أزمة الغلاء تُعيد تشكيل عادات المصريين في شراء الملابس

«كسوة الشتاء» تغلب عليها المنتجات المحلية والمستعملة

مصريون في بازار يضم منتجات لصغار المصممين المحليين (بازار فاشون أفينيو)
مصريون في بازار يضم منتجات لصغار المصممين المحليين (بازار فاشون أفينيو)
TT

أزمة الغلاء تُعيد تشكيل عادات المصريين في شراء الملابس

مصريون في بازار يضم منتجات لصغار المصممين المحليين (بازار فاشون أفينيو)
مصريون في بازار يضم منتجات لصغار المصممين المحليين (بازار فاشون أفينيو)

في خضم تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها على جميع القطاعات، يعاني قطاع الملابس في مصر من «ندرة» المنتج المستورد، على خلفية قيود الاستيراد بعد ارتفاع سعر الصرف، وما وُصف بـ«ارتباك» الصناعة المحلية التي بدت «غير جاهزة» لتلبية احتياجات السوق. حتى باتت «كسوة الشتاء»، كما يُطلق عليها المصريون، مثاراً لتساؤلات بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بين منشورات تبحث عن بدائل المستورد في المنتج المحلي، وأخرى تقترح الاتجاه إلى «المستعمل».
يقول محمد غريب، أربعيني وأب لطفلين، إن الأولويات قد تغيرت بعد ارتفاع الأسعار، ويوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه «حتى العام الماضي كان قرار شراء الملابس الجديدة مرهوناً بقدوم الموسم، بينما الآن عكف هو وزوجته على تنقيح ما يصلح من ملابس الأعوام الماضية، وتقييد عملية الشراء بالضروري فقط».
ينتمي محمد إلى الطبقة المتوسطة، راتبه نحو 10 آلاف جنيه مصري، كما تحصل زوجته على 3 آلاف جنيه، لا تمانع دعم أسرتها بها (دخل الأسرة 535 دولاراً أميركياً)، حتى العام الماضي كان يتسوق في المتاجر المستوردة المتوفرة في مصر، بينما هذا العام قد يختلف الأمر قليلاً، ويقول محمد إنه «تعود على شراء ملابس بتوقيع متاجر أميركية وإسبانية، غير أنه خلال الموسم الحالي يرى أن التركي (وهو أقل سعراً) سيكون خياراً أكثر واقعية». وبسؤاله حول مدى إمكان شراء ملابس مصرية أو مستعملة، بدا محمد قلقاً، وردّ قائلاً: «ليس لهذه الدرجة»، مشيراً إلى أن «دوره أن يعبر بأسرته الأزمة الاقتصادية دون تهديد لموقعها الاجتماعي».

