إلى مذكرة وقعها ترمب، مطلع الشهر الماضي، لإعادة فرض استراتيجية «الضغوط القصوى»، وقال إن «أي تفاوض يتم تحت التهديد، وبجدول أعمال يسعى إلى فرض مطالب جديدة مقابل رفع العقوبات، لن يؤدي إلى أي نتائج إيجابية، بل سيكون مجرد محاولة لإذلال الشعب الإيراني».

وشدد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، على رفضه القاطع للتفاوض تحت الضغط. وقال في اجتماع مع كبار المسؤولين الإيرانيين، السبت، إن «التفاوض تحت الضغط» ليس سوى «إملاءات» أميركية تهدف إلى فرض شروط غير مقبولة على إيران، ليس فقط في القضايا النووية، ولكن أيضاً في مجالات القدرات الدفاعية والنفوذ الإقليمي.

وذكر خامنئي الذي يمتلك الكلمة الفصل في جميع شؤون الدولة أنه لا يوجد «سبيل آخر للوقوف في وجه الإكراه والتنمر».

وأضاف خامنئي أن العقوبات لن تجبر إيران على تقديم تنازلات استراتيجية. وقال: «مفاوضاتهم لا تهدف إلى حل المشكلات، بل إلى... فرض إرادتهم على الطرف المقابل الذي يجلس إلى الطاولة»، وتابع: «إصرار بعض الحكومات المستبدة على التفاوض ليس لحل المشكلات، بل لفرض مطالب جديدة. لا يتعلق الأمر بالمسألة النووية فقط، بل بقدراتنا الدفاعية ونفوذنا الإقليمي وحتى مدى صواريخنا».

وصرح خامنئي أن إيران لن تقبل «إملاءات» واشنطن، لافتاً إلى أن العقوبات لن تدفع بلاده إلى تقديم تنازلات استراتيجية. وقال: «هذا ليس تفاوضاً، بل محاولة لفرض الإرادة بالقوة، وإيران لن تخضع لمثل هذه الضغوط».

وعلى هامش خطاب خامنئي، قال وزير الخارجية عباس عراقجي للتلفزيون الرسمي: «سمعنا كلاماً (عن رسالة)، لكننا لم نتلق شيئاً حتى الآن».

وصرح عراقجي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، أن بلاده لن تفاوض الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي ما دامت استمرت سياسة «الضغوط القصوى» التي ينتهجها الرئيس ترمب. وأوضح أن إيران تواصل التفاوض مع أطراف أخرى مثل الدول الأوروبية وروسيا والصين بشأن الاتفاق النووي.

واشنطن: خيار التفاوض أو المواجهة

«عواقب أخرى»

من جانبها، جددت الولايات المتحدة تحذيراتها لطهران، مؤكدةً أن الحلول الدبلوماسية هي الخيار المفضل، لكن في حال استمرت إيران في التصعيد، فإن واشنطن لن تتردد في اتخاذ خطوات حاسمة.

وتعليقاً على رفض خامنئي، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، براين هيوز، قال إن «النظام الإيراني يجب أن يضع مصالح شعبه فوق مصالحه الإقليمية»، وأنه يتعين عليه التفاوض بجدية. وأوضح هيوز أن الرئيس ترمب كان واضحاً في موقفه: إما أن تتفاوض إيران، وإما ستواجه «عواقب أخرى»، بما في ذلك الخيارات العسكرية.

ولم يستبعد الرئيس الأميركي أي خيارات، ملمحاً إلى احتمال اتخاذ إجراءات عسكرية ضد طهران دون أن يشير إلى الرسالة بشكل كبير. وفي حديثه للصحافيين في المكتب البيضاوي، قال ترمب: «لدينا موقف مع إيران، وشيء ما سيحدث قريباً جداً، قريباً جداً».

ترمب يتحدث من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض الجمعة (أ.ف.ب)
ترمب يتحدث من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض الجمعة (أ.ف.ب)

وأشار ترمب إلى أن القدرات النووية الإيرانية وصلت إلى نقطة حرجة، موضحاً أن إيران تملك الآن وقوداً نووياً يكفي لإنتاج نحو 6 أسلحة نووية. وأضاف ترمب أن إيران أمام خيار التفاوض أو المخاطرة بضياع برنامجها النووي في حال اتخاذ إجراءات عسكرية ضدها.

وكان ترمب قد قال لقناة «فوكس بيزنس»، الجمعة، إنه بعث برسالة للإيرانيين «تقول آمل أن تتفاوضوا؛ لأنه إذا كان علينا اللجوء للخيار العسكري، فسيكون الأمر مريعاً جداً لهم (...) لا يمكن أن نسمح لهم بامتلاك سلاح نووي».

تأتي هذه التطورات في وقت تتمسك فيه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بموقفهما الرافض للسماح لإيران بامتلاك سلاح نووي؛ ما يزيد من احتمالات التصعيد العسكري، خصوصاً في ظل استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من تلك المستخدمة في صناعة الأسلحة النووية - وهو مسار تتبعه الدول التي تمتلك ترسانة نووية.

ورغم تأكيد إيران المستمر أن برنامجها النووي مخصص للأغراض «السلمية»، فإن تصاعد التوترات مع واشنطن وتهديدات بعض المسؤولين الإيرانيين بالسعي لامتلاك القنبلة النووية يثير قلقاً دولياً.

ويضع تسارع تخصيب اليورانيوم مزيداً من الضغوط على إدارة ترمب، التي أكدت مراراً استعدادها للتفاوض مع إيران، لكنها في الوقت نفسه شددت العقوبات على مبيعات النفط الإيراني كجزء من استراتيجية «الضغوط القصوى».

وتعوّل طهران على التجارة مع دول الجوار والمنطقة، فضلاً عن الالتفاف على العقوبات النفطية، في تكرار لاستراتيجية «السير على حافة الهاوية» التي تبتعها خلال عهد ترمب الأول، بعدما انسحب من الاتفاق النووي في 2018، وأعاد العقوبات على طهران.

لكن هذه المرة تواجه

تحذر القوى الغربية من أنها ستلجأ لتفعيل آلية «سناب باك» لإعادة العقوبات الدولية على طهران بموجب 6 قرارات أممية تجمدت بموجب القرار 2231 الصادر من مجلس الأمن والذي ينتهي مفعوله في أكتوبر (تشرين المقبل) المقبل.

انقسام إيراني والرأي العام

كتبت صحيفة «كيهان»، السبت، في افتتاحية تحت عنوان «دعوة ترمب للتفاوض أم عملية خداع سخيفة» إن «ترمب ادعى أنه أرسل رسالة للمسؤولين الإيرانيين بشأن التفاوض. تكرار هذه الخطوة في ظل رفض القائد الأعلى للثورة أي مفاوضات مع أمريكا سابقاً، سواء في لقائه مع رئيس وزراء اليابان أو في شهر فبراير (شباط) من هذا العام، يثير الشكوك حول أن هذا الاقتراح ليس سوى خدعة تمهد لتحركات أميركية لاحقة».

وقالت إن «ترمب يكرر دعواته للتفاوض بهدف كسب تأييد الرأي العام الإيراني... هذه الدعوات تهدف إلى تصوير نفسه بمظهر المعقول وضغط الرأي العام الإيراني على المسؤولين لتقديم تنازلات». وقالت إن «تحليل سلوك إدارة ترمب يظهر إنها تعتمد على حسابات خاطئة حول الرأي العام الإيراني، مستفيدة من التيار الموالي للغرب والتيار المدعي للإصلاح داخل هياكل الحكومة».

صورة أرشيفية منشورة في موقع خامنئي من لقائه مع رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي في يونيو 2019
صورة أرشيفية منشورة في موقع خامنئي من لقائه مع رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي في يونيو 2019

وكانت الصحيفة تشير إلى سعي اليابان التوسط بين الولايات المتحدة وإيران لخفض التوترات، وباءت المحاولة بالفشل بعدما رفض خامنئي استلام رسالة خطية من ترمب نقلها رئيس الوزراء الياباني الراحل، شينزو آبي في يونيو (حزيران) 2019. واحتجزت القوات البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» حينذاك، ناقلة نفط يابانية في خليج عمان، بينما كان آبي يلتقي خامنئي في طهران.

