جدل «النسوي والذكوري» في مرآة الأدب والنقد

من مي زيادة إلى أهداف سويف

جدل «النسوي والذكوري» في مرآة الأدب والنقد
TT

جدل «النسوي والذكوري» في مرآة الأدب والنقد

جدل «النسوي والذكوري» في مرآة الأدب والنقد

هل وقعت بعض الكاتبات اللاتي يرفعن شعارات نسوية، في فخ العداء المطلق للرجل؟ وهل تبدع بعض الأديبات ضد أنوثتها؟ وهل يختلط الإبداعي بالفكري أحياناً فتتورط هذه المبدعة أو تلك في مشاعر عدم السواء النفسي؟
هكذا تتساءل الباحثة والناقدة الدكتورة عزة بدر في كتابها «الحب في الرواية العربية»، الصادر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، ويتناول التجليات العاطفية في عدد من النصوص، مركِّزاً بالأساس على التلقّي النقدي لإبداعات حواء في القصة والرواية. وتؤكد المؤلفة أن كثيراً من النقاد وقعوا في شَرَك القراءة الذكورية للنص الأدبي؛ بمعنى أنهم يريدون أن تتوافق كتابات المرأة مع أحلام ورغبات الذات الذكورية، فيريدون منها «تأنيث اللغة» التي بها تكتب، وعندما تكتب فلا بد أن يكون ذلك متوافقاً مع الصورة الذهنية التي رسمها لها الناقد الرجل، وأن تكون «مسترجلة» تكتب ضد أنوثتها!
ولكي تدلل المؤلفة على صحة ما ذهبت إليه من اتهامات، تستشهد بعدد من الكتابات النقدية في هذا السياق؛ منها ثناء الناقد الدكتور جابر عصفور على المجموعة القصصية للكاتبة أهداف سويف «زينة الحياة»، حيث يقول إن «هناك حضوراً أنثوياً متعدد الأبعاد في هذه المجموعة، ليس الحضور المباشر المليء بشعارات النزعة النسوية التي تلوكها بعض المنتسبات إليها على سبيل الموضة أو البحث عن الشهرة». تستنتج الباحثة من هذه المقولة أن هذه المجموعة القصصية لأهداف سويف استثناء لا ينفي القاعدة، وهي ذلك الحضور المباشر الزاعق الذي يؤكد الدكتور عصفور وجوده في كتابات المرأة الإبداعية، وهو لا يستثني قصص أهداف سويف من ذلك تماماً، وإنما يعود ويستطرد فيقول: «ما ينقذ كتابة أهداف سويف من هذا الشَّرك في الكثرة الكاثرة من قصص هذه المجموعة أنها لا تصوغ نظرة المرأة إلى عالمها من منطلق آلية دفاعية تستحضر العفريت الذي تريد أن تطرده»، والعفريت الذي يقصده الناقد هنا هو الاحتجاج على الهيمنة الذكورية من خلال تصوير المرأة بوصفها النقيض المطلق لكل ما هو ذكوري.
كما تستشهد الباحثة بناقد آخر هو فاروق عبد القادر، حيث يتهم في كتابه «من أوراق الرفض والقبول» القسم الأكبر من أدب النساء العربيات، وفي الروايات بوجه خاص، بتعميق دائرة العداء الشوفيني المطلق للرجل، فيقول: «إن هناك اتجاهاً في هذا الأدب تقف على رأسه وتُعدّ من أبرز رموزه نوال السعداوي، حيث تدير في ساحة أعمالها الروائية حرب النوع، تشنُّها الابنة ضد أبيها، والزوجة ضد زوجها، والأخت ضد أخيها، والعاملة ضد زميلها ورئيسها، إنها حرب كل النساء ضد كل الرجال، حرب يهجس فيها العبد بقتل سيده مرة واحدة وللأبد، بدلاً من أن يسعى للتحرر الشامل».
ورغم أن «عزيزة» في رواية سلوى بكر «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء» لم تهجس بقتل سيدها فحسب، بل قتلته مرة واحدة وللأبد، دون أن تسعى للتحرر الشامل، ودون أن تعطي فرصة للسيد أن يتحرر من ذاته المستبدّة فقتلته، ودخلت سجن النساء، فإن فاروق عبد القادر يستثني تلك الرواية من دائرة الأعمال الأدبية غير السويّة؛ لأنها لم تجعل الرجل جلاداً طيلة الوقت، وقدّمت بعض النماذج للرجال الطيبين والمثاليين. وهنا تتساءل الباحثة: هل إذا وقعت عين الكاتبة على نموذج فني لرجل ظالم أو شرير تأزمت بسببه حياة امرأة أو عدة نساء، يكون تصويره في كتابتها بمثابة عداء مطلق للرجل؟ أليست هناك كتابات يكمن إنجازها الأدبي في تصوير الشخصيات غير السويّة؟ ألم يستثمر المخرج العالمي ألفريد هيتشكوك النزعة الماسوشية في الشخصيات التي قدّمتها الممثلة الشهيرة إنجريد برجمان، في كتابة شخصيات جسدت هذه الصفات غير السوية؟
وتستشهد المؤلفة أخيراً بالناقد الدكتور عبد الله الغذامي، حيث ترى أنه لم يكتف بإصدار أحكام عامة على أدب المرأة، وإنما يقدم قراءات ذكورية لنصوص أدبية لبعض الكاتبات العربيات المُجيدات، فنراه يقول في كتابه «المرأة واللغة»: «إننا نجد نساء لا يكتبن سوى نصوص ذكورية ذات وجه مذكر وضمير مذكر، وليس للمرأة فيها سوى اسم مؤنث يتوِّج الخطاب الذكوري»، ويستشهد الغذامي بقول مي زيادة وهي تتحدث عن حبيبها: «سأتحول عن نفسي لأفكر فيك، وفي غيابك سأتحول عن الآخرين لأفكر فيك». ويرى الغذامى أنها تتحدث إلى حبيبها بسياق مذكر ولم تستخدم مي سياق المذكر في مخاطبة حبيبها فحسب، بل إنها تخاطب النساء في محفل نسوي بسياق المذكر، كما يقول الغذامي مستشهداً بقولها: «أيتها السيدات، أنا المتكلمة، ولكنكنّ تعلمن أن ما يتفوّه به الفرد فنحسبه نتاج قريحته وابن سوانحه إنما هو في الحقيقة خلاصة شعور الجماعة تتجمهر في نفسه».
وتتساءل الباحثة: «هل من المعقول أن نحاسب مي زيادة على أنها تعتبر المرأة فرداً في مجتمع؟ وهل كان ينبغي أن تستخدم سياقاً مؤنثاً آخر بدلاً من قولها: ما يتفوه به الفرد، ونتاج قريحته؟».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
TT

