تكريم المخرج الأميركي جيمس غراي في ثاني أيام مهرجان مراكش للفيلم الدولي

جيمس غراي يتسلم «النجمة الذهبية» من ماريون كوتيار
جيمس غراي يتسلم «النجمة الذهبية» من ماريون كوتيار
TT

تكريم المخرج الأميركي جيمس غراي في ثاني أيام مهرجان مراكش للفيلم الدولي

جيمس غراي يتسلم «النجمة الذهبية» من ماريون كوتيار
جيمس غراي يتسلم «النجمة الذهبية» من ماريون كوتيار

جاء اليوم الثاني (السبت) من فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ19 حافلا بالفقرات الفنية والأنشطة الموازية، التي استعادت بها التظاهرة نشاطها مجددا، بعد سنتين من التوقف الاضطراري، بفعل تفشي وباء «كورونا».
وترأس الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان، حفل عشاء أقامه الملك محمد السادس، بمناسبة الافتتاح الرسمي لهذه التظاهرة السينمائية التي كانت فعالياتها قد انطلقت الجمعة، بقصر المؤتمرات، بحضور شخصيات مرموقة من عوالم الفن والسينما والثقافة.
كما كان الموعد مع حفل تكريم المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الأميركي جيمس غراي، الذي تسلم «النجمة الذهبية» من يدي الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار، التي سبق أن أدت دور البطولة في فيلمه الرابع «المهاجر»، سنة 2013.
وشكر غراي ملك المغرب محمد السادس والأمير مولاي رشيد، وكذا إدارة المهرجان، على منحه «النجمة الذهبية»، معربا عن سعادته بالحضور إلى مراكش، التي قال إنها تحتل مكانة خاصة في قلبه، كما تثير إعجاب أفراد عائلته، مستحضرا مشاركته في دورة 2018 التي ترأس خلالها لجنة التحكيم، مشيدا بمستوى الإنتاجات السينمائية التي تعرض بهذا المحفل الفني الكبير.

الأمير مولاي رشيد والممثل الهندي رانفير سينغ وفي الصورة ميليتا توسكان دو بلونتيي

كما عبر غراي عن سعادته بتقديم فيلمه «زمن هرمغدون» للجمهور المغربي؛ وهو الفيلم الذي قال عنه إنه فيلم شخصي للغاية، لا يعكس جوانب معينة من طفولته فحسب، بل يتطلع أيضا إلى المستقبل، ويقدم صورة عن بعض المشاكل والوقائع الجائرة التي ما زالت حاضرة في عالم اليوم.
وكان غراي قد خاطب إدارة المهرجان، قبيل وصوله إلى مراكش، قائلا: «أشكركم لأنكم شعرتم بهذه الموضوعات التي أتطرق لمعظمها في جميع أفلامي. شكرا لكم على هذا التكريم الرائع».
وإذا كان غراي واحدا من المخرجين الأميركيين الذين حققوا النجاح في عقد التسعينات إلى جانب كوينتين تارانتينو وبول توماس أندرسون وديفيد فينشر وويس أندرسون، فإنه يبقى من دون شك أكثر من لا يعرفه عامة الناس من بينهم، لكنه، في مقابل ذلك، أكثر من يحظى بتقدير عشاق السينما من بين باقي زملائه من المخرجين. ربما لأن أفلامه، بنقائها السردي وهوسها المزدوج بالعائلة والطبقة الاجتماعية، وبطريقة عرضها للمشاعر الإنسانية في شكلها الخام من دون أي قيود، تبدو وكأنها شيء من مفارقة تاريخية، كما لو أنها عودة لبزوغ العصر الذهبي لسينما هوليوود من جديد في فترة يتم فيها تعريف معظم الأفلام الأميركية بالرجوع إلى ثقافة البوب الشعبية وحركة ما بعد الحداثة التي كانت رائجة في تلك الفترة.
وتتميز سينما غراي بأنها عصرية وشخصية إلى حد كبير، فهي تحمل بصمة كلاسيكية مستوحاة من المخرجين الأوروبيين الكبار من حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لا سيما السينمائيين الإيطاليين أمثال فيديريكو فيليني ولوتشينو فيسكونتي وفيتوريو دي سيكا، والأفلام الملحمية التي أنجزها فرنسيس فورد كوبولا في عقد السبعينات، إذ إن قصص غراي حميمية وشاملة، من النادر أن نجدها تبتعد عن موطنه الأصلي نيويورك، حيث صور ستة من أحدث أفلامه الطويلة الثمانية. وكمثل أبطاله وبطلاته الذين يسعون جاهدين من أجل حياة أفضل في مدينة غالبا ما تدينهم منذ البداية، تبدو أفلام غراي كأنها مقيدة بنفس الموضوع – كما لو كان ذلك هو قدرها – مهما كانت جهودك، لا يمكنك أن تتخلص من أصولك. وبالنسبة للناقد جوردان مينتزر، فغراي كلما كانت أفلامه تشبه رؤيته الشخصية العميقة للفن وللسينما كطريقة للوصول إلى حقائق عاطفية عميقة، فإنها تحدثت بشكل مباشر إلى كل واحد منا.
وبرمج مهرجان مراكش لغراي، بمناسبة تكريمه، أربعة من أفلامه: «نحن نملك الليل»، و«عاشقان»، فضلا عن «زمن هرمغدون» و«إلى النجوم»، اللذين عرضا في ليلة تكريمه، بقاعة الوزراء التابعة لقصر المؤتمرات وبساحة جامع الفنا.
ويحكي فيلم «إلى النجوم»، وهو من بطولة براد بيت وتومي لي جونز وروت نيجا، قصة رائد الفضاء روي ماكبريد، الذي يخوض مغامرة بلوغ أبعد مدى في النظام الشمسي بحثا عن والده المفقود، وكذا لأجل حل لغز يهدد بقاء كوكب الأرض. وخلال رحلته، سيواجه ماكبريد حقائق تشكك في طبيعة الوجود البشري، وفي مكانة الإنسان في الكون. فيما يتناول فيلم «زمن هرمغدون»، الذي يؤدي فيه دور البطولة آن هاتهاواي وجيريمي سترونج وبانكس ريبيا وأونتوني هوبكنز، حكاية شخصية للغاية عن انتقال فتى من حي كوينز لمرحلة البلوغ خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، عن قوة العائلة، وعن سعي الأجيال المتعاقبة خلف الحلم الأميركي.
وفضلا عن غراي، والممثل الهندي الذي تم تكريمه في حفل افتتاح الدورة، ينتظر أن يكرم المهرجان، يومي الأربعاء والسبت المقبلين، كلا من المخرجة المغربية فريدة بنليزيد والممثلة الاسكوتلندية تيلدا سوينتون.
وعلى مستوى باقي فقرات المهرجان، دخلت الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية سباق المنافسة، بعرض فيلمي «الثلج والدب» لمخرجته التركية سيلسين إيرغون، و«أشكال» لمخرجه التونسي يوسف الشابي.
ويحكي «الثلج والدب» قصة شابة في مقتبل العمر تم تعيينها حديثا ممرضة في بلدة صغيرة يجتاحها فصل شتاء قاس ويبدو بلا نهاية، جعلها معزولة بالكامل عن العالم، وتجد نفسها في صراع من أجل فرض نفسها في مجتمع تسوده سلطة الرجال. وفي هذا الجو الشتوي، يتم اكتشاف الجوانب الأكثر تعقيدا من الطبيعة البشرية، من خلال الاختفاء المفاجئ لأحد رجال البلدة وانتشار شائعات مفادها أن الدببة خرجت مبكرا من سباتها. ورغم أن الدب هو «بطل» الرواية باعتباره عدوا مفترضا، فإن الخوف المتنامي من ظهوره كان أكبر من العدو نفسه.
فيما ينقلنا فيلم «أشكال» إلى تونس العاصمة، وتحديدا إلى إحدى عمارات حي حدائق قرطاج الذي أنشأه النظام السابق قبل أن تتوقف أعمال بنائه في بداية الثورة. سيكتشف عنصران من الشرطة، فاطمة وبطل، جثة متفحمة في موقع بناء غير مكتمل. ومع استئناف عملية البناء تدريجيا، بدأ المحققان يتعمقان في لغز هذه القضية الغامضة، قبل أن تأخذ عملية التحقيق منعطفا محيرا عند وقوع جريمة مماثلة.
كما انطلقت فقرة «حوار مع...»، بلقاء مع الممثل الهندي رانفير سينغ، الذي لم يخف فخره بتكريمه في مهرجان مراكش وتأثره بدفء الاحتضان من قبل المنظمين والجمهور المغربي، على حد سواء؛ مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن زيارته للمغرب مكنته من الوقوف على حجم العشق الذي يكنه المغاربة للسينما الهندية، الشيء الذي يؤكد، حسب قوله، سحر السينما وقدرتها الهائلة على الربط بين الشعوب والثقافات عبر العالم. وقال سينغ إن كل إنسان يسعى، وسط تعب وتعقيدات الحياة، إلى البحث عن مصدر للفرح والمتعة، مشيرا إلى أن ذلك ما يحضر بقوة في أفلامه الحافلة بمظاهر الفرح، عبر الأغاني والإيقاعات الموسيقية والرقصات الجماعية التي تحتفي بألوان الحياة. وختم بأنه يبقى من المهم بالنسبة إليه أن يكون الشخص الذي يروي قصة رائعة ويقدم رقصة.