اتجهت بعض الاقتراحات على «السوشيال ميديا» إلى المنتج المصري، غير أن ثمة قلقاً بشأن جاهزيته لسوق ضخم مثل مصر؛ حيث يتجاوز تعداد السكان 100 مليون نسمة. من جانبه، يعلق محمود الداعور، الرئيس السابق للشعبة العامة للملابس الجاهزة بالغرفة التجارية، ويقول إن «المنتج المحلي لا يعاني انخفاضاً عددياً في الإنتاج، بينما نشهد تغيراً في النمط الاستهلاكي للمصريين»، ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأزمة الاقتصادية انعكست على السلوك الشرائي للمصريين، وباتت الملابس خارج الأولويات إلا للضرورة، وتفاقمت تداعيات الأزمة بارتفاع سعر الملابس الذي زاد بنسبة 40 في المائة مقارنة بالعام الماضي».
كان البنك المركزي المصري قد اتخذ حزمة قرارات، الأسبوع الماضي، من بينها تحرير سعر الصرف. وإثر ذلك، انخفضت قيمة الجنيه بنحو 22 في المائة مقابل الدولار، ليتخطى الدولار الأميركي حاجز الـ24 جنيهاً مصرياً، تزامن ذلك مع قلق متزايد في الشارع المصري بشأن ارتفاع الأسعار، غير أن الداعور برّأ الزيادة الأخيرة من التسبب في ارتفاع أسعار الملابس الشتوية، وقال إن «ارتفاع الأسعار جاء كتداعيات منطقية لممارسات اقتصادية على مدار عام مضى، فمنذ مطلع العام الحالي شهدت الأجور ارتفاعاً على خلفية قرار حكومي، كذلك ثمة طفرة في تكلفة الكهرباء والمواد الخام، كل هذا ألقى بظلاله على سعر المنتج المحلي». وطرح فرضية مفادها «الاتجاه نحو المحلي هو مسؤولية اجتماعية على المواطن في الوضع الاقتصادي الحالي، لأنه لا ينعكس على الأسعار فحسب، بل ينعكس على تشغيل العمالة المصرية وتعزيز الإنتاج، ما يكون له مردود طويل الأجل على الصناعة المحلية بشكل عام».
«مصائب قوم عند قوم فوائد» أطروحة أطلقتها عايدة زايد، مديرة مركز التصميم والموضة، التابع لوزارة الصناعة، التي رأت في أزمة المستورد «فرصة ذهبية» لصغار المصممين، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تزخر بالمصممين المحترفين، وآن الأوان أن ننتبه لهم». وتردف إن «وزارة التجارة والصناعة المصرية قدمت مبادرة لدمج صغار المصممين في السوق المحلية من خلال 15 شركة ناشئة شملت الملابس والحُلي».
ضيق ذات اليد والقلق بشأن القادم، دفع شيماء عبد المجيد، ثلاثينية وأم لطفلة واحدة، أن تفكر في «الأوت ليت»، وهي منتجات مستوردة ومصرية بها بعض أخطاء التصنيع المحدودة، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر بها مناطق صناعية تقدم ملابس عالية الجودة ربما تكون ملاذاً وسط الضغوط الحالية». مشيرة إلى أن «منطقة الوكالة (سوق مخصصة لبيع الملابس المستعملة) توفر ملابس مستوردة، بعضها مستعمل، أو ستوك بأسعار في متناول اليد»، وتضيف إنها «ذهبت إلى هناك واقتنت قطعاً مميزة». وكان من اللافت قولها إنها «لن تعلن لصديقاتها عن مصدر الملابس خوفاً من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالملابس المستعملة».
قبل سنوات قريبة كانت منطقة «وكالة البلح»، التي تقع على كورنيش النيل، مخصصة للملابس المستعملة، وترسخ في الأذهان أنها منطقة التسوق الخاصة بـ«الغلابة». يقول أحمد مصطفى، أحد تجار وكالة البلح، إن «المستعمل بات منتجاً مستحسناً لدى طبقات اجتماعية متعددة»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «زبائنه الآن من أصحاب الطبقة المتوسطة والميسورة، بينما محدودو الدخل ربما لم يعد بوسعهم شراء المستعمل».
ويوضح مصطفى أنه «على عكس ما يتصور البعض، فإن الملابس المستعملة (البالة) ارتفعت أسعارها خلال العامين الماضيين، إلى حد بات قريباً من الملابس (الستوك)، لأنها بضائع مستوردة يتم شراؤها بالدولار الأميركي». ويقول إن «تجار الوكالة أمام فرصة ذهبية، فمراكز التسوق الكبرى أصبحت مساحات طاردة بسبب الأسعار، في حين تقدم الوكالة منتجاً عالي الجودة بأسعار متوسطة».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


القاهرة ستطلب من منظمة التعاون الإسلامي اعتماد «خطة غزة»

شعار قمة القاهرة حيث عقدت قمة عربية طارئة حول غزة (أ.ب)
شعار قمة القاهرة حيث عقدت قمة عربية طارئة حول غزة (أ.ب)
TT

القاهرة ستطلب من منظمة التعاون الإسلامي اعتماد «خطة غزة»

شعار قمة القاهرة حيث عقدت قمة عربية طارئة حول غزة (أ.ب)
شعار قمة القاهرة حيث عقدت قمة عربية طارئة حول غزة (أ.ب)

أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ليل الثلاثاء في القاهرة حيث عقدت قمة عربية طارئة حول غزة أنّه سيطلب من منظمة التعاون الإسلامي خلال اجتماع وزاري طارئ ستعقده في جدة الجمعة اعتماد خطة إعادة إعمار غزة التي أقرّها لتوّهم القادة العرب.

وقال عبد العاطي خلال مؤتمر صحافي إنّه «في السابع من مارس (آذار) إن شاء الله القادم في جدة سيكون هناك اجتماع طارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي وسنسعى إلى أعتماد هذه الخطة أيضا حتى تكون خطة عربية وخطة إسلامية».