قصائد تتواصل رغم الشعراء «الذين يُبيدون بعضهم بعضاً... بالصمت»

المعتمد بن عباد.. آخر ملوك الطوائف في الأندلس
المعتمد بن عباد.. آخر ملوك الطوائف في الأندلس
TT

قصائد تتواصل رغم الشعراء «الذين يُبيدون بعضهم بعضاً... بالصمت»

المعتمد بن عباد.. آخر ملوك الطوائف في الأندلس
المعتمد بن عباد.. آخر ملوك الطوائف في الأندلس

قبل أيام حين كنتُ مشاركاً في اللقاء الشعري الثالث ضمن فعاليات جامعة المعتمد بن عبّاد، في أصيلة (شمال المغرب)، لفتني قول الشاعر السوري نوري الجراح إن «الشعراء العرب باتوا لا يحب بعضهم أشعار بعض، فالشاعر يخاف من جمال قصيدة يكتبها صديقه!».
كثيراً ما كان الشعر في متخيله العام مرادفاً للحب والسلام والقيم الإنسانية العالية، وهو بهذا المعنى مقترن بالتواصل الإنساني الذي يُتَوقع له أن يبدأ من المبدعين والداعين إليه أولاً. لكن واقع العلاقة بين الشعراء، ليس في هذا الزمن فحسب، بل على امتداد حقب متواترة الأحداث، ينبئ عن حالة التباس مزمنة تشوب ما يربط الشعراء بما يكتبونه، فضلاً عن الروابط التي تجمعهم بعضهم ببعض.
ليس الأمر معقداً على هذا النحو، فالشعراء كثيراً ما اشتبكوا على أساس الرأي أو لتضارب المصالح، وكثيراً ما اختلفوا في رؤاهم الخاصة للشعر والكتابة، لكن الحال الآني لعلاقات الشعراء الملتبسة يبدو أقرب للّامعنى بتعبير حداثي حاسم. لنا أن نسأل عن السبب، لماذا لا يحب الشعراء بعضهم بعضاً إلا قليلاً؟ أو فلنقل بجرأة تناسب السياق؛ لماذا قد يكره بعضهم بعضاً؟ ولماذا لا يحتفلون بما يجمعهم من أواصر الفن؟ أليس الشعر طاقة للمحبة وقودها الجمال؟ فكيف إذن يمكن لاثنين أن يختصما في الجمال؟!
«إن الشعراء يُبيدون بعضهم بعضاً بالصمت». هكذا وصف الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار حال كثير من الشعراء، فالشاعر منهم يدرك أن تجربة الآخر مهمة، لكنه يتفادى أن يعبر له عن إعجابه، في حالات نادرة يثني شاعر عربي على صديقه بعد قراءته في أمسية، وفي الغالب الأعمّ نرى جدلاً حاداً في الحوارات الجانبية، ونلمس أكثر من قطيعة في اللقاء الواحد، إلى هذا الحد وصل الأمر بالشعراء، وهو ما يعني خروج الكاتب في هذه الحالة من صفة المبدع الفنان إلى مجرد مزاول للغة يصنع قصيدته كي يتفوق بها ويتوهج هو، لا هي، لذا، فهو يخاف طبعاً ممن يسرقون سطوة بريقه ويحجبون عنه الضوء بقصائدهم التي قد تبدو بالنسبة إليه أعلى قيمة وأكثر تأثيراً. هذا الخصام الصامت يعيد إلى الواجهة سؤالاً قديماً جديداً عن معنى التنافس في الإبداع، وفي الشعر الذي شكّل عبر التاريخ أساس الثقافة الإبداعية عند العرب. هل يمكن للشعراء أن يُخلصوا للجمال في أشعارهم، وهم مشغولون، بل مهمومون بجمال قصائد نظرائهم؟ وهل يتنافس الشعراء في شيء هش وهلامي الكينونة هو الشعر... رغبة في إدراكه أم سعياً للاستحواذ عليه، وربما احتكاره؟ لماذا لا يصبح الشعر قصيدة واحدة يكتبها كل شاعر من جانبه، فتصبح اللغة الشعرية من هذا المنطلق سماءً تتخلّلها نوافذُ الرؤى التي منها يطلُّ المبدعون على مجازاتهم؟!
إن أساس المشكل يكمن فيما يختزنه التراث من معانٍ نفسية تقليدية للكتابة الشعرية تختصم فيها الذائقة مع الحضور لمصلحة الصراع، لا الجمال! فالشعر لا يبدو شيئاً آخر سوى الادّعاء بإيقاع ولغة يميزها الحس طوعاً أو كُرهاً، وهو سواء أكان تجربة إنسانية عميقة أم محض تداعيات لتجارب ذهنية يطغى عليها التكلف، يبقى أقرب إلى الاشتباك الهادئ مع الآخر، رغبة في التفوق عليه، وربما طمس وجوده تماماً. ينمو هذا الإحساس المفرط بالذات الشعرية ويتبلور في منظور الكاتب نفسه على شكل