احتفى الرئيس الأميركي جو بايدن بنجاح حزبه في تجنب «الموجة الحمراء العملاقة» التي توقع كثيرون حدوثها في انتخابات التجديد النصفي لهذا الأسبوع، وأعاد تأكيد نيته الترشح لخوض السباق الرئاسي عام 2024، فيما تعهد بالعمل مع الجمهوريين المنتخبين في الكونغرس.
ورغم أن الرئيس نجح في تقليص خسائر حزبه، فإنه يواجه احتمال مواجهة مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون طيلة العامين المقبلين؛ الأمر الذي يهدد أجندته التشريعية الطموح حتى في حال حافظ الديمقراطيون على مجلس الشيوخ.
وفي مؤتمر صحافي عُقد في البيت الأبيض بعد الانتخابات، بدا بايدن مبتهجاً إزاء نتائج حزبه الديمقراطي التي جاءت أفضل من المتوقع، عادّاً أنها «يوم جيد للديمقراطية»، في حين لم يشر إلى أي تصحيح للمسار ولم يعترف بأي أخطاء، مؤكداً أنه «لن يتغير».
وفي حين أن الرئيس الأميركي أكّد استعداده للتعاون مع الجمهوريين، أشار إلى أنه سيمنع أي جهود لـ«تحطيم إنجازات السنتين الأوليين» من ولايته. وقال ملوحاً بإشارة من يده: «أتمتع بقدرة (النقض)».
وسيستغرق الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفي أياماً أو حتى أسابيع مع استمرار عمليات فرز الأصوات في ولايات نيفادا وأريزونا، ومع اقتراب موعد إجراء جولة ثانية لمجلس الشيوخ في جورجيا بحلول 6 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وقد يستغرق الأمر وقتاً أطول لتحديد تداعيات هذه النتائج على الفترة المتبقية من ولاية بايدن الرئاسية.
وعلى أي حال؛ حقق بايدن أفضل نتيجة في فترة منتصف الولاية الرئاسية لأي رئيس منذ 20 عاماً، متجنباً بذلك الاكتساح الجمهوري الذي توقعه العديد من الاستراتيجيين في كلا الحزبين، حتى وإن تركه الأمر في مواجهة كونغرس أكثر عدائية، مع تضاؤل آفاق تعزيز أولوياته في الفترة المتبقية من ولايته.
* البحث عن أرضية مشتركة
وفي حين لم تكن هذه الانتخابات تفويضاً واضحاً لبايدن، فإنها لم تمثّل رفضاً قاطعاً كالذي قوبل به العديد من أسلافه الذين تحملوا مسؤولية الفشل خلال فترات منتصف الولاية.
وقد تشجع النتائج بايدن على السعي لإعادة الترشح، مما سيفتح الباب بلا شك أمام ظهور أصوات معارضة هادئة داخل حزبه، سيما مع اقتراب عيد ميلاده الثمانين في وقت لاحق من الشهر الحالي.
وأمام بايدن فترة كافية للتفكير في قرار إعادة الترشح، حتى وإن كان سلفه في البيت الأبيض دونالد ترمب يستعد لإعلان خوضه السباق الرئاسي خلال أيام. وقال بايدن إنه سيشاور عائلته خلال الأعياد، وسيُعلن عن قراره «أوائل العام المقبل»
وقال: «أنوي الترشح مرة أخرى. لقد كانت هذه نيتي بغض النظر عن نتائج الانتخابات الأخيرة».
وعلى عكس بايدن، قوضت نتائج الانتخابات النصفية معنويات ترمب الذي تابع بإحباط هزيمة عدد من مرشحيه الرئيسيين، فيما حقق منافسه الجمهوري الأبرز رون دي سانتس انتصاراً ساحقاً أتاح إعادة انتخابه بفارق مريح حاكماً لولاية فلوريدا.
واعترف بايدن بأن مؤيدي ترمب يحتفظون بنفوذ هائل وسيشكلون تحدياً له. وقال: «لا أعتقد أننا سنكسر (حماس) أنصار (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً)».
لكنه أعرب عن أمله في أن يتمكن من إيجاد أرضية مشتركة مع بقية الجمهوريين، الذين وصفهم بأنهم «أناس محترمون وشرفاء».
وتابع: «كما فعلت خلال مسيرتي المهنية، سأواصل العمل مع الحزبين لأخدم الشعب الأميركي. وهذا ليس أمراً سهلاً على الدوام، لكننا فعلنا ذلك في الفترة الأولى (من ولايتي)».
وتابع بايدن مخاطباً المشرعين الجمهوريين الذين توعدوا بالتحقيق في إدارته وعائلته، بالقول: «حظاً سعيداً في عامكم الأول، كما كان يقول مدربي».
واعترف بايدن بأن انتخابات التجديد النصفي لم تكن علامة على رضا الشعب عن أدائه. وقال: «كان الناخبون واضحين أيضاً بأنهم لا يزالون محبطين. لقد أدركت ذلك. وأفهم أنها كانت سنوات صعبة حقاً في هذا البلد بالنسبة إلى كثير من الناس».
وإذا ما حصل الجمهوريون على المقاعد السبعة المطلوبة لتأمين السيطرة على مجلس النواب، كما هو متوقع، فإنهم سيعرقلون مبادرات بايدن التشريعية الكبرى، كما سيحاولون إرغامه على تقديم تنازلات من خلال صلاحيات «قوة المحفظة».
* مقاومة جمهورية - ديمقراطية
يُصر مساعدو بايدن على أن هناك مجالات محتملة للتعاون حتى مع الجمهوريين الداعمين لترمب، خصوصاً في قضايا تتقدم أولويات الحزبين؛ مثل مكافحة أزمة الإدمان، وفرض لوائح تنظيمية جديدة على شركات التكنولوجيا الكبرى، ومكافحة الجريمة.
من الجانب الآخر، تحدّث بعض الجمهوريين عن رغبتهم في إيجاد مجالات تعاون مشتركة مع الديمقراطيين.
وقال السيناتور الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام، في تصريح لشبكة «إن بي سي»: «إذا كانت لدينا حكومة منقسمة (مع سيطرة الجمهوريين على إحدى غرفتي الكونغرس أو كلتيهما، والديمقراطيين على البيت الأبيض)، فربما نتوصّل إلى نتيجة جيدة».
غير أن النمط التاريخي المتمثل في إبرام صفقات سياسية بين الحزبين قد يفقد أهميته في أجواء الاستقطاب الحاد التي تعيشها الولايات المتحدة اليوم. وإذا ما أطلق ترمب حملة انتخابية جديدة في سباق الرئاسة 2024، فمن المرجح أن يتحدّى المشرعون الجمهوريون أجندة الرئيس الحالي عند كل منعطف.
ولن تقتصر المواقف المشككة في التعاون الحزبي على الجمهوريين؛ فقد عبّر بعض الديمقراطيين، خصوصاً من الجناح التقدمي، عن رفضهم هذا التقارب.
وقالت النائبة براميلا جايابال، رئيسة «التجمع التقدمي» في الكونغرس الأربعاء: «وجّه الناخبون رسالة واضحة مفادها بأن الموظفين يتألمون ويطالبون بمزيد من التدابير (لتخفيف عبء غلاء المعيشة)؛ ليس أقل».
* خدمة «نيويورك تايمز»