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

أعلن بيان للديوان الملكي المغربي، مساء أول من أمس، أن الملك محمد السادس تفضل بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح (أول) محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وجاء في البيان أن العاهل المغربي أصدر توجيهاته إلى رئيس الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي. ويأتي هذا القرار تجسيداً للعناية الكريمة التي يوليها العاهل المغربي للأمازيغية «باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، مايك روجرز، مساء أمس، في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز، خلال مؤتمر صحافي، عقب محادثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم»، مبرزاً أن هذه المحادثات شكلت مناسبة للتأكيد على الدور الجوهري للمملكة، باعتبارها شريكاً للول

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

عقد حزبا التقدم والاشتراكية اليساري، والحركة الشعبية اليميني (معارضة برلمانية) المغربيين، مساء أول من أمس، لقاء بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط، قصد مناقشة أزمة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب موجة الغلاء. وقال الحزبان في بيان مشترك إنهما عازمان على تقوية أشكال التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الواجهات السياسية والمؤسساتية، من أجل بلورة مزيد من المبادرات المشتركة في جميع القضايا، التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وذلك «من منطلق الدفاع عن المصالح الوطنية العليا للبلاد، وعن القضايا الأساسية لجميع المواطنات والمواطنين».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

دعت «تنسيقية أسر وعائلات الشبان المغاربة المرشحين للهجرة المفقودين» إلى تنظيم وقفة مطلبية اليوم (الخميس) أمام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي بالرباط، تحت شعار «نضال مستمر من أجل الحقيقة كاملة وتحقيق العدالة والإنصاف»، وذلك «لتسليط الضوء» على ملف أبنائها المفقودين والمحتجزين ببعض الدول. وتحدث بيان من «التنسيقية» عن سنوات من المعاناة وانتظار إحقاق الحقيقة والعدالة، ومعرفة مصير أبناء الأسر المفقودين في ليبيا والجزائر وتونس وفي الشواطئ المغربية، ومطالباتها بالكشف عن مصير أبنائها، مع طرح ملفات عدة على القضاء. وجدد بيان الأسر دعوة ومطالبة الدولة المغربية ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتع

«الشرق الأوسط» (الرباط)

مؤتمر دولي بالقاهرة يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»

جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
TT

مؤتمر دولي بالقاهرة يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»

جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)

دعا مؤتمر دولي في القاهرة إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»، وأكد أن آراء «غير المختصين» تُشكل «خطورة» على المجتمعات. وأشار مشاركون إلى أن «الفتوى الصحيحة تعد أحد الأسس المحورية لتعزيز الأمن الفكري في المجتمعات الإسلامية».

وقد عقد المؤتمر، الأحد، برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظمته «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم»، تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، بعنوان «الفتوى وتحقيق الأمن الفكري»، بمشاركة علماء ومفتين من مختلف دول العالم.

ووفق مفتي مصر، نظير عياد، فإن هناك تحديات «خطيرة» تواجه أمن المجتمعات، ومنها «فوضى الفتاوى»، التي تصدر من غير ذي صفة، وتكون بعيدة عن الاستدلال الصحيح المتفق مع نصوص الشريعة ومقاصدها، وهذه الفتاوى أصبحت سبباً للطعن في الإسلام، وتشويه صورته، ومعوقاً رئيساً لتحقيق الأمن والاستقرار، ولا شك أن تسميتها فتوى، هو بالأساس من «باب المجاراة»، وإلا فحقها أن تسمى «دعوة أو دعوات للإفساد».

ولفت إلى أن التطرف نحو تكفير المسلمين، واستباحة دمائهم، وتخويف الآمنين وترويعهم ليس من الإسلام في شيء، مؤكداً أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار هذه «الفوضى»، حتى أننا «نجد عدد المفتين في الواقع الافتراضي يكون بعدد من لهم صفحات أو مواقع على هذه الوسائل، الأمر الذي أثّر بالسلب على الأمن الفكري، والاستقرار المجتمعي بشكل خطير».

وحذّر مفتي مصر من «خطورة الجماعات المتطرفة على الأمن الفكري والمجتمعي على السواء؛ حيث إنها تغرس أفكاراً منحرفة في العقول، تجعل الإنسان مسخاً مشوهاً من دون انتماء أو هوية، غير الانتماء لها ولمصالحها». وأشار إلى أن الفتوى لها دور مهم في «تعزيز الانتماء الوطني والشعور بالهوية، وإرساء مبادئ المواطنة الشاملة، التي تقوم على التعايش والتسامح وقبول التنوع الديني والعرقي والمجتمعي في الوطن الواحد».

مؤتمر دار الإفتاء المصرية يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى» (دار الإفتاء المصرية)

وفي كلمته بالمؤتمر، قال وزير الأوقاف المصري، أسامة الأزهري، إن «الفتوى ليست مجرد توجيه ديني، بل هي عملية تفاعل فكرية تتطلب الفهم العميق لواقع الناس ومتطلباتهم في مختلف المجالات»، مؤكداً أن «الفقيه يجب أن يكون على دراية تامة بأحوال الناس وعاداتهم»، مشيراً إلى أن «الفقه لا يتحقق إلا من خلال الفهم الشامل للظروف المستجدة، والأفكار المتغيرة».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أثارت فتاوى بشأن عمل المرأة وتربية الحيوانات انتقادات وجدلاً واسعاً بين رواد مواقع «التواصل»، ما دفع دار الإفتاء المصرية للرد عليها.

وأكد وكيل الأزهر، الدكتور محمد الضويني، أن «ظهور متطفلين على الفتوى أسهم في تعميق أزمات عالمنا العربي والإسلامي»، مبيناً أنه «كلما كانت الفتوى أكثر (شذوذاً وغرابة) ازداد الاهتمام بها، وتناقلتها بعض وسائل الإعلام ومنصات (التواصل)».

وبيّن الضويني أن موطن الداء في «الفتاوى غير المؤصلة وهؤلاء المفتين المفتونين بالشاشات والصفحات»، حيث إنها «لا تعبر إلا عنهم أو عن مذهبهم أو عن جماعتهم، وإنها قد تغفل أبعاداً أخرى ضرورية في صناعة الفتوى»، داعياً إلى «إقرار قوانين وضوابط ومعايير تُعنى بضبط وتصحيح مسيرة الإفتاء، ووقاية المجتمع من تداعيات الانحراف بها عن الصواب، والسعي لتأكيد ثقة الناس في المؤسسات الرسمية، بدلاً من هذه الهوة المقصودة التي تسعى اتجاهات وأجندات لتجذيرها».

وقد وافقت «اللجنة الدينية» بمجلس النواب المصري (البرلمان) في مارس (آذار) عام 2022 على مشروع قانون مقدم من 61 نائباً بتعديل بعض أحكام قانون «تنظيم ممارسة الخطابة». ونصّت التعديلات المقترحة حينها على أن تكون ممارسة الخطابة والدروس الدينية، والحديث في الشأن الديني في وسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة أو الإلكترونية «للمختصين فقط». وحدّدت عقوبات على المخالفين، تتمثل في «غرامة مالية أو حبس».

مشاركون في مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)

وقال الأمين العام لـ«مجمع الفقه الإسلامي الدولي» المنبثق عن «منظمة التعاون الإسلامي»، قطب مصطفى سانو، إن «الأمن الفكري هو صمام أمان المجتمع، وضمان استقراره وحمايته من الانحرافات الفكرية والغلو»، داعياً إلى الالتزام بضوابط الإفتاء التي تضمن نشر الوسطية والاعتدال، وتواجه الفكر المتطرف.

وفي كلمتها بالمؤتمر، أشارت الأمين العام لـ«مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، ماريا محمد الهطالي، إلى أن الأجيال الحالية تواجه مخاطر متعددة، على رأسها تأثير العوالم المفتوحة، ووسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى ظهور ظواهر مثل «الإفتاء الافتراضي»، و«السيولة الإفتائية»، مشددة على ضرورة بناء «الوعي الإفتائي» بوصفه ضرورة ملحة.

وأوضحت أن عصر التقنية والذكاء الاصطناعي يتطلب منا فهم طبيعة التساؤلات التي تطرحها الأجيال الجديدة، وعدم الاكتفاء بالتحليل السطحي لهذه التحديات، مؤكدة أن «مواجهة هذه التحديات ليست خياراً؛ بل هي واجب وطني وديني». وأشارت إلى أهمية تقديم إجابات شافية لهذه التساؤلات، وإلا فإن «الفراغ الفكري سيتيح للجماعات المتطرفة استغلال هذه الحاجة لنشر أفكارها السامة».

بينما شدّد أمين عام مكتب الإفتاء بسلطنة عمان، أحمد بن سعود السيابي، على «ضرورة أن يراعي المفتي أحوال الناس عند إبداء الآراء الشرعية»، لافتاً إلى «أهمية العمل الجماعي لتحقيق الأمن الفكري في المجتمعات».