التأريخ الرّقمي... أي تحديات في عصرنا؟

ندوة على هامش «الشارقة للكتاب» ضمن برنامج «إيطاليا»

كريستيان غريكو
كريستيان غريكو
TT

التأريخ الرّقمي... أي تحديات في عصرنا؟

كريستيان غريكو
كريستيان غريكو

يرى مؤرخون ومتخصصون في علوم الآثار، أنّ عمليّات تدوين وتوثيق وكتابة التاريخ في عصر الرّقمنة والتكنولوجيا يمكن أن تستفيد بشكل هائل من القدرات التي تطرحها أنظمة الذكاء الاصطناعي والاتصالات، إلا أن ذلك يأتي دائماً مصحوباً بتحديّات أيضاً، ويتطلب حرصاً مضاعفاً في الدّقة والموثوقيّة والأمانة، لا سيما أن السؤال الجدلي الدائم حول «من يكتب التاريخ؟» سيبقى أبداً محل خلاف وأخذ وردّ، بفعل اختلاف الأجندات والمصالح والآيديولوجيّات والنزاهة الفرديّة في تسجيل الأحداث كما حصلت.
جاء ذلك في ندوة متخصصة تحت عنوان «كتابة التاريخ في العصر الرقمي» التي استضافها معرض الشارقة الدولي للكتاب 2022، ضمن برنامج «إيطاليا» ضيف شرف المعرض؛ حيث استضافت الجلسة كلاً من كريستيان غريكو، عالم المصريات الإيطالي المعروف، وشيخة الجابري، الباحثة والكاتبة الإماراتيّة.
ووصف المتحدثون في النّدوة التحدي الذي يواجه المؤرخين الرقميين بـ«البسيط بشكل مخادع»؛ إذ إنه «عمل تأريخي يجمع بين قدرة الحواسيب المتطورة على البحث والتلخيص والعرض، وقدرة الباحث على التفسير والجدال ووضع الأمور في سياقاتها». وهذا ينطوي بالضرورة على الحاجة لتطوير فهم كافٍ لكيفية استخدام المصادر الرقمية بشكل مناسب؛ لكن الأهم من ذلك تبقى صيغة توظيف تلك المصادر والأساليب الرقمية لتقديم فرص استعادة أفضل للحدث التاريخي على نحو يعزز فهمنا للماضي. ولذلك، فإن الفرص التي تتيحها التكنولوجيا يوازيها دائماً التحدي في كيفية الاستفادة منها لتحقيق غاية التأريخ.
وأشار المتحدثون في النّدوة إلى أن الحواسيب -وإن أصبحت أدوات أساسية في مجالات مثل التأريخ الاقتصادي، والديموغرافيا التاريخية، ومن خلال استخدام نظم المعلومات الجغرافية في الجغرافيا التاريخية- فإن هذه المجالات بقيت محدودة في السياق الكلي لعلم التاريخ، على الأقل بمقارنة بحجم التطور النوعي الذي تمّ في علوم إنسانيّة أخرى، كالاقتصاد وعلم الاجتماع والجغرافيا. وربما يعزى ذلك إلى مركزيّة النصوص في العمل التأريخي. ولكن خلال السنوات القليلة الماضية -كما ذكروا- حدثت تحولات مفصليّة في التقنيات، بحيث انتقلت الحواسيب من كونها مجرّد آلات لطحن الأرقام لتصبح تكنولوجيا معلومات ذكيّة يمكنها توفير كميّة معلومات هائلة من مختلف المصادر: مطبوعات، أو مخطوطات، أو لقى أثريّة، أو نقوش، أو حتى رسوم ولوحات، وتحويلها إلى محتوى نصي رقمي يسهل استدعاؤه ومقابلته مع المصادر الأخرى، ومن أي مكان في العالم، حتى أنّه يمكن الزّعم اليوم بأن غالبية المؤرخين المعاصرين هم بشكل أو بآخر مؤرخون رقميّون.
لكنّ كريستيان غريكو ناشد المؤرخين أن يتذكروا دائماً طبيعة صنعتهم القائمة على التعامل مع مصادر معقدة، وغير كاملة، وغالباً مليئة بالتحيزات والأخطاء، ومن ثمّ تفسيرها بشكل نقدي، وأن ما ينطبق على المصادر التقليديّة ينطبق بشكل أولى على المصادر الرقميّة. ودعا الحكومات والجهات العامّة إلى عدم الاكتفاء بدعم المتاحف والمكتبات كأدوات فعّالة ومهمّة لحفظ التاريخ؛ بل وضرورة أن تتعزز الاستثمارات العامة في ترسيخ التأريخ الرقمي، بعيداً عن الشركات التجاريّة التي لديها دائماً اعتباراتها الخاصة.
ووصف غريكو -من خبرته كعالم مصريّات- الإمكانات الهائلة في التوثيق والحفظ والتحليل التي وفرتها التقنيات الحديثة، بحيث أصبح بمتناول المؤرخ المعني بتلك الحلقة من تاريخ الحضارة الإنسانيّة كميّة غير مسبوقة من النصوص، بما فيها ترجمات ذكيّة لمئات الآلاف من النصوص الهيروغليفية القديمة المتناثرة في متاحف العالم، إلى ما يوجد منها في مصر ذاتها وجوارها.
من جهتها، تحدّثت شيخة الجابري عن الأهميّة الفائقة التي تحملها أدوات التأريخ الرقمي في التجارب العربيّة المحليّة لتوثيق الخبرات التاريخيّة، والفرص التي تطرحها لحفظ ذاكرة الأجيال، ونقلها لليافعين الذين يمتازون بقدرتهم على الاستفادة بشكل فاعل من تلك الأدوات. لكنّها أكدت بدورها ضرورة التزام المؤرخين بالتقييم النّقدي للمصادر الرقميّة بالنهج المعتمد ذاته في تقييم المصادر الأخرى، ووضعها في سياقها كوسيلة لتحقيق غاية وليست غاية في حد ذاتها.
الجدير بالذكر أن ندوة «كتابة التاريخ في العصر الرقمي» أتت ضمن عدد كبير من الفعاليات والندوات الحواريّة حول صناعة المعرفة والنشر والثقافة، على هامش الدّورة الـ41 لمعرض الشارقة الّدولي للكتاب، التي تستمر إلى الـ13 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ويشارك فيها عشرات الكُتَّاب والمفكرين والمبدعين والمؤرخين والفنانين العرب والأجانب.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
TT

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ نجمتين عالميتين تقديراً لمسيرتيهما، هما الأميركية فيولا ديفيس، والهندية بريانكا شوبرا.

واختتم المهرجان عروضه بفيلم «مودي... 3 أيام على حافة الجنون» الذي أخرجه النجم الأميركي جوني ديب، ويروي حكاية الرسام والنحات الإيطالي أميديو موديلياني، خلال خوضه 72 ساعة من الصراع في الحرب العالمية الأولى.

واختير فيلم «الذراري الحمر» للمخرج التونسي لطفي عاشور لجائزة «اليُسر الذهبية» كأفضل فيلم روائي، أما «اليُسر الفضية» لأفضل فيلم طويل، فنالها فيلم «إلى عالم مجهول» للفلسطيني مهدي فليفل، بالإضافة إلى جائزة خاصة من لجنة التحكيم نالها فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور.