صعود «الطب الحاسوبي»

ثورة البيانات تنقل الأبحاث نحو مرحلة التحليلات المتعمقة

صعود «الطب الحاسوبي»
TT

صعود «الطب الحاسوبي»

صعود «الطب الحاسوبي»


تجد فِرق الأبحاث الطبية نفسها اليوم في خضم ثورة «البيانات الضخمة».
ماذا يعني هذا؟
- أفكار وتجارب بسيطة
حتى العشرين عاماً الماضية، تضمنت معظم عمليات إعادة البحث المخبرية أفكاراً بسيطة يمكن اختبارها من خلال تجارب بسيطة. على سبيل المثال، قبل 70 عاماً اكتشف عالم الكيمياء الحيوية لينوس بولينغ سبب داء الخلايا المنجلية. في هذا المرض، تؤدي خلايا الدم الحمراء المشوهة إلى انسداد الأوعية الدموية الصغيرة؛ ما يؤدي إلى إصابة الأطفال والشباب بنوبات متكررة من الألم الشديد، وحتى السكتات الدماغية والنوبات القلبية.
وراهن بولينغ على أن الأطفال قد ورثوا عيباً خلقياً في بروتين معين، الغلوبين globin، تتسبب في تشوه البروتين، ثم خلايا الدم الحمراء. وأدت هذه الفكرة البسيطة إلى تجربة بسيطة. فقد وضع بولينغ الغلوبين من الأشخاص المصابين بالمرض ومن آخرين لا يعانون منه في مادة هلامية، ثم قام بتشغيل تيار كهربائي تسبب في تحرك الغلوبين عبر الهلام. اللافت أن الغلوبين المصاب تحرك بشكل مختلف عن الغلوبين الصحي. وبمقدور أي شخص أن يرى الفرق بمجرد النظر إلى المحيط الهلامي. لم تكن ثمة حاجة إلى محاولة طرح تحليل معقد.
لبضع سنوات، بدا من الممكن أن تكون معظم الأمراض ناتجة من خلل في بروتين معين أو نوع آخر من الجزيئات. إذا كان الأمر كذلك، فربما يتبع ذلك إيجاد علاجات بسيطة. بيد أنه للأسف الشديد، أصبح واضحاً بحلول سبعينات القرن الماضي أنه توجد داخل كل خلية آلاف الجزيئات من أنواع مختلفة، بما في ذلك بروتينات وأحماض نووية، وأن سبب معظم الأمراض ينطوي على تفاعل العديد من هذه الجزيئات المختلفة. ويعني ذلك أنه في معظم الأمراض، يتعين على المرء تحليل آلاف الجزيئات لمعرفة مكمن الخطأ. إلا أن مثل هذه التحليلات لم تكن ممكنة في السبعينات؛ وبالتالي لم يتمكن العلماء من تحديد الجزيئات غير الطبيعية، ولم يكن باستطاعتهم سوى مجرد التخمين، مثلما فعل لينوس بولينغ في حينه. وجاءت التخمينات في الغالب خاطئة ... ذكية، لكنها خاطئة.
- الطب الحاسوبي
لحسن الحظ، فإن الجهد المبذول لتحديد كل جين من جيناتنا البالغ عددها قرابة 20.000 لم يحقق هذا الإنجاز الرائع فحسب، بل أسهم كذلك في تطوير تقنيات تحلل في وقت واحد آلاف الجزيئات من أنواع مختلفة. حتى قبل 30 عاماً من الآن، كان بمقدور القليل من العلماء تصور إمكانية تحقيق ذلك في حياتهم.
ومع ذلك، فإنه على عكس تجربة بولينغ، تتطلب هذه التجارب التي تضم آلاف الجزيئات تحليلاً بالغ التعقيد؛ إذ إنها تقوم على تقنيات رياضية جديدة لفهم الآلاف من الأرقام (البيانات الضخمة) التي يجري إنشاؤها مع كل تجربة.
وهنا، ظهر حقل علمي جديد تماماً حمل اسم «الطب الحاسوبي» computational medicine. وفي كلية الطب بجامعة هارفارد، استحدثنا قسماً كبيراً مخصصاً لتطوير تقنيات الطب الحاسوبي وتدريب العلماء الشباب على استخدامها وتدريسها.
وتمخض العالم الجديد من «البيانات الضخمة» في الأبحاث الطبية الحيوية، تغييراً آخر كذلك. فاليوم، لم نعد في حاجة إلى فكرة رائعة لتطوير العلم؛ ذلك أنه لدينا الآن الأدوات اللازمة لمقارنة أنسجة من أشخاص مصابين وغير مصابين بمرض ما، وتحديد أي الجزيئات تختلف عن الأخرى. اليوم، لم يعد من الضروري تخمين ما قد يكون مختلفاً. الآن، يمكننا فقط ترك الطبيعة تتحدث عن نفسها.
- رئيس تحرير «رسالة هارفارد الصحية» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

«فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

عالم الاعمال «فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

«فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

اختتمت مجموعة «فقيه» للرعاية الصحية، الأربعاء، أعمال مؤتمرها السنوي الثالث، الذي عقد بمشاركة نخبة من الخبراء السعوديين والدوليين المتخصصين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك النوم خلال اليوم قد يشير إلى أنك معرّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف (أرشيفية - رويترز)

النوم خلال اليوم قد يشير إلى ارتفاع خطر إصابتك بالخرف

إذا وجدت نفسك تشعر بالنعاس خلال اليوم، أثناء أداء أنشطتك اليومية، فقد يشير ذلك إلى أنك معرَّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف، وفقاً لدراسة جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق جانب من «مؤتمر الطبّ التجميلي» الذي استضافته الرياض (الشرق الأوسط)

جراحات التجميل للرجال في السعودية... إقبالٌ لافت لغايات صحّية

احتلّت السعودية عام 2023 المركز الثاني عربياً في عدد اختصاصيي التجميل، والـ29 عالمياً، في حين بلغ حجم قطاع الطبّ التجميلي فيها أكثر من 5 مليارات دولار.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
صحتك بعض الأطعمة يسهم في تسريع عملية الشيخوخة (رويترز)

أطعمة تسرع عملية الشيخوخة... تعرف عليها

أكدت دراسة جديدة أن هناك بعض الأطعمة التي تسهم في تسريع عملية الشيخوخة لدى الأشخاص بشكل ملحوظ، داعية إلى تجنبها تماماً.

«الشرق الأوسط» (روما)
الخليج النسخة السابقة من القمة شهدت توقيع 11 اتفاقية تعاون مع جهات عالمية (وزارة الحرس الوطني)

انطلاق «قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية» الثلاثاء

يرعى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان النسخة الثالثة من «قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية» التي تنطلق أعمالها يوم الثلاثاء المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

عوامل مؤثرة في صحة ميكروبات الأمعاء

عوامل مؤثرة في صحة ميكروبات الأمعاء
TT

عوامل مؤثرة في صحة ميكروبات الأمعاء

عوامل مؤثرة في صحة ميكروبات الأمعاء

كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة البيئة العالمية Environment International في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي لباحثين من فنلندا، عن تأثير عوامل الحياة المختلفة في تكوين البكتيريا المعوية المفيدة gut microflora أثناء فترة الطفولة المبكرة. وشملت هذه العوامل طريقة الولادة، والبيئة التي ينشأ فيها الطفل، ووجود أشقاء من عدمه، والتطعيمات المختلفة والمضادات الحيوية، وطريقة التغذية، وأيضاً عدد المساحات الخضراء المحيطة بالسكن.

ميكروبات الأمعاء

حدَّد الباحثون ثلاثة أهداف رئيسية للبحث الأول: معرفة إلى أي مدى يبلغ نضج ميكروبات الأمعاء أثناء مرحلة الرضاعة. والثاني: معرفة تأثير البيئة على تغيير مجتمع البكتيريا في الأمعاء في الرضاعة المبكرة والمتأخرة. والثالث: معرفة إلى أي مدى يوجد ارتباط بين مقاييس المساحات الخضراء السكنية وصحة ميكروبات أمعاء الرضع؛ لكي تكون نتائج الدراسة ملمة بكل الجوانب.

راجع الباحثون بيانات من دراسات طولية أُجريت في فنلندا لرصد خطوات النمو الصحي للأطفال (STEPS) من جوانب عدة. وضمت هذه الدراسات أمهات فنلنديات وسويديات ولدن أطفالهن بين عامي 2008 و2010 في مستشفى فنلندي معين (مستشفى جنوب غرب فنلنداHospital District of Southwest Finland).

كما شملت الدراسات أيضاً مجموعة فرعية من الرضع مشتقة من المجموعة الأصلية تمت متابعتهم بشكل دقيق جداً. وتم تقسيم الرضع المشاركين إلى مجموعات فرعية حسب فترات الرضاعة. وشملت المجموعة الأولى الرضاعة المبكرة التي تتراوح بين (0.5 و5 أشهر) والرضاعة المتأخرة التي تتراوح بين (11 و17 شهراً).

تضمنت البيانات كل ما يخص الرضع وأسرهم مثل حالة الأسرة الاجتماعية والاقتصادية والتركيبة السكانية للمنطقة التي تعيش فيها الأسرة (وجود أعراق عدة) بجانب السجلات الطبية والتاريخ المرضي للآباء وبشكل خاص الأمهات. وأيضاً تم جمع 1823 عينة براز من الرضع لتوصيف ميكروبات الأمعاء حسب تسلسلها وتم استخدام طرق حديثة في تحليل البراز لاستخراج الحمض النووي (دي إن إيه) لعائلات البكتيريا النافعة.

كما كانت هناك أيضاً بيانات إضافية عن جميع الظروف المحيطة بولادة الطفل، بداية من فترة الحمل وحتى انتهاء فترة الرضاعة من خلال البيانات الرسمية بجانب إجابة الآباء عن أسئلة عدة، مثل: هل تمت ولادة الطفل في الموعد المحدد لولادته؟ وهل كانت هناك مشاكل معينة في الحمل؟ وما هي الطريقة التي تمت بها الولادة... طبيعية أم قيصرية؟ وهل تم حجز الطفل في الحضانة بعد ولادته؟ ما هو وزن الطفل عند الولادة؟ طريقة الرضاعة وهل كانت طبيعية؟ في حالة استخدام اللبن الصناعي، ما هو نوع اللبن وهل كانت هناك حساسية من نوع معين؟ هل تناول الرضيع أي أدوية في مرحلة الرضاعة المبكرة؟ هل تناول الرضيع مضاداً حيوياً في الرضاعة المبكرة أو المتأخرة؟

وتم استخدام بيانات مركز تسجيل السكان في فنلندا لمعرفة الظروف البيئية لمسكن كل أسرة، بالإضافة إلى البيانات الخاصة بالمعلومات الجغرافية للمكان. وتقيم هذه المعلومات نسبة الغطاء النباتي السكني لكل أسرة مقارنة بعدد السكان ومساحة الأرض الكلية، وأيضاً معلومات عن المساحات الخضراء في منطقة الجوار لأسرة كل رضيع والأماكن المفتوحة المحيطة بمكان السكن.

عوامل تشكيل الميكروبات

وأظهرت التحليلات التي تناولت العوامل المؤثرة على تكوين أمعاء الرضع أن العمر هو العامل الرئيسي في تشكيل الميكروبات المعوية. وفي مرحلة الرضاعة المبكرة من عمر الطفل هناك نوع معين من البكتيريا Actinobacteriota يكون هو السائد بنسبة (54 في المائة)، أما في مرحلة الرضاعة المتأخرة فيسود نوع آخر من البكتيريا؛ ما يسلط الضوء على أن عامل العمر فقط كان مسؤولاً عن نحو 9 في المائة من تنوع واختلاف أنواع البكتيريا.

وقال الباحثون إن الدراسات السابقة تعاملت مع الفئة العمرية من عمر يوم وحتى ثلاث سنوات على أنها فئة عمرية واحدة. لكن حسب الدراسة الحالية، هناك فرق واضح بين الرضاعة المبكرة حتى عمر 5 أشهر والرضاعة المتأخرة حتى عمر عام ونصف العام. ولذلك؛ تجب على الأبحاث المستقبلية مراعاة الفئات العمرية في نماذج الدراسة التي تركز على الرضع.

أظهرت النتائج أن تجمعات الميكروبات المعوية لدى الرضع ارتبطت بشكل كبير بطريقة الولادة ووجود أشقاء وعمر الأم. وفي المقابل، كانت العوامل الأقل ارتباطاً بتنوع ميكروبات الأمعاء هي: دخل الأسرة والرضاعة الطبيعية وتعرُّض الأم للمضادات الحيوية في فترة ما قبل الولادة مباشرة بجانب الوقت الذي يقضيه الطفل في الهواء الطلق.

في مرحلة الرضاعة المبكرة كانت طريقة الولادة (سواء قيصرية أو طبيعية) مسؤولة عن 0.5 في المائة من التنوع في مجتمع ميكروبات الأمعاء وانخفضت تدريجياً إلى 0.3 في المائة فقط في مرحلة الرضاعة المتأخرة. واللافت للنظر أن عامل وجود الأشقاء أصبح أكثر أهمية من أي عامل آخر مع الوقت، حيث تزايدت نسبة تنوع الميكروبات المعوية من 0.5 في المائة فقط في مرحلة الرضاعة المبكرة إلى 0.7 في المائة في الرضاعة المتأخرة. وبشكل عام ارتبط وجود الأشقاء بزيادة اختلاف ميكروبات الأمعاء (ظاهرة صحية) في كلتا الفئتين العمريتين.

ولعبت المساحات الخضراء دوراً مهماً في تباين الميكروبات المعوية في مرحلة الرضاعة المتأخرة، بينما لعبت دوراً أقل أهمية في الفئة العمرية الأصغر، وربما يكون ذلك بسبب بقاء الرضع في المنازل المغلقة معظم الوقت في المراحل الأولى من الحياة بسبب الخوف عليهم نظراً لضعف مناعتهم ما يوضح الأهمية الكبيرة للتواجد بجوار المساحات الخضراء ليس على الجهاز التنفسي فقط، لكن أيضاً على أجهزة الجسم الداخلية ومنها ميكروبات الأمعاء.

* استشاري طب الأطفال