«تيك توك»... بين مواجهة «أزمات المحتوى» ومخاوف الرقابة

«تيك توك»... بين مواجهة «أزمات المحتوى» ومخاوف الرقابة
TT

«تيك توك»... بين مواجهة «أزمات المحتوى» ومخاوف الرقابة

«تيك توك»... بين مواجهة «أزمات المحتوى» ومخاوف الرقابة

تزايد الحديث عن بعض «الإشكاليات المهنية» التي يقع فيها التطبيق الصيني «تيك توك». وفي حين تتهم الولايات المتحدة الأميركية التطبيق بـ«استخدام بيانات المستخدمين»، كشف تحقيق استقصائي أجرته شبكة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) عن استحواذ «تيك توك» على «النسبة الأكبر (نحو 70 في المائة) من التبرعات التي يحصل عليها اللاجئون السوريون من خلال خدمات البث المباشر، وذلك من دون علم المتبرعين». يأتي ذلك بالتوازي مع تحذيرات بسبب تحديات المراهقين التي يتبناها التطبيق من دون مراقبة، ما يثير تساؤلات حول إمكانية تدخل الحكومات للحد من الآثار السلبية للتطبيق، وسط محاولات «تيك توك» لمواجهة «أزمات المحتوى» ومخاوف من الرقابة على التطبيق.
في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أبدى بريندان كار، أحد مفوضي لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية، مخاوفه مجدداً بشأن استخدام «تيك توك» بيانات - أو معطيات - المستخدمين «بنمط غير مهني». ووفق وكالة «رويترز» للأنباء شدد كار على أن تلك الممارسات لن تنتهي إلا بـ«الحظر».
فهد عبد الرحمن الدريبي، الخبير السعودي المتخصص في الأمن السيبراني والتقنية، تطرق في لقاء مع «الشرق الأوسط» إلى «تزايد عدد مستخدمي التطبيق الصيني، رغم ما اتهم به من تجاوزات متكررة لها تأثير أمني وسياسي ومجتمعي». ولفت إلى أن «تيك توك» تمكن من تطوير طريقة المقاطع المصورة لجعلها جذابة، فمن خلال الرفع لأعلى تنتقل من مقطع إلى آخر بكل سهولة، ربما لا يلاحظ المستخدم العادي أن هذه الحركة البسيطة ساهمت في جلوسه لوقت أطول في حالة تفاعل مع التطبيق، ومن ثم سهولة التصفح. ثم أشار إلى «مدة المقاطع المصورة التي تتميز بالقصر، بحيث لا يشعر المستخدم بالملل».
أما عن بيانات المستخدمين، فأوضح الدريبي أن «تطبيق تيك توك شديد الذكاء والسرعة في التعاطي مع معلومات المستخدمين»، مضيفاً أنه «طوال فترة تنقل المستخدم بين فيديوهات تيك توك يعمل التطبيق على جمع معلومات تخصه، لا سيما تفضيلاته، فإذا ما أقبل المستخدم على نوع معين من المحتوى، سيلاحظ على الفور ترشيح التطبيق مقاطع مشابهة، وذلك بفضل العمل الدائم على تطوير الخوارزميات، ومن ثم يضمن التطبيق بقاء المستخدم على التطبيق بشكل مستمر».
وحول هذه النقطة بالذات، شدد الخبير السعودي على أن «تيك توك يجمع معلومات المستخدمين بدقة حثيثة». وأردف «لقد حاول يوتيوب اللحاق بتيك توك من خلال تقديم خاصية «شورتس» غير أنها لم تحقق الرواج نفسه... وفي رأيي السبب، هو أن تطوير الخوارزميات التي من شأنها جمع معلومات عن المستخدمين، تستخدم لاحقاً لجذب المستخدم». وتابع أن «نموذج العمل المعمول به في تيك توك يثير الكثير من المخاوف إذا لم تفرض بعض الرقابة على المحتوى بهدف حماية الفئات المختلفة».
في سياق موازٍ، حاولت الشركة الصينية المالكة لـ«تيك توك» أن تحسن صورتها من خلال مساعدة الأسر التي تقيم في المخيمات السورية بخدمة البث المباشر، التي تتيح جمع مساعدات في نمط يطلق عليه «مكافآت» يجري تحويلها بنكياً عن طريق التطبيق لصاحب الحساب». غير أن تحقيقاً أجرته «البي بي سي» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي توصل إلى «تلاعب مادي يقوم به التطبيق باستحواذه على الجزء الأكبر من المكافآت، من دون علم المرسل والمرسل إليه، كما أن هناك انتهاكا لحقوق الطفل متهما به التطبيق على خلفية أن البث المباشر الذي يتيحه للأسر السورية يتطلب منهم البقاء لساعات طويلة أمام شاشة الهاتف».
وأيضاً، في أكتوبر الماضي حذرت وزارة التربية والتعليم في مصر من تحدٍّ على «تيك توك» لقي رواجاً بين المراهقين يدفعهم نحو «كتم الأنفاس» لحين فقدان الوعي. وقبل ذلك لقي 4 مراهقين في نيويورك حتفهم في حادث سير بسبب تحدٍّ آخر يشجع على مشاركة مقاطع فيديو لخطوات عن كيفية سرقة سيارة باستخدام سلك شحن USB فقط ومفك براغي.
وفق رامي المليجي، المستشار المصري في الإعلام الرقمي لعدد من وسائل الإعلام العربية، فإن منصة «تيك توك» حققت «قفزة في عدد ساعات الاستخدام، فحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال وصل عدد ساعات متابعة تيك توك يومياً إلى 197.8 ساعة، ليحتل المركز الثاني بعد يوتيوب مع فارق عمر كلا التطبيقين». وتابع خلال حوار مع «الشرق الأوسط» إن «التطبيق الصيني لم يتمكن على مدار العام الماضي من تحقيق الهدف الذي أعلن عنه مسبقاً بمزيد من الاهتمام، على القيمة والتأثير، بعدما كانت المنصة معنية بالترفيه فحسب». وأرجع ذلك إلى أنه «منذ البداية اقتصر جمهور تيك توك على «جيل زد» (أي الألفية)، ولم ينجح لاحقاً في استقطاب الجيل الأكبر الذي يمكن أن يثري المنصة بمحتوى أكثر جدية».
من ناحية ثانية، يرى المليجي أن «تيك توك توغلت أكثر في مسارات جلبت مزيد من الاختراقات، ومنها خدمة البث المباشر... وكانت اختراقات المنصة الأكثر خطورة، حين سمحت لبعض صناع المحتوى بوصف البث المباشر بأنه موجه لمن هم أكبر من عمر 18 سنة، ما يوحي للمتابعين بأن ثمة محتوى غير مقيد بات متاحاً. كذلك قد يسمح ذلك بتداول محتوى ربما يحمل رسائل عنف وعنصرية... وهذه الممارسات من قبل المنصة انعكاس لمسار الانتشار وليس القيمة». ومن ثم دلل مستشار الإعلام الرقمي المصري على خطورة التطبيق على جيل الألفية، مستشهداً بتقرير «وول ستريت جورنال» المشار إليه سابقاً، والذي نص على أن «ثمة تغييرات تشهدها اللغة بسبب مصطلحات متداولة عبر التطبيق». وأضاف «الآن علينا أن نتابع تيك توك أولاً كي نكون قادرين على التواصل مع جيل زد سواء لغوياً أو اجتماعياً، وهذا يشير إلى حجم التأثير وإحكام السيطرة على الأجيال القادمة».
أما عن إمكانية الرقابة لمواجهة تجاوزات منصات التواصل الاجتماعي، فيرى رامي المليجي أن «البداية تأتي من الجهات المعنية بتنظيم عملية الإعلام. والأمر يستلزم وضع معايير وشروط استخدام لتنظيم المحتوى المنشور عبر المنصة، ثم يصار إلى تحويل المعايير المهنية إلى قوانين تمكن الحكومات من حماية مواطنيها ضد العنف والإباحية وغيرها من المفاهيم المناهضة للأعراف والقيم».
طبعاً، هذا المقترح ربما يثير تخوفات بشأن الحريات، وهذا ما أجاب عنه المليجي بذكر المثال الصيني لـ«تيك توك»، قال إن المنصة الصينية تضم نسختين «الأولى هي المعمول بها في العالم أجمع، بينما ثمة نسخة أخرى صممت خصيصاً للصين، وهذه الأخيرة من شأنها احترام جميع القوانين الصينية المعروفة بإحكامها السيطرة على المستخدمين، وعلى غرار ذلك يحق للحكومات درء أي محتوى من شأنه التعارض مع القوانين والقيم المعمول بها في كل مجتمع حسب ثقافته».