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)

كشفت دراسة أميركية أن علاجاً مبتكراً للأطفال الذين يعانون من الكوابيس المزمنة أسهم في تقليل عدد الكوابيس وشدّة التوتر الناتج عنها بشكل كبير، وزاد من عدد الليالي التي ينام فيها الأطفال دون استيقاظ.

وأوضح الباحثون من جامعتي أوكلاهوما وتولسا، أن دراستهما تُعد أول تجربة سريرية تختبر فاعلية علاج مخصصٍ للكوابيس لدى الأطفال، ما يمثل خطوة نحو التعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل، وليس مجرد عَرَضٍ لمشكلات نفسية أخرى، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Frontiers in Sleep».

وتُعد الكوابيس عند الأطفال أحلاماً مزعجة تحمل مشاهد مخيفة أو مؤلمة توقظ الطفل من نومه. ورغم أنها مشكلة شائعة، فإنها تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، إذ تُسبب خوفاً من النوم، والأرق، والاستيقاظ المتكرر، وهذه الاضطرابات تنعكس سلباً على المزاج، والسلوك، والأداء الدراسي، وتزيد من مستويات القلق والتوتر.

ورغم أن الكوابيس قد تكون مرتبطة باضطرابات نفسية أو تجارب مؤلمة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، فإنها لا تختفي بالضرورة مع علاج تلك المشكلات، ما يتطلب علاجات موجهة خصيصاً للتعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل.

ويعتمد العلاج الجديد على تعديل تقنيات العلاج المعرفي السلوكي واستراتيجيات الاسترخاء وإدارة التوتر، المستخدمة لدى الكبار الذين يعانون من الأحلام المزعجة، لتناسب الأطفال.

ويتضمّن البرنامج 5 جلسات أسبوعية تفاعلية مصمّمة لتعزيز فهم الأطفال لأهمية النوم الصحي وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تطوير عادات نوم جيدة.

ويشمل العلاج أيضاً تدريب الأطفال على «إعادة كتابة» كوابيسهم وتحويلها إلى قصص إيجابية، ما يقلّل من الخوف ويعزز شعورهم بالسيطرة على أحلامهم.

ويستعين البرنامج بأدوات تعليمية مبتكرة، لتوضيح تأثير قلّة النوم على الأداء العقلي، وأغطية وسائد، وأقلام تُستخدم لكتابة أفكار إيجابية قبل النوم.

وأُجريت التجربة على 46 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً في ولاية أوكلاهوما الأميركية، يعانون من كوابيس مستمرة لمدة لا تقل عن 6 أشهر.

وأظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في عدد الكوابيس ومستوى التوتر الناتج عنها لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج مقارنة بالمجموعة الضابطة. كما أُبلغ عن انخفاض الأفكار الانتحارية المتعلقة بالكوابيس، حيث انخفض عدد الأطفال الذين أظهروا هذه الأفكار بشكل كبير في المجموعة العلاجية.

ووفق الباحثين، فإن «الكوابيس قد تُحاصر الأطفال في دائرة مغلقة من القلق والإرهاق، ما يؤثر سلباً على حياتهم اليومية»، مشيرين إلى أن العلاج الجديد يمكن أن يُحدث تحولاً كبيراً في تحسين جودة حياة الأطفال.

ويأمل الباحثون في إجراء تجارب موسعة تشمل أطفالاً من ثقافات مختلفة، مع دراسة إدراج فحص الكوابيس بوصفها جزءاً من الرعاية الأولية للأطفال، ما يمثل خطوة جديدة في تحسين صحة الأطفال النفسية والجسدية.