طهران تتهم واشنطن باستغلال الاحتجاجات لانتزاع تنازلات في الملف النووي

رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي في مؤتمر بمقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي في مؤتمر بمقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

طهران تتهم واشنطن باستغلال الاحتجاجات لانتزاع تنازلات في الملف النووي

رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي في مؤتمر بمقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي في مؤتمر بمقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي (أ.ف.ب)

اعتبر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، يوم السبت، أن الولايات المتحدة تضغط على بلاده بدعم الاحتجاجات في أعقاب وفاة مهسا أميني؛ لانتزاع تنازلات في الملف النووي، مؤكداً أن بلاده لا تزال تتلقى رسائل أميركية بشأن المباحثات النووية.
وقال عبد اللهيان: «يواصل الأميركيون تبادل الرسائل معنا، إلا أنهم يحاولون إذكاء نيران ما يحصل هذه الأيام في إيران»، وذلك في تصريحات خلال زيارة يقوم بها لأرمينيا، وزعتها الوزارة في طهران.
وتابع وزير الخارجية الإيراني: «أعتقد أنهم يتطلعون إلى ممارسة ضغوط سياسية ونفسية، ويريدون كسب التنازلات في المفاوضات»، مشدداً على أن طهران «لن تقدّم أي تنازلات للجانب الأميركي. نتحرك في إطار المنطق وإطار الاتفاق الذي يحترم الخطوط الحمر» لإيران. وأشار عبد اللهيان إلى «تناقضات بين كلام الأميركيين وسلوكهم»، مشدداً على أن «تقييمنا من رسالة الجانب الأميركي أن التوصل إلى اتفاق هو من أولوياتهم، وهم مستعجلون لذلك».
وأضاف أن طهران طلبت إنهاء تحقيق الوكالة الدولية رداً على رسالة أميركية جديدة لإبرام الاتفاق.
- التصريحات الأميركية
وأتت تصريحات وزير الخارجية الإيراني بعد أيام من تصريحات أميركية تستبعد إحياء الاتفاق النووي في مدى منظور.
وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، قال في 13 أكتوبر (تشرين الأول) إن الرئيس جو بايدن «لا يزال يعتقد بأن النهج الدبلوماسي هو الأفضل» في الملف النووي الإيراني، مضيفاً: «لكننا لسنا قريبين من ضمان تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة».
وأكد أن تركيز واشنطن ينصب حالياً على «محاسبة» السلطات على تعاملها مع «المتظاهرين الأبرياء».
ومنذ العام الماضي، أجرت طهران والقوى الكبرى مباحثات، بتنسيق من الاتحاد الأوروبي ومشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والذي انسحبت الولايات المتحدة منه في 2018.
وتعثرت المباحثات مطلع سبتمبر (أيلول)، بعدما اعتبرت الأطراف الغربية أن الرد الإيراني على مسودة تفاهم طرحها الاتحاد الأوروبي كان «غير بنّاء».
وتراجع التركيز على الملف النووي في العلن منذ اندلعت في إيران احتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر، بعد ثلاثة أيام من توقيفها من قبل «شرطة الأخلاق» على خلفية عدم التزامها القواعد الصارمة للباس.
ودعمت دول غربية عدة هذه الاحتجاجات، وفرضت عقوبات على طهران بسبب «قمع» السلطات لها.
من جهتها، تتهم طهران «أعداء»، تتقدمهم الولايات المتحدة، بالضلوع في الاحتجاجات التي تشهدها إيران.
- إضرابات جديدة
في غضون ذلك، نفّذ تجار وعمّال في عدّة مدن إيرانية إضراباً، السبت، في إطار الاحتجاجات التي اندلعت قبل أكثر من شهر إثر وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد توقيفها.
وأدت حملة قمع الاحتجاجات، التي تعدّ الأوسع منذ الاحتجاجات التي شهدتها إيران في عام 2019 على ارتفاع أسعار الوقود، إلى مقتل 122 شخصاً على الأقل من بينهم أطفال، وفق منظمة حقوق الإنسان في إيران التي تتخذ في أوسلو مقرّاً. وتتقدم الشابات الإيرانيات الحركة الاحتجاجية، من دون أن يضع عدد كبير منهن الحجاب، ويردّدن هتافات مناهضة للسلطة، كما يتواجهن مع القوات الأمنية.
