كشفت صحيفة «الوطن» المحلية المقربة من النظام في دمشق عن تسارع في إغلاق الشركات الاقتصادية، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ فمن أصل 79 شركة أُغلقت منذ بداية العام، هناك 50 شركة أُغلقت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أي بنسبة 75 في المائة، بحسب ما صرح به مدير الشركات في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، زين صافي، للصحيفة التي اعتبرت تلك «النسبة كبيرة»، مع الإشارة إلى أنه في المقابل تم تأسيس ما يزيد على مائة شركة في الفترة ذاتها. وكشفت الصحيفة عن رفض أصحاب الشركات المنحلة التصريح للإعلام حول أسباب الإغلاق.
تأتي تلك الأنباء بعد أيام قليلة على عقد دمشق «ملتقى الاستثمار السياحي (2022)»، بهدف ترويج قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 الخاص بتسهيل الاستثمار في المجال السياحي، وبحسب وسائل الإعلام الرسمية، طرح الملتقى مجموعة من الفرص الاستثمارية الجاهزة، كالمجمعات السياحية والفنادق ومنشآت المبيت من الدرجة الممتازة والأولى والثانية، وقد تم أخذ الموافقات اللازمة للبدء بها.
وتُوجَّه للحكومة في دمشق انتقادات حادة، بسبب اهتمامها بالاقتصاد الخدمي والاستثمار السياحي، في بلد تقتصر فيه السياحة على زيارات المغتربين والسياحة الدينية إلى المراقد الشيعية، على حساب الاقتصاد الإنتاجي، الأمر الذي حوَّل الاقتصاد السوري من اقتصاد منتج إلى اقتصاد ريعي خدمي.
واعتبر الخبير الاقتصادي، د. حسن حزوري، القرارات الحكومية لتشجيع الزراعة والصناعة «خجولة جداً مقارنة بالقطاع السياحي»، لافتاً إلى أن معظم رجال الأعمال الذين يخرجون من السوق السورية «ينتمون لقطاع الاقتصاد الحقيقي، كالصناعي والزراعي، أكثر من بقية القطاعات الخدمية، كالسياحة أو التجارة». ورد الأسباب إلى «الإجراءات والقرارات الحكومية المتسرعة وغير المدروسة بشكل صحيح، لمعالجة الوضع الاقتصادي»، التي أدَّت إلى تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، وبالتالي انسحاب فئة ليست بالقليلة من رجال الأعمال من السوق السورية وإغلاق منشآتهم بشكل مؤقت أو دائم، أو عرضها للبيع أو تصفيتها، أو تركها تعمل بطاقتها الإنتاجية الدنيا.
وكان صاحب معمل الإندومي (الوجبة الأرخص في سوريا)، قد أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي، التوقف عن الإنتاج، لكنه، وبضغط من الرئاسة السورية، عاد عن القرار، ليواصل المعمل إنتاجه بأدنى طاقته الإنتاجية. كما أفادت به تقارير إعلامية محلية، الأسبوع الماضي، بإغلاق نحو 25 في المائة من ورش ومنشآت إنتاج الألبان والأجبان، بالتزامن مع تجاوز سعر صرف الدولار عتبة الخمسة آلاف ليرة، واضطراب الأسواق وارتفاع الأسعار وتكاليف الإنتاج.
وتعاني القطاعات الإنتاجية في مناطق النظام من سلة أزمات زاد في حدتها إجراءات الحكومة لكبح التضخّم، منها تقييد حركة السحب من المصارف ونقل الأموال بين المحافظات، وتحديد مبلغ الحوالة بسقف المليون ليرة للشخص الواحد، فيمكن أن يستغرق تحويل أربعة ملايين ليرة (أقل من ألف دولار) من دمشق إلى حلب أربعة أيام.
كما تمنع الإجراءات نقل الشخص الواحد لأكثر من خمسة ملايين في سيارته الخاصة، ناهيك بتعقيدات منح إجازات الاستيراد وتأخر التمويل وحصره بشركة صرافة واحدة معتمدة، وقانون تجريم التعامل بغير الليرة.
وذلك بالإضافة إلى ملاحقة جباة الضرائب والجمارك، وإتاوات الحواجز وارتفاع أجور النقل... إلخ من نفقات تضاف إلى تكاليف الإنتاج، وبالتالي سعر السلعة قبل وصولها إلى السوق في بلد بلغت فيه نسبة الفقر 90 في المائة من عدد السكان، بحسب تقارير أممية.
البيئة الخانقة للإنتاج والاستثمار في سوريا، عززتها العقوبات الاقتصادية الغربية و«قانون قيصر»، الأمر الذي أدى إلى موجة هجرة كبيرة خلال السنتين الماضيتين للصناعيين ورجال الأعمال، إضافة للعمال والحرفيين، في استنزاف غير مسبوق للاقتصاد السوري. هذا مقابل غياب خطط حكومية لوقف النزف الخطر للموارد البشرية التي تفوق في خسارتها خسارة الموارد الطبيعية، فالافتقار إلى الأيدي العاملة أدى إلى وقف خطوط إنتاج كاملة في كثير من الشركات الصناعية والزراعية.
تسارع إغلاق الشركات الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام السوري
تسارع إغلاق الشركات الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام السوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة