سيرة الفنانة اليابانية بوثائقي تعرضه «نتفليكس»

«ليزا، يوم عظيم آخر»... قوة تقبل النفس

فنانة اليابان ليزا أنقذت نفسها بالموسيقى
فنانة اليابان ليزا أنقذت نفسها بالموسيقى
TT

سيرة الفنانة اليابانية بوثائقي تعرضه «نتفليكس»

فنانة اليابان ليزا أنقذت نفسها بالموسيقى
فنانة اليابان ليزا أنقذت نفسها بالموسيقى

ليزا، مغنية يابانية خسرت أشياء تعنيها منذ الطفولة. أدركت ذلك وراجعت الماضي، فتأكدت مما جعلته يقينها: «لم تبقَ لي سوى الموسيقى»، فحاولت ألا تخسرها لتربح سعادتها. «ليزا، يوم عظيم آخر» (LiSA Another Great Day)، وثائقي تعرضه «نتفليكس»، يعبُر فوق عشر سنوات من مسيرتها. لم تصبح على ما هي عليه إلا بعد اتخاذها القرار الشاق: «لن أكذب على نفسي وسأؤمن بها. تحدث الأمور الحسنة حين يصدق المرء داخله، كما يصدق طفل كلام أمه».
نحو ساعة ونصف ساعة من الإيمان بالأيام العظيمة الآتية. يوم انهمكت الصحافة بأخبار تتعلق بحياتها العائلية، وقفت على المسرح تقدم للجمهور لحظة مصارحة. صفق الناس لجرأة شابة تواجه مشاكلها الشخصية من دون مواربة. توجهت للحشد:
«كل يوم في جميع أنحاء العالم، يتعرض البشر لمواقف صعبة (...) على هذا المسرح تأكدتُ بأن لدي مكاناً أستطيع العودة إليه لأجد أن الناس في انتظاري».
لذا، قررت المضي قدماً. عثرات ليزا ولدها شعورٌ باتساع نقاط ضعفها. ويوم أدركت التفاف الأحبة حولها ودعم المُصرين على نجوميتها، تيقنت من أن النظر إلى الأمام، وإن لم يوصلها إلى حل سحري، فقد يساعدها على شفاء كثير من الجراح.
سيرة فنانة من اليابان رأت في «العيش بصدق» مقدمة لبلوغ نقطة تحول طال انتظارها. ارتمت بين معضلتين: السعادة الممكن تحققها، والرضا المستحيل. وظلت في الوسط بين كباشهما. لم تكن تسعى لتصبح مغنية «إنيمي»، إنما عزمت ألا تفلت الفرص من يدها. تصميمها رسم مصيرها.
كانت مجرد طفلة سليطة اللسان قادمة من الريف. أحبت الغناء فباغتها بالخيبات. استدلت بحدسها على حقيقة أكيدة: نهاية الشيء لا تعني نهاية الحياة. يسهل انهمار الدمع من عينَي ليزا، فتتقاطع في الذرف مع أمها المرهفة. تظهر مرات وهي تبكي خلال غنائها، فتُبلل بدمعة تأثر روح الفن العظيمة. الفيلم هو السنوات العشر من البداية إلى الشهرة، وما ينتظر الاكتمال ليتحقق. سيرة تضخ متابعها بقشعريرة إلهام تسري في البدن، لتحرضه على الثقة بالخطوة مهما تراءى الدرب طويلاً.
وضعت أمامها حلم الغناء في «طوكيو دوم». خلال أدائها أغنية «كاتش ذي مومنت»، شجع الجميع أهدافها وقرروا ضمان إقامتها حفلاً في كوهاكو. لم تعانقها الأضواء إلا بعدما لمست عتمة ليزا التي تعيش في داخلها. دربتها الخيبة على القوة، والإحباط على الاندفاع نحو صناعة الأشياء بحرارة. بالموسيقى أُنقذت.
وطدت الصلة مع الآخرين من خلال ما تقدمه وما يمنحهم السعادة، فصاغت معادلتها: «إذا مُنحتُ فرصة القيام بشيء يجعلهم يستمتعون، فسأبذل جهدي من أجل ذلك». تظهر أمها في الشريط كقائدة وملهمة. الأجيال الثلاثة، الجدة والأم والحفيدة، يجلسن على الأرض مع كلب المنزل الوفي. جدتها التي تُردد من أقوالها أن «الأشجار تتمايل، أتساءل عما ينمو خلال الربيع»، لا تزال حية؛ وفنانة اليابان تحتفظ بوصيتها. ما يظهر حميمياً هي العلاقة بالأم وأثرها في إهداء جناحيها للسماء.
أنجبتها وهي في الحادية والعشرين، وانفصلت عن والدها بعد ست سنوات. علمت ليزا أنها تعمل ولا تملك وقتاً للراحة. وعلمت أيضاً أنها تبكي أحياناً تحت دوش الاستحمام لشعورها بالإرهاق من الكفاح للبقاء. في غابة اعتادت الأم على الاختلاء بنفسها بين أشجارها العالية، راحت الابنة تسير بين الأوراق والظلال. «أستطيع التجول إلى الأبد»، تقول مَن شاءت الاعتماد على نفسها لتصبح شخصاً مسؤولاً بأقصى سرعة.
يرتطم المطر بشباك سيارة تقود ليسا في شارع بجانب جمال الطبيعة، فتتذكر موقفاً يؤكد الأمومة البديعة. كانت لا تزال في المدرسة، حين رفضت الإدارة تسجيل اسمها في رحلة ميدانية بذريعة أنها لا تتردد لتلقي الدروس بانتظام. صرخت الأم في وجه الرافضين: «آمنوا بها من فضلكم!». رنت العبارة في بالها، وهي تكبُر وتواجه، فتقع وتنهض. رافقها في تقلباتها شعور الأم النبيل بالانحياز إليها. حين اختارت طريقها، اتخذتها ملاكها.
جميلٌ جعلُها الموسيقى أملَها المتبقي لمنحها إرادة العيش. لمحت في وجهتها الجديدة طريقين: السفر إلى خارج اليابان والبداية من الصفر، أو الذهاب إلى طوكيو لاغتنام الفرص. اختارت المدينة، وراح الحديث عن المخاوف يتبدد للارتقاء برفع شأن الإصرار والأمل.
لم يخطئ يقينها بأن «الحياة وحيدة للغاية»، لذا تصبح مرهفة حيال دفء الأصدقاء ولطف البشر. يشمل الشريط مرحلة «كوفيد - 19»، حين فرغ جدول أعمالها وانقض القلق. كان قرارها أن تتعلم وتمنح صوتها دروساً إضافية. عادت تلميذة «من الصفر».
تصطحب معها أشياء قيمة تختزل حضارة بلادها وهي تجول في الخارج: الألحان اليابانية، الـ«إنيمي» الذي يستمتع به اليابانيون... تدرك أن ثمة شيئاً في اليابان يستطيع الآخرون الاحتفال به وإن اختلفت الثقافات.
لازمتها الحاجة إلى تكثيف العطاء بأي ثمن، برغم كوابيس طاردتها عن فقدان صوتها ومغادرة الناس المسرح. العبرة من المشاهدة ساطعة منذ البداية إلى النهاية: قد لا يستطيع المرء قتل جميع نقاط ضعفه، لكنه يجب أن يتقبل نفسه.


مقالات ذات صلة

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهم مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهم مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما، طريقة موحدة لتأليف موسيقاه المتنوعة، وهي البحث في تفاصيل الموضوعات التي يتصدى لها، للخروج بثيمات موسيقية مميزة. ويعتز خرما بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، التي تم افتتاحها في القاهرة أخيراً، حيث عُزفت مقطوعاته الموسيقية في حفل افتتاح البطولة. وكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في بطولة العالم للجمباز، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13»، الذي يجري عرضه حالياً في دور العرض المصرية. وقال خرما إنه يشعر بـ«الفخر» لاختياره لتمثيل مصر بتقديم موسيقى حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز التي تشارك فيها 40 دولة من قارات

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق للمرة الأولى... تسجيل مراسم تتويج الملك البريطاني في ألبوم

للمرة الأولى... تسجيل مراسم تتويج الملك البريطاني في ألبوم

تعتزم شركة تسجيلات بريطانية إصدار حفل تتويج ملك بريطانيا، الملك تشارلز الشهر المقبل، في صورة ألبوم، لتصبح المرة الأولى التي يتاح فيها تسجيلٌ لهذه المراسم التاريخية للجمهور في أنحاء العالم، وفقاً لوكالة «رويترز». وقالت شركة التسجيلات «ديكا ريكوردز»، في بيان اليوم (الجمعة)، إنها ستسجل المراسم المقرر إقامتها يوم السادس من مايو (أيار) في كنيسة وستمنستر، وأيضاً المقطوعات الموسيقية التي ستسبق التتويج، تحت عنوان «الألبوم الرسمي للتتويج»، وسيكون الألبوم متاحاً للبث على الإنترنت والتحميل في اليوم نفسه. وستصدر نسخة من الألبوم في الأسواق يوم 15 مايو.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مزاد في سبتمبر على 1500 قطعة عائدة إلى المغني الراحل فريدي ميركوري

مزاد في سبتمبر على 1500 قطعة عائدة إلى المغني الراحل فريدي ميركوري

تُطرح للبيع في مزاد يقام في لندن خلال سبتمبر (أيلول) المقبل نحو 1500 قطعة عائدة إلى مغني فرقة «كوين» البريطانية الراحل فريدي ميركوري، من بينها أزياء ارتداها خلال حفلاته ومخطوطات لنصوص أغنيات، وكذلك لوحات لماتيس وبيكاسو، كما أعلنت دار «سوذبيز» اليوم الأربعاء. وستقام قبل المزاد معارض لأبرز هذه القطع في نيويورك ولوس أنجليس وهونغ كونغ في يونيو (حزيران)، ثم في لندن من 4 أغسطس (آب) إلى 5 سبتمبر (أيلول). ومن بين القطع التي يشملها المزاد تاج مستوحى من ذلك الذي يضعه ملوك بريطانيا في احتفالات تتويجهم، ورداء من الفرو الصناعي والمخمل الأحمر. وارتبطت هاتان القطعتان بصورة الفنان البريطاني الذي حقق شعبية واس

«الشرق الأوسط» (لندن)

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.