وفي أغسطس (آب) الماضي، بدا أن خامنئي يفتح الباب أمام إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة، قائلاً إنه «لا ضرر» في التفاوض مع «العدو». ومع ذلك، فقد شدد مؤخراً على أن المفاوضات مع واشنطن «ليست ذكية، ولا حكيمة، ولا شريفة»، في رد مباشر على تصريحات ترمب حول إمكانية استئناف المحادثات النووية مع طهران.

وانقسم المسؤولون الإيرانيون حيال خيار التفاوض مع ترمب، وسط اعتقاد غربي بتراجع قوة طهران نتيجة انتكاسات لنفوذها الإقليمي، وسخط داخلي متزايد؛ بسبب الاقتصاد. ويؤكد المحللون أن طهران مضطرة للتفاوض مع ترمب، خصوصاً بعد تراجع «محور المقاومة»؛ نتيجة تفكك حلفائها، وسقوط الأسد، وضربات استهدفت «حزب الله» اللبناني.

وأعرب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان والسياسيين الداعمين لهم، عن تأييدهم فتح باب المفاوضات مع واشنطن، لكن الموقف تغير تدريجياً مع زيادة ضغوط التيار المحافظ المتشدد الذي يهيمن على مؤسسات قوية مثل «الحرس الثوري» والقضاء، مدعوماً بمواقف خامنئي.

ويبدو أن بزشكيان قد امتثل لتوجيهات خامنئي الجديدة، حيث قال، الأسبوع الماضي: «كنت أعتقد أن المفاوضات هي الخيار الأفضل، لكن المرشد (خامنئي) أوضح أننا لن نتفاوض مع الولايات المتحدة، وسنمضي قدماً وفقاً لتوجيهاته».

ضربة عسكرية

ومنذ بدء مهامه، أثار ترمب مرات عدة احتمال قيام إسرائيل بقصف إيران، لكنه قال إنه يُفضِّل إبرام صفقة مع إيران تمنعها من تطوير سلاح نووي. وأعاد فرض سياسة «الضغوط القصوى» عبر العقوبات وتضييق الخناق على مبيعات طهران النفطية.

وأجرى الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، تدريبات تحاكي ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، وذلك بالتزامن مع طلعات جوية لقاذفات «بي 52» الأميركية، مع مقاتلات إسرائيلية تدربت على التزود بالوقود جواً.

وحذر عراقجي، الجمعة، من أن الهجوم العسكري على البرنامج النووي الإيراني لن ينجح، مشيراً إلى أن التكنولوجيا النووية محمية بشكل جيد، ومن غير الممكن تدميرها عسكرياً. وأضاف أن أي هجوم ضد إيران سيؤدي إلى رد متناسب، وأن التهديدات الإسرائيلية لا تحمل جدية وأن الهجوم العسكري سيؤدي إلى حرب واسعة النطاق.

مقاتلة إسرائيلية تغادر للمشاركة في الهجوم على إيران في 26 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
مقاتلة إسرائيلية تغادر للمشاركة في الهجوم على إيران في 26 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

وقال عراقجي: «أعتقد أنه إذا حدث هجوم على إيران، فإن هذا الهجوم قد يتحول إلى حريق واسع النطاق في المنطقة؛ ولا يعني أننا سنفعل ذلك»، معرباً عن اعتقاده أنها «رغبة إسرائيل في جر أميركا وتوريط الدول الأخرى في المنطقة في حرب».

والأسبوع الماضي، قال المدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي إن الوقت ينفد أمام الطرق الدبلوماسية لفرض قيود جديدة على أنشطة إيران، مع استمرار طهران في تسريع تخصيب اليورانيوم إلى درجة قريبة من صنع أسلحة.

وعلق ترمب في يناير (كانون الثاني) برامج المساعدات للمفتشين النوويين الدوليين، بما في ذلك المراقبة الإيرانية. ورغم استعادة بعض المساعدات، فقد أثارت الخطوة مثيرة للجدل، شكوكاً بشأن فاعلية جهود مكافحة انتشار الأسلحة النووية، خصوصاً مع تصاعد التوترات مع إيران. كانت البرامج المعلقة ضرورية لتدريب المفتشين وتوفير المعدات لتحليل العينات البيئية؛ ما ساعد على اكتشاف أنشطة نووية سرية في إيران، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».

وحذر الخبراء من أن تعطيل البرامج قد يضعف قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية؛ ما يعقد الجهود لمنعها من تطوير سلاح نووي.