نرجسية فجة غير مستندة على إطار فني مقنع، لكنها تحجب عن صاحبها أصوات الآخر ومساهمته الإنسانية في النص المشترك، أي نص القصيدة التي يكتبها الكل بأصابع منفردة هنا وهناك. إن الشاعر في فلكه الموهوم مشغول جداً بنفسه التي تكتب كي تتوهج ويسمع صوتها الآخر، ويكرسها الذوق الخاص والعام، وهي بهذا المسلك الضيق، تصبح عاجزة عن قراءة الشعر قراءة هامسة تتوخى الوصول إليه، وهي عاجزة أيضاً عن الإنصات للقصيدة شعراً وفناً، فهي مكتفية بأصواتها الداخلية الطاغية، وقد فقدت تماماً حاسة الاستمتاع بالشعر حالة إنسانية عميقة.
قديماً ساد نقاش حاد حول ثنائيات الكتابة والممارسة، فالشعر يُكتب بعد أن يعاش، والأقرب للصواب – تقديراً - أن الشعر يوجد في سياقات كثيرة، فهو الحاضر دوماً في الطبيعة والإنسان والحب، لكن اللغة تستضيفه كائناً زئبقياً هشّاً داخل وطن خاص هو القصيدة، إنها تقبض عليه بيُسر وتحتفي به في الإيقاع وتمجده بالإنشاد والقراءة الهامسة. أما الممارسة فهي تبتعد عن هذا المعنى كثيراً لتصبح رهينة المزاولة الوظيفية، إنها امتهان بكيفية ما لحرفة تجمع بين أدوات اللغة والاستعراض المسرحي، وقد تتجاوز ذلك إلى عالم العلاقات العامة، تكريساً لرغبة الشاعر المزاول أو الممارس في الحضور والوجود والبقاء داخل دائرة الضوء، دون أن يعني ذلك بالضرورة أنه يسعى للاستمتاع بالشعر كتابة أو مشاركة.
وبالعودة إلى العلاقة بين الشعراء، وما يجمعهم في الواقع، وبصرف النظر عن اختلاف الرؤى حول قضايا السياسة والدين وترسبات مرحلة الآيديولوجيا وما بعدها، لا يبدو أن الأمر عند الشعراء العرب المعاصرين أكبر من حاجز نفسي يفصل الشاعر عن شقيقه الشاعر. إنه حاجز بعوائق كثيرة، عائق زمني يباعد بين الأجيال، ويجعل التواصل بينهم مفقوداً، فسلفيّة الشعر تشبه ثنائية الشيخ والمريد، وفي أفضل الأحوال التلميذ النجيب وأستاذه، وهناك عائق آخر جوهري، تجسده المظلومية مفهوماً نفسياً واجتماعياً، قلّ أن ينجو منه شاعر عربي معاصر، إضافة إلى حدود الأشكال التي صنعتها أهواء الشعراء، ثم ما لبثت أن تحولت بعد ذلك إلى عقائد يعوض بها الأنصارُ، فراغاً في الروح، وآخر في اللغة.
إن الشعر العربي في صفحاته الحديثة أصبح بحكم الواقع أكثر نخبوية وأقل اتصالاً بالصّخب، وهذا ما خدم باطن النصّ لمصلحة رؤى ثقافية جديدة طارئة على الشعر، أبرزها الفلسفة التي ملأت بأسئلتها الدرامية فراغاً تركه الخطاب السياسي في عدد كبير من قصائد القرن العشرين! اليوم أصبح للشعر حواريّوه الأوفياء ممن أخلصوا بصمتٍ لإعجاز الشعر واعترفوا له بقدراتٍ خلّاقة على استشعار الحالة الكونية للعالم والإنسانية بكثير من الصدق والتأنّي... يقودنا هذا كله إلى إدراك نقطة فارقة، هي أن حدود الشعراء النفسية لم يعد بوسعها أن تمنع التواصل الإنساني للقصائد، ذلك أن الجماهيرية لم تعد مكسباً ولا مطمحاً مجدياً، بل لم تعد أمراً ممكناً أيضاً.
نرى اليوم، كما استشعرتُ ذلك شخصياً في اللقاء الشعري الثالث بموسم أصيلة قبل أيام، كيف تتواصل القصائد رغم القطائع التي يمكن أن تحاصر الشعراء، إنها قصائد تجسد بعمق حالة الاغتراب العميقة التي يعيشها الإنسان المعاصر وهو يحتفل برمزيات كلاسيكية كالمنفى والوطن المفقود والرغبة في العودة إلى ما رسمه المتخيل الخاص من قيم وطبيعة وإنسان داخل هذا الوطن... وانسجاماً مع هذا المناخ الشعري الخصب في قصائد فاضل السلطاني وجميلة الماجري وغيرهما، ارتفع منسوب الإنسانية عالياً في لغة شوقي بزيع، وهو ينتصر بحزنه لأصوات الغياب، غياب الشعراء ورحيلهم أجساداً... تخلُد بعدها الأفكار في ملكوتٍ أبدي من الشعر والأسئلة.

- شاعر وكاتب من المغرب


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.


تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
TT

تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)

أدّى تسرب مياه الشهر الماضي إلى إتلاف مئات الكتب في قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ما يسلط الضوء على الحالة المتدهورة للمتحف الأكثر زيارة في العالم، بعد أسابيع فقط من عملية سطو جريئة لسرقة مجوهرات كشفت عن ثغرات أمنية.

وذكر موقع «لا تريبين دو لار» المتخصص في الفن التاريخي والتراث الغربي أن نحو 400 من الكتب النادرة لحقت بها أضرار ملقياً باللوم على سوء حالة الأنابيب. وأضاف أن الإدارة سعت منذ فترة طويلة للحصول على تمويل لحماية المجموعة من مثل هذه المخاطر، لكن دون جدوى.

وقال نائب مدير متحف اللوفر، فرانسيس شتاينبوك، لقناة «بي إف إم» التلفزيونية، اليوم (الأحد)، إن تسرب أنابيب المياه يتعلق بإحدى الغرف الثلاث في مكتبة قسم الآثار المصرية.

وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»: «حددنا ما بين 300 و400 عمل، والحصر مستمر»، وتابع أن الكتب المفقودة هي «تلك التي اطلع عليها علماء المصريات، لكن ليست الكتب القيمة».

وأقرّ بأن المشكلة معروفة منذ سنوات، وقال إن الإصلاحات كان من المزمع إجراؤها في سبتمبر (أيلول) 2026.

وسرق 4 لصوص في وضح النهار مجوهرات بقيمة 102 مليون دولار في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، ما كشف عن ثغرات أمنية واسعة في المتحف.

وأدّت الثغرات الهيكلية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إغلاق جزئي لقاعة عرض، تضم مزهريات يونانية ومكاتب.