بعد 10 سنوات من المفاوضات، اتفقت الهند وأستراليا أخيراً على إبرام اتفاقية تجارة حرة بينهما، لتضيف البلدان بذلك ركيزة أخرى في الروابط الاستراتيجية المتنامية بالفعل بينهما. ومن المتوقع أن تضاعف اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، حجم التجارية بينهما خلال السنوات الخمس المقبلة، في وقت وافق البرلمان الأسترالي على تعديل «اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي» - التي لطالما مثلت مشكلة ضريبية أمام الشركات الهندية العاملة داخل أستراليا.
فتح الأبواب
من جانبه، قال المدير العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية، آرون تشولا، إن هذه الاتفاقية ستفتح الأبواب أمام خلق فرص عبر مجالات متنوعة مثل التعدين والمعادن والأدوية والرعاية الصحية والتعليم والطاقة النظيفة والنقل والأحجار الكريمة والمجوهرات والسياحة والمنسوجات، ما يوفر حوالي مليون وظيفة في الهند.
وتأمل الهند أن تتمكن الآن من الاستفادة من الموارد المعدنية الهائلة في أستراليا على نحو يمكنها من تقليل الاعتماد على الصين.
هدف التريليونين
ومع تباطؤ نشاط الأسواق التقليدية مثل الولايات المتحدة وأوروبا، تسعى الهند لاستكشاف سبل جديدة لتعزيز التجارة والنمو الذي تقوده الصادرات. وأقرت الحكومة أهدافاً طموحة للتجارة والتصدير -تهدف الهند إلى تحقيق هدف تجاري بقيمة تريليوني دولار بحلول عام 2030، بينما ترغب في تحقيق صادرات سلعية بقيمة 500 مليار دولار بحلول عام 2022/2023- ولإنجاز هذه الأهداف تحتاج إلى استكشاف شركاء تجاريين جدد. وفي الوقت الذي تجنبت الهند الانضمام إلى اتفاقيات تجارة إقليمية، تواصل استكشاف إمكانية عقد اتفاقات ثنائية. وتعتقد الهند أن الاتفاقية الأخيرة ستدمجها كذلك داخل شبكة التجارة وسلاسل التوريد المرتبطة بالاتفاق التجاري الهائل المعروف باسم «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة». تجدر الإشارة هنا إلى أن الهند انسحبت من هذه الشراكة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بسبب الصين.
شراكة شاملة
وتمثل «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» اتفاقاً للتجارة الحرة بين 14 دولة هي: أستراليا ونيوزيلندا وبروناي دار السلام وكمبوديا والصين واليابان ولاوس وسنغافورة وتايلاند وفيتنام وكوريا وماليزيا وميانمار والفلبين. وبالاتفاقية مع أستراليا، تكون الهند قد قطعت شوطا باتفاقات تجارة حرة مع جميع الدول الأعضاء في الشراكة تقريباً، باستثناء الصين ونيوزيلندا.
الاتفاقات الثنائية
من ناحيتهم، أعرب الكثير من الخبراء من مختلف أرجاء العالم عن اعتقادهم بأن التفاوض حول الاتفاقيات التجارية بين مجموعات كبيرة من الدول، أصبح أكثر صعوبة. وتجابه منظمة التجارة العالمية هي الأخرى صعوبات في دفع أعضائها البالغ عددهم 164 عضواً نحو عقد اتفاقيات جديدة. وتسبب الركود والتباطؤ الاقتصادي، واللذان تفاقما جراء جائحة «كوفيد»، في إجبار البلدان على تفضيل الاتفاقات التجارية الثنائية والإقليمية على الأخرى متعددة الأطراف. من جانبه، أعرب ليكا إس. تشاكرابورتي، البروفسور لدى المعهد الوطني للمالية العامة والسياسات، عن ترحيبه باستعداد الهند للانخراط في اتفاقات تجارة حرة، خاصةً بعد انسحابها من «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة». وقال: «عندما تسيطر موجة إجراءات حمائية على الأسواق العالمية، يميل تفضيل الدول نحو الاتفاقيات التجارية الثنائية على الاتفاقيات الإقليمية. وتأتي اتفاقية التجارة الحرة الأخيرة لتغير سمعة الهند كمفاوض بطيء، وتشكل لحظة فارقة للهند على صعيد الاتفاقيات التجارية الثنائية والإقليمية ومتعددة الأطراف. كما تكشف الاتفاقية ثقة الصناعة الهندية في مواجهة المنافسة الأجنبية، علاوة على إبرازها الأهمية التي توليها الهند للصادرات من أجل النمو السريع لتصبح اقتصاداً بقيمة 5 تريليونات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة».
ما هي التجارة الحرة؟
يشير مصطلح اتفاقية التجارة الحرة إلى اتفاق بين دولتين أو أكثر، يهدف إلى إزالة الحواجز التجارية أمام الواردات والصادرات وضمان علاقات تجارية خالية من المتاعب قدر الإمكان. وبموجب اتفاقية التجارة الحرة، تقر البلدان شروطا تجارية تفضيلية، وامتيازات جمركية لبعضها البعض.
وحتى الآن، وقعت الهند بصورة إجمالية 13 اتفاقية تجارة حرة مع شركائها التجاريين مثل اليابان وكوريا الجنوبية ودول منطقة الآسيان وما إلى ذلك. ووقعت الهند ثلاث اتفاقيات تجارة حرة في السنوات الخمس الماضية.
في مطلع هذا العام، أقرت نيودلهي اتفاق تجارة حرة مع الإمارات العربية المتحدة. كما وصلت الهند لمرحلة متقدمة من محادثاتها مع المملكة المتحدة لعقد اتفاقية تجارة حرة معها. جدير بالذكر أن البلدين لم يتمكنا من الالتزام بالموعد النهائي المحدد لعقد الاتفاقية والذي كان مقرراً في أكتوبر (تشرين الأول) بسبب حالة عدم استقرار سياسي وفوضى اقتصادية ووفاة الملكة إليزابيث الثانية. وربما يجري إقرار الاتفاقية بحلول مارس (آذار) 2023، حسبما أفادت مصادر حكومية.
الهند ودول الخليج
إلى جانب ذلك، فإنه اعتباراً من 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، تكون الهند بدأت ومجلس التعاون الخليجي مفاوضات جديدة بشأن اتفاقية التجارة الحرة المخطط لها بين الجانبين، في إطار سعي الجانبين إلى توسيع نطاق التجارة الثنائية في وقت تواجه الأسواق الغربية الرئيسية تباطؤاً في الطلب.
والمثير للاهتمام أن مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي كانت قد ترددت في وقت سابق إزاء عقد اتفاقية تجارة حرة مع الهند، بعد أن بدأت مناقشة هذا الأمر منذ أكثر من عقد. ومع ذلك، اكتسبت المحادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة محتملة زخماً بعد توقيع الهند والإمارات اتفاقية تجارة حرة بينهما.
وكشفت بيانات رسمية أن صادرات الهند إلى دول مجلس التعاون الخليجي قفزت بنسبة 58.3 في المائة في العام المالي الماضي لتصل إلى 43.9 مليار دولار. وشكلوا معاً 10.4 في المائة من إجمالي صادرات البضائع الهندية. ومع ذلك، شكلت الإمارات وحدها ما يقرب من 64 في المائة من إجمالي شحنات الهند إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
وبالمثل، وبفضل اعتمادها على مصادر النفط الخام من هذه المنطقة، بلغت واردات الهند من دول مجلس التعاون الخليجي 85.8 مليار دولار في السنة المالية 2022، بزيادة 85.8 في المائة عن العام السابق.
محادثات أخرى
في الوقت نفسه، تجري الهند محادثات مع دول ومناطق أخرى مثل روسيا وإسرائيل وكندا والاتحاد الجمركي للجنوب الأفريقي وغيرها من أجل إبرام اتفاقات تجارية.
من جانبه، علق وزير التجارة السابق راجيف خير على هذا الأمر بقوله: «تتطلع الدول إلى نظام يمكنها من خلاله توسيع وجودها بالأسواق. في الوقت ذاته، هناك تباطؤ داخل الأسواق التقليدية. وقد حدث تباطؤ في الولايات المتحدة وأوروبا. وعليه، فإن ثمة حاجة إلى التنويع والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الاقتصادات».
ويكمن الهدف الرئيسي من مفاوضات التجارة الحرة في الهند، في تنويع وتوسيع أسواق التصدير. ومن بين العوامل الأخرى التي تأخذها الهند في الاعتبار عند السعي لإقرار اتفاقيات التجارة الحرة، الوصول إلى المواد الخام بتكلفة أرخص، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز القدرة التنافسية وغيرها من الأسباب الجيوسياسية.
وبالإضافة إلى اتفاقيات التجارة الحرة، وقعت الهند كذلك 6 اتفاقيات تجارة تفضيلية. ويتمثل الفرق الرئيسي بين هذين النوعين من الاتفاقيات في أن اتفاقية التجارة الحرة شاملة تغطي قطاعات مختلفة، في الوقت الذي تقتصر اتفاقية التجارة التفضيلية على التجارة في السلع وتسعى فقط إلى إلغاء التعريفة لخلق هامش من التفضيل.
الهند تسعى للوصول باقتصادها إلى 5 تريليونات دولار
وسعت اتفاقات التجارة الحرة بأستراليا وتشرع في محادثاتها مع بلدان الخليج
الهند تسعى للوصول باقتصادها إلى 5 تريليونات دولار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة