أزمة دبلوماسية مفتوحة بين باريس وروما

بعد رفض حكومة ميلوني استقبال المهاجرين العالقين

مصافحة بين ماكرون وميلوني بروما في 23 أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
مصافحة بين ماكرون وميلوني بروما في 23 أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

أزمة دبلوماسية مفتوحة بين باريس وروما

مصافحة بين ماكرون وميلوني بروما في 23 أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
مصافحة بين ماكرون وميلوني بروما في 23 أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)

تحدث الصحافة الإيطالية عن «صفعة» وجهتها فرنسا إلى حكومة جيورجيا ميلوني، فيما خرجت التصريحات الرسمية الفرنسية عن المألوف في العلاقات بين الشركاء الأوروبيين لتصف الموقف الإيطالي الرافض لاستقبال المهاجرين العالقين في البحر بأنه «دون مستوى الواجب الإنساني». ويزداد القلق في الأوساط الأوروبية من تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين باريس وروما، والخشية من تأثيرها على تماسك الموقف المشترك من الملفات الكبرى داخل الاتحاد.
وفيما كانت سفينة الإنقاذ «أوشن فايكينغ» ترسو ظهر الجمعة، بميناء قاعدة «تولون» البحرية الفرنسية، حيث تمّ إنزال المهاجرين الذين كانوا على متنها منذ ثلاثة أسابيع، كان المسؤولون الأوروبيون يكثّفون الاتصالات والمساعي لتبريد الأزمة المحتدمة بين فرنسا وإيطاليا، ونزع فتيل انفجارها في اجتماع مجلس وزراء الخارجية يوم الاثنين المقبل، في بروكسل. ويخشى المراقبون الدبلوماسيون في العاصمة الأوروبية أن يصل التصعيد في هذه الأزمة إلى ما وصلت إليه تلك التي نشبت بين الطرفين في عام 2019، على عهد الحكومة الشعبوية الإيطالية، عندما استدعت فرنسا سفيرها في روما لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
ووصف وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان، لدى إعلانه أن باريس قرّرت استقبال السفينة التي تحمل على متنها 234 مهاجراً بينهم 57 طفلاً بصفة استثنائية ونزولاً عند طلب الرئيس إيمانويل ماكرون، الموقف الإيطالي، بأنه يتناقض مع أحكام القانون الدولي والتضامن الإنساني، وينتهك الالتزامات التي كانت قطعتها الحكومة الإيطالية قبل أسابيع من تولّي الحكومة الجديدة مهامها.
وبينما صرّحت رئيسة الوزراء الإيطالية، الجمعة، بأن «ثمّة سوء تفاهم مع فرنسا، وردة الفعل الفرنسية لا مبرر لها»، أعلن الوزير الفرنسي أن بلاده قررت وقف العمل بالخطة التي تقضي بتوزيع المهاجرين الذين كانوا قد نزلوا في الموانئ الإيطالية خلال الأشهر الأخيرة بموجب آليّة التضامن الأوروبي، التي كان من المقرر أن تستقبل فرنسا 3500 منهم. وطلب دارمانان من ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى التي تشارك في هذه الآلية أن تحذو حذو فرنسا، وتوقف استقبال المهاجرين الذين يعيشون حالياً في إيطاليا.
لكن باريس ذهبت أبعد من ذلك عندما أعلنت صباح الجمعة، إرسال 500 عنصر إضافي من قوات الشرطة لتعزيز المراقبة على طول حدودها البرية مع إيطاليا، في الوقت الذي أعلن فيه وزير الداخلية أن «باريس سوف تستخلص كل العبر من الموقف الإيطالي على الجوانب الأخرى من العلاقات الثنائية بين البلدين».
وكان ماكرون، وهو أول القادة الأوروبيين اجتماعاً بميلوني في روما بعيد توليها مهامها، قد صرّح بأن رئيسة الوزراء الإيطالية أساءت التصرّف، وتسببت بأزمة خطيرة بين البلدين. ويسعى ماكرون من خلال هذا التصعيد إلى منع ميلوني من تسجيل انتصار في هذه المواجهة الأولى بين الطرفين، وتوجيه رسالة بأن هذا الموقف الإيطالي ستكون له تبعات على الصعيدين الفرنسي والأوروبي. أما ميلوني من جهتها، فقد أصبح بوسعها التباهي على المسرح الداخلي بأنها أجبرت فرنسا على استقبال سفينة الإنقاذ في موانئها بعد أن أصرّت على منعها من دخول الموانئ الإيطالية، استناداً إلى الحجة التي مفادها أن إيطاليا ليست ملزمة استقبال جميع المهاجرين الذين تنقذهم سفن الإغاثة في عرض البحر المتوسط، وأن الدول الأوروبية الأخرى يجب أن تتحمل هي أيضاً مسؤولياتها.
لكن المسألة بالنسبة لفرنسا ليست مجرد علاقات ثنائية مع إيطاليا، بل هي في صلب النقاش السياسي الدائر على الصعيد الداخلي حول قانون الهجرة الذي يشكّل إحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها اليمين المتطرف لتوسيع دائرة شعبيته التي بلغت مستويات قياسية في الانتخابات الأخيرة. وكانت الزعيمة السابقة لحزب التجمع الوطني مارين لوبان قد صرّحت الجمعة، بأن «إيمانويل ماكرون، بقبوله للمرة الأولى نزول المهاجرين من سفينة إنقاذ في أحد الموانئ الفرنسية، يوجّه رسالة تهاون مأساوية تحول دون تصديق ادعاءاته بأنه يريد وضع حد للهجرة الكثيفة والفوضوية».
أما الموقف الإيطالي فهو يتيح لميلوني أن تقطع الطريق على حليفها في الحكومة ومنافسها على زعامة الجبهة اليميني ماتيو سالفيني، الذي كان يتحيّن مثل هذه الفرصة للمزايدة عليها ومحاولة استعادة الشعبية التي كان قد خسرها مؤخراً لصالح رئيسة الحكومة الجديدة. وكانت ميلوني قد رفضت التجاوب مع طلب سالفيني تولي وزارة الداخلية، لكنه أصرّ على تعيين أحد المقربين منه، هو ماتّيو بيانتيدوزي الملقّب بـ«الذئب»، ويرجّح أنه هو الذي يدير دفّة سياسة الهجرة للحكومة الإيطالية.
وفيما كان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني يحاول التهدئة، ويفتح ثغرة تمهّد للحوار بين الطرفين بقوله إن «ردة الفعل الفرنسية مبالغ فيها بين بلدين صديقين محكومين بالتفاهم»، كان زعيم الحزب الديمقراطي المعارض والرئيس الأسبق للحكومة إنريكو ليتا يقول إن «الأخطاء التي ارتكبتها جيورجيا ميلوني في الأسبوعين الماضيين، وبخاصة ما يتعلق منها بالعلاقات مع حليف تاريخي وتقليدي لإيطاليا مثل فرنسا، ليست خطيرة فحسب، بل هي مأساوية ولا تخدم المصالح الوطنية».
ويخشى مسؤولون في المفوضية أن تؤدي هذه الأزمة إلى عزل الحكومة الإيطالية الجديدة وإضعافها داخل الاتحاد الأوروبي، وأيضاً إلى إبعادها عن الموقع الذي تتخذ فيه القرارات الكبرى، في الوقت الذي هي فيه بأمسّ الحاجة إلى التضامن والدعم من الشركاء الأوروبيين.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
TT

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، في مقابلة تلفزيونية، الأحد، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا، مبدياً قلقه بشأن «التصعيد» الراهن.

ومنذ فوز الملياردير الجمهوري في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، يخشى الأوروبيون أن تقلّص الولايات المتّحدة دعمها لأوكرانيا في هذا النزاع، أو حتى أن تضغط عليها لتقبل باتفاق مع روسيا يكون على حسابها.

واختار الرئيس المنتخب الذي سيتولّى مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، كل أعضاء حكومته المقبلة الذين لا يزال يتعيّن عليهم الحصول على موافقة مجلس الشيوخ.

وفي مقابلة أجرتها معه، الأحد، شبكة «فوكس نيوز»، قال والتز إنّ «الرئيس ترمب كان واضحاً جداً بشأن ضرورة إنهاء هذا النزاع. ما نحتاج إلى مناقشته هو مَن سيجلس إلى الطاولة، وما إذا كان ما سيتمّ التوصل إليه هو اتفاق أم هدنة، وكيفية إحضار الطرفين إلى الطاولة، وما الذي سيكون عليه الإطار للتوصل إلى ترتيب».

وأضاف، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ «هذا ما سنعمل عليه مع هذه الإدارة حتى يناير، وما سنواصل العمل عليه بعد ذلك».

وأوضح والتز أنّه «بالنسبة إلى خصومنا الذين يعتقدون أنّ هذه فرصة لتأليب إدارة ضد أخرى، فهم مخطئون»، مؤكّداً في الوقت نفسه أن فريق الإدارة المقبلة «قلق» بشأن «التصعيد» الراهن للنزاع بين روسيا وأوكرانيا.

وفي الأيام الأخيرة، صدر عن مقرّبين من الرئيس المنتخب تنديد شديد بقرار بايدن السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع.

وخلال حملته الانتخابية، طرح ترمب أسئلة كثيرة حول جدوى المبالغ الهائلة التي أنفقتها إدارة بايدن على دعم أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي لهذا البلد في 2022.

ووعد الملياردير الجمهوري مراراً بإنهاء هذه الحرب بسرعة، لكن من دون أن يوضح كيف سيفعل ذلك.

وبشأن ما يتعلق بالشرق الأوسط، دعا المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي للتوصّل أيضاً إلى «ترتيب يجلب الاستقرار».

وسيشكّل والتز مع ماركو روبيو، الذي عيّنه ترمب وزيراً للخارجية، ثنائياً من الصقور في الإدارة المقبلة، بحسب ما يقول مراقبون.

وكان ترمب وصف والتز، النائب عن ولاية فلوريدا والعسكري السابق في قوات النخبة، بأنه «خبير في التهديدات التي تشكلها الصين وروسيا وإيران والإرهاب العالمي».