ودعا ناشطون إلى تظاهرات جديدة يوم السبت، وهو اليوم الأول من الأسبوع في إيران، لكن من الصعب تقييم حجم هذه التحرّكات بسبب القيود التي تفرضها السلطات على الوصول إلى الإنترنت.وقالت الناشطة أتينا دائمي، في رسالة عبر «تويتر» مرفقة بصورة امرأة من دون حجاب ترفع قبضتها، «سنكون معاً من أجل الحرية».
ووفق قناة «1500 تصوير»، فقد «نُفّذت إضرابات في مدن من بينها سنندج وبوكان وسقز»، وهذه الأخيرة مسقط رأس مهسا أميني.
وأشارت منظمة «هينغاو» الحقوقية إلى إضراب للتجار في بوكان، شمال شرقي إيران، وسنندج وسقز في الشمال الغربي، وأيضاً في مريوان في الغرب.
وأعلنت «مؤسسة جورج كلوني» أنها تدعم المتظاهرين، فيما قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي: «لن نتوقف... ولدينا ضباط وجنود لإجهاض العقوبات والالتفاف عليها». كما قال نائب الشؤون الأمنية لوزير الداخلية إن «الاحتجاجات في مراحلها الأخيرة».
وأعلن أيضاً قائد «منظمة الدفاع السلبي» أن تطبيقي «واتساب» و«إنستغرام» يشكلان تهديداً أمنياً على إيران. أما القضاء، فقد قام برفع دعوى ضد الولايات المتحدة لـ«دورها المباشر» في الاحتجاجات.
- قمع منهجي
وفي أماكن أخرى في إيران، صفّق عشرات الطلاب وهتفوا خلال تظاهرة في جامعة شهيد بهشتي في طهران، حسبما أظهر مقطع فيديو نشرته قناة «1500 تصوير» على «تويتر» يوم السبت.
وتجمّع عشرات العمّال أمام مصنع شوكولا في مدينة تبريز عاصمة إقليم أذربيجان شرقاً، وفق مقاطع فيديو أخرى، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».
وفي هذه الأثناء، دعت إحدى نقابات المعلّمين إلى إضراب وطني في البلاد ليومي الأحد والاثنين للتنديد بحملة القمع التي أودت بحياة 23 طفلاً على الأقل، وفق منظمة العفو الدولية.
كما قالت لجنة متابعة أوضاع المعتقلين إنه تم اعتقال أكثر من 300 طفل في 38 يوماً من الاحتجاجات على مستوى البلاد.
وقال المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين الإيرانيين، في بيان، إن «الاعتصام» سيكون رداً على «القمع المنهجي» الذي تمارسه القوات الأمنية في المدارس. وعدّد أسماء أربعة مراهقين قال إنهم قُتلوا خلال حملة القمع، وهم نيكا شاهكرامي، وسارينا إسماعيل زاده، وأبو الفضل أدين زاده، وأسرا بناهي. كذلك أشار إلى توقيف عدد كبير من المعلّمين. وقال المجلس التنسيقي «المعلّمون الإيرانيون لن يتسامحوا مع هذا الاستبداد»، مجدِّداً دعمه لحركة الاحتجاج. واتهم ناشطون السلطات الإيرانية بشن حملة اعتقالات جماعية وحظر سفر، وتضمّ القائمة رياضيين وصحافيين ومحامين ومشاهير.
- عدوان إيران
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قد أكد أن الولايات المتحدة والدول الحليفة معها لا تزال «مصممة على ألا تمتلك إيران أبداً» أي سلاح نووي، مستبعداً العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي لعام 2015.
وأضاف بلينكن أنه بالعودة إلى الاتفاق أو من دونه «سنواصل اتخاذ كل خطوة ضرورية» للتعامل مع «عدوان إيران، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو خارجه»، بما في ذلك عبر توفير الطائرات المسيرة لروسيا لمساعدتها على «مواصلة عدوانها ضد الشعب الأوكراني».
ودان المجتمع الدولي حملة قمع الاحتجاجات، بينما فرض عدد من الدول، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، عقوبات على قيادات وكيانات إيرانية.
ورفضت عائلة مهسا أميني التقرير الطبي الرسمي الذي يقول إنّها توفيت لإصابتها بمرض مزمن وليس نتيجة تعرّضها للضرب.


مقالات ذات صلة

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

شؤون إقليمية «الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التقارير بشأن إعادة وضع كاميرات مراقبة في إيران، في سياق الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية. وقال فريدريك دال، المتحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أمس، إن «العمل جار» دون تحديد عدد الكاميرات أو المواقع التي وصلتها الوكالة الدولية. وأفادت «جمعية الحد من التسلح» التي تراقب امتثال لدول لمعاهدة حظر الانتشار النووي ومقرها واشنطن، بأن الوكالة الدولية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض منشآت إيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي في طهران بداية مارس

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أفادت «جمعية الحد من التسلح» بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض المنشآت النووية الإيرانية بموجب الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة رافائيل غروسي، وإيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي طهران في بداية مارس (آذار) إلى اتفاق مع المسؤولين الإيرانيين بشأن إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في مواقع نووية عدة وزيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو. وتسبب الاتفاق في تفادي مجلس محافظي التابع للوكالة الدولية إصداراً جديداً يدين طهران بسبب عدم تجاوبها مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصوصاً تلك المتعقلة بالتحقيق في ثلاثة مواقع سرية، عثر فيها على آثا

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

بعد نحو 5 أشهر على إعدام علي رضا أكبري، النائب السابق لوزير الدفاع الإيراني، على خلفية اتهامه بالتجسس لصالح بريطانيا، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر إسرائيلية وإيرانية أن المسؤول السابق «كان جاسوساً غير متوقع» بسبب ولائه الشديد للنظام، لكنه لعب دوراً رئيسياً في الكشف عن منشأة فوردو التي ضمت أنشطة سرية لإيران قبل أن تعترف طهران بوجود موقع تخصيب اليورانيوم الواقع تحت الأرض في عام 2009. وأعدم أكبري (62 عاماً)، الذي يحمل الجنسية البريطانية، فجر 14 يناير (كانون الثاني)، بعد ثلاثة أيام من تسريب قضية اعتقاله لوسائل الإعلام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس من ضياع فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وحمّل الغرب مسؤولية تعثر المفاوضات. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي في نيويورك أمس: «سيكون من الخطأ الفادح تفويت فرصة استئناف خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج إيران النووي»، وحمّل «تصرفات الغرب» المسؤولية إذ قال «في هذه المرحلة، لا يعتمد استئناف الاتفاق، على إيران أو روسيا أو الصين... الذين دمروه يجب عليهم إعادته إلى الحياة الآن». وانتقد لافروف «متطلبات جديدة لم يتم ذكرها في المسودة الأولى للاتفاق». وأضاف «لنفترض أنه تم التوصل إلى اتفاق لاستئنافه منذ فترة طويلة.

شؤون إقليمية عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

أعلن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان، أمس أن بلاده تلقت أفكاراً بشأن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 عن إيران، معرباً عن امتنانه للدور البناء لسلطان عمان ونواياه الصادقة في هذا الصدد. وفي اليوم الثاني لزيارته إلى عمان التي اختتمها أمس متوجهاً إلى بيروت، قال عبداللهيان عقب لقائه مع نظيره العماني إن مسقط «تلعب دائماً دوراً بناء» في محادثات النووية، وأضاف «قد أجرينا المشاورات اللازمة في هذا الصدد». وفي وقت لاحق، نقلت وكالة الأنباء العمانية عن عبداللهيان القول إن سلطنة عُمان لديها «مبادرات جدية» فيما يخص الملف النووي الإيراني «ستسهم» في عودة المفاوضات. وذكرت وزارة الخارجية العما

ميرزا الخويلدي (مسقط)

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.