خطة أوروبية جديدة للحدّ من تدفقات الهجرة عبر المتوسط

هدفها الحد من مغادرة اللاجئين بلدان المنشأ وتسريع إجراءات توزيع طالبي اللجوء في بلدان الاتحاد

TT

خطة أوروبية جديدة للحدّ من تدفقات الهجرة عبر المتوسط

كشفت المفوضية الأوروبية أمس خطة العمل الجديدة لمكافحة تدفقات الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، فيما أفاد آخر البيانات أن عدد المهاجرين الذين سلكوا طريق البحر من السواحل الأفريقية إلى أوروبا منذ مطلع هذا العام زاد بنسبة 50 في المئة عن العام الماضي، وأن عدد الذين قضوا في العبور بلغ 1314، منهم 12 في المئة أطفال دون الخامسة من العمر.
وتأتي هذه المبادرة التي قدّمتها مفوّضة الشؤون الداخلية إيلفا جوهانسن، وتهدف إلى الحد من مغادرة المهاجرين لبلدان المنشأ، وتسريع إجراءات توزيع طالبي اللجوء في بلدان الاتحاد وتعديل الإطار القانوني الذي يحكم نشاط سفن الإنقاذ التي تديرها المنظمات الإنسانية، عشيّة انعقاد المجلس الاستثنائي لوزراء الداخلية بعد غد (الجمعة) في بروكسل، لمعالجة الأزمة التي نشأت عن المواجهة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني، بعد قرار الزعيمة اليمينية المتطرفة إقفال الموانئ الإيطالية في وجه سفينة الإنقاذ «أوشن فايكنغ» التي كانت تحمل على متنها 234 مهاجراً، واضطرارها إلى الرسو في أحد الموانئ الفرنسية.
وحرصت جوهانسن على تحاشي ذكر الرئيس الفرنسي ورئيسة الحكومة الإيطالية خلال عرضها «التدابير العملية» لهذه الخطة التي من المفترض أن تكون مرحلة انتقالية إلى أن يتوافق القادة الأوروبيون في القمة المقبلة حول الميثاق الجديد للهجرة واللجوء الذي ما زال يتعثّر على طاولة المفاوضات منذ طرحه في سبتمبر (أيلول) 2020.
ويشدّد مسؤولون في المفوضية على أن هذه الخطة لا تشكّل أي تنازل أمام المواقف المتطرفة التي اتخذتها الحكومة الإيطالية في الفترة الأخيرة، لكنهم يعترفون بأنها تستهدف تخفيف درجة الحرارة السياسية التي بلغت درجات مرتفعة جداً في الأسابيع المنصرمة، بعد قرار ميلوني توجيه سفينة الإنقاذ نحو السواحل الفرنسية، الأمر الذي وضع باريس أمام الأمر الواقع واضطرارها إلى استقبالها في ميناء قاعدة طولون العسكرية. وردّ ماكرون، بعد أن اتهمته المعارضة اليمينية المتطرفة بالتراجع امام الابتزاز الإيطالي، بقرار الخروج من الاتفاق الأوروبي حول التضامن الإلزامي لتوزيع المهاجرين غير الشرعيين على بلدان الاتحاد، الذي أبرم في يونيو (حزيران) الفائت بعد أشهر من المفاوضات العسيرة.
وفي ردّها على سؤال حول ما إذا كانت هذه الخطة فرضتها المواجهة الإيطالية الفرنسية، اكتفت المفوّضة الأوروبية بالقول: «إن الأحداث الأخيرة بيّنت استحالة استدامة هذا الوضع»، وإن من مصلحة جميع الدول الأعضاء تجاوز هذه المرحلة بأسرع ما يمكن.
لكن أوساط المفوضية تخشى أن تكون هذه المواجهة بداية سلسلة طويلة من الصدامات، نتيجة عزم إيطاليا على تحويل ملف الهجرة إلى أحد ميادين معاركها المعلنة في الاتحاد الأوروبي الذي ستتولّى رئاسته الدورية مطلع العام المقبل. يضاف إلى ذلك أن الحكومة السويدية الجديدة التي يشارك فيها اليمين المتطرف بعد الانتخابات الأخيرة، أعلنت أنها على استعداد للتشدد في سياسة الهجرة.
وقالت جوهانسن إن غالبية المهاجرين غير الشرعيين الذين يسلكون طريق البحر المتوسط، لا تستوفي شروط طلب اللجوء في بلدان الاتحاد، بل هم «مهاجرون اقتصاديون». لكنها أشارت إلى أن هذه الطريق التي تشكّل أحد المداخل الرئيسية للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، هي أيضاً الأشد خطورة.
وتقوم الخطة الأوروبية الجديدة على 3 ركائز؛ الأولى، الاتفاق مع المنظمة البحرية الدولية حول «إطار قانوني واضح ومبادئ توجيهية» لسفن الإغاثة التي تنشط في البحر لإنقاذ المهاجرين. يذكر أنه عندما حاولت إيطاليا منع سفن الإغاثة الأربع من الرسو في موانئها خلال الأزمة الأخيرة، شدّدت المفوضية على أن الدول الأعضاء ملزمة أخلاقياً وقانونياً إنقاذ المهاجرين في عرض البحر، بغض النظر عن الظروف التي أوصلتهم.
وتقول المفوضية الأوروبية إن هذا الموقف لم يطرأ عليه أي تعديل، وإن إنقاذ الأرواح في عرض البحر هو دائماً الواجب الأول، لكنها تعترف بأن «ثمة تحديات كثيرة، والوضع الراهن بالنسبة للسفن الخاصة ينقصه الوضوح، لأن قانون البحار لا يلحظ هذه الحالة». وشدّدت على ضرورة زيادة التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد، ودول العلم الذي ترفعه السفينة، والدول الساحلية وبقية الأطراف الأخرى.
تجدر الإشارة إلى أن صلاحيات المفوضية محدودة جداً في هذا الميدان الذي يقع ضمن صلاحيات الدول الأعضاء التي يطالب بعضها، وفي طليعتهم إيطاليا، بفرض «حصار بحري» أمام البلدان التي تبحر منها زوارق المهاجرين غير الشرعيين، مثل ليبيا، وهو إجراء تعارضه المفوضية وغالبية الدول الأعضاء.
وتقوم الركيزة الثانية للخطة على تعزيز الآلية الطوعية للتضامن التي توافقت عليها 21 دولة مطلع الصيف الماضي، والتزمت المشاركة في توزيع طالبي اللجوء وتحمّل التكاليف الناشئة عن ذلك.
وقالت جوهانسن إن الدول الأعضاء في الاتحاد طرحت 8 آلاف عرض لاستقبال اللاجئين على أراضيها، لكن حتى الآن لم يتجاوز عدد المهاجرين الذين انتقلوا إلى هذه البلدان بضع مئات، ودعت إلى الإسراع في تنفيذ بنود الاتفاق.
أما الركيزة الثالثة، فهي تستهدف الحد من مغادرة المهاجرين بلدان المنشأ، خصوصاً بنغلاديش وتونس ومصر، أو البلدان التي تبحر منها الزوارق، مثل ليبيا وتونس. وتنصّ الخطة على تعزيز قدرات تونس ومصر وليبيا، لضمان مراقبة أفضل للحدود البحرية، ولتنظيم تدفقات الهجرة وقصرها قدر الإمكان على الهجرة التي تحتاج إليها أوروبا، وتحاشي تعريض حياة المهاجرين للخطر بعد أن يدفعوا مبالغ طائلة لمافيات التهريب .


مقالات ذات صلة

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن الدول واستقرارها». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

سجّل الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، حيث وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة، وفق ما أفاد باحثون في مجال الأمن العالمي. وأوردت دراسة لـ«معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش ساهم بتسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً حيث بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعززت أوروبا انفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13 في المائة أكثر مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، في عام طغى عليه الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذه الزيادة هي الأكبر م

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