كوريا الجنوبية نقطة ارتكاز جديدة للمقاربة الأميركية في آسيا

تسعى واشنطن لإقامة تحالف استراتيجي يعزز قدرات سيول في صناعة أشباه الموصلات

السفير الأميركي فيليب غولدبرغ يلقي كلمة في مؤتمر تحالف السلام الأميركي - الكوري في سيول أول من أمس (إ.ب.أ)
السفير الأميركي فيليب غولدبرغ يلقي كلمة في مؤتمر تحالف السلام الأميركي - الكوري في سيول أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

كوريا الجنوبية نقطة ارتكاز جديدة للمقاربة الأميركية في آسيا

السفير الأميركي فيليب غولدبرغ يلقي كلمة في مؤتمر تحالف السلام الأميركي - الكوري في سيول أول من أمس (إ.ب.أ)
السفير الأميركي فيليب غولدبرغ يلقي كلمة في مؤتمر تحالف السلام الأميركي - الكوري في سيول أول من أمس (إ.ب.أ)

جرت العادة أن يبدأ الرؤساء الأميركيون جولاتهم الآسيوية بزيارة اليابان، الحليف الرئيسي، ونقطة ارتكاز المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية للولايات المتحدة ومنصتها العسكرية الأساسية في المنطقة؛ لكن الجولة الأخيرة التي قام بها جو بايدن إلى آسيا، في ذروة احتدام الحرب الدائرة في أوكرانيا، كانت كوريا الجنوبية محطتها الأولى؛ حيث حملت دلالات واضحة على أنّ البعد التجاري والاقتصادي بات يوازي البعد العسكري في سياسة الأمن الاستراتيجي الأميركي، وفي سعي واشنطن للحفاظ على موقع الزعامة الدولية المهدد بصعود العملاق الصيني.
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع رسوخ اليقين بأن «العملية العسكرية الخاصة» للقوات الروسية لن تكون تلك النزهة التي خططت لها موسكو؛ بل هي بداية مواجهة طويلة ومفتوحة تعيد تشكيل المعادلات الأمنية الإقليمية والدولية، انصبّ كل الاهتمام الأمني والدفاعي على القارة الأوروبية.
وعلى الرغم من دخول الولايات المتحدة طرفاً أساسياً في هذه المواجهة، بالإنابة والضغط المباشر على حلفائها الغربيين، واصلت واشنطن تكثيف جهودها الاقتصادية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في وقت بقيت فيه تلك المنطقة تتصدر اهتماماتها العسكرية والأمنية الاستراتيجية.
ويبدو واضحاً أنّ التوازن -أو التوفيق- بين الرافعتين الاقتصادية والأمنية، هو هاجس الإدارة الأميركية في مقاربة علاقاتها مع هذه المنطقة التي تزخر بطاقات اقتصادية وتجارية هائلة، والتي تتقاطع فيها مصالح جيوستراتيجية يتعارض بعضها مع الأهداف التي تسعى واشنطن إلى تحقيقها.
ويلاحظ منذ فترة أن التماسك بين مواقف الدول الآسيوية في الدفع باتجاه مزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي، لا يتطابق بالضرورة مع الرؤى الأمنية والدفاعية لهذه الدول. ويتبدّى بوضوح أن التصدّي للعملاق الآسيوي في بحر جنوب الصين يخضع لمعادلة جيوستراتيجية تختلف عن المقاصد الاقتصادية لمعظم دول المنطقة، ما يحتّم على واشنطن موازنة البعدين الاقتصادي والأمني في مقاربة علاقاتها الآسيوية.
ومع إطلاق مبادرة «الإطار الاقتصادي» لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ التي كان بايدن قد أعلنها في جولته الآسيوية الأولى، تسعـى واشنطن لاستعادة الحضور التجاري الذي خسرته منذ قرار الإدارة السابقة الانسحاب من اتفاقية التعاون الاقتصادي لمنطقة المحيط الهادئ التي كانت ترمي إلى خفض الرسوم الجمركية بين البلدان الموقعة حتى إلغائها نهائياً. لكن هذا «الإطار الاقتصادي» ليس اتفاقاً تجارياً، ولا يلحظ خفض الرسوم الجمركية، ولا يفتح أبواب السوق الأميركية أمام البلدان الموقعة عليه، الأمر الذي أثار شكوكاً لدى عدد من الدول الآسيوية، مثل الهند وفيتنام وإندونيسيا وتايلاند والفلبين، قبل أن تنضمّ إليه بجانب أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان وماليزيا ونيوزيلندا وسنغافورة.
ويقوم هذا الإطار على ركائز أربع: التجارة الرقمية، والطاقة النظيفة، وتعزيز قدرة سلاسل الإمدادات على الصمود في وجه الصدمات، ومكافحة الفساد.
لكن يبقى الهاجس الأول في استراتيجية واشنطن الآسيوية المنافسة التكنولوجية مع الصين، لمواجهة التحديات الكبرى، مثل شبكات «5G» والجيل الجديد من أشباه الموصلات.
من هنا، جاء الرهان الأميركي على كوريا الجنوبية كنقطة ارتكاز في مقاربتها الجديدة للعلاقات الآسيوية؛ حيث تسعى لإقامة تحالف استراتيجي يعزز القدرات الكورية على صناعة أشباه الموصلات، انطلاقاً من الريادة الأميركية في التصميم التكنولوجي. ومن المقرر أن تستثمر شركة «سامسونغ» الكورية 17 مليار دولار لبناء مصنع جديد في تكساس، يهدف إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الموقع الذي كانت قد تخلـّت عنه منذ عقود في الصناعات التكنولوجية المتطورة، ويخفّف من اعتمادها على الصين، ويحول دون انقطاع الإمدادات الصناعية الحيوية الذي تسببت فيه جائحة «كوفيد»، ويتفاقم الآن مع الحرب الدائرة في أوكرانيا. يضاف إلى ذلك استثمار آخر مماثل لشركة «هيونداي» في ولاية جورجيا بقيمة عشرة مليارات دولار.
لكن هذا الإطار الاقتصادي الذي تسعى واشنطن ليكون قاعدة الارتكاز لسياستها الأمنية والدفاعية في المنطقة، يقابله أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم وقَّعته 15 دولة آسيوية، بزعامة الصين، من شأنه أن يزيد حجم المبادلات التجارية بينها عن مجموع المبادلات مع الولايات المتحدة وأوروبا. ولا شك في أن هذا ما دفع بكوريا الجنوبية إلى عدم التخلّي عن رهان توطيد علاقاتها الاقتصادية مع الصين، على الرغم من ضغوط واشنطن، والاعتماد على القدرات العسكرية الأميركية في مواجهة تهديدات الجار الشمالي، وهو خيار الدول الآسيوية الأخرى التي لم تكن متحمسة للانضمام إلى الإطار الاقتصادي الذي ترعاه الولايات المتحدة، والتي تفضّل الانضواء تحت مظلة اقتصادية أوسع على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
ومع التحركات الأخيرة للصين في المحيطين الهندي والهادئ، فقدت معادلة النفوذ في المنطقة بعضاً من توازنها. وبعد الاتفاق الأمني الذي وقعته بكين مع جزر سليمان، اتجهت الولايات المتحدة لتفعيل الحوار الأمني الرباعي (كواد) الذي يضمّ إليها أستراليا واليابان والهند، والذي تعوّل عليه الإدارة الأميركية كمنتدى استراتيجي له بُعد اقتصادي واسع في العصر الرقمي. وتعتمد واشنطن في هذا الرهان على الاحتياطي الأسترالي الكبير من المعادن الاستراتيجية، والقدرات التكنولوجية اليابانية، والبنى التحتية الصناعية الهندية للإنتاج الإلكتروني، لتكملة الطاقات الأميركية في السباق الذي تخوضه الولايات المتحدة ضد الصين على الزعامة التكنولوجية، ضمن إطار للتعاون الاستراتيجي.
ويتوقف المراقبون الدبلوماسيون في سيول طويلاً عند الطابع التكنولوجي للرهان الأميركي الجديد في العلاقات مع المنطقة، سعياً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتوجات التكنولوجية المتطورة التي تشكّل عماد التطور الاقتصادي في المرحلة المقبلة، في وقت تسعى فيه إلى اجتذاب القدرات الآسيوية إلى الداخل الأميركي.
كل ذلك يحدث بينما تدخل الحرب في أوكرانيا شهرها التاسع مفتوحة على كل الاحتمالات، بينما يشهد السباق التكنولوجي بداية مرحلة حاسمة تعيد خلط أوراق القدرات التنافسية، وترجّح كفّة القطب الآسيوي في المعادلة الرقمية العالمية التي باتت الركيزة الأساس للتطور الاقتصادي، وللسياسات الأمنية والدفاعية.


مقالات ذات صلة

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الولايات المتحدة​ الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

تواجه المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي كانت تعدّ واحدة من أكثر المؤسّسات احتراماً في البلاد، جدلاً كبيراً يرتبط بشكل خاص بأخلاقيات قضاتها التي سينظر فيها مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء. وتدور جلسة الاستماع، في الوقت الذي وصلت فيه شعبية المحكمة العليا، ذات الغالبية المحافظة، إلى أدنى مستوياتها، إذ يرى 58 في المائة من الأميركيين أنّها تؤدي وظيفتها بشكل سيئ. ونظّمت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، جلسة الاستماع هذه، بعد جدل طال قاضيين محافظَين، قبِل أحدهما وهو كلارنس توماس هبة من رجل أعمال. ورفض رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، المحافظ أيضاً، الإدلاء بشهادته أمام الك

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي قبول دعوة الرئيس جو بايدن للاجتماع (الثلاثاء) المقبل، لمناقشة سقف الدين الأميركي قبل وقوع كارثة اقتصادية وعجز الحكومة الأميركية عن سداد ديونها بحلول بداية يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون اللقاء بين بايدن ومكارثي في التاسع من مايو (أيار) الجاري هو الأول منذ اجتماع فبراير (شباط) الماضي الذي بحث فيه الرجلان سقف الدين دون التوصل إلى توافق. ودعا بايدن إلى لقاء الأسبوع المقبل مع كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز (ديمقراطي م

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

تمكّن تلميذ أميركي يبلغ 13 سنة من إيقاف حافلة مدرسية تقل عشرات التلاميذ بعدما فقد سائقها وعيه. وحصلت الواقعة الأربعاء في ولاية ميشيغان الشمالية، عندما نهض مراهق يدعى ديلون ريفز من مقعده وسيطر على مقود الحافلة بعدما لاحظ أنّ السائق قد أغمي عليه. وتمكّن التلميذ من إيقاف السيارة في منتصف الطريق باستخدامه فرامل اليد، على ما أفاد المسؤول عن المدارس الرسمية في المنطقة روبرت ليفرنوا. وكانت الحافلة تقل نحو 70 تلميذاً من مدرسة «لويس أي كارتر ميدل سكول» في بلدة وارين عندما فقد السائق وعيه، على ما ظهر في مقطع فيديو نشرته السلطات.

يوميات الشرق أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

كشفت دراسة أجريت على البشر، ستعرض خلال أسبوع أمراض الجهاز الهضمي بأميركا، خلال الفترة من 6 إلى 9 مايو (أيار) المقبل، عن إمكانية السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، من خلال علاج يعتمد على النبضات الكهربائية سيعلن عنه للمرة الأولى. وتستخدم هذه الطريقة العلاجية، التي نفذها المركز الطبي بجامعة أمستردام بهولندا، المنظار لإرسال نبضات كهربائية مضبوطة، بهدف إحداث تغييرات في بطانة الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة لمرضى السكري من النوع الثاني، وهو ما يساعد على التوقف عن تناول الإنسولين، والاستمرار في التحكم بنسبة السكر في الدم. وتقول سيلين بوش، الباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير نشره الجمعة الموقع ال

حازم بدر (القاهرة)
آسيا شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

نقلت وكالة الإعلام الروسية الحكومية عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله، اليوم (الجمعة)، إن موسكو تعزز الجاهزية القتالية في قواعدها العسكرية بآسيا الوسطى لمواجهة ما قال إنها جهود أميركية لتعزيز حضورها في المنطقة. وحسب وكالة «رويترز» للأنباء، تملك موسكو قواعد عسكرية في قرغيزستان وطاجيكستان، لكن الوكالة نقلت عن شويغو قوله إن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون إرساء بنية تحتية عسكرية في أنحاء المنطقة، وذلك خلال حديثه في اجتماع لوزراء دفاع «منظمة شنغهاي للتعاون» المقام في الهند. وقال شويغو: «تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها، بذريعة المساعدة في مكافحة الإرهاب، استعادة حضورها العسكري في آسيا الوسطى

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ترمب يعهد للرئيس التنفيذي لشركته «تروث سوشيال» بقيادة المجلس الاستشاري للاستخبارات

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)
TT

ترمب يعهد للرئيس التنفيذي لشركته «تروث سوشيال» بقيادة المجلس الاستشاري للاستخبارات

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

عيّن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، اليوم (السبت)، حليفه ديفين نونيز، وهو مشرّع أميركي سابق يدير الآن منصة ترمب للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»، رئيساً للمجلس الاستشاري للاستخبارات التابع للرئيس.

وقال ترمب في منشور على المنصة إن نونيز، المدافع منذ فترة طويلة عن ترمب، الذي قاد لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي خلال جزء من فترة ولاية ترمب الأولى في البيت الأبيض، سيظل الرئيس التنفيذي لـ«تروث سوشيال» أثناء عمله في اللجنة الاستشارية.

وبصفته رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، زعم نونيز أن مكتب التحقيقات الفيدرالي تآمر ضد ترمب أثناء تحقيقه في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 التي هزم فيها ترمب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

وقال ترمب: «سيعتمد نونيز على خبرته بصفته رئيساً سابقاً للجنة الاستخبارات بمجلس النواب، لتزويدي بتقييمات مستقلة حول مدى فعالية وملاءمة أنشطة مجتمع الاستخبارات الأميركي».

ديفين نونيز (شبكة «سي إن إن» الأميركية)

ووفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء، فالمجلس الاستشاري للاستخبارات الرئاسية هو لجنة تابعة للبيت الأبيض تقدم للرئيس الأميركي تقييمات «مستقلة» لفعالية وكالات الاستخبارات وتخطيطها.