تزامن انعقاد قمة المناخ «كوب27» في مدينة شرم الشيخ المصرية، مع إطلاق السعودية مجموعةً فائقة من المبادرات والحلول الإبداعية للأزمة المناخية العالمية، عبر تخصيص منصة كبرى للمملكة في المؤتمر الدولي، كان من بين أبرز أحداثها نسخة ثانية لمبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، اللتين انطلقتا برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وعلى مدار أيام المؤتمر، تعددت إعلانات المملكة فيما يخص المناخ، والحلول غير التقليدية للتعامل مع الأزمة العالمية، سواء باستزراع مليارات الأشجار في الصحاري، أو إطلاق مؤشرات بيئية متخصصة في المجال الطاقي، أو مستحدثات تقنية جديدة لتقليص الانبعاثات، وكذلك اتفاقيات متعددة مقدرة بمليارات الدولارات لإنتاج الطاقات المتجددة. «الشرق الأوسط» التقت خالد أبو الليف، كبير المفاوضين السعوديين لاتفاقيات المناخ، ليحدثنا بتوسع عن تلك الجهود. وهنا نص الحوار:
* السعودية -المعروفة تقليدياً بأنها عملاق نفطي- تقود حالياً ثورة طاقية، سواء من خلال تقنيات الهيدروجين الأخضر أو الاقتصاد الدائري الكربوني أو الطاقات المتجددة... حدثنا عن ذلك.
- منح الله المملكة جميع الموارد الطبيعية في مجال الطاقة، هناك طاقة الشمس، والتي تبث أكبر قوة طاقة في هذا الخط الجغرافي. وهناك الرياح، خاصة في منطقة شمال غرب المملكة التي يوجد بها قدرات كبيرة جداً لتوليد الكهرباء. وكذا المعادن النادرة، لها مستقبل رائع... بالإضافة إلى الكنوز الهيدروكربونية تحت الأرض؛ لذلك كنا دائماً نسمي السعودية بـ«مملكة الطاقة».
كل ما نحتاجه إذن هو إيجاد التقنيات وتوطينها، والتأكد من أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني، لا فقط من أجل توفير احتياجاتنا من الطاقة، بل أيضاً من أجل تصديرها، من خلال الربط الكهربائي مع دول الخليج والعراق ومصر.
بالإضافة إلى ذلك، هناك الهيدروجين الذي يمكن أن نولده بنوعيه الأخضر والأزرق، والأول يعتمد كثيراً على المياه، ومن المعروف أن المملكة من أكبر دول العالم في تقنيات تحلية المياه وبإمكانات هائلة في هذه الصناعة. ومن الغاز يمكن إنتاج الهيدروجين الأزرق مع تقنيات التقاط الكربون وتخزينه... وكلها فرص يمكن أن نستفيد منها بشكل كبير.
حتى بالنسبة للنفط والغاز، فالمملكة لديها إمكانات للتحكم في الغازات التي تنتج عن حرقها، بحيث يتم التقاطها ثم تحويلها إلى جزء من النظام الاقتصادي، سواء عبر إعادة تدويره أو استخدامه، أو التخزين تحت الأرض في مكامن خاصة. لدينا إمكانات كبيرة منها، وهو ما يطلق عليه الاقتصاد الدائري الكربوني.
* هل تعطي كل المبادرات الحالية فرصة لأن تقود السعودية نهضة الطاقة المتجددة عالمياً جنباً إلى جنب مع الطاقة التقليدية؟
- لا شك عندي أبداً في قدرة المملكة على ذلك، لماذا؟ لأن المملكة يمكنها إنتاج كميات كبيرة من الطاقات المتجددة والهيدروكربونية، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على التزاماتها البيئية وأهداف خفض الانبعاثات. كل هذه الأمور أخذت بالفعل في الاعتبار من خلال النهج الذي تبنته المملكة منذ اجتماع مجموعة العشرين في الرياض، وإعلان مبادئ الاقتصاد الدائري الكربوني بمحاوره الرئيسية، وأولها الطاقة المتجددة وتطويرها الدائم.
لكن في الوقت ذاته، الكل يعرف أن الطاقة المتجددة وحدها لا يمكن أن تحقق أهداف اتفاقية باريس، والتي تنشد في نهاية المطاف توازناً ما بين الانبعاثات وإزالتها، بحيث لا يكون هناك أي تراكم في الجو لغازات الاحتباس الحراري. وكل الدراسات تقول إنه منذ الآن وحتى 2050، سيكون الوقود الأحفوري موجوداً ومطلوباً وجزءاً من مزيج الطاقة العالمي. ولذلك فنحن نسير جنباً إلى جنب لريادة هذه المصادر المختلفة للطاقة، مع التأكد من ملاءمتها البيئية عبر التقنيات الحديثة.
* المملكة شأنها شأن كثير من الدول الشرق أوسطية تعاني من تبعات التغير المناخي أكثر من الأقاليم العالمية الأخرى، ما هي الأضرار التي ترى أنها حدثت خلال العقد الماضي؟
- حقيقة، على قدر ما لدينا من موارد كثيرة في الطاقة، إلا أن المملكة تعد واحدة من أكبر الدول التي تأثرت من التغير المناخي، بل أيضاً من السياسات التي ستقوم على التغير المناخي، وما تتطلبه الأخيرة من أعباء اقتصادية للعلاج، ولذلك نحن في عناء مزدوج... لكننا تعاملنا مع الضررين.
فبالنسبة لتأثيرات التغير المناخي، بدأنا النظر لهذه التأثيرات على قطاعات المياه والغطاء النباتي والتصحر، وهي من الملفات المهمة جداً في السعودية ومخصص لها مشاريع وبرامج كثيرة... ولعل المبادرات الخضراء التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تعد من الحلول الكبرى لهذه التأثيرات والأضرار.
أما بالنسبة للضرر الاقتصادي، فرؤية المملكة 2030 تعالج هذه الجزئية، كونها تركز على التنوع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على النفط وتطوير القطاع بيئياً في الوقت ذاته. ومن شأن هذه السياسات أن ترفع قدرة المملكة على التعامل مع الضغوط الاقتصادية الناجمة عن التعامل مع آثار علاج مشكلات المناخ.
* «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» مبادرتان ملهمتان لتخضير إحدى أكثر مناطق العالم تصحراً... ورعاية ولي العهد تعطي عمقاً ومصداقة أكبر للمبادرات، كيف وصلنا إلى تلك المحطة؟
- التحدي الأكبر كان ما يشاع في العالم من أن التخلص من الوقود الأحفوري والمواد الهيدروكربونية هو الحل، لكن كلنا نعرف أن ذلك لا يمكن أن يكون حلاً واقعياً. وما رأيناه من أزمة طاقة في أوروبا أخيراً ما هو إلا إثبات أن هذا النهج خاطئ.
بعد أن وقّعت المملكة اتفاق باريس، بدأنا نبحث كيف يمكن أن نتعامل مع الأمر بجدية، وكان التوجه هو أن نجد شيئاً متوازناً، يشجع على المضي قدماً في مجالات الطاقة المتجددة من جانب، لكن يحافظ على أمن الطاقة العالمي من جانب آخر، مع ضرورة معالجتها بما يتناسب مع أهداف المناخ.
في الجانب الأول كان الأمر سهلاً... استثمرنا فيه ووضعنا مستهدفات كبيرة لكنها قابلة للتحقيق، مثل إنتاج 50 في المائة من الكهرباء من مصادر متجددة، و50 في المائة من الغاز.
أما الجانب الأصعب فكان الشق الثاني بالبحث عن حلول غير تقليدية ولا مسبوقة، منها مبادرات الكربون الدائري التي تراعي البيئة والاقتصاد معاً، ثم وصلت الرحلة حتى محطة المبادرات الخضراء التي تستهدف إعادة تشكيل المنطقة بكاملها.
* خلال رحلتك عبر قمم «كوب» ما الذي تراه مختلفاً هذا العام؟
- حقيقة عبر 30 عاماً مضت من قمم المناخ، كانت القمم فيها كلام كثير يركز على السياسات، لكن لم نر أي تطبيق في الواقع، كان المفترض أن تأخذ الدول الصناعية زمام المبادرة منذ عام 1990؛ كونها المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن أضعنا 3 عقود في الحديث دون أن نفعل الكثير... بل إن الاتفاقية الأم كانت تطالب بخفض الانبعاثات 5 في المائة، لكن الواقع أنها زادت؛ نظراً لغياب الآليات والتنفيذ.
وبدلاً من مساعدة الدول النامية لتحقيق التنمية المستدامة، حاولت بعض الدول الصناعية أن تضع عليها العبء، لكن مفاوضي الدول النامية كان لديهم المقدرة على الإصرار على تأكيد المبادئ الأصلية وعدم التنازل.
وهنا جاءت مصر وبعثت برسالة قيمة مفادها أن «كوب 27» قمة للتنفيذ، وكان الشعار «من الطموح إلى العمل»، وأثبت الشرق الأوسط أنه بالفعل قادر على القيادة. وفي المثل القريب المبادرات السعودية التي لم تحدث في أي منطقة من قبل.
* ما هي استفادة المنطقة من انعقاد قمتين متتاليتين في الشرق الأوسط؟ وكيف سيساهم ذلك في جعل المنطقة جزءاً من الحل؟
- كل يوم تثبت منطقة الشرق الأوسط أنها ريادية وقائدة، فمن المعروف أن المنطقة مسؤولة عن 3 في المائة من حجم الانبعاثات العالمي، لكن المجهودات التي تقوم بها المنطقة توازي تقريباً 10 في المائة من المجهودات الإجمالية في العالم... وهذه المقارنة تجعلنا في «ريادة الحل لمشكلات التغير المناخي» بنسبة 100 في المائة.