«الشويمس» متحف وسط السعودية يحتضن آثار الإنسان قبل التاريخ

تعود إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد

موقع نقوش أثرية بالشويمس
موقع نقوش أثرية بالشويمس
TT

«الشويمس» متحف وسط السعودية يحتضن آثار الإنسان قبل التاريخ

موقع نقوش أثرية بالشويمس
موقع نقوش أثرية بالشويمس

ما إن تصل منطقة الشويمس، (300 كيلومتر إلى الجنوب من حائل، شمال غربي السعودية)، حتى تجد تنوعا سياحيا وأثريا وتاريخيا فريدا من نوعه، تحتضنه تلك المنطقة، التي شهدت أطول معركة في تاريخ العرب والأشد ضراوة، وهي حرب داحس والغبراء، وتعد أحد أكبر متاحف التاريخ الطبيعي المفتوحة في العالم، حيث تتجاوز مساحة المنطقة 50 كيلومترا مربعا، وتضم بين جنباتها نقوشًا ورسومًا منحوتة على الصخور الصلبة، يرجع تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد وهي من الحقبة الثمودية.
وتمثل النقوش على جبال الشويمس أشكالا آدمية ونباتية وحيوانية متنوعة مثل الأبقار والوعول والأسود والغزلان، والبعض منها نقش بحجمه الطبيعي، الأمر الذي يدل على أن إنسان الجزيرة العربية استأنس بعض الحيوانات منذ وقت مبكر، واعتمد على الصيد كثيرا في تأمين قوته.
وتتوزع الرسومات التي تزيد على 5 آلاف نقش صخري قديم بين منطقتي «جبل أم سنمان» و«جبة وراط والمنجور» في الشويمس. منطقة «جبل أم سنمان» التي كانت بحيرة ترك سكانها الكثير من النقوش حول حياتهم، أما «راط والمنجور» فكانا واديين وتظهر النقوش فيهما رسومًا لبشرٍ وحيوانات. كل هذه الرسوم وما تحكيه عن الحياة اليومية للإنسان دعت منظمة اليونيسكو لإدراجها ضمن مواقع التراث العالمي.
وكشف الدكتور علي بن إبراهيم الغبان نائب الرئيس المشرف على برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ورئيس فريق تسجيل مواقع الفنون الصخرية بمنطقة حائل في قائمة التراث العالمي التابعة لليونيسكو: «إن الفنون الصخرية بمنطقة حائل تعد من أهم وأفضل مواقع هذا النوع من التراث على مستوى الشرق الأوسط والعالم».
وأوضح الغبان أن أهمية هذه الرسوم تبرز في شح المعلومات المتعلقة بالإنسان قبل التاريخ، ولذا كانت هذه الرسوم لوحات مصورة لتاريخ الإنسان ونشاطه وتكيفه مع البيئة ومستواه الثقافي في فترة العصر الحجري الحديث.
وبيّن أن تاريخ هذه الفنون الصخرية يعود لأكثر من 10 آلاف سنة وتتميز بتنوع موضوعاتها فهي تصور الحياة اليومية للإنسان في فترة ما قبل التاريخ. وأنواع النشاطات التي مارسها، فهي بمثابة صور ولوحات تركها الإنسان لنشاطه الحضاري، حيث تتضمن النقوش رسوما آدمية وحيوانية، وأنشطة الصيد، والممارسات الدينية، والعادات الاجتماعية. وأكد الدكتور الغبان أن إدراج هذه المواقع في التراث العالمي كرابع موقع سعودي يمثل إنجازا تاريخيا وتراثيا للسعودية.
العمل في تسجيل الموقع استغرق عدة سنوات وبدأ مع بداية إشراف الهيئة على قطاع الآثار، حيث عملت الهيئة على إبراز القيمة التراثية العالمية لهذه الرسوم والفنون الصخرية من خلال فرق محلية ودولية حتى أمكن إثبات ذلك بدراسات وكتب ومقالات علمية، كما جرى العمل على حماية الموقع وتوفير المتطلبات التي اشترطتها منظمة اليونيسكو لتسجيله الموقع، مثل كوادر بشرية، وبنية تحتية، وإنشاء مراكز للزوار، ومسارات الزيارة، ومعالجة التشويه البصري في الموقع. كما وفرت الهيئة أجهزة حديثة لرصد الرطوبة والمؤثرات الطبيعية وأثرها على الرسوم.
تسجيل الموقع يحمل الهيئة وشركاءها والمجتمع المحلي مسؤولية حماية الموقع والمحافظة عليه، كما أنه يمثل فرصة للتنمية في المنطقة وتوفير فرص العمل.
وكشف الغبان أن لجنة التراث العالمي وافقت بالإجماع على تسجيل الموقع، وأشادوا بالقيمة الحضارية والإنسانية للموقع والاهتمام به وتسجيله والتعريف به.
ويوجد حتى الآن في قائمة التراث العالمي أربعة مواقع سعودية هي مدائن صالح، والدرعية التاريخية، وجدة التاريخية، والفنون الصخرية بمنطقة حائل.
وكانت لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو قد اعتمدت في 3 يونيو (حزيران) 2015 في اجتماعها الـ39 ضم مواقع الفنون الصخرية في منطقة حائل للقائمة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».