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)

أثار قرار شركة «ميتا» بحذف أكثر من مليونَي حساب على منصات «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب»، خلال الأشهر الماضية، تساؤلات بشأن سياسات الشركة حول حماية بيانات المستخدمين، لا سيما أن القائمين على القرار برّروا الخطوة بأنها جاءت بهدف «مواجهة عمليات الاحتيال الرقمي». ووفق خبراء تحدَّثوا مع «الشرق الأوسط» فإن «الخطوة تعد تطوراً في سياسات (ميتا) لحماية البيانات».

«ميتا» ذكرت، في تقرير صدر نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن السبب وراء حذف الحسابات هو «رصد عمليات احتيال رقمي كانت قد قامت بها تلك الحسابات». ويُعدّ هذا التقرير الأول الذي تكشف من خلاله «ميتا» عن تفاصيل استراتيجيتها للتصدي للأنشطة الاحتيالية العابرة للحدود. وعدّ مراقبون هذه الخطوة تعزيزاً لاتباع سياسة واضحة تجاه أي اختراق لحماية المستخدمين. وكتبت الشركة عبر مدونتها «لا مكان على (فيسبوك) أو (إنستغرام) أو (واتساب) للمجموعات أو الأفراد الذين يروّجون للعنف، والإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو الكراهية».

هيفاء البنا، الصحافية اللبنانية والمدرّبة في الإعلام ومواقع التواصل، رأت في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «ميتا» تعمل على تحديث أدواتها لحماية المستخدمين. وأضافت: «تركز سياسات (ميتا) على الحدِّ من الجريمة المنظمة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) المتطورة، وتعمل هذه التقنيات على تحليل النشاطات المُريبة على المنصات واكتشاف المحتويات المرتبطة بالجريمة المنظمة».

ووفق البنا فإن «(ميتا) تُراجع وتحدّث سياساتها بشكل دوري، كي تتفادى أي تهديدات تلاحق المستخدمين، وكانت الشركة قد أوضحت أن خوادمها الـ(Servers) المنتشرة في الدول يتم تحديثها بشكل دوري؛ لضمان مواكبة أي تغييرات، ولضمان بيئة أكثر أماناً لمستخدمي منصاتها حول العالم».

وأردفت: «التزاماً بلائحة حماية البيانات العامة، تتعامل (ميتا) مع الأشخاص الذين تُحلّل بياناتهم عبر رموز مشفّرة، وليس عبر أسمائهم الحقيقية، ما يضمن الحفاظ على خصوصياتهم»، مشيرة إلى أن حماية بيانات المستخدمين لا تتوقف على «ميتا» فقط.

إذ شدّدت الإعلامية والمدرّبة اللبنانية على تدابير يجب أن يتخذها المستخدم نفسه لحماية بياناته، إذ توصي مثلاً «بتفعيل خاصية (التحقق بخطوتين/ Two-Factor Authentication)؛ لضمان أمان الحسابات، ويمكن أيضاً استخدام تطبيقات مثل (Google Authentication)، التي تولّد رموزاً سرية تُستخدم للدخول والتحقق من هوية المستخدم، وكذا يمكن استخدام خاصية الإبلاغ التي توفّرها (ميتا) بسرية تامة، حيث يصار إلى التعامل مع هذه البلاغات من خلال فرق مختصة أو تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان بيئة آمنة للجميع».

معتز نادي، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، عدّ خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تحرّكات «ميتا» الأخيرة انعكاساً لـ«تفاقم مشكلة الاحتيال عبر الإنترنت وزيادة التهديدات السيبرانية التي تواجه المستخدمين». ورأى أن «تحديات (ميتا)» تصطدم بتطور الاحتيال، وازدياد عدد المستخدمين بما يتجاوز نحو مليارَي مستخدم، وتشديد الرقابة الرقمية التي تضعها في مرمى نيران الانتقادات، خصوصاً مع انتقاد خوارزمياتها الكثير من الأحداث السياسية التي شهدها العالم أخيراً.

وحول جدية «ميتا» في حماية بيانات المستخدمين، قال معتز نادي: «بنظرة إلى المستقبل، سيكون الأمان الرقمي بحاجة إلى مجاراة التطور من حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل على تثقيف المستخدمين عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لمنع أي اختراق لخصوصياتهم».