معادلة العنف والثقافة في «الأميركي الذي قرأ جلجامش»

حكاية المترجم الخائن والترجمة الخائنة لكن من زاوية سياسية وعسكرية

معادلة العنف والثقافة في «الأميركي الذي قرأ جلجامش»
TT

معادلة العنف والثقافة في «الأميركي الذي قرأ جلجامش»

معادلة العنف والثقافة في «الأميركي الذي قرأ جلجامش»

في رواية أحمد الشويخات «الأميركي الذي قرأ جلجامش» (غلغامش)، الصادرة عن مركز الأدب العربي لعام 2022، تتداخل عدة قضايا وهموم، مثلما تتداخل أصوات الساردين، ويشتبك الغزو الأميركي للعراق بالمقاومة التي تقض مضجع الغزو. يعلن العنوان عن معادلة هي مفارقة في الوقت نفسه تضع عنف الغزو ووحشيته أمام حضارة أرض الرافدين ليأتي التساؤل طبيعياً: من المتحضر هنا؟ الشخصية المحورية في الرواية هو الأميركي ديفيد بوكاشيو الذي نقرأه سارداً تارة ونقرأه مسروداً تارة أخرى، لكنه في الحالين مترجم يتحرك على الجسر الذي تعنيه الترجمة في تاريخ الحضارات وفي علاقة الشعوب بعضها ببعض. القوات الأميركية تحتاج ديفيد لا ليترجم جلجامش، وإنما ليقول لها ماذا يقول العراقيون أثناء ممارسة تلك القوات غزوها وبحثها الذي لا يهدأ عن المقاومة العراقية.
يخبرنا ديفيد في الصفحات الأولى من الرواية أن عائلته تعود، نقلاً عن والدة ديفيد، إلى الكاتب الإيطالي بوكاشيو مؤلف «الديكاميرون»، مجموعة الحكايات التي تعود إلى القرن الرابع عشر والتي تعد من نفائس الأدب الإيطالي والأوروبي عامة. وحين يخبرنا ديفيد، الذي قرأ جلجامش، أن تعلمه للعربية كان مدفوعاً بإعجابه صبياً بقراءته لألف ليلة وليلة، فإن البعد الثقافي للرواية يزداد دون شك، وإن أدى ذلك البعد إلى جنوح السرد أحياناً نحو استطرادات ثقافية قد تفيد القارئ لكنها تشكل تهديداً للبناء الفني للرواية.
مع أن محور الرواية هو الغزو الأميركي للعراقي فإن الرواية تستدعي أيضاً أماكن أخرى تتعلق بديفيد. أميركا، وبالتحديد سان فرنسيسكو بولاية كاليفورنيا، حاضرة بقوة، وكذلك السعودية التي سبق أن عمل فيها والد ديفيد، حين كان موظفاً في «أرامكو»، والتي زار ديفيد نفسه منطقتها الشرقية، حيث تعرف على صديقه رجب سمعان الذي تلوح عليه ملامح للكاتب نفسه، أي أحمد الشويخات، لا سيما في انتمائهما للمنطقة الشرقية من السعودية وفيما لقي كلاهما من العنت حين عبرا في جامعة البلد العربي الذي درسا فيه، دون التصريح باسمه مع أنه واضح، عن آرائهما حول مسائل تمس المقدس.
تعدد الأماكن في الرواية لم يعنِ تواري المكانين الرئيسيين للأحداث: العراق وأميركا، وإذا كان ديفيد بوكاشيو هو الشخصية المركزية في الرواية، فإن سعيه للعودة إلى بلاده بإقناع الجيش الأميركي بالسماح له بذلك ثم عودته في آخر الرواية هو الخيط الناظم الرئيسي فيها. موقعه بوصفه مترجماً يجعله في المنطقة الأكثر حساسية من الناحيتين الثقافية والسياسية، إن جاز التعبير: «كانت الشكوك تحول حول ديفيد بوكاشيو، كشخصية عجيبة، قد تكون على صلة بالأعداء. كان تحت المراقبة وهو لا يدري». قراءته لجلجامش وألف ليلة وليلة، حبه للغة والثقافة العربية جعلت الجنود في المعسكر الأميركي يصنفونه «رجلاً متعاطفاً جداً، بل متساهلاً، مع السكان المحليين أثناء الترجمة». إنها حكاية المترجم الخائن والترجمة الخائنة، لكن من زاوية سياسية وعسكرية في المقام الأول.
تتخذ الشكوك حول ديفيد بعداً واضحاً ودرامياً حين يحدث تفجير لإحدى الدوريات العسكرية الأميركية التي انطلقت لتبحث عن أحد قادة المقاومة العراقية، الرجل الذي تفتتح الرواية بإحدى هجماته وردود الفعل الأميركية على ذلك الهجوم. تلك الهجمات التي تصعد بالسرد إلى توتر درامي تكثف أيضاً التوتر الإنساني والثقافي الناجم عن الغزو. المفاجأة التي تنتظر القارئ ولا يجد تفسيراً مقنعاً لها هي أن كل أفراد الكتيبة الذين قتلوا نتيجة التفجير ماتوا ما عدا ديفيد. هي نجاة عجائبية لا سيما أنها أدت إلى بقاء ديفيد مع المقاومة العراقية (أو الإرهاب، كما يراه الأميركيون) وتحوله كما يقول هو إلى أسير لديهم. إنها تزيد من الشكوك حول انتماء ديفيد ومدى إخلاصه للأميركيين، الأمر الذي يفسر المدة الطويلة التي اقتضاها التحقيق معه. أسرة ديفيد التي تبلغ في البدء عن وفاته تفاجأ هي الأخرى بأنه حي يرزق وتنتظر عودته مجدداً بعد أن تهيأت لمراسم عزائه.
من الجوانب التي تسترعي الانتباه والاهتمام في «الأميركي الذي قرأ جلجامش» والتي تبدو منافسة للمتن السردي، هو الجانب الثقافي المتعلق مرة بالأدب ومرة أخرى بالفنون، إلى جانب الأساطير وحب المعرفة والاحتفاظ بالمكتبات والجامعات وما فيها من تخصصات، وما إلى ذلك. هذا الجانب يبرز لدى ديفيد بوصفه مترجماً مثقفاً كما لدى صديقه رجب سمعان. وإذا كان بعض ذلك يصدر عن الشخصيات نفسها، فإن بعضه الآخر يصدر عن راوٍ عليم، كما يحدث عند تحليل اللوحات. ومن أمثلة ذلك وصف أحد البورتريهات في منزل الأسرة في سان فرنسيسكو: «وفي البورتريه بدا نصف وجه الجد موريللو مشعاً جداً أمام خلفية داكنة على طريقة لوحات الرسام كورفاجيو وهو يستخدم تقنية الكيروسكورو (تضاد النور والظل)، مع لمسات جريئة بالفرشاة على طريقة رامبرانت». هذا الوصف ينم عن معرفة وثيقة بالفن التشكيلي الأوروبي تتضافر مع المعلومات المبثوثة في جنبات الرواية حول الأعمال الأدبية والأساطير التي يصعب تصور صدورها عن كاتب غير مثقف ثقافة واسعة في هذه المجالات.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو إلى أي حد يبرر السرد تلك الاستطرادات، وهل هي مقحمة عليه؟ إن حضور مثل تلك الاستطرادات ليس غريباً على أعمال روائية كثيرة وكلما عظمت ثقافة الكاتب كان إغراء دمجها في السرد أعلى. لكن من الخطأ القول إن الأعمال الروائية التي يقل فيها ذلك التدخل الثقافي التحليلي تنم عن محدودية ثقافة الكاتب. الفرق هو في قدرة الكاتب على توظيف تلك الاستطرادات، بحيث لا تبدو كأنها كذلك، أي أن تكون مقنعة سردياً بدلاً من أن تكون حشواً كما يعبر البلاغيون. الشويخات حريص، كما يتضح، على ألا تبدو تلك الإضافات غير مبررة، فهي إن دخلت في موضع على أنها من راوٍ عليم مباشرة، فإنها في موضع آخر تدخل على لسان شخصية خبير، وإن كان من ينسبها إليه راوياً عليماً أيضاً. ومثال ذلك حين نستمع إلى لورا، زوجة ديفيد، تتحدث عن مأساة فقد زوجها حين ورد خبر وفاته. يتغير الصوت السارد فجأة ليروي ما تشاهده الزوجة وبقية رواد مقهى «النورس الأبيض»: «تدير رأسها إلى رسومات متفرقة لبابلو بيكاسو تغطي الجدران...»، ليتلو ذلك وصف للوحة «الجرنيكا» (ويرد اسم اللوحة بالحروف الأجنبية) مقروناً بوجه ديفيد. هنا يأتي الحديث عن اللوحة التي تعبر عن العنف مناسبة للظرف والحدث، وكذلك الحال مع الإشارة التي تتلو إلى لوحة للرسام الإسباني الآخر «جويا»، لكن هذه المرة ينسب التعليق إلى ناقد فني كان صديقاً لديفيد، وهي ملاحظة دقيقة يصعب صدورها عن غير ذي خبرة بالفن التشكيلي عامة، وباللوحات المشار إليها تحديداً.
عنوان رواية أحمد الشويخات يحيلنا منذ البدء على الثقافة واضعاً إياها في منطقة توازن مع العنف الناجم عن غزو العراق، الثقافة التي يمثل حضورها من خلال ديفيد وأصدقائه، سواء كانت ثقافة الأدب أو الفنون أو الترجمة لوناً من المقاومة لجريمة الغزو وما جر إليه من دمار. هو مشروع سردي طموح وجدير بالاحتفاء والتقدير، والمعادلة التي سعى إليها بين العنف والثقافة لا تتكرر كثيراً على صعوبتها وكثرة مزالقها في العملية السردية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«أنا لبناني»... نادر الأتات يغنّي فوق ركام بيته الذي هدمته الحرب

الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
TT

«أنا لبناني»... نادر الأتات يغنّي فوق ركام بيته الذي هدمته الحرب

الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)

يدخل الفنان نادر الأتات إلى كادر المخرج سام كيّال، يتأمّل ركام مبنىً كان وما عاد، ثم يجلس على كنبة مزّقتها الشظايا ويغنّي... «هون كان بيتنا هون انهدّ حيطنا... هون كانت الدكانة اللي منها اشتري». ليس في المشهد تمثيل ولا في الكلامِ شِعر، بقَدر ما فيهما من واقع حال المغنّي اللبناني الشاب. فهو، كما عدد كبير من اللبنانيين، خسر منزل أهله الذي دُمّر جرّاء القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، وخسر معه جزءاً من ذكريات الطفولة.

لم يتعمّد الأتات أن يروي قصة شخصية من خلال أغنية «أنا لبناني»، التي كتبها ولحّنها فارس إسكندر، وصدرت بالتزامن مع عيد استقلال لبنان في 22 نوفمبر (تشرين الثاني). يقول في حديث مع «الشرق الأوسط» إنه شعرَ بضرورة التعبير عمّا أصاب الوطن من خلال صوته، سلاحه الأقوى.

صحيحٌ أنّ المرحلة غير ملائمة للإصدارات الفنية، والفنانون اللبنانيون جميعُهم احتجبوا عن إصدار أي جديد خلال الحرب، إلا أنّ الأتات شكّل استثناءً بين زملائه. فمنذ مدّة قصيرة، وبالتزامن مع أكثر فصول الحرب احتداماً، أعاد تسجيل بيتَينِ معروفَين للإمام الشافعي:

«ولَرُبَّ نازلةٍ يضيق لها الفتى

ذرعاً وعند الله منها المَخرجُ

ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها

فُرجت وكنتُ أظنّها لا تفرج».

يقول إن تلك المقطوعة الصوتية القصيرة جاءت بمثابة «صلاة ورسالة أمل وسط كل ما يحصل».

قبل أيام، لم يتردّد لحظة في إطلاق جديده، فهو لا يعتبر «أنا لبناني» مشروعاً ترفيهياً بقدر ما يعتبرها مرآةً لمعاناة اللبنانيين، وبَوحاً بما يجول في خاطره.

بعد ضرباتٍ متتالية استهدفت الشارع الذي كان يقطن فيه والداه، تحوّل بيت العائلة إلى مجرّد ذكرى. يروي الأتات كذلك أن الخسارة لم تقتصر على المنزل، إذ إنّ الحرب سرقت شخصاً عزيزاً. «كان حسين سرحان بمثابة يدي اليمنى والمسؤول عن كل الأمور اللوجستية في مكتبي. قضى حسين بغارة إسرائيلية فيما كان نائماً في سريره. هو لا ينتمي إلى أي جهة حزبيّة، وكان مثالاً للطيبة والتفاني».

استمرّ البحث عن سرحان أياماً ليخرج بعدها جثةً من تحت الركام. حلّت الخسارة كصاعقة على الأتات: «لا شيء يعوّض عن شخص كنت أعتمد عليه كثيراً وأحبّه كأخ».

خسر الأتات في الحرب أحد عناصر فريقه الأساسيين حسين سرحان (صور الفنان)

الفنان مواطنٌ كذلك، والجميع سواسية أمام ظلم الحرب ودمارها. من منزله المتاخم لمناطق القصف في بيروت، انتقل الأتات وعائلته شمالاً، ليختبر هو كذلك تجربة النزوح. «فتح لنا أهل مدينة البترون أبوابهم وقلوبهم واستقبلونا بحبّ». لكنّ البالَ لم يهدأ، لا على البيت في العاصمة ولا على دار العائلة في طليا البقاعيّة، لا سيّما أن قسماً كبيراً من البقاع مسيّج بالنيران الإسرائيلية.

لكن الأتات، وعلى غرار الروح الإيجابية التي لطالما بثّها من خلال أغانيه، قرّر أن يتعامل مع الصدمات والخسائر الشخصية «بالتسليم لربّ العالمين، لأننا بالإيمان نستطيع تخطّي أي شيء»، وفق تعبيره. هو تسلّح كذلك بحبه للبنان، «بكل حبّة من ترابه وشبرٍ من أرضه».

الدمار الذي لحق بالمبنى حيث منزل والدَي الأتات في الضاحية الجنوبية لبيروت (صور الفنان)

هذه النقلة من الحزن إلى محاولة الفرح انعكست كذلك على أغنية «أنا لبناني» لحناً وكلاماً. فبعد المطلع المؤثّر بعباراته، ارتأى إسكندر والأتات البناء على لازمة أكثر إيجابيةً: «أنا لبناني وعينيّ شبعانة سلام وسحر وجمال وإبداع وأغاني». يردّ الأتات هذا المزيج من الأسى والتفاؤل إلى «صفة تميّز اللبنانيين وهي أنهم مهما زادت الصعوبات عليهم، يظلّون إيجابيين». يتلاقى وصفُه هذا مع الكلمات التي كتبها فارس إسكندر: «دخلك يا أرزة اضحكي ما بيلبق إلنا البكي... بإيدك بيروت أمسكي صوب شطوط الأمان». يختصر الأتات ما شعر به خلال تسجيل الأغنية بالقول إنه «رغم إيقاع الفرح، فإن الإحساس كان طالعاً من وجعٍ عميق».

منذ أشهر، توقّف الأتات وهو المعروف بأنه نجم الأفراح وحفلات الزفاف والسهرات الصيفيّة، عن المشاركة في أي حفل. أرخت الحرب بظلالها الثقيلة على النشاط الفني كما على المعنويّات، لكن ذلك لا يعني أنّ العمل سيبقى متوقفاً إلى ما لا نهاية. يقول إن «اللبناني أمثولة في الإيجابية والفرح وحُسن الذوق والثقافة، وما مرّ عليه من تدمير وأسى لا يعكس صورته الحقيقية». من هذا المنطلق، يتسلّح الأتات بالأمل ليعود إلى حراكه الإنتاجيّ مع دخول وقف إطلاق النار أيامه الأولى.

يتسلّح الأتات بالأمل ليعود قريباً إلى نشاطه الفني مع إعلان وقف إطلاق النار (صور الفنان)

قيد التحضير حالياً 4 أغنيات تتنوّع ما بين رومانسيّ كلاسيكي وإيقاعيّ راقص. يرجّح الأتات أن تكون في طليعة الإصدارات، تلك التي تحمل بهجةً للناس «لأنّ هذا ما يحتاجونه بعد الحرب».

يعلّق الفنان الشاب آماله على وقف إطلاق النار ليقول: «لا يمكن أن يظلّ العمل متوقفاً إلى الأبد. هذا مصدر رزقنا نحن الفنانين. مثلُنا مثل أصحاب المطاعم، والنجّارين، والأطبّاء، والمدرّسين، وسائر أصحاب المهن... كلّهم يعملون ومن حقنا أن نعمل أيضاً». ويضيف: «من الطبيعي أن نصبر ونتوارى قليلاً خلال فترة الأسى، لكن لا بدّ من عودة».

مستلهماً كلام أغنيته الجديدة «نقفّل عالحرب بـقفل شاب وختيارة وطفل نرجع نبني ونحتفل ونغنّي للبنان»، يصبّ الأتات آماله على أن «يظلّل الأمان والسلام فترة أعياد نهاية السنة»، مضيفاً أن الهدية بالنسبة إليه ستكون إحياء حفل ليلة رأس السنة في بيروت، ليزرع فيها الفرح بين ناسه وأهله كما جرت